في قلب المدينة الباردة حيث تُباع الأرواح وتُشترى بالملايين كان هو يُحكم قبضته على كل شيء المال، السلاح، والرجال
رائد العزمي... الاسم الذي يُهمَس به خوفًا لا يُقال جهرًا. طويل ذو بنية مُهيبة وعينان لا تعرفان الرحمة
قائد مافيا الشرق لا يُخطئ لا يرحم لا يثق بأحد.
أما هي...
هُدى النجار فتاة في العشرين تلبس الأبيض وكأنها قادمة من زمنٍ آخر. تقف كل فجرٍ على سجادةٍ خضراء تبكي لربّها وكأن الكون لا يعنيها.
جميلة، هادئة مؤمنة بأن( الله لا يترك أحدًا.)
لكن القدر... لا يعرف المستحيل.
التقيا ذات مساءٍ عاصف حين كانت تُنقذ طفلاً من وسط إطلاق النار في حارةٍ فقيرة بينما كان هو يُنهي صفقةً خطيرة في نفس الزقاق.
ركضت نحوه تطلب المساعدة فوقف... ينظر إليها وكأنها شبحٌ نزل من السماء.
هي لا تعرف من هو.
لكن هو... شعر بشيء في قلبه لأول مرة: خوف.
.........ومن هنا تبدأ القصة
ظلُّهُ على عتبة المسجد
.
.
.
كانت المآذن تتلألأ بنورها الأبيض تحت سماء الفجر والهواء البارد يهمس بأدعية الساجدين.
في الحيّ القديم حيث الجدران تتشقّق من التعب كانت هُدى النجار تمشي بخطى خفيفة نحو المسجد تحمل بيدها كيسًا صغيرًا من الخبز الساخن وأخرى تضمّ معطفها المتواضع.
وجهها الهادئ يشع نورًا وعيونها البنية تحمل السلام كأنها وُلدت في ركعة وتر.
في الطريق رأت طفلة تبكي على ناصية الحي.
ركضت نحوها.
مالكِ يا حبيبتي؟ وين أمك؟
الطفلة أشارت بيدها الصغيرة نحو الزقاق المظلم.
هدى ترددت لكن قلبها لا يعرف التراجع. مشت نحو المجهول… وهنا كانت اللحظة.
من خلف الزقاق...
صوت خطوات ثقيلة وهمسات بلغة المال والدم. رجال طوال ببزّات سوداء وسيارات لا تشبه هذا الحيّ بشيء.
وفي مركزهم... وقف رائد العزمي.
عينيه تراقب ويده على مقبض سلاحه الذهبي.
لكن ما شدّ انتباهه لم يكن الخطر...
بل تلك الفتاة، التي خرجت فجأة من زاوية المسجد، تقف كأنها ضوء هرب من سجدة، وتنظر إليه بدون خوف.
لم يعتد أحدًا يحدّق فيه هكذا...
بهدوء، ببراءة... وبشيء لم يعرفه منذ سنين: الرحمة.
هي لم تكن تعرف من هو.
وهو لم يكن يعرف... أن لحظة كهذه، ستهزّ عالمه كله.
.
.
يتبع...
وقف رائد مكانه دون أن يُحرّك ساكنًا والهواء من حوله كأنّه توقّف.
منذ سنوات طويلة لم يشعر بشيء يُربكه.
لكنه الآن أمام فتاة قصيرة ترتجف من البرد لا الخوف، تنظر إليه كأنه إنسان... لا مجرم.
قال أحد رجاله بصوتٍ خافت وهو يقترب:
سيّد رائد خلّصنا من هالصفقة وخلينا ننسحب.
لكن رائد لم يجب.
كان نظره معلّقًا بتلك الفتاة...
كانت تحتضن الطفلة وتهمس لها بآيات قرآنية كأنها تحميها من الوحش الكامن في هذا الزقاق.
تقدّم خطوة.
ببطء.
قال بصوتٍ منخفض لكنه قاطع:
أنتِ... من أنقذك على هذه الأرض لتدخلي عالماً ليس لكِ؟
رفعت هدى بصرها إليه بثقة المؤمن الهادئ:
الله... هو من يُنقذ لا أحد غيره.
تجمّدت أنفاسه
كم من مرة سمع هذا الاسم يُتلى؟
لكنه الآن... شعر بشيء يضرب صدره بقوة.
اقترب منها أكثر وعيناه كالسيف.
اذهبي قبل أن تندمي.
قالت بهدوء:
الندم لا يعرف قلوب من تسجد.
استدار رائ وأشار بيده لرجاله أن ينهوا الأمر ويرحلوا
في صمتٍ غريب تحرّكت السيارات... وتبخّرت رائحة الدم والبارود وبقي هو واقفًا للحظة يحدّق في فتاة... لم تهرب، ولم تخف، ولم تساوم.
أدار ظهره ورحل.
لكن شيئًا منه... بقي عندها.
✨ همسات الليل وحراستها
عادت هُدى النجار إلى منزل والدها بعد أن أتمّت صلاة الفجر وحملت في قلبها تلك النظرة الثاقبة التي رآها فيها رائد العزمي.
دلفت بهدوء إلى حجرة الجلوس حيث تنتظرها والدتها مشغولة بتمليح الخبز لصحن السحور.
جلست هدى على الأرض بجانب سجادة الصلاة وسجدت مطويّة كفيها تُحدث ربها بين همسات الليل:اللهم اهْدِ قلوبنا وأصلح ذات بيننا… وأهدِ قلبه لما تحب وترضى.
مرت دقائق تشعر فيها بأثقال كثيرة: رهبةٌ خافتة من هذا اللقاء، وأملٌ في أن يتغير قلبٍ علّفته الجراح على القسوة.
صوت أمها الشعبانية الرقيقة يدعوها على الطعام:
هدى تعالي خذي لقمة قبل ما تسهرين تتفكرين كل اللي صار.
ابتسمت هدى خففت عن والدتها بابتسامة صافية وأشارت إلى طعام السحور.
لكن في زاوية قلبها لم تنسَ قط نظرات رائد وهي تشهد دموع الطفلة التي أنقذتها.
كانت تتساءل: هل سيتذكّرها؟ أم أنها فوق زمنه وغرفته المظلمة؟
🌌 مشهد الانتقال:
في نقطةٍ أخرى من تلك المدينة بعيدًا عن ضوء المآذن والهدوء الممزوج بالتفاؤل كان بعض رجال العصابات يتحركون في زقاق ضيق.
أحدهم يهمس بصوتٍ منخفض: يا جماعة سمعت إن عزمي حب يبلش يوسّع إقليمه بهالحي القديم…
وقالولي اللي يتعاون مع ابن “المدرسة” بيرجّعوه عمره.
ضحك الآخر: شوف منهم حرمة حاملين خبز لا هربوا يحسوا بروح الله عليك!
التفت الثالث نحوه بحدة:
– لا تستهزئ هالحي فيه ناس كتار أظهروا إيمانهم من سنوات وإذا رائد بيتدخل وبيحمينا منهم… رح نضيع.
الهدير الخفيّ لآلة السلاح كان يلقي ظلاله على البيوت الهزيلة.
كان الهدف واضحًا: إخافة أهالي الحي، ومنع أي شخص من الوقوف في وجه نفوذ رائد العزمي.
🕌 هدى في بيتها:
جلست هدى قرب النافذة تطل على الأزقة المتعثرة تستمع إلى هدير المحرّكات وتتصبّر.
لم تكد تطمئن إلى أن مدينتها ستظل آمنة بإيمانها وحده بل كانت تعرف أن الله يطلب منها أن تبذل ما في وسعها: الدعاء والدعاء ثم الدعاء… وسيرة الصلاح التي تنير للناس طريقهم.
دخل عليها أخوها الصغير، سعيد وعيناه ممتلئتان بالقلق: أختي… سمعت أشياء. يقولون إن عصابات جايّة الليلة… مكان ما؟
رفعت هدى بصرها إليه بهدوء:
– لا تخف يا بني الله معي ومع كل مؤمن.
تمسّحت جبينه بيدٍ حانية ثم أضافت: سأذهب الآن إلى المسجد، لأصلي ركعتين دعاء.
ارتشف سعيد فمه الجاف وقال: بما إن الزقاق قريب… لو صار شي… الله يستر هالحي.
ابتسمت هدى مبتسمة خفيفة، ولكن قلبها لَم يهدأ.
خرجت من البيت، زيّها الأبيض يخطف الأنفاس في هدوء الليل.
🌙 في فناء المسجد:
تحت ضوء القمر وضوء القنديل الوحيد المضاء بقرب محراب المسجد وضعت هدى يدَها على جدار قديم،تخشع في دعائها:
(اللهم احفظ قُرى قلوبنا، واقضِ عنّا كلّ خوف… يا حفيظ) …
ثم جلست ترتّل بعض الآيات وكأنّ شريطًا سماويًّا يفيض على قلبها بالسكينة.
ورغم أن صوت خطوات بعيدة لا يصل إلى أذنيها بوضوح، تشعّرت بأن هناك من يُراقب.
🖤 في مقر الصفوة:
في عمارة عاليةٍ محاطة بسيارات سوداء مطفأة الأنوار جلس رائد العزمي على كرسيّ جلده مجدول بالذهب.
من خلفه شاهد قديم لحربٍ قاسية وسيفٌ ذهبيٌ معلقٌ على الحائط.
لم تأتِ مكالمته من رجاله بل من أحد معاونيه المقربين: سيّد رائد، زقاق الحيّ القديم جاهز… بعض الشبان متحدون قالوا إذا (ابنة الخبازة) طلعت بدري… نبلّش الصحوة.
تقوّس حاجبا رائد وهو ينظر إلى قلادته الصغيرة التي تحتوي على آيةٍ من القرآن.
لم يستطع نسيان تلك الطفلة التي كانت بينها وبين هدى تلك المسافة المضيئة.
حاول إخماد غضبه بأنفاس قوية. قال بصوته الجاف: لا تجرّبوني مع إيمان هالعملة البيضاء. يا رفاقي… الحيّ في عهدتي لا تُشعلوا نارًا لا تُطفيها بعدين
ثم أدار ظهره ونار نظراته تحجب ضوء المصابيح.
انتهى الليل بدقات قلب هدى ودعواتها للسّلام.
وامتلأ الزقاق القديم بروائح الخبز والدعوات لكن يدًا غامضة كانت تسعى لنشر الخوف في القلوب.
وهو، رائد العزمي رغم ما في قلبه من ثقلٍ دامٍ شعر ببوادر حماية غير معتادة… كأنه يرفض رؤية ضوءٍ ينطفئ في حارته.
نهاية الفصل الثالث.....
.
.
.
يتبع....
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon