"وَ لَقَدْ رَأَيْتُكِ فِي مَنامِي لَيْلَةً
فَنَسيتُ مَا قَدْ كَانَ مِنْ أَحْزانِي
وَ حَسِبْتُ نَوْمِي فِي حُضورِكِ يَقْضَتا
حَتى أفَقْتُ على فِراقٍ ثانِي
لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أنَّ ٱلْحُلْمَ يَجْمَعُنا
لَأَغْمَضْتُ طُولَ ٱلْدَّهرِ أجْفَانِي"
\*\*\*
في منزل المركيز ادريان لويس و بضبط على عتبة باب غرفة روز لويس الابنة الكبرى للمركيز...تدق فتاة شابة ترتدي زي الخدم برقة باب الغرفة...
ادخل... (قلتها بصوتها الرقيق العذب كخرير المياه)
_ أنسة روز إن مبعوث الملك الان مع السيد المركيز في غرفة الضيافة و هم ينادونك...
حقا! مذا قد يريد الملك من والدي؟....حسنا انا قادمة.
غادرت الخادمة من الغرفة بعد ان انحنت احتراما،.... تتجه روز لغرفة الضيافة و في دهنها عدة تساؤلات،...لماذا قد يريد مبعوث الملك مقابلتي ؟..او بالاحرى لماذا هو هنا اصلا؟
مرحبا!...
_روز اجلسي.....قال المركيز.
تكلم المبعوث و قال:هذا المرسوم من جلالة الملك و يقول:" بإسمي انا جلالة الملك اطلب يد ابنتكم روز لويس لابني الامير و ولي العهد ارنولد فوريست " انتهى...
توسعت قزحيتا روز في ذهول و هول من ما سمعته....لم تستطع النطق، لا بل لقد نسيت كيف تتكلم...
قام مبعوث الملك من مكان جلوسه و قال:
_استأدنكم الان الذهاب
_تفضل...قال المركيز
و نادا على الخادمة لتوصله الى باب القصر،....و قبل أن يتفوه بكلمة قاطعته روز:
يجب ان اوافق على هذه الخطوبة و احرص ان اتزوج الامير ارنولد لمصلحة العائلة و مكانتها الاجتماعية... صحيح هذا ما ردت قوله؟
لم يستطع المركيز قول اي شيء فأكملت روز:
أعلم أنه ليس لدي خيار آخر، و حتى لو حاولت الرفض ستقول ن هذا لا يجوز لان الملك اللعين سوف يحقد على عائلة لويس...(قالت و هي تنظر للأسفل بتحسر)
_ روز اعلم انك لات....
قاطعته روز و قالت:
ابي توقف لا تزد الطين بلة، قلت اني اعلم ما ستقوله لذا لن اقدم على اي اعتراض، على اي حال ليس لي مفر من هذا...(قالت بهدوء)
_اشكرك لأنك تراعين لهذه العائلة و تفدين رغباتك و مستقبلك من اجلها،... على اي حال سأنصرف الان، تأكدي من انك ستشرفين النسب الذي تحملينه...(قالها بكل رضى)
لم تتفوه بعدها روز بكلمة و ذهبت الى غرفتها...اغلقت الباب ثم تناولت الوسادة و بدأت تضرب و تركل و تعض فيها بكل ما اوتت من قوة، لتخرج شرارة غضبها في تلك الوسادة.
عندما يقيد المرء مشاعره يصعب عليه تحملها،...لذا يفرغها في اقرب شيء أو شخص.
قالت روز و هي تصرخ:
"لازلت في السادسة عشر و سأخطب لذلك السافل، المتكبر، متجمد الملامح و عديم الاحساس....اللعنة عليك يا ولي العهد الحقير!"
توقفت قليلا و قلت مجددا:
"لابد انه مجبر علي هو الثاني بسبب والده، كلانا في نفس الموقف، على اي حال مضطرة ان اقبل بهذه المهزلة،...ربما قد تفيدني هذه الخطبة التافهة قليلا"
دقيقة! تناسيت ان اصف لكم بطلة حكايتنا.....
روز فتاة طويلة القامة نسبيا، دات ملامح بريئة و عينان واسعتان و لها رموشها طويلة، لون قزحيتاها كالبن، و شعرها مموج حريري ملمسه كالتراب الناعم بلونه لغريب، ليس بنيا ولا اشقر بل خليط من الاثنين، جسمها نحيف و بشرتها بيضاء مائلة للاصفرار ....حري بك ان تتخيل كيف.
كانت تلقب بجنية الغروب لشدة حبها له و كذا لانها تشبهه، و تعتبر من اجمل نبيلات المملكة فوريست،... الا انها لا تحب هذه الألقاب، لطالما قالت:
"هذه المعايير التي يقاس بها النبلاء او الناس بشكل عام ما هي الا سخافة، يحددون الشروط و الاسس التي ترتاح لها انفسهم ثم يصنفوم الأفراد من خلالها، و كأنهم هم من خلقوا البشر او الكائنات بالمجمل،....يحبون القطط و يحبدون الحمير بسبب اشكالهم رغم ان الحمير اكثر عونا، البشر حقا غريبون!"
تجلس روز في الحديقة بجانب ازهار التوليب التي تحبها و تحتسي الشاي كما تفعل جل النبيلات عادة، و تجلس بمقابلها فتاة تبدو بنفس عمرها يتناولان اطراف الحديث، الفتاة تدعى املي، ابنة عائلة فقيرة من الطبقة البروليتارية، والدها يعمل في احدى مناجم الفحم الذي تملكه احدى العائلات النبيلة، و امها خادمة ضعيفة المستوى في القصر الملكي، يبيعون انفسهم باجر زهيد لا يسمن ولا يغني من جوع،....مات اخوها الصغير قبل سنتين جوعا و هو لازال رضيعا،...انهم حقا يعيشوع الشظف...
التقت روز بإملي في احدى الايام الماطرة، عندها كانت املي تجلس على عتبة باب بيتها الذي غرق من المطر، بيت بدا كسرداب متهالك قديم،...ادخلتها روز الى عربتها الفاخرة لتحتمي من الوشوشات السموية، و ساعدتها ماديا في اصلاح منزلها، صادف أنهما يتشاركان عدة أشياء، رغم كونهما من عالمين مختلفين، كفيل في رقعة بيضاء و آخر في سوداء (في الشطرنج)،...بعدها اصبحتا تلتقيان كلما سمحت لهما الفرصة، رغم رفض عائلة روز هذه الصداقة في البداية بسبب الفوارق الاجتماعية، لكن مع ذلك اصرت روز حتى اقتنعوا.
_ اذا ما الجديد في احوال جنيتنا...قالت املي.
لا تذكريني...اتمنى الموت كلما تذكرت اني خطيبة متحجر الوجه ذاك.
اخدت املي رشفة من كوبها و قالت:
_ لكني سمعت انه وسيم...!
عزيزتي املي الاشخاص الوسيمين هم دائما الاشرار،...ايضا ليس كل ما يلمع ذهب!
_هه...اضن انك تبالغين ربما ان تعرفتي عليه سوف تحبينه...!
هذا لن يحصل، بعيد كبعد السماء عن الارض، نحن كمرجين لا يلتقيان.
_ لا تقولي هذا انا و انتي ايضا مختلفتان كل واحدة منا من عالم، بينما انا في العوز و الفاقة انتي في نعيم لكننا الان معا!
املي يجب ان تدركي اننا لم نولد في هذه الحياة لنكون سعداء، و الحياة لم تخلق بشطرين، السعادة، و البؤس، فتولد في احد هذه الشطرين نسبتا الى حضك...بل نحن من نخلق الضروف، لطالما كنا العامل المتشكلة عليه حياتنا و مشاعرنا....ليس كل من اغناه الله سعيد و ليس كل من افقره بائس، هل ابدو لك سعيدة؟!
_لو كنت مكانك لكنت سعيدة....
لو كنتي مكاني لختلفت قناعاتك...!
_ أضن انك على حق...الحديث معك ممتع لاكن يجب ان استأذن علي الذهاب للعمل انه يبدأ باكرا هذا اليوم
لا بأس رافقتك السلامة....
_اممم روز! اردت ان اسألك!
تفضلي!
_ لماذا تفضلين صحبتي و ليس لديك صديقات من العائلات النبيلة، رغم انك يمكنك ان تجذبيهم اليك ببساطة؟
الفتياة من العائلات النبيلة حقا بائسات، و تافهات كل ما يشغل بالهن المظاهر و المراكز الاجتماعية، و احديثهن عبارة عن فلان عمل و علنان فعل، ناهيك عن التعليقات السخيفة.
_ فهمت..وداعا.
غادرت املي القصر بعد ان ودعت روز و بعدها بربع ساعة تقريبا عادت روز الى القصر ثم دخلت الى غرفتها، لقد كان يومها متعبا، ليس جسديا، بل نفسيا، تلاشت كل احلامها بسبب ذلك المرسوم السخيف من الملك،...غالبا لو كان فتاة اخرى مكانها لتراقصت من السعادة، لكن هي كان لديها رغبات و احلام بنت مستقبلها عليها و على عدة اسس، و الأن كل تلك الاسس تسقط بسبب خطبة غبية، يالا قسوة القدر.
_ أنسة روز السيد المركيز و المركيزة ينتضرانك على طاولة العشاء... (قالت الخادمة من وراء الباب)
حسنا آتية....(اجابت روز بصوت منهك)
جلست على الكرسي الذي الفته مند نعومة الظافرها بعد ان ألقت التحية على والدها و امها المركيزة اريس التي تبدو كنسخة طبق الاصل من روز، و اخوها الصغير لوكس الاصغر سنا، اشقر الشعر و ازرق القزحيتين، كوالده المركيز.
_ اذن عزيزتي ما قولك في امر الخطبة...قالت اريس
لقد تكلمت مع والدي سابقا، لدا اتمنى ان لا يتم ذكره الآن و أنا آكل.
_ اذن انتي وافقة؟
و هل هناك حل آخر...؟
_ انا فخورة بك.
لم تقل روز شيئا بعد ذلك و تابعت الاكل، بعد ذلك نطق المركيز و قال:
لقد اتاني مبعوث الملك الملك مجددا قبل ساعات و هو يقول اننا مدعوونا لعشاء مع العائلة الملكية بعد الغد...
لمذا...؟ قالت روز
_أليس واضحا، نيت الملك من هذا العشاء هي ان تتعرفي الى الامير....قال المركيز
لقد رأيته عدة مرات من قبل في تلك الحفلات الراقصة.
_ الان ستقابلينه على اساس انه خطيبك، و ايضا لتركي عنك قليلا تلك الكتب و الأوراق التى لا تفارقك...
انتهى الحديث هنا و عاد كل منهم الى اشغاله، و روز عادت الى غرفتها، لتغرق مجددا في كتبها و كتابتها و تغوص في طياتها.
ما اجمل الكتب...و ما اروع ان تكون كاتب!
خلدت روز الى النوم و في احضانها كتابها الذي كان بعنوان "ليالي بيضاء".
و هكذا انتهى يومها....
انه آخر يوم قبل العشاء التافه...قالت روز
غيرت روز ملابسها و ذهبت لتناول وجبة الإفطار رفقة عائلتها، انتهت من الفطور بعدها ذهبت لتجلس في مكانها المعتاد بجانب ازهارها المفضلة تقرأ كتابا جديدا و تحتسي الشاي في هدوء.
ما اجمل تلك اللحضات التي تمر علينا بصفاء و سكينة، لا ندرك قيمتها الا عندما نفقدها.
لعنتنا نحن البشر تكمن في كوننا لا ندرك قيمة الشيء الا عندما نفقده.
لقد اتت املي عند روز مجددا هذا اليوم، يبدو انها لا تعمل الا في المساء.
اهلا بك...قالت روز
_كيف حالك؟
كما ترين...
جلست املي عند المقعد المقابل لروز و قالت:
_ إذا
اذا ماذا....قالت روز
_ هيا اخبريني حدث شيء انا أعرفك...!
غدا سأذهب لحفل عشاء بإستضافة العائلة الملكية.
_ إذا ستقابلين سموه...
للأسف
_ ابتهجي سيسير كل شيء كما تودين...
هل تضنين انني خائفة من الانطباع الذي سيأخذونه عني؟ بالطبع لا، انا فقط لا اريد مغادرة مكان استطيع التصرف فيه على هيأتي...
_فهمتك..
بعد مرور ساعة غادرت املي و بقيت روز رفقة كتابها غارقة بين السطورٍ تحملها بين العوالم و الافكار و القيم.
الكتب حقا نعمة لا يدك قيمتها الكثير من البشر...
بعد عدة ساعات عادت روز الى غرفتها لتأخذ قسطا من النوم و تريح باطنها.
احيانا تحسد الناس الذين يستطيعون النوم من اول غمضة عين، و لا تتراقص في عقولهم الافكار و الهواجس...
بعد قرابة ساعتين استيقظت روز من غفوتها و اتجهت للمطبخ لتأكل شيئا حلو، لطالما احبت كعك الفراولة و الكريمة، تشعر ان طعمها يسرح بها في اعماق عواطفها.
_ أنسة روز، تودين كعك الفراولة كالعادة.....قالت كبيرة الخدم
اجل من فضلك
_ تفضلي حضرتها من اجلك.
شكراا!! لا اتخيل العيش من دون كعككْ الذي لديه طعم الاحلام..
_ هه...و نا لا اتخيل العيش من دون ابتسامتك التي تبعث بريق السعادة
ماريا !! لا تقولي هذا ستجعلين قلبي ينفطر...اضن اني سأبكي.
عانقت روز ماريا و هي تقول هذه الكلمات....
_عزيزتي لا تبالغي!
انا حقا لا ابالغ...قالت روز
جميلة هي تلك المشاعر التي تربطنا بالناس و الاشياء مهما كانت بسيطة...تلك المشاعر التي تجعل منا بشر.
انتهى يوم روز هكذا بعد ان تناولت بعد ان تناولت العشاء مع والديها و اخيها لوكس.
صباح يوم الحفل....
تبا انه يوم العشاء البائس، هل علي حقا الذهاب، لست مستعدة لدخول في حوارات تافهة حول مراسم الخطية....قالت روز بتدمر
_ انستي هذه ليست الفاض تتفوه بها فتاة نبيلة...عليك التحلي ببعض الحِلم
_لا مجال للمجادلة!
_ انستي لما تدعين التغابي؟
لما هذا السؤال الان؟
_ اريد ان اعلم فقط...
في مجتمعنا لا يتم الاعتراف بالانثى على أساس المساوي للذكر في ثقافة، اعترف حقا انه لا يمكن ان نتساوى مع الذكور هذا لا يجوز اصلا، لكل دي حق حقه، لكن عندما يتعلق الامر بالفكر علينا أن نحترم اننا نتساوا في القدرة على التفكير و التعلم، لكن لا يتم الاعتراف بهذه الحقيقة، لذا أفضل التغابي على أن التعرض للقمع.....قالت روز
_فهمت !
و كالعادة امضت جنية الغروب باقي يومها بالقراءة وسط ازهار التوليب البيضاء تحتسي الشاي و تتناول الكعك، يجب ان تستمتع بهذه اللحضات الصافية الان لانه بعد هذا يتوجب عليها ان تدرس سلوكيات الملكة لكونها خطيبة الامير، انها حقا تنفر هذا!
انها الساعة السابعة مساء، عليها البدء في التجهيز لمقابلة الامير، تلك المقابلة المغلفة باسم عشاء ملكي...
اختارت فستان بسيط الشكل لكنه انيق المضهر، بدا الفستان و كأنه يتراقص على جسمها كأشعة الشمس التي تلامس سطح البحر الهادئ اثناء غروب الشمس، بني فاتح بينما الجزء العلوي ابيض و الاكمام الواسعة المبطنة بالتناديل، مزين بكشكشات رقيقة تضفي عليه لمسة براءة و نعومة، متوازن بين الرقة و بساطة التصميم، بدت به كملاك خالد يجسد تواضع المظهر و ذروة الجمالية...
وضعت زينة فراشات صغيرة و بسيطة على شعرها، فما زادتها الا بهاء....
"سِحرٌ تلالا في عيونِها البهية
وجمالٌ كالأشعة في السماء العالية
كأنها من نورٍ قد خُلِقت في الرؤى
وأطيافُها تهمس في الأفق البهية
في وجهها البدرُ يعجز عن التّألق
وأنفاسها لحنٌ شجيٌ في الأمل."
تخطت روز عتبة الباب بعد خروج والديها و اتجهت نحو العربة الخلابة.
ـ ابنتي تبدين خلابة....قالت الماركيزة
ـ في الواقع لقد ارتديت ابسط ما لدي بالإضافة لاني لم اصفف شعري
ـ هذا لانك تبدين دائما جميلة عزيزتي
ـ لا يهم....
انتي الان تقولين هذا لا اتذكر ني تمعت منك كلما جميلا لي من قبل...قالت روز في نفسها.
ركب الجميع العربة و اتجهوا الى القصر الملكي...
ضلت روز تتمعن في ما وراء زجاج النافذة تنظر الى السهول الخصبة التي تحيط بمنطقة القصر الملكي و الذي هو نفس اسم العائلة المالكة.
وصلوا الى القصر و استقبلهم الملك شخصيا، لا يبدوا هذا يديها رغم كون روز الان تعتبر خطبة ولي العهد ولا مجرد نبيلة.
انه الملك آرثر فوريست شائب الليحية و اللُّحى له هالة ملكية بحق، طوله طبيعي و ازرق القزحية.
دخلوا الى القصر و قد كانت القاعة الرئيسية مجهزة بالفعل للعشاء البسيط.
القصر من الداخل بدا كمتحف عتيق، يؤلم القزحية من بريقه عند النظر اليه، لا يسعدك سوى أن تحدق بفم مفتوح على مصاريعه عند رأيته...
ـ تفضلوا بالجلوس...قال الملك.
بعد لحضة...يسمع قرع كعب عل على سلالم الطابق الثاني لتظهر شيئا فشيئا امرأة في أواخر الثلاثينات دات شعر اسود قاتم كالليالي الحالكة، خضراء المقلات بيضاء الجلد بملامح حادة و جفون مفتوح على مصاريعها كالبوم،...انها الملكة اوفيليا، يشاع انها ثعلبة، اما قصة كونها ملكة فكما انتشر في سالف هذا العصر و الزمان،...ما هو الا زواج سياسي.
قام الحاضرون لتحية الملكة اوفيليا
ـ تحياتي لقمر المملكة... قال الماركيز
أومأت الملكة رأسها بالايجاب بدون اي تعابير، و جلست في المقعد المقابل لموضع جلوس الملك و قالت:
ـ اين ارنولد؟
ـ لم يصل بعد...قال الملك
بعدها سكت قليلا ثم اردف:
ـ بدا مشغولا هذه الايام.
ـ و كيف لا يكون...قالت الملكة
بدأ الخدم في جلب الصحون و توزيعها حول المقاعد بنتضام يليق بخدم القصر الملكي، فغالبا يكونون من عائلات نبيلة.
ـ اذن يا بنت الماركيز، هل تضنين انك مناسبة للمنصب الذي ستتربعين عليه؟...قالت الملكة
لا تبدوا الغاية من السؤال تابتة، و قد تختلف المقاصد نسبة للرغبة، ربما قصدت الملكة ان تضع روز في موقف متوتر تظهر فيه ضعف بنيتها المعنوية، ام محاولة بائسة تسعى الملكة منها لتحد من آفاق روز...
و لان روز فهمت هذا قررت مجاراتها على نمطها،...لا تريد ان تدخل في صراع الفائز فيه النظام الأرستقراطي، فقالت:
ـ وجهات النظر و الضنون تختلف من شخص لآخر جلالتك، لكن في هذه الحالة، القرار لا يعود الي، بل لجلالتك، ان كنتي تضنين انني ملائمة فأنا كذلك، فكيف أجرؤ ان اقيم بدل سموك...
ـ إجابة جيدة...
قالت الملكة بعد ان لم تجد ما تضيف، فهذا جواب يرضي كبرياءها اكثر مما كانت تريد ان تضع فيه ابنة المركيز.
طغى الصمت قليلا ثم اردفت الملكة قائلة:
ـ هل يجب ان ننتظر الامير ارنولد...
ليطمس الرد قول الخادم الذي أتى مهرولا و انحنى للمجلس:
ـ سمو الامير قد وصل جلالتك
خطى ارنولد داخل الاقصر ليبرز مظهره شيئا فشيئا،...شعر اسود حالك كسواد ليالي الشتاءٍ بلا قمر، أزرق المقلات، طويل القامة بشكل طبيعي يليق برجال هذا العصر و وجه جميل بملامح حادة...
قام الضيوف او بالأحرى عائلة لوس بتحية الامير ثم عادا الى مقاعدهم،...جلس ارنولد على المقعد المقابل لروز، و لم ينطق بشيء.
***
#روز
دخل ما يزعم الآن انه خطيبي، سالما معافى على عكس تمنياتي له بالهلاك،.. و ها هو يجلس امامي كما لو اني اشتهي النظر الى وجهه الانعم من وجوه النساء، حتى ضننته واحدا منهن.
على ما يبدوا ففكرة هذه الخطوبة ليست بجحيم للنفس الى هذه الدرجة، يمكنني استغلال السلطة التى سأكسبها من خلال كوني خطيبة ولي العهد، لكن في المقابل هذا سيخلق لي رهانات كثيرة و عداوات مع سيدات ما يسمى بالمجتمع الراقي القدر، هنا الأمر يعتمد على قدرتي على الهيمنة على الدوائر الاجتماعية،...وقد اشارك في عدة استثمارات بستعمال الاسم، و عند فك الارتباط، سأغادر ماركيزية لويس الكريهة الى السهول الغربية و اعيش مع قطة و دجاجة...
اني افكر كثيرا،...لكن لامر يستحق التجربة.
\*\*\*
سيطر الصمت على المجلس بشكل غير مريح، ليكسر داك الصمت صوت الملك، يتحسس لحيته القصيرة بنظرة غير مفهومة:
ـ آنسة روز ما هو رأيك بالامير؟
لماذا نواياكم كلكم غير مفهومة،..قالت روز في نفسها.
و لتتجنب الوقوع في أي حوار طويل و الذي سيكون بمتابة استجواب لها:
ـ اني يا جلالتك اؤمن بقول الشاعرة
"لو كانت الاجسام معيار هوى
ما ضل بالكتب مشاعر شاعر
ما الجسم الا قالب نحيا به
و طال الإقامة فهو عابر. "
ـ جميل جواب غير متوقع...
تصريح صريح على انه كان يستجوبني...قالت روز في نفسها.
أضاف الملك على قوله:
ـ اذن ما هو معيارك، المبادئ و الاخلاق؟
"وقعت"...قلت روز في قلبها
ـ تسقط المبادئ و الاخلاق الحسنة عند الحاجة، و ايضا تختلف اشكل هذه القيم نسبة لزمان و المكان، لتواكب كل حضارة مع متغيراتها، اي انها غير ثابتة، لذا لا يمكن اعتبارها معيارا.
ـ اذا؟ (قالها و هو ينصت بتمعن و اهتمام)
ـ يقاس الناس نسبة لستخدامهم لادمغتهم، فما هي قيمة امرء سادج لا يصلح حتى ليكون عبدا او جارية،.. و ايضا يقاس الناس لمستوى فائدتهم و مساهمتهم.
ـ و هل تضنين ان هذا المعيار هو الذي يجب أتباعه؟...(اردف الملك بهتمام)
ـ ما هي الا وجهة نظر شخصية جلالتك ،...تختلف آراء الناس تجاه هذه المعيير، لا يوجد مقياس يقاس به البشر الا و به ثغرات، و الثغرة المشتركة بينها، انها لا يمكن ان تنصف كا امرء و تجعلهم متساوون، دائما ستضل تلك التفاوتات، و لا يمكن ان تقضي على هرم المناصب المتحيز.
ـ أجمل بما تقولين! لذيك وجهة نظر مميزة، لم اكن اعلم ان بنات النبلاء يهتمون بالمواضيع التي تمس المجتمع.
"اجل انهم كذلك لا يهتمون بها، فمن الاحمق الذي يعيش في الجنان سيهتم و يحاول الشعور بالمآسي، سيترك القصور و المزهرة و ينظر الى الأزقة المتهالكة و الاكواخ التي تبدوا كعرائن عفاريت، لا يوجد احمق سيفعل،...لطالما آمنت اني مجنونة"...فكرت روز في نفسها
و قبل أن تجيب الملك، إلتف الحظور الى الامير الذي نطق فجأة بعد سكوته الطويل:
ـ من كلامك استنتج انك تقولين انه لا قيمة المبادئ و الاخلاق و لا تؤمنين انها مهمة في حياة إنسيٍّ، هل تقولين اننا يجب أن نتخلى عن القيم التي تمنعنا من الطغيان و الخطيئة؟...(قال بصوت عميق يخترق الالباب)
ـ سموك هل هذه القيم حقيقية على اي حال؟ نحن لا نولد بحس العدالة و المساوات و انما نصقل عليها، الاشياء الحقيقة هي تلك الفطرية فينا، بالإضافة إلى ذلك ليست تلك القيم هي التي تمنعنا من الخطيئة، لو لم تكن ستقضي باقي حياتك وراء القطبان ان سرقت لرأيت الكل يسرق، ولو لا انك ستعدم ان قتلت، لارأيت الناس يتهافتون على لحم البشر، طبعا لكل حالة استثناء لكن المصالح طاغية،...ببساطة الخوف هو الذي يمنعنا من فعل الشنائع،..و على ذلك كيف كنت ستعرف أن السرقة خطيئة لو لم يخبروك ذلك منذ نعومة اضافرك، و هل هي خطيئة اصلا، ام هي مجرد وجهة نظر سليمة ساعدت في تنظيم المجتمع؟ بالإضافة لاني لم اقل انها غير مهمة، لكنها ليست معيارا سليما، الان أحوال القلوب متقلبة.
"لقد تحمست اكثر من الازم"...فكرت روز في قلبها
و قبل أن ينطق احد مرة أخرى، كسرت الملكة جو الحوارات هذا قائل بطوت ناعم و بشاشة مصطنعة:
ـ اضن انه يجب علينا ان نأكل...
تكره نساء المجتمع الراقي ان يكن مطرودات من حوار ما، لذا يحولن إعادة مجرى الحديث إلى ما يستطعن البروز فيه، و هذا ما فعلت الملكة.
ستحضى روز لمحاضرة طويلة عريضة بعد كلامها هذا ، لانها في نظر الماركيزة تركت انطباعا عن كونها بدون اخلاق و لا تحترم القيم و كدا، ربما هكذا ستفهم ان نضرت للحوار بسطحية ، لا تتوقع روز ان تفهم طريقتها بل لا تتوقع شيئا بالأحرى.
بعد الانتهاء من الوليمة التي بدت تليق بالعائلة الملكية من فخامتها المبالغة، بهذف اظهار امكانيات العائلة المالكة،...ولا شك انه من فعل الملكة...
قال الملك:
ـ سيتم الاعلان عن الخطوبة في الحفل الراقص الخريفي.
"تبا لا رجعة"..فكرت روز
اردف الملك:
ـ و لانه لم يعد يفصلنا عن الحفل سوى بضعة أسابيع، ستبدأ التجهيزات قريبا.
ـ يسعدني ان اشارك في المساعدة لتجهيز للحفل جلالتك...قال المركيز
اومأ الملك رأسه بالايجاب عن ما قيل.
حفل الرقص الخريفي هو حدث يقام في القصر الامبراطوري في ثاني يوم من ايام الايام الأربعة لمهرجان الخريف الذي يحتفل به في العاصمة،... تزين الأزقة، و تعتمر بالناس و الباعة، بينما تعلوا الضحكات...اما في الزاوية المظلمة يتكدس الحاشية، لا سائل و لا مكثرت، ترقع المدينة بطابع الزهاء، بينما الواقع ينغر الالباب و يعفنها.
ـ انه ظهورك الأول في العالم الاجتماعي، و ستقدمين كخطيبة ولي العهد، اتمنى ان تتركي طابعا يليق بمكانتك...قالت الملكة بأسلوب فض
ـ لا تقلقي جلالتك...قالت الماركيزة بتودد و تملق مقرف
استمرت الاحاديث القيل و القال تعمر فضاء المجمع بينما غرق كلا من ارنولد و روز في اعماقهما و كأنها ينتضران فقط وقت مغادرت هذا الوسط الذي يملأه النفاق.
انتهت المأدبة و غادر المركيز القصر، و مع و صولهم الى القصر اسرعت روز و هي تهرول الى غرفتها لتغير ملابسها الى منامة مريحة و ترتمي على السرير، لتغط في نوم عميق تتمنى ان لا تستيقظ منه...
***
تخترق أشعة الشمس الذهبية الزجاج الشفاف لتترقع بعشوائية على أركان الغرفة، ترتفع الجفون المرصعة برموش سوداء قاتمة لتظهر مقلتاه الزرقاوتان تتضارب فيهما امواج العدمية، لا هذا ولا ذاك...لا شيء.
تلتف عقارب الزمن بالعكس ليعود بأزرق المقلات شريط الى الماضي، حيث تخبطت اصواتٌ في بعضها في غرفة لا يظهر فيها سوى بصيص نور يكاد لا يرى، مهما لاحقته فقط ستتوسع الفجوة بينكما، و مع هذه الاصوات مجهولة المصدر، يفقد المرء حواسه يتلاشى اتصاله بالواقع، فيصبح غارقا في دوامة من المجهول تقود العقل الى الجنون،...
و وسط هذه الظلمة القاتمة يتربع فتى من حجمه لم يرى من الحياة شيء، معانقا جسمه الصغير النحيف، ماسكا رأسه من هول الاصوات المتخبطة موجاتها في بعضها حتى تفجير طبل الاذن، ...تخترق الحاسة حتى الصم،...
غرفة كجحيم للاحياء...
الا يبدا هذا الطفل مألوفا، شعر اسود ، عينان زرقاوتان، شاحب الوجه،...
ارنولد دي فوريست.
***
«لقد بلغ عدد ضحايا الاختفاء الحد الاقصى الذي يمكننا تجاهله»
«يبدوا انه يجب ان اتعامل معها بنفسي »
«هرجة مهرجان الخريف ستكون الحدث المناب لممارسة الاختطافات بأرياحية، و لم يعد يفصلنا عنه سوى بضعة ايام، نظرا الفوضى سيتلاشى حذر الجاني و يسهل امساكه، انه الوقت المناسب للتحرك.»
«سنبدأ في اول ايام المهرجان، يمكنك المغادرة»
يغلق مساعد ولي العهد الباب خلفه لتغرق الغرفة في السكون، لا حركة سوى حركة اعين ارنولد التي تتفحص السجلات...
.....
قبل شهر من الان بدأت تظهر عدة اختفائات المرج انها حالة اختطاف في الأماكن المهملة التي يعيش بها حاشية الناس، قد كان العدد في البداية لا يقبل التحقيق فيه، لكن نظرا لتمادي الجاني لم يعد هناك مجال لتجاهل القضية، و ان تطورت اكثر فقد تبدأ المساس بالطبقة البرجوازية و هذا سيبسبب اطرابا كبيرا في المملكة...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon