^^^ها هو ذا يقف قبالة منزلي، يطلب يدي من والدي، وقد طالما تمنيت لو أنني لم أكذب عليه طيلة تلك المدة. أيّ قلبٍ يحتمل هذا الخوف؟ كيف أواجهه؟ ما إن يراني حتى يرى الفرق الشاسع بيني وبينه في العمر، حينها سيفقد ما تبقّى من ثقته بي، بل لعلّه يُقدِم على إلغاء الخطبة في لحظة وجيزة. ربّاه… ماذا فعلتُ بنفسي؟ لم يخطر لي قط أنه سيُقدم على هذه الخطوة ويأتي، هكذا فجأة، بكامل هيبته وتوقعاته!^^^
^^^كانت واقفة عند النافذة، ترقب تلك السيارات الفارهة التي أخذت تتوالى واحدة تلو الأخرى، حتى توقفت تلك السوداء أمام باب الدار، وهناك انفرطت نبضات قلبها حتى عجزت عن عدّها، كأنّها فقدت السيطرة على الزمن ونفسها.^^^
^^^خرج من السيارة ذاك الأنيق، ببشرته الحنطية، وقامته الطويلة المتينة، عريض المنكبين، يرتدي طقماً أسود بدا فيه كأميرٍ هبط من علياء الخيال، يتدلّى شعره إلى أذنيه، ونصفه مربوط بخيطٍ صغير، كأنّه من زمن آخر، يفيض وسامة واتزانًا.^^^
^^^لكن عقلها لم يُنقّب في أي شيء سوى مظهرها البائس، فهي قد نهضت لتوّها من النوم، وشعرها في فوضى عارمة، ووجهها شاحب، مجهد، وعيناها نصف مغمضتين كأنّها لم تستيقظ بعد.^^^
^^^وفجأة، قطع اسمُه المتداول بين الأفواه حبل أفكارها، أسرعت نحو النافذة، ففتحَتها تتلهف لرؤيته، ولم تخطئه، فهو يتحدث إلى ابن عمه، شريكه في السكن القريب من دكّان عمله.^^^
^^^كان التوتر يمزّق صدرها، يكاد يخنقها، وكل ما راودها في تلك اللحظة هو احتمال أن يكتشف كذبها… أن ينهار كل شيء بسبب خدعة صغيرة تراكمت حتى تحولت إلى جدارٍ شاهق لا يُمكن تجاوزه.^^^
^^^وهناك، وسط عصف الفوضى في ذهنها، وُلِدت فكرة شيطانية…^^^
^^^أسرعت إلى الحمّام، تناولت سطل الماء المهمل في الركن، وصرخت به وهي تملؤه:^^^
^^^– هيا! هيا! امتلئ بسرعة، أرجوك!^^^
^^^ما إن امتلأ حتى وضعته على حافة النافذة، استجمعت كل ما تبقّى من أعصابها، ثم قلبته دفعة واحدة، فاندفع الماء كموجةٍ جامحة نزلت عليه كالشلال.^^^
^^^وبلمح البصر، أغلقت النافذة، وانسحبت إلى داخل غرفتها، ثم أغلقت باب الحمام خلفها بإحكام كأنّها تحتمي من خطيئة كادت أن تبتلعها.^^^
^^^في الخارج، كان “أوسيد” واقفًا، متجمّدًا من شدة الصدمة، ينظر حوله والبلل يقطر من ثيابه الأنيقة.^^^
^^^اقترب صديقه “إيلاس” وهمس:^^^
^^^– تعال، غيّر ثيابك، لقد أعددت ملابس بديلة.^^^
^^^لكن أوسيد دفع يده، وصرخ بغضبٍ مكتوم:^^^
^^^– تبّاً! من هذا الذي تجرّأ على رمي الماء عليّ؟!^^^
^^^ثم رفع رأسه نحو النافذة المغلقة، وضاقت عيناه بحدّة، وقال بنبرة شيطانية خبيثة:^^^
^^^– كيال… تبًّا لكِ!^^^
^^^ثم استدار بغضب، وركب سيارته، وما لبث أن تبعه الباقون واحدًا تلو الآخر. انطلقوا جميعًا، تاركين خلفهم صدمةً معلّقة، وخيبة ما زالت تتشكّل.^^^
^^^في الداخل، خرجت كيال من الحمّام حين سمعت هدير السيارات يتلاشى، هرعت نحو النافذة، ورأتهم يغادرون.^^^
^^^نجحت خطّتها، نعم، مؤقّتًا… لكن، هل ستنجو من تبعات الغد؟^^^
^^^ألقت بنفسها على سريرها، تتنفس براحة، وكأنّها أفلتت من حكمٍ بالإعدام.^^^
^^^أخذت هاتفها المحمول، أزالت الحظر عنه، ثم كتبت له رسالةً قصيرة، كمن يحاول أن يصفع آخر ما تبقّى من علاقة:^^^
^^^“إن كنتَ تظنّ نفسك قد نجوت من العلاقات، فاعلم أنني لن أرحمك لاختيارك لي.^^^
^^^لا تأتِ مرةً أخرى،^^^
^^^أنا أرفضك!”^^^
^^^فتح هاتفه حين سمع تلك النغمة… نعم، هي. لم يخطئها، فقد خصّص لها نغمة مختلفة، كأنها رمز سرّي بينه وبين قلبه. سحب الهاتف من جيبه، قطرة ماء سالت من أطراف شعره المبتل وسقطت على شاشته، لكنه لم يبالِ. قرأ الرسالة ببطء، وكأنّه يتذوّق غضبها، يشمّ رائحة التحدي بين حروفها.^^^
^^^ابتسم… تلك الابتسامة الجانبية التي لا تظهر إلا حين يُستفَزّ، وحين يُثار الجزء منه الذي لا يرحم.^^^
^^^ثم مرر أنامله على الشاشة، وبدأ يكتب، بينما قطرات الماء الصغيرة تنزل على جبينه من خصلات شعره المغسول:^^^
^^^“لم تري شيئًا بعد.^^^
^^^إن كنتِ تظنين أنني سأخاف من طفلة لم تبلغ سنها القانوني حتى… فأنتِ قد ارتكبتِ أكبر خطأ على الإطلاق.^^^
^^^لن أعود من أجل خطبتك.^^^
^^^بل سأعود لأربّيك!”^^^
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon