في قلب القارة، حيث تهمس الأساطير عن مجدها، تتربع مملكة أنستازيا، درّة الممالك وأبهاها، وأقواها شوكةً وسحراً.
ليست أنستازيا مملكةً كغيرها،
بل هي ملتقى الأجناس العريقة؛ البشر، الألف، الغيلان، والأقزام، يعيشون جميعًا تحت راية واحدة،
يحكمهم التوازن وتحرسهم الجيوش التي لا تُهزم، والسحرة الذين تُرهَب أسماؤهم في كل أصقاع الأرض.
لم يكن اسم أنستازيا يُذكر في أي مجلسٍ ملكي إلا وخيّم الصمت احترامًا لهيبتها.وكان يُقال إن أرضها خُلقت من وهج شمس، وأن نهرها المركزي ينبع من قلب جبلٍ مقدّس.
عبر العصور، تناقلت الألسن حكاياتٍ عن سحرها، وعن مدنها التي لا تنام، وأسواقها التي تبيع العجائب.
حيث تلمع الشمس على اطراف الجبال، وتنهمر الامطار على الحقول الخضراء ،تقع قريه صغيره اسمها قريه (برين).
كانت القريه هادئه ومسالمة .كانت بيوت القرية متراصة، مبنية من الطين والخشب، تتزين بالنباتات البرية وأزهار البنفسج التي تنمو على أطراف النوافذ.
بيوت القرية كانت تحكي قصص أجيالٍ مضت، يرويها خشب النوافذ المتآكل، وأحجار الأرصفة التي حفظت وقع أقدام الأحفاد.
اعتاد أهلها أن يعيشوا بسلام، يتعاونون في الزراعة والحصاد، ويقيمون مهرجاناً صغيراً كل أسبوع احتفالاً بالحياة.
في يوم من الايام ،كان الاطفال يلعبون ببراءه على الطريق المؤدي للقريه.كانوا يلعبون لعبة "حراس الممالك"، يتظاهرون بأنهم يحمون القرية من الأعداء... دون أن يعلموا أن الخطر الحقيقي في طريقه إليهم.
لاحظوا عربات تحملها خيول تسير بسرعه كبيره نحو القريه . ابتعد الاطفال عن الطريق ومرت العربات بسرعه دون توقف.الغبار ارتفع من خلف العربات كستارٍ يخفي ما هو أعظم، وما هو آتٍ.
تجمعت العربات في وسط القريه. كانت حوالي خمسه عربات نزل منها جنوداًحاملين صناديق كبيره .
كان الجنود يرتدون دروعاً سوداء لامعة، على أكتافها رمز غير مألوف: اسداً ملتف خلفه سيفين. أعينهم كانت حادة، وصمتهم أثار التوتر في قلوب الجميع.
لم يتحدث أحد منهم بكلمة غير ضرورية، وكأن أنفاسهم مدروسة ومحسوبة.
قال أحد الأطفال لآخر: " هل تعتقد أنهم جاؤوا للقبض على أحد؟"
رد الطفل الآخر : " قالت لي أمي مرت اينما يُرى الجنود يعني ان الحرب بدات."
قالت طفلة ذات شعراً بني ( بتوتر ) : حرب مستحيل هل سوف ياخذون اباؤنا للتضحية بهم (بدات ترتجف).
تجمع اهل القريه يتقدمهم رجل عجوزاً وهم يبدون قلقين وخائفين.
توترت وجوه الكبار، وكأن قلوبهم تذكّرت فجأة ألمًا قديمًا، أو لعنة ما زالت تنتظر لحظة العودة.
ادخلت النساء الاطفال الى المنازل واغلقوا الابواب والشبابيك خوفاً من اذيتهم .تسارعت نبضات الصغار وهم يراقبون من خلف النوافذ، وجفونهم ترتجف كأوراق شجرٍ في مهب الريح.
تقدم احد الجنود ووجه سؤاله الى اهل القريه: "من هو رئيس هذه القريه او زعيمها".
أجاب العجوز بقلق:" انا رئيس هذه القريه ما الذي تامروني به"؟
رد الجندي: "نحن مبعوثون من الملك هنا لتنفيذ مهمه .
سال رئيس القريه: هل لي بان اعرف ما هذه المهمه حضرة الجندي.
أجاب الجندي :"سوف ننقلها لكم لاحقا الان اريد ان اعرف اين يمكنني وضع صناديقنا . وافضل ان يكون مكاناً ذا ارض واسعه ".
رد رئيس القريه:" هنالك مكان بجانب الحقول ارض واسعه منبسطه بجانب ارض مملوءه بورد البنفسج".
قائد الجنود:" هل لنا باحد يدلنا لو سمحت".
تقدم رجل وتبرع بان يدلهم.
بعد ان وضع الجنود امتعتهم وصناديقهم في تلك الارض
امر قائد الجنود بان يغلق الجميع اعينهم والا اصبحوا عُمي .
فاغلق الجميع اعينهم، فانبثق نور قوي من الصناديق، ثم بعد ان امر قائد الجنود بان يفتحوا عينهم فإذا بحيره وصدمه كبيرتين ظهر من اللامكان معسكر متكامل .
بدا اهل القريه بالهمس فيما بينهم
*هذا هو السحر (الشخص من القريه بصوت منخفض)
*اظن ذلك يا صديقي (شخص اخر رد عليه)
*كم هو رائع هل كانت كل تلك الاشياء في الصناديق حقا ان السحره مبهر (احد افراد القريه )
*لو كان السحر مسموحه للجميع اذا كان قد سهل حياتنا (احدى نساء القريه)
*لكان السحر سوف يفيدني في الغسل والتنظيف ولربما الطهو ايضا ً( إمرأة أُخرى)
سألت طفلة صغيرة جدتها: "هل يمكنني أن أتعلم السحر؟"، فأجابت الجدة بحنان: "ربما، إن كان قلبك نقيًا بما يكفي."
كانت هذه اول مره يرى اهل هذه القريه البسيطه والصغيره شيئا يظهر من العدم او سحراً من الأساس .
بعضهم كان فرحا برؤيه شيء جديد ، والبعض الاخر مرتباً قلقاً مما سيحدث ومما سيفعلون هؤلاء الجنود.
من تلك الليلة، لم تنم القرية كما كانت، إذ بقيت الأنوار مشتعلة، والعيون ساهرة، والسؤال في كل ذهن: لماذا جاءوا... وماذا يريدون؟
"هل سيكون اهل القريه، بخير بدخول هؤلاء الجنود ؟
"ماذا يريد الجنود وما الذي سيفعلونه ؟
" وجود الجنود اهوا خيراً او شراً لأهل القريه ؟
كان الليل قد تمدّد على القرية كعباءة ثقيلة، لا تُخفي سوى القلق.
من بين شقوق النوافذ، راقبت العيون أضواء المعسكر الجديد تتوهّج كأنها نجوم هبطت من السماء.
وفي أحد المنازل، جلس الطفل إيفان قرب المدفأة، يحتضن ركبتيه، وعيناه الزرقاوان تلمعان كقطرتين من الجليد تحت ضوء اللهب.
شعره الأبيض الناعم انسدل على جبينه بانسيابية، كأن الثلج استقر فوق رأسه قبل أن يعرف الشتاء طريقه للقرية.
كان مختلفًا... دائمًا ما قال الناس ذلك، لكنهم لم يعرفوا كم هو مختلف حقًا.
"لماذا لا أشعر بالراحة؟" همس لنفسه...
وفي تلك اللحظة، سُمع طرق خافت على النافذة... طرقٌ لم يكن من المفترض أن يكون هناك أحد خلفه.
تجمّد جسده في مكانه، وشهق بهدوء. من يطرق نافذته في هذا الوقت من الليل؟
نهض ببطء، خطاه خفيفة كأنها تمشي على ثلج هش.
مدّ يده نحو الستار، وقلبه ينبض بقوة غريبة... وسحب القماش بحذر.
لكن النافذة لم تُظهر وجهًا.
فقط ورقة صغيرة عالقة على الزجاج، تتراقص مع الريح، كتب عليها بخطٍ غريب:
"لقد بدأ الأمر... لا تُخبر أحدًا."
شعر بالخوف يتسلل إليه، وتمتم بصوت مرتجف:
"حقًا؟ لم يكن ينقصني سوى شخص يريد أن يلعب الآن... أجل، مجرد... لعبة."
ارتجف جسده وهو يتراجع نحو المدفأة، كأن دفئها هو آخر ما تبقّى له من أمان.
جلس بصمت، يحملق في ألسنة النار المتراقصة. عينيه الزرقاوين بدأت تَثقلان، والصمت من حوله صار أكثر كثافة…
...ثم فجأة وجد نفسه واقفًا أمام بوابة عملاقة من الحديد، وعليها محفور اسمه.
وقبل أن يمد يده نحوها، فُتحت من تلقاء نفسها، وصوت ناعم ـ كأن الريح تحدثه ـ همس له:
"لقد تأخّرت، صغيري..."
تقدم بخطوات حذرة، ليجد نفسه في حقلٍ من الزهور البنفسجية، تحركها نسائم دافئة غريبة.
وفي وسط الحقل، جلس رجل وامرأة… لم يستطع رؤية ملامحهما بوضوح، كأن وجهيهما مخفيان بالضوء.
كانت المرأة تهمس للرجل، ثم تضحك، فيضحك معها.
الرجل رفع رأسه فجأة نحو إيفان، وقال بصوت عميق دافئ:
"اقترب، لا تخف..."
تردد إيفان. قلبه كان ينبض بعنف، ليس خوفًا، بل شعورًا آخر…
كأنه يعرفهما، كأنه… اشتاق لهما دون أن يدري لماذا.
اقترب أكثر، وعندما أصبح قريبًا، مدّت المرأة يدها إليه، وبصوت فيه حنان غريب قالت:
"حافظ على قلبك يا إيفان... لا تدعهم يسرقونه منك."
ثم بدأ كل شيء يتلاشى…
صوت الريح تحوّل لعاصفة، الزهور تحوّلت لرماد، والبوابة انغلقت بصوت مدوٍّ…
وصوت الرجل صاح من بعيد:
"حين يحين الوقت… ستتذكّر."
استيقظ إيفان فجأة، أنفاسه متقطعة، وقطرات العرق تتصبب على جبينه. قلبه كان يخفق كطبول الحرب، وعيناه الواسعتان تحدقان في السقف وكأنهما تحاولان استيعاب الحلم... أو الرؤية.
لكن لم يكن هناك وقت ليفكر كثيرًا.
دوّي صوت بوقٍ بعيد، تلته أصوات صراخ ونداء في الساحة:
"يا أهل قرية برين! اجتمعوا حالًا أمام المعسكر! أوامر عاجلة من القيادة!"
جلس إيفان، متردّدًا، ثم نهض بخفة. في الخارج، بدأ الناس يتجمعون بوجوه متعبة وقلقة، يجرّون أطفالهم الصغار، ويلتفون بأوشحة تقيهم برد الليل.
وقف الجنود في منتصف الساحة، أحدهم كان ضخمًا، صوته كالرعد حين قال:
"الآن سنُخبركم ما جئنا لأجله."
تقدّم جندي آخر، عيناه جامدتان كصخر الجبال، وقال ببرود:
"هناك حرب قادمة... ليست ككل الحروب. العدو مختلف، والمواجهة هذه المرة تتطلب شيئًا آخر."
تلفّت القرويون بقلق، بينما تابع الجندي:
"نحتاج إلى مجنّدين من نوع خاص... أطفال. نعم، صغار في السن، لكن أقوى في التحمل... أسرع في التعلم. القادة قرروا بدء برنامج تدريب خاص يُخرج مقاتلين يتفوّقون على الكبار."
ساد صمت ثقيل، قبل أن يصرخ أحد رجال القرية بغضب وهو يتقدّم للواجهة:
"أطفال؟! هل تمزحون؟! نحن بالكاد نتحمّل الحرب... فكيف لصغارنا أن يصمدوا؟ سيموتون قبل أن يحملوا السيف حتى!"
توتّرت الأجواء، وبدأ الهمس والضجيج بين الناس، إلى أن أشهر رئيس القرية يده بالصمت.
كان رجلاً كهلاً، جبينه مجعّد من كثرة التفكير، وعيناه كأنهما رأتا كل ما يمكن للعين أن تراه من بؤس.
قال بصوت هادئ لكنه عميق:
"سيدي الجندي... اقنعني. أخبرني، كيف يمكن لأطفالٍ لم يغادروا حضن أمهاتهم بعد... أن يتحملوا مناظر القتل؟ أو أن يحملوا على عاتقهم وزر أرواح تُزهق؟"
توقف قليلًا، ثم تابع:
"لدينا رجال، سيدي. أقوياء. قادرون. خذوهم، لكن دعوا الأطفال يكبرون أولاً... دعوهم يبقوا بشرًا، لا آلات للقتل."
لم يجب الجندي فورًا... فقط نظر إلى القرويين، ثم إلى الطفل إيفان الذي كان يراقب بصمت من آخر الصفوف، ووميض من الإدراك الغريب يبرق في عينيه الزرقاوين.
كأن تلك الكلمات، وذلك القرار... كان يعنيه أكثر من أي أحدٍ آخر.
لم يكن الجندي يحدّق في إيفان وحده، بل مرّ بعينيه على وجوه جميع الأطفال الواقفين خلف أمهاتهم وآبائهم، كأنّه يزنهم بنظراته… يبحث عن شيء لا يراه سواهم.
ثم أعاد نظره إلى رئيس القرية، وقال بنبرة هادئة لكن صارمة:
"أنا أقدّر كلماتك يا سيدي، وأحترم حكمتك... لكن اعذرني، فهذه أوامر ملكية لا مجال فيها للنقاش."
توقف لحظة، ثم أكمل بنبرة أكثر صلابة:
"لقد أُخذ أطفالٌ من كل قرية، من كل مدينة… مملكتكم ليست استثناء، ولا قرية برين مميزة لتُعفى. الأمر أكبر منا جميعًا."
ساد همسٌ بين الحاضرين، لكن الجندي تابع دون أن يتأثر:
"ولن نأخذ الجميع، بل سنختار فقط... الأقوى، الأذكى، الأسرع، من يمتلك موهبة في السحر أو مهارات قتالية بالفطرة. هؤلاء فقط سيُعرضون لاختبارات خاصة، من ينجح فيها... هو من يُختار."
ثم أضاف بنبرة أكثر غموضًا:
"الأمر لا يتعلق بالعمر... بل بالقدرة. ومن يثبت نفسه، سيكون جزءًا من القوة القادمة."
تقدّم الجندي خطوة إلى الأمام، وراح ينظر في وجوه الحاضرين بنظرة باردة، كأنّه لا يرى فيهم إلا أرقامًا في سجلٍّ عسكري.
قال بصوت جهير:
"الاختيار لن يكون عشوائيًا… لسنا هنا لنأخذ أطفالكم كما تؤخذ الحملان للذبح. بل نبحث عن شيء نادر، لا يوجد في كل طفل."
توقّف لحظة، كأنه يتعمّد ترك الصمت يخنقهم، ثم تابع:
"لهذا، ستكون هناك اختبارات دقيقة، صُممت لكشف القدرات الحقيقية… ومن يُثبت نفسه، سيكون جزءًا من قوة لا مثيل لها."
تلفّت القرويون بقلق، وبعض الأطفال بدؤوا يقتربون أكثر من ذويهم، بينما أكمل الجندي:
"الاختبارات سبعة… ولن يُجتازها إلا من يستحق. سنختبر السحر، الشجاعة، القوة، الذكاء، سرعة البديهة، التحمل… وأخيرًا، القدرة على اتخاذ القرار الحاسم في الوقت الحرج."
ثم شدد نبرته فجأة، وقال:
"ولن تنتظروا طويلًا. أمامكم ساعة واحدة فقط لتجهيز أطفالكم. بعد ذلك، يبدأ كل شيء."
سادت الهمهمات، واختلطت بالذعر والدهشة، بينما أضاف الجندي أخيرًا:
"هذا ليس طلبًا... بل أمر ملكي. من يتخلّف، يُعتبر مرفوضًا تلقائيًا."
ثم التفت مبتعدًا، تاركًا خلفه الصمت ينفجر كصرخة مكبوتة، وقلوب الأهالي تتسابق مع عقارب الساعة… ساعة واحدة فقط، كافية لتغيير حياة الكثيرين إلى الأبد.
وقفت الأمهات يمسحن دموع أطفالهن، يربّتن على أكتافهم، يحاولن إخفاء خوفٍ لا يمكن كتمانه.
في إحدى الزوايا، كانت أم سايان تمسك بيده بقوة، وكأنها تخشى أن يسلبه القدر منها.
قالت بصوتٍ مرتجف:
"سايان... لا أريدك أن تفوز، لا أريدك أن تذهب للحرب، ابقَ بجانبي، أرجوك."
لكن سايان، ذو الشعر الأحمر المتوهج والعينين الخضراوين اللامعتين، ابتسم بثقةٍ لا تشبه عمره، وقال بشجاعة:
"لا تقلقي، أمي... أنا متأكد أنني سأفوز، ليس لأذهب إلى الحرب، بل لأحميكم."
بينما كانت أم هارت تمسك بطفلها الصغير بقوة، اقترب منها زوجها، وضع يده على كتفها وقال:
"لا تخافي، إن شاء الله سيعود بخير، هو وإخوته."
ثم انحنى نحو هارت وقال:
"ابني، كن قوياً... لكن الأهم، لا تفقد قلبك وسط هذا العالم."
هارت، بشعره الأسود وعينيه البنفسجيتين الحالمتين، نظر إليهم مطمئناً، وابتسم بثقة حزينة:
"لا تخافوا، إن شاء القدر أن أصبح جندياً فسأكون، وإن لم يرد فلن يحدث شيء.
أمي، أبي... كل شيء سيكون بخير."
وعلى بُعد خطواتٍ قليلة، تحت ظل شجرةٍ هرِمة، كان إيفان يقف وحده.
شعره الأبيض يتطاير مع الريح، وعيناه الزرقاوان تتابعان المشهد بصمت. لم يقترب منه أحد، ولم يكن هناك من يودّعه... لا أمٌ قلقة، ولا أبٌ مطمئن.
مرّ جنديٌ شابٌ بجواره، توقف فجأة ونظر إليه باستغراب.
"أين والديك، أيها الفتى؟"
رفع إيفان نظره إليه، لكنه لم يجب...
لكن قبل أن يُكمل الجندي سؤاله، قاطعهم صوتٌ قويٌ أجشّ من وسط الساحة:
"أيها الأطفال! حان الوقت!"
كل الأنظار اتجهت نحوه، كان جندياً كبيراً في السن، يحمل درعاً محفوراً عليه شعار المملكة. صرخ بصوتٍ عالٍ:
"استعدوا، لقد حان وقت الإعلان عن الاختبارات السبعة!
الاختبارات التي ستقرر من منكم سيكون جندياً في جيش أنستازيا العظيم!**
سادت الساحة لحظة صمتٍ مشحونة، قبل أن يُكمل الجندي بصوتٍ حاسم:
**"سبعة اختبارات، لكل منها غايته:
اختبار الشجاعة في الظلام.
اختبار الذكاء وحل الألغاز القديمة.
اختبار التحمّل في العاصفة الباردة.
اختبار الولاء تحت ضغط الخيانة.
اختبار القوة البدنية في ساحة القتال.
اختبار السيطرة على الطاقة السحرية الخام.
وأخيراً... اختبار القلب، حيث يكشف جوهرك الحقيقي."**
أكمل الجندي وهو ينظر إلى أعينهم بحدة:
"من يجتازها، يكون جديراً بالانضمام، ومن يسقط... فليعد إلى منزله، إن استطاع."
---
في تلك اللحظة، شعر إيفان بشيء يتجمد في داخله... كأنه يعرف أن هذا اليوم، سيكون بداية طريق لا عودة منه.
وبينما تحرّك الأطفال بخطى مترددة نحو الساحة، انطلقت شرارة حمراء في السماء... ثم أخرى زرقاء... ثم ثالثة بنفسجية.
أضاءت فوق رؤوسهم كأنها تُعلن بداية شيء لا يشبه أي بداية...
نظر إيفان إلى الأعلى، وهمس لنفسه:
"الشرارة اشتعلت... والظلام بدأ يفيق."
> ثم خطا أول خطوة نحو قدره.
لم يكن هناك مجال للتراجع.
الاختبارات بدأت، ولا أحد يعلم من سينجح ومن سيسقط.
كان كل طفل يَدخل بمفرده، يختبر شيئًا مختلفًا عن الآخرين... لا صوت يُسمع خلف تلك البوابات سوى خطوات مرتجفة، وأحيانًا، صرخات مكتومة.
الجنود يراقبون، الأهالي يتوسّلون بنظراتهم، والسماء صامتة كأنها تترقّب النتيجة.
هارت جلس قرب الجدار الحجري، يغالب ارتجاف يديه، ويفكر في كلمات والدته قبل قليل:
"ستعود إلينا، فقط كن شجاعًا..."
بينما سايان يراقب الباب الحديدي الذي دخل منه صديقه إيفان، ويهمس لنفسه:
"إن نجح هو... فسأنجح أنا أيضًا."
أما إيفان، فقد دخل البوابة الأولى دون أن يلتفت، كأنه لا يخاف شيئًا...
لكن الحقيقة؟
لم يكن يعرف، إن كان سيخرج منها كما داخل.
الاختبار الأول: الشجاعة في الظلام
كان على الأطفال دخول كهف غارق في السواد، يسكنه مخلوق خفي، هدفهم لم يكن القتال، بل العثور على حجر مضيء مخبأ في أعماق المتاهة.
دخل إيفان أولاً، وبدون تردد، استشعر الطاقة حوله، وسار بهدوء، حتى شعر بشيء يهمس له من العتمة… لم يخف، بل أجاب بصوت ثابت:
"أنا لا أخاف الظلام، لأن قلبي هو النور."
وجد الحجر بسرعة، وعاد بوجه هادئ ونفس ثابتة.
هارت استخدم تعويذة "ضوء الروح"، لكنها أضاءت لمجرد ثوانٍ، فاعتمد على إحساسه السحري واتّبع الهالات حتى وجد الحجر.
سايان واجه صعوبة، لكنّه استخدم حيلة ذكية: لمس الجدران بحثًا عن الهواء الدافئ الذي يدل على مخرج أو طريق مخفي، ونجح!
أمّا نارا، فقد صرخت لحظة ظهور المخلوق أمامها، لكنها تماسكت، واستخدمت ذكاءها وخدعت الظل بتبديل طريقها.
---
الاختبار الثاني: الذكاء وحل الألغاز
كانت القاعة مليئة بأحجار سحرية، وعلى كل حجر لغز قديم. لحلّه، يجب لمس الحجر الصحيح قبل نفاد الوقت.
كان اللغز أمام إيفان:
"أنا لا أُرى، لكني أُشعر، أستطيع تدميرك أو إنقاذك… من أنا؟"
أجاب بثقة: "الوقت."
توهّج الحجر بلون ذهبي.
هارت كان في قمة تألقه، حلّ اللغز باستخدام رموز سحرية، واستنتج النمط المخفي في تسلسل الأرقام المكتوبة على الجدران.
نارا تفوقت على الجميع في هذا الاختبار، وأبهرت الحُكام بسرعة بديهتها.
أما سايان… فقد كاد أن يُخطئ، لولا أن تذكّر نصيحة والده: "دائمًا فكّر مرتين"، فتراجع عن اختياره الأول، وأنقذ نفسه في اللحظة الأخيرة.
---
الاختبار الثالث: التحمّل في العاصفة الباردة
خرج الأطفال إلى ساحة ثلجية، الرياح تصرخ، والبرد يخترق العظام. لا يمكن استخدام السحر هنا، فقط الجَلد والإرادة.
إيفان لفّ ذراعيه حول جسده، وتقدّم بثبات في الثلج الكثيف، وكل خطوة منه تُحدث صوتًا خافتًا، كأنها رسالة يقول بها: "لن أسقط".
سايان كان مذهلًا في هذا الاختبار. ركض، زحف، وسحب جسده رغم البرد القاسي، حتى أنه ساعد "ليفا" التي سقطت في الثلج، ودفعها للأمام قبل أن يُكمل طريقه.
هارت عانى من البرد، لكنّه استغل معرفته بالتدفئة الداخلية للطاقة، وجلس في وضع تأمل لحماية نفسه، ونجح، رغم بطء تقدّمه.
---
الاختبار الرابع: الولاء تحت ضغط الخيانة
كان هذا الاختبار مختلفًا. وضعوا كل طفل في موقف خيالي سحري، يُظهر لهم "خيانة صديق". المطلوب: أن يتّخذوا قرارًا… الثقة، أو التخلي.
رأى إيفان صورة لهارت يسرق خريطة سرية منه… لكنه تمسّك بإيمانه وقال:
"هارت لن يفعل هذا… هذه خدعة."
وبالفعل، اختفى الوهم، وتوهجت الشعلة.
سايان رأى "كين" يخذله في ساحة القتال، وتردّد للحظة، لكنه قرر أن يسامح، فنجح في الاختبار.
أما هارت… فقد كان الأكثر تأثرًا. رأى إيفان يتركه في العاصفة. دمعت عيناه، لكنه ابتسم:
"إيفان سيعود… دائمًا يعود."
ونجح.
---
الاختبار الخامس: القوة البدنية في ساحة القتال
هنا تألق سايان بكل معنى الكلمة. ضربات دقيقة، سرعة، تركيز… استطاع إقصاء ثلاثة خصوم باستخدام حركات دفاعية هجومية مذهلة.
إيفان دخل الساحة بثقة، ولم يكن الأسرع، لكن ضرباته كانت قوية ومدروسة، أنهى القتال بدون إصابات تذكر.
هارت حاول الابتعاد عن المواجهة، لكنه اضطر لاستخدام سحر بسيط لشلّ حركة خصمه، ثم أطاح به بحركة ذكية.
كين أظهر قوة هائلة لكنه لم ينتبه لزاوية ضربه، فتم إقصاؤه.
---
الاختبار السادس: السيطرة على الطاقة السحرية الخام
كانت القاعة مليئة بكُرات طاقة سحرية متفجرة. من لا يستطيع السيطرة، يُقصى فورًا.
هارت كان النجم هنا. رفع يديه، وسيطر على كرتين في آن واحد، وأعاد تشكيلهما في شكل فراشتين مضيئتين.
إيفان كان التالي، ركّز طاقته في كفه، وأمسك كرة نارية بدون أن تحرقه، ثم جعلها تدور حوله كأنها كوكب صغير.
أما سايان، فقد كان متوتراً في البداية، لكنه استنشق بعمق، ونجح بالسيطرة على طاقة الرياح، رغم أنها ليست تخصصه.
---
الاختبار السابع: اختبار القلب
في هذا الاختبار، دخل كل طفل وحده إلى قاعة مظلمة… تُريه أعظم خوف داخله.
إيفان رأى مشهدًا مروعًا… أصدقاؤه يُسقطون أمامه وهو عاجز عن إنقاذهم. ارتعش قلبه، لكنه تذكّر كلمات أمه:
"أحيانًا، القوة ليست في إنقاذ الجميع، بل في ألا تنكسر حين لا تستطيع."
أغمض عينيه، وتجاوز المشهد. الشعلة الأخيرة أضاءت.
هارت رأى نفسه وحيدًا… منبوذًا، خائفًا من قوته. لكنه ابتسم، وقال: "أنا لست وحدي. لدي أصدقاء."
سايان رأى والدته تبكي بعد سقوطه… فأقسم ألا يدعها تبكي، وخرج من الاختبار بعينين لامعتين.
---
في نهاية اليوم…
وقف الحكيم الأعلى أمام الأطفال، وقال بفخر:
"أنتم جيل نادر… لقد اجتزتم الاختبارات السبعة. ليس لأنكم أقوى، بل لأنكم تملكون قلوبًا نقية."
سجّلوا النتائج…
نارا الأولى في اختبار الذكاء.
سايان الأفضل بدنيًا.
هارت ساحر استثنائي.
أما إيفان… فقد نجح في كل الاختبارات، لم يكن الأول دائمًا، لكنه الوحيد الذي لم يسقط في أي منها.
وهمس أحد الحكماء:
"هذا الفتى… قلبه لا يُقهر."
اجتمع الأطفال في الساحة من جديد. بعضهم واقف، وبعضهم جالس على الأرض متعبًا، وقلوبهم تخفق بقوة أكبر من نبضاتهم.
الوجوه متّسخة، الأعين مرهقة، لكن خلف ذلك... نار مشتعلة من الترقّب.
ظهر قائد الجنود على منصة حجرية مرتفعة، وفتح لفافة جلدية ببطء.
ثم بدأ يتلو الأسماء:
> "نارا بنت أورين..."
"كين ابن جالف..."
"ليفا بنت ناهن..."
"هارت ابن تيران..."
"سايان ابن مالا..."
"إيفان... ابن لا يُذكر."
صمتٌ مطبق تلا قراءة الأسماء.
أحد الأطفال الجالسين على الأرض شهق بصوت عالٍ، وآخر بكى، وأخرى أمسكت يد أمها وهي تنظر للأرض.
رفع القائد رأسه، وقال بصوتٍ حاسم:
"من تم ذكر أسماؤهم، هم الفائزون."
"أما من لم يُذكر اسمه، فسيبقى في القرية، إلى جانب عائلته."
انطلقت الهمهمات، وبكت بعض الأمهات علنًا.
ركضت والدة هارت نحوه، وضمّته بقوة، لا تعرف إن كانت سعيدة أم خائفة.
أبوه وضع يده على كتفه، وقال بصوت غصّ بالبكاء:
"لقد كنت شجاعًا... لكن لا تنسَ من أين أتيت."
أمّا سايان، فحاول أن يُظهر القوة، لكنه حين رأى دموع أمه، انهار بين ذراعيها، ثم ابتعد عنها بسرعة كي لا يُظهر ضعفه أمام الجنود.
إيفان وقف وحده، دون أحد يودعه، لكن الجنود لم يتجاهلوه هذه المرة... أحدهم انحنى له بخفة، كأنه احترم صمته أكثر من أي شيء آخر.
ثم اقتربت العربات الحديدية... ذات النوافذ الصغيرة، والأبواب الثقيلة.
بدأ الأطفال بالصعود، واحدًا تلو الآخر.
هارت نظر إلى والديه من النافذة، ولوّح بيده، وكأن العالم سيتوقف عند هذه اللحظة.
سايان ضغط شفتيه، وجلس بصمت، بينما عيناه لا تكفّان عن النظر إلى القرية التي تبتعد.
وإيفان؟
جلس عند الزاوية، وفتح حقيبته، وفيها كان يحتفظ بحجر صغير التقطه من الغابة… تذكيرًا بأن لا طريق للعودة الآن.
تحرّكت العربات.
وبدأت الرحلة نحو المصير الجديد.
لكن شيئًا ما، في آخر لحظة، جعل إيفان يهمس:
"هذه ليست النهاية… بل البداية."
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon