NovelToon NovelToon

نبوءة الدماء النقية

لحن العذاب

"ثلاث حقائق عنّي"

سأخبركم بثلاثة أشياء عني.

لا بأس، اعرف ان الموضوع غريب عليك ولكن لا اجيد التعرف فاعتبروها طريقة للتعارف.

الأولى: أنا طبيب نفسي. أعالج الناس بالكلمات. أقرأ ما خلف صمتهم، وأحاول إصلاح الشقوق التي لا يراها أحد.

الثانية: لا أؤمن بالماورائيات. كل شيء له تفسير... حتى الأشباح التي تراها بعض العقول، هي مجرد ظلال اضطراباتها.

الثالثة؟

الثالثة هي السبب الذي دفعني للحديث إليكم الآن... لكنها ليست شيئًا يمكن شرحه بجملة.

بل بشيء حدث.

أو لنقل، بدأ ذات مساء.

مساء كنت أظنه عاديًا

في ذلك اليوم، كنت قد أنهيت جلستي الأخيرة متأخرًا. كانت العيادة صامتة كعادتها بعد التاسعة مساءً. وضعت الملفات في درج المكتب، أغلقت الأنوار، وغادرت.

الشارع كان هادئًا، والمطر بدأ في التساقط بخفة. لا شيء ينذر بأن الليل يخفي شيئًا غير مألوف.

لكن حين وصلت إلى السيارة، سمعتها.

لحن.

بسيط... ناعم... لكنه لا يُشبه أي شيء سمعته من قبل. لا موسيقى، لا كلمات، مجرد أنغام تلامس شيئًا داخليًا... شيئًا لا اسم له.

التفتُّ...

لا أحد.

الشارع كان خاليًا تمامًا. وحتى عندما أغلقت باب السيارة، اللحن ظل يتردد داخل أذني.

ظننتها هلوسة صوتية. شيء يفسَّر علميًا. ضغط العمل؟ إرهاق؟ ربما.

لكن ما لا يُفسَّر، هو ما رأيته في المرآة.

خلفي.

شخصية تقف هناك.

على الرصيف المقابل.

لا تتحرك. لا تتكلم.

فقط... تنظر.

مظهرها لم يكن بشريًا بالكامل. وكأن ملامحها مشوشة، وكأنها صورة تُسحب من حلم قبل أن يكتمل.

لكن فجاءه......

blinked.

اختفت.

عدت إلى المنزل، مقنعًا نفسي أن ما حدث مجرد توتر زائد. وربما كنت سأصدق هذه الكذبة، لولا أن صديقي "آدم" اتصل بعد أقل من ساعة.

"إنت كويس؟"

– "آه، ليه؟"

– "ماعرفش... حلمت بحاجة غريبة، حسيت إنك كنت بتندهني... بس مش بصوتك. بلحن... غريب."

هنا فقط... بدأ الخوف يعرف طريقه إليّ.

انهيت مكالمتي مع ادم علي امل ان القاه غدا و اخبره ما جري معي و ذهبت للنوم.

حاولت النوم تلك الليلة، لكن صوت اللحن لم يفارقني. كان يتسلل إلى عقلي كلما أغمضت عيني، مثل دندنة من عالم آخر.

أغلقت الأنوار، وتمددت على سريري، أراقب السقف في صمت.

بعد ساعة... ساعتين... لا أعلم متى غلبني النوم.

كان المكان ضبابيًا.

لا أرض تحت قدمي، لا سماء فوق رأسي... فقط ضباب أبيض يلفّ كل شيء.

ثم بدأت تظهر... النغمة.

خافتة، ثم أقوى.

ثم ظهرت هي.

كانت تمشي بخطوات بطيئة، كأن الأرض تستقبل قدميها بتوجس.

ملامحها غريبة، مشوشة، كأن وجهها يتغيّر كل لحظة. مرة كأنه وجه طفلة، مرة عجوز، مرة لا ملامح على الإطلاق... فقط عينان. سوداوان، فارغتان، وكأنهما مرآتان لشيء مكسور بداخلك.

وكانت تغني.

صوتها... لا يمكن وصفه. لم يكن جميلاً، ولا قبيحًا، بل خطأ.

كأن شيئًا في طبقات الصوت لا ينتمي لهذا العالم.

حاولت الصراخ. لم أستطع.

حاولت الهرب. لا أرض لأركض عليها.

فقط أنا... وهي... واللحن.

ثم اقتربت، حتى لم يعد بيننا سوى نفس واحد.

وضعت يدها على صدري.

همست:

– "أنت الآن... واحد منّا."

وسحبتني.

استيقظت وأنا ألهث، وقلبي يكاد يخرج من صدري.

نظرت حولي. غرفتي كما هي.

لكن صدري...

كان يحمل أثر يد.

كأن أحدهم أمسك بي بشدة، وترك علامات أصابعه تحترق على جلدي.

لم أذهب إلى العيادة في اليوم التالي. كنت مرهقًا، مشوشًا، وقررت أن أزور آدم بدلًا من ذلك.

ادم – "وشك بايظ."

انا في سري – "محسش إني نمت أصلاً..."

ادم – "رجعتلك النغمة؟"

انا و انا اشعر بل عجز و اليأس– "رجعت؟! ده حلمت بالبنت نفسها!"

حكيت له كل شيء. ملامحها، كلامها، اللحن، وحتى العلامة على صدري.

بدا ادم يستمع لي بصمت ولكن شعرت من ملامحه انه لم يكن يأخذ كلامي علي محمل الجد

ثم ابتسمت و قلت في خبايا عقلي :

"هناك لحظة، حين تدرك أن ما ظننته وهمًا... رآه شخص آخر

تلك اللحظة، هي بداية الانهيار."

لم أكن أعرف وقتها... أن تلك الحادثة كانت مجرد بداية.

لم أكن أعرف... أنني على وشك الدخول إلى عالم آخر.

عالم من الضياع، والموت، والاختيارات المستحيلة.

كنت أظن أنني الطبيب.

لكن الحقيقة؟

أنا كنت المريض.

ذاكرة هادئة و عيون تراقب

آدم بيتي القديم.

مش مجرد صديق... لأ، ده كان أقرب شخص لروحي.

من أيام الجامعة، لما كنا بنهرب من المحاضرات ونقعد على سور الكلية، نحلم بالمستقبل، ونضحك من قلبنا.

هو اختار مجال إدارة الأعمال، وأنا اخترت علم النفس.

دايمًا كان بيقولي:

– "إنت الوحيد اللي ممكن أتكلم معاه من غير ما أضطر أشرح كل حاجة."

وأنا؟ كنت شايفه الأخ اللي ماجاش لي من دم.

قعدنا على الكنبة القديمة اللي عارف ملمسها من كتر ما نمت عليها.

آدم مد لي كباية عصير، وقال:

– "باين عليك مش نايم بقالك يومين، شكلك مرهق جدًا."

– "أنا؟ أنا شايف ناس في الحلم بتسيب علامات على جسمي... وبتغني كأنها خارجة من قبر."

ضحك بخفة وقال:

– "يا راجل، إنت بتعالج مرضى نفسانيين وعايش وسطهم... طبيعي يحصل شوية ضغط نفسي. يمكن جسمك بيترجم التعب كده."

سكت شوية.

هو مش بيصدقني، بس ما ينكرش إني مرهق.

– "بس يا آدم، العلامة لسه موجودة."

– "أنت بتتخيل، عقلك بيترجم ده من كتر الإرهاق."

اخذني لنذهب الي كافيتريا كي نتحدث قليلا

ثم بدا يتكلم معي عن الماضي و الذكرياتنا في الجامعه :

انا: "فاكر أول مرة اتقابلنا؟"

ضحك وقال:

ادم: "لما كنت بتقرأ كتاب سيجموند فرويد في الكافيتريا، والناس فاكرينك بتذاكر عربي؟"

انا: "وإنت جيت وقولتلي: (هو ده اللي هيخلّيك تبقى باتمان النسخة النفسية؟)"

ادم: "آه والله! ومن ساعتها بقت كل جلساتنا تحليلات ونقاشات."

اتنفسنا الضحكة، وملأت لحظة الصمت بينا.

الذكريات بقت نسمة هدوء وسط دوشة دماغي.

كان نفسي أصدق إن كل ده مجرد ضغط شغل.

نفسي أكون مخطئ، ويكون آدم عنده حق.

لكن الصوت ما اختفاش...

والصورة ما راحتش...

خرجت أنا وآدم من الكافيه بعد ما الضحكة رجعت لوشوشنا كأننا رجعنا شوية أيام الجامعة، لما كنا بنعدي الليالي نحكي ونحلم. آدم فضل يكلمني عن أيامه في الشغل وبيته ومراته، وأنا بضحك وبهوّن، لكن جوايا حاجة كانت بتسحبني بعيد.

كان فيه حاجة غلط… بس مش قادرة أسميها.

ودّعته عند عربيته، وهو زودني بكلمتين من اللي بيطمنوك:

"أنت بس محتاج ترتاح يا زياد… كلنا بنمر بده، بس بيعدّي."

ابتسمت له ومشيت.

وأنا راجع ماشياً في شارع شبه فاضي، الهوا كان ساكن بشكل غريب… والليل له طعم مش مألوف.

عدّيت على عمارة قديمة، مفيش سبب يخليني أبص عليها، لكن وقفت.

فيه باب حديد مقفول، مطلي نصه صدي، ونور خافت بيخرج من شباك في الدور الأرضي.

وبدأت أسمعها… اللحن.

اللحن اللي ما حدش بيسمعه غيري.

اللحن اللي ما بدأش غير بعد الحادثة.

والمشكلة؟ إن الباب ده… أنا معرفش إيه في وراه، بس حسّيت إنها جوه. مستنياني.

"صوتها كان حواليا… والصدى جوه دماغي."

استيقظت مفزوع، عرق بارد مغرق ضهري، وقلبي بيدق كأني كنت بجري 100 كيلو. الغرفة ضلمة، بس عقلي لسه محبوس في الحلم.

كنت واقف في ممر طويل، كله مرايات مكسّرة…

وفي آخر الممر، واقفة…

نفسها.

الست اللي ماعرفش هي مين…

شعرها منسدل، ووشها دايمًا مش واضح. بس صوتها، صوتها بيغني… لحن ملوش كلمات، بس بيرن في عقلي كأنه محفور فيه.

كل ما أقرب منها، اللحن يعلى… وكل ما أمد إيدي ألمسها، المرايات تتهز وتكسر أكتر.

ولما أخيرًا لمست طرف فستانها…

صحيت.

نفس الحلم بيتكرر من فترة… والنهارده، كان أوضح من كل مرة.

قمت من على السرير، وغسلت وشي كأني بحاول أغسل الكابوس نفسه.

بصيت لنفسي في المراية…

وشي مجهد، عيوني مجهدة، وكأن النوم نفسه بقى مرهق.

واااااه اعلم انك لان تسال من انا و ماذا حدث لكل هذا حسنا

أنا اسمي زياد علوان.

26 سنة. طبيب نفسي.

حياتي مستقرة… أو كانت مستقرة لحد اللي حصل من سنة.

عمري ما كنت بآمن بالخرافات، ولا الأرواح، ولا اللعنات.

كنت شايف كل ده إسقاطات عقلية، مبررات للضعف أو الهروب.

لحد ما حصل… الحادثة.

"فيه حاجات لما بتحصل… بتغيرك للأبد، حتى لو فضلت تقول لنفسك إنها مجرد أوهام."

كل حاجة بدأت في الطريق الصحراوي…

كنت راجع من مؤتمر طويل، دماغي مشغولة بتقارير، بحالات، بمواعيد.

الليل نازل بهدوء، وأنا سايق على سرعة متوسطة، شايف الطريق بوضوح.

لحد ما…

ظهر قدامي نور أبيض، بس مش نور عادي.

ما كنش شعاع عربية، ولا كشاف طريق…

كان دايرة كبيرة بتلمع في الهوا، كأنها فتحة… بوابة.

فرملت بعنف، حسيت العربية بتتزحلق، الكاوتش صرخ، وأنا حاولت أسيطر على الدركسيون.

بوووووم.

كل حاجة اتكسرت حواليّ…

العربية خبطت في حاجة، معرفش إيه.

الهوا اتسحب، وسمعت صوت صرخة… مش صوتي، ولا صوت حد تاني.

كان صوتها.

بس… مافيش حد.

لما فوقت، لقيت نفسي على جنب الطريق.

العربية واقفة، الكبوت مفتوح، والدخان طالع منه.

جسمي سليم، بس قلبي كان بيرف كأنه فهد بيحاول يهرب من قفص.

الغريب؟

مافيش أثر للبوابة، ولا للصوت، ولا لأي حاجة غير علامات الفرامل على الأرض.

رجعت القاهرة بعدها بيوم، وأنا مشغول بتفسير اللي حصل.

قلت يمكن توتر، يمكن ضوء نازل من فوق، يمكن خيال.

لكن الخيال ما بيغنيش…

بعد أسبوع

كنت قاعد في العيادة، الساعة قربت تبقى ١٠ بالليل.

خلصت آخر جلسة، والسكرتيرة مشيت.

الدور كله فاضي، هدوء قاتل، والجو تقيل.

كنت براجع ملف حالة، احد المرضي على الكرسي، والنور خافت.

فجأة…

اللحن اشتغل.

من غير مقدمة.

من غير سبب.

الصوت ناعم… أنثوي… بس فيه رعشة برد.

كأنه بيخرج من قبو… من تحت الأرض.

رفعت راسي، والملف وقع من إيدي.

نظرت حواليا، مافيش حاجة.

بس الصوت… واضح.

قمت… مشيت ناحية باب العيادة ببطء.

كل خطوة كانت تقيلة، رجليا بتسحب نفسها.

وصلت للممر.

كان ضلمة، لكن في آخره…

واقفة.

نفسها.

واقفة جنب الحيطة، وشها مش باين، شعرها نازل قدام عنيها، وبتغني… نفس اللحن.

جسمها ثابت، بس هدومها بتتحرك كأن في ريح حوالين جسدها… بس مافيش ريح.

ناديت:

"مين هناك؟!"

مافيش رد.

خطوت خطوة… والتانية…

وفجأة، بصّت ناحيتي.

وشها مش مشوه… بس مش طبيعي.

كأنك بتبص في وش من كوابيسك… حاجة تعرفها من جوا، لكن عمرك ما شفتها.

صرخت.

مش هي… أنا.

أنا اللي صرخت.

طرف النور اتحرك، وبمجرد ما لمحته، كل حاجة اختفت.

مفيش صوت.

مفيش هي.

رجعت أوطي أتنفس…

إيدي بترتعش، وقلبي بيخبط في ضلوعي.

جلست على الكنبة، ووشي مدفون في كفي.

لأول مرة… أحس إني مش فاهم نفسي.

وأنا طبيب نفسي.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon