كانت "ليان" تمشي ببطء في ممر المدرسة، حقيبتها تتمايل على كتفها، وعيناها تنظران إلى الأرض كأنها تبحث عن شيء ضاع منها… ربما الأمان، أو ربما نفسها التي لم تعد تعرفها منذ فترة.
بدأت سنة دراسية جديدة، ولكن قلبها لا يزال معلقاً بسنة مضت... بسنة كانت فيها صديقتها المقربة معها، قبل أن تسافر وتترك فراغاً لا يُملأ. كل شيء يبدو مختلفاً الآن، حتى الأصدقاء الذين كانوا يملؤون المكان بالضحك، تفرّقوا، كلٌّ في طريق.
فجأة، وهي تلتفت نحو ساحة المدرسة، اصطدمت بشخص ما. تراجعت خطوة إلى الخلف، ورفعت عينيها بسرعة لتعتذر.
– آسفة، ما كنت منتبهة…
ولكن الكلمات توقفت عند شفتيها عندما التقت عينها بعينيه. كان واقفاً أمامها، طويل القامة، بشعر بنيّ داكن وعينين واسعتين فيهما هدوء غريب… وشيء لم تفهمه فوراً، لكنه جعل قلبها ينبض بطريقة مختلفة.
قال بصوت هادئ: – لا عادي، أنا الغلطان… أول يوم لي هنا وما بعرف طريقي تمام.
ابتسم ابتسامة خفيفة، ثم مد يده وقال: – اسمي "أدهم".
ترددت لثوانٍ، ثم صافحته بخجل: – ليان.
بدأ قلبها ينبض بسرعة غريبة، ليس لأنها وقعت في الحب، بل لأن شيئاً غير مألوف قد بدأ.
---
في الفصل، جلس "أدهم" في المقعد المجاور لها. لم تكن تتوقع أن يكون زميلها في نفس الصف. كل نظرة منه كانت كأنها تفتح باباً جديداً في قلبها، وكل كلمة يقولها، حتى لو كانت بسيطة، كانت تترك أثراً.
كان مختلفاً عن باقي الأولاد. لم يكن صاخباً ولا يحاول لفت الانتباه. كان هادئاً… لكنه يملأ المكان بطاقته الغامضة.
مرّت الأيام، وكل يوم كانت تشعر أن هناك خيطاً خفياً يربط بينهما. يلتقيان في نظرات صامتة، يضحكان على نفس الأشياء، ويكتبان الملاحظات لبعضهما في دفتر الرياضيات.
"ليان" بدأت تبتسم أكثر، تشعر بالأمان، كأن قلبها كان يحتاج فقط إلى من يفهمه بصمت.
---
في يوم ممطر، بقيت "ليان" في المدرسة تنتظر أن يتوقف المطر، حين ظهر "أدهم" يحمل مظلة.
– شكلك نسيتي المظلة، صح؟
هزّت رأسها بابتسامة محرجة.
قال: – يلا نمشي سوا، أوصلك للباب.
كانت تمشي بجانبه تحت المظلة، يداها متجمدتان من البرد، لكنه فجأة مد يده، ولمس أطراف أصابعها بخفة، ثم أمسك بها… بدون أن يقول شيئاً.
ولأول مرة، شعرت "ليان" أن العالم كله اختفى، ولم يبقَ إلا هذا الممر، وهذا المطر، ويده التي أمسكت بها.
---
في تلك اللحظة، لم يكن "أدهم" فتىً جديداً في المدرسة فقط… بل كان بداية شيء عميق، شيء لم تفهمه بعد، لكنه جعل كل لحظة تمر… أكثر دفئاً من التي قبلها.
الحب لا يأتي دفعة واحدة، بل نقطة بعد نقطة، كما ينزل المطر على الزجاج… وهكذا بدأت قصتهما.
في اليوم التالي، كانت "ليان" تجلس وحدها في ساحة المدرسة، تراقب أوراق الشجر تتساقط ببطء. الجو بدأ يتغير، والهواء فيه لمسة خريفية باردة. لم تكن تحب الخريف من قبل، لكنه الآن يبدو أجمل… ربما لأن شخصاً جديداً دخل حياتها وجعل التفاصيل الصغيرة أكثر دفئاً.
"أدهم" اقترب منها بهدوء وجلس بجانبها.
– تحبين الخريف؟
هزّت رأسها وهي تبتسم بخجل:
– ما كنت أحبه… بس الحين صار له طعم ثاني.
نظر إليها قليلاً ثم قال بصوت منخفض: – أحياناً الأشياء تتغيّر لما يدخل ناس جدد لحياتنا… ناس يخلونا نشوف الأمور بشكل مختلف.
شعرت ليان أن قلبها ينبض بسرعة. كيف يمكن لشخص ما أن يفهمها بهذه السرعة؟ هو لم يقل الكثير، لكنه قال ما يكفي لتشعر بشيء يتحرّك بداخلها.
– أدهم…
– نعم؟
ترددت قليلاً ثم قالت: – ليه جيت على مدرستنا؟ قصدك من أي مدرسة كنت؟
ضحك بهدوء ثم أجاب: – كنت أدرس بمدينة ثانية، بس انتقلنا فجأة. الموضوع ما كان سهل علي… بس يمكن فيه خير.
نظرت إليه، وابتسمت بهدوء.
– أحياناً القدر يأخذنا لأماكن ما خططنا لها… بس تطلع أحلى مما نتوقع.
---
مع مرور الأيام، بدأ الكل يلاحظ أن هناك شيئاً مميزاً بين ليان وأدهم. لم يكونوا يعلنون عن مشاعرهم، ولم يتحدثوا بصوت عالٍ، لكن النظرات كانت تكشف كل شيء. كانوا كأنهم في عالمهم الخاص، يفهمان بعضهما دون الحاجة لكلمات كثيرة.
في أحد الأيام، كتب لها أدهم ورقة صغيرة وتركها في دفترها، كتب فيها:
> "مو لازم نفهم كل شيء من البداية، بعض الأشياء تحتاج وقت… مثل الورد، ما يفتح فجأة، لكنه يزهر لو اعتنينا فيه."
أمسكت ليان الورقة بيدها، وضغطت عليها إلى صدرها. لم تتوقع يوماً أن تجد شخصاً يعبّر بهذه الطريقة، بهذه الرقة… وكأن قلبه يتكلم بلغة تشبه لغتها.
---
ذات مساء، بعد انتهاء الدوام، خرجت ليان متأخرة من الصف، فوجدت أدهم واقفاً عند الباب وكأنه ينتظرها.
– تأخرتِ…
– كنت أكتب شي بسيط.
– شي يخصني؟
ابتسمت بخجل ولم تجب. سار بجانبها بصمت، ثم توقف وقال:
– ليان…
– نعم؟
– تدرين إنك الشخص الوحيد اللي خلاني أحس إني مو غريب هنا؟
ارتبكت، قلبها بدأ ينبض بشكل غير طبيعي. نظرت إليه، وابتسمت:
– وأنت الشخص الوحيد اللي خلاني أحب الخريف…
ضحكا معاً، وكانت تلك اللحظة كافية لتخبرهما أن شيئاً بدأ، شيء قد لا يفهمانه الآن، لكنه جميل بما يكفي ليجعلهما ينتظران فصوله القادمة.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon