NovelToon NovelToon

الحياة مليئة بالدموع

...

الفصل الأول – خطيئة تم ولادتها

لم تبكِ كثيرًا عندما خرجت إلى هذا العالم، كأنها كانت تعرف منذ لحظتها الأولى أن الصراخ لا يُنقذ أحدًا.

وُلدت في غرفة باردة، وسط عيون متعبة وصمت ثقيل. لم يُمسك بها والدها، لم يقترب حتى. كانت أمهما تصرخ في وجهه، وكان يرد عليها كعادته، بنفس الغضب، بنفس البرود.

في اليوم الثاني فقط من عمرها، طُلّقت أمها.

هكذا ببساطة.

كُتبت بداية حياتها بقرار لم يُستشر فيه قلبها. لم تكن تعرف بعد أن اسمها سيصير مع الوقت مجرد ورقة تنتقل بين يدين متخاصمتين، بين أمّ نصف مكسورة، وأب لا يُجيد شيئًا سوى التهديد.

عاشت الطفلة مع أمها ثلاث سنوات. لم تفهم الكثير، لكنها كانت تعرف أن حضن أمها هو الشيء الوحيد الذي يمنحها الدفء، حتى وإن كان ممتلئًا بالدموع المكتومة.

وحين أتى الأب يطلبها، لم يكن في طلبه حنان، بل أمر.

قال: "إما أن تُعيديها لي، أو..."

ولم يُكمل.

لم تُجِب الأم في البداية. قاومت. قاومت كثيرًا. لكن التهديدات لا تموت. تُلاحقك حتى في نومك، تُسكن رأسك حتى تشك أنك بخير.

وفي النهاية، أرجعتها.

ولم تكن الطفلة تبكي حينها.

كانت فقط تنظر، نظرة لا تليق بطفلة.

نظرة بدأت منها كل الحكاية.

................................................................

            الفصل الثاني

كرهًا وعذاب

لم توافق على العودة إليه. نظرت إلى وجهه لحظةً صامتة، ثم أدارت ظهرها، وتركت ابنتها الصغيرة بين يديه ورحلت.

لم تلتفت. لم تشرح. لم تودّع.

وقفت رَيَّان ساكنةً، تمسك بحافة ثوب والدتها التي كانت تبتعد، غير أن يد الأب كانت أسرع؛ جذبها بقسوة حتى كادت أن تسقط، وحين التفتت لتبحث عنها، لم تجد سوى فراغٍ صامت، وأثراً خافتاً لاختفاء.

كانت تلك أول مرة ترى فيها والدها، لكنه لم يكن كما تخيلت في حكايات الأم.

عيناه جامدتان، صوته حاد لا دفء فيه، وجهه خالٍ من الفضول أو الحنان.

قال لها بصوتٍ بارد دون أن ينظر إليها:

— "امشي."

لم تفهم لماذا تُركت، ولا لماذا ينبغي أن تعيش مع رجلٍ غريب يصرخ كثيرًا ولا يبتسم أبدًا.

كان في أعماقها صوت صغير يهمس:

"أريد أمي."

في الأيام الأولى، حاولت أن تتصرف كما اعتادت مع أمها؛ كانت تقترب منه، تهمس: "أحبك يا أبي"، تحاول أن تضحك، أن تلمس قلبه ولو قليلاً.

لكنه كان يصفعها أو يصرخ في وجهها بحدّة:

— "لا تبكِ! لا أريد هذا الضعف!"

كانت تظن أن الابتسامة ستنقذها، فابتسمت، وضحكت كما تعلّمت...

لكن ضحكتها كانت خاوية، ترتجف تحتها جراح لا تُرى.

في الليل، كانت تختبئ تحت الغطاء، تضم دميتها المهترئة إلى صدرها، وتهمس لها كأنها تهمس لأمها:

"عودي إليّ... أنا خائفة."

كان يكره دموعها... يكره صمتها...

وكانت تظن أن الطيبة ستلين قلبه، لكنها لم تزد الأمور إلا قسوة.

ومع مرور الأيام، لم تعد تبكي أمامه.

تعلّمت أن تبكي في صمت.

أن تبتسم حين يتفتت قلبها.

أن تخاف... دون أن تُظهِر شيئًا.

................................................................

الفصل الثالث:

نظرات مرعبة

حين بلغت رَيَّان السادسة من عمرها، بدأت تقضي وقتها بصحبة والدها وبعض أقاربه.

كان المكان يعج بالوجوه... لكنها لم تشعر بالأمان.

كانت هناك نظرات... لا تدري أكانت حقيقية أم من نسج خوفها، لكنها كانت ثقيلة، مرعبة، تخترقها كأنها تفتّش في داخلها عن شيء هش لتكسره.

لم تكن تعرف لماذا يحدّقون بها بذلك الشكل.

أكانت تخيلاتٍ فقط؟

أم أن في أعينهم شيئًا فعلاً؟

شيئًا يجعل قلبها يضيق، وأنفاسها تختنق، حتى كادت في بعض اللحظات أن تفقد وعيها من الرهبة.

ربما كانت الوحدة هي ما ضخّم شعورها، وربما كان الضعف هو من جعل كل نظرة سيفًا.

فهي كانت وحدها، لا حامٍ لها، ولا صوتٌ يعلو لأجلها.

وهي الطفلة التي لم تتعلم إلا الطيبة... والتعامل اللطيف مع الجميع، حتى وإن كانت تنزف داخليًا من قسوتهم.

أما والدها، فكان لا يعاملها إلا ككائنٍ خاضع، ككلبٍ وفيّ لا يصلح لشيء إلا الطاعة.

كان يريد منها شيئًا واحدًا فقط:

أن تُحبه.

أن تعبده دون سواه.

أن تتجاهل كل من حوله، حتى لو كانوا ألطف منه.

أن ترى فيه الأمان، رغم أنه كان مصدر الألم.

لكنها... لم تكن تطيقه.

كانت تبغضه، وتبغض من حوله جميعًا.

كان كرهها صامتًا، لكنه عميق، متجذر، كالنار تحت الرماد.

ورغم كل هذا الظلام... بقي شيء واحد فقط يحافظ على بريق عينيها:

عمها وزوجته.

كانا مختلفين.

كانا يريانها، لا يمرّان بها كأنها هواء.

كانا يبتسمان بصدق... ويمنحانها شعورًا عابرًا بأن الحياة لم تمت تمامًا.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon