NovelToon NovelToon

المنزل رقم 6

الجزء الأول: الطَرق بعد منتصف الليل

كانت الساعة تشير إلى الثانية صباحًا عندما سُمِع الطَرق الأول.

طار النوم من عينيّ "سُهى"، وارتجف جسدها كأن أحدًا أيقظه بالعنف من حلم مزعج.

الطرقات كانت بطيئة، ثلاث طرقات متباعدة... ثم صمت.

تسلّلت إلى النافذة بحذر، ونظرت من خلف الستائر الثقيلة... لا أحد.

لكنها لم تكن تحلم. الصوت كان واضحًا، عميقًا، وكأنه طَرق على باب قلبها، لا على الباب الخشبي القديم.

كانت سُهى قد انتقلت إلى هذا المنزل منذ أسبوع فقط، هربًا من حياة المدينة وضجيجها، لتبدأ من جديد بعد حادث فقدت فيه كل شيء. لكن المنزل رقم 6 في نهاية الطريق الريفي لم يكن كما وصفه الوكيل.

كانت تشعر أن الجدران تنظر إليها. أن الأرض تحت قدميها تتنفس.

وها هو الطَرق يبدأ من جديد... ولكن هذه المرة من النوافذ.

الطَرق بعد منتصف الليل (تكملة)

كانت الطرقات تتكرر.

مرة على الباب، مرة على النافذة، ثم تعود للصمت... وكأن شيئًا يلهو بأعصابها.

سُهى تماسكت، أشعلت مصباح الطاولة، واقتربت من الباب وهي تتمتم لنفسها:

"مجرد رياح... أو حيوان من الغابة."

لكن عقلها لم يصدقها. الرياح لا تطرق بهذا الانتظام.

وضعت يدها على مقبض الباب ببطء، قلبها ينبض في أذنيها. فتحت الباب فجأة...

ولا شيء.

صمت كثيف، وضباب يغمر الحديقة الأمامية.

أغلقت الباب بسرعة، لكنها لحظت شيئًا على الأرض أمام العتبة...

طين.

أثر حذاء واضح، حديث، يتجه نحو الباب... ولا يوجد أثر للعودة.

في اليوم التالي، ذهبت إلى البقالة الصغيرة في وسط القرية. أرادت أن تتحدث مع أحد عن ما حدث، عن الشعور الغريب الذي يلازمها منذ أول ليلة. لكنها لم تجد من يتحدث.

كل من يراها... يشيح بوجهه.

فقط العجوز "أم جابر"، التي كانت تبيع الخبز والبيض أمام منزلها، همست لها فجأة:

"ما تسكتي للصوت... لا تفتحي الباب إذا سمعتيه... مهما صار."

ثم أغلقت بابها بهدوء، تاركة سُهى أكثر خوفًا من ذي قبل.

وفي تلك الليلة، جاء الطَرق من جديد.

لكن هذه المرة... كان الصوت يأتي من الداخل.

الطَرق بعد منتصف الليل (الختام)

سُهى تجمّدت في مكانها.

الطرقات هذه المرة لم تكن على الباب... بل من داخل المنزل، من الجدار خلفها تحديدًا.

ذلك الجدار الذي لم تلحظ وجود أي شيء غير عادي فيه.

وضعت أذنها عليه.

صمت... ثم: طق... طق... طق.

تراجعت خطوة للوراء، قلبها ينبض بقوة لدرجة شعرت أنها تسمعه أكثر من الطرق ذاته.

حاولت أن تقنع نفسها بأنه ربما أنابيب قديمة، أو تمديدات داخل الحائط،

لكن الصوت... كان منتظمًا، كأن أحدًا يطرق بنية، بإيقاع مدروس.

اقتربت أكثر، وأدارت ظهرها ببطء، فإذا بالصورة المعلّقة تميل جهة اليسار، رغم أنها ثبتتها صباحًا.

اقتربت لتعدلها، لكنها توقفت فجأة...

انعكاس الصورة أظهر ظلًا خلفها.

امرأة... واقفة بصمت، ملامحها غير واضحة، شعرها طويل، وعيناها موجهتان نحوها مباشرة.

استدارت في لحظة، فلم تجد أحدًا.

تسمرت في مكانها، تحاول التنفس بهدوء.

تقدمت نحو الأريكة، فتذكرت هاتفها، لكن... الهاتف لم يكن في مكانه.

نظرت على الطاولة، على الأريكة، حتى على الأرض.

اختفى.

"أنا متأكدة أنه كان هنا..."

همست وهي تمشي ببطء نحو المطبخ، تبحث عن أي أداة تحمي نفسها بها، سكين أو شيء ثقيل.

المطبخ كان مظلمًا رغم أن المصباح كان شغالاً قبل دقائق.

وعندما ضغطت زر الإنارة، لم يحدث شيء.

كُسر الهدوء بصوت خافت من الطابق العلوي.

كأن شيئًا سقط، أو... تم سحبه على الأرض.

سُهى لم تصعد. لم تجرؤ.

بل رجعت ببطء إلى غرفة المعيشة، وأغلقت الباب بالمفتاح.

جلست على الأريكة، تضم ركبتيها إلى صدرها.

السبحة القديمة التي أخذتها من أشياء والدتها بعد وفاتها، كانت في حقيبتها.

أخرجتها بسرعة، وبدأت تتمتم بما تحفظه من الأدعية.

لكن الطرق لم يتوقف.

عاد مرة أخرى، هذه المرة من الخزانة الخشبية القديمة التي لم تفتحها منذ وصولها.

طق... طق... طق...

كأن شيئًا بالداخل يريد الخروج.

"ما رح أخاف... ما رح أخاف..."

رددتها، لكن صوتها كان بالكاد مسموعًا.

فجأة، توقفت الطرقات.

مرت دقائق... لا شيء.

هدوء مرعب.

ثم... بدأت تُسمع خطوات بطيئة في الطابق العلوي.

كأن أحدًا يمشي، ثقيل، يقصد أن تسمع خطاه.

تسمرت عيناها على السقف، كل عظمة في جسدها كانت تصرخ: اركضي!

لكنها لم تتحرك.

وفي اللحظة التي استدارت فيها لتأخذ هاتفها، سقطت الصورة من الحائط.

وعلى ظهر الصورة... وجدت كلمات محفورة بخطٍ باهت:

"اللي قبلك فتح الباب..."

الصوت في الممر

مرت ساعات... أو هكذا شعرت سُهى.

الظلام في الخارج اشتد، والساعة الحائطية توقفت عند الثالثة فجرًا، عقاربها ساكنة كأن الزمن نفسه رفض أن يستمر داخل هذا المنزل.

كانت ما تزال على الأريكة، تمسك بالسبحة، تهمس بالأدعية، تحدّق نحو الخزانة التي انقطعت منها الطرقات، لكنها لم تجرؤ على الاقتراب.

وفجأة...

خطوة.

ثم أخرى.

الصوت لم يعد من الطابق العلوي.

بل من الممر.

ذاك الممر الطويل المؤدي إلى غرف النوم.

كان الصوت واضحًا... خطوات لشخص يمشي حافي القدمين على أرضية الخشب.

"ما في أحد معي... أنا لحالي..."

همست، لكنها لم تكن متأكدة من صحة كلماتها.

قامت ببطء، قدماها بالكاد تحملانها، وبدأت تمشي نحو الممر.

الضوء الخافت من الغرفة خلفها لم يصل إلى نهاية الممر.

كل شيء كان مغطى بالظلال.

لكن مع كل خطوة تقترب فيها من بدايته... الصوت كان يبتعد.

كأن من يمشي فيه، يجرّها للدخول.

في منتصف الممر، توقف الصوت فجأة.

سُهى تجمدت.

أرادت أن تعود، أن تهرب... لكن شعورًا غريبًا، أقرب إلى النداء، شدّها للأمام.

وعند نهاية الممر، بجانب غرفة والدها المتوفى... كان الباب مفتوحًا.

تقدّمت أكثر، وكل خلية في جسدها تصرخ: "ارجعي!"

لكنها دخلت الغرفة.

ظلام دامس.

مدّت يدها نحو مفتاح الإضاءة، فاشتعل المصباح بصوت طقة سريعة... ثم خف نوره فجأة ليكشف ما على الجدار.

كلمات مكتوبة بالفحم أو بشيء أكثر سوادًا:

"هو ما خرج أبدًا..."

شهقت سُهى، وتراجعت للخلف... لكن الباب أغلق خلفها بعنف.

حاولت فتحه، سحب المقبض بكل قوتها، لكن لا فائدة.

ثم عاد الصوت...

الصوت في الممر... مجددًا... يقترب.

لكنها هذه المرة داخل الغرفة... لا يمكنها الهروب.

رفعت رأسها نحو المرآة القديمة بجانب السرير... وظهرت المرأة.

المرأة التي رأت ظلّها خلف الصورة.

لكن الآن، كانت تقف أمامها، بوضوح.

تبتسم.

.

.

سُهى حدّقت في المرأة التي ظهرت في المرآة...

ابتسامة باهتة، كأنها تعرفها منذ زمن، كأنها تنتظرها.

لكن الأغرب...

لم يكن هناك أحد فعليًا في الغرفة.

المرأة لم تكن في الواقع، فقط في الانعكاس.

سُهى حاولت أن تلتفت للخلف، لترى إن كان شيء يقف فعلاً... لكن لا شيء.

كل شيء في الغرفة ساكن، بارد، وكأن الزمن مجمّد فيها.

ثم بدأت المرآة تتعكّر، سطحها يهتزّ كالماء.

وفي وسطها... بدأت تظهر صور.

أشخاص. وجوه. رجال ونساء وأطفال.

كلهم يحدّقون، وكلهم يظهرون واحدًا تلو الآخر...

حتى وصلت الصورة الأخيرة.

كانت صورة سُهى.

لكنها لم تكن كما هي الآن...

كانت ممددة على الأرض، عيناها مفتوحتان، والسبحة إلى جانب يدها.

شهقت بقوة، وتراجعت إلى الخلف لترتطم بشيء...

لكنها لم تكن الجدار.

كان صدر أحدهم.

استدارت ببطء، عيناها تدمعان، وكل نفس فيها يرتجف.

كان والدها.

أو على الأقل... هيئته.

لكنه بدا مختلفًا، شاحبًا، عيناه سوداوان بالكامل، وصوته حين تحدّث خرج كهمس من قاع بئر:

"ما لازم تكوني هنا يا سُهى..."

قالها واختفى فجأة، وكأن جسده تلاشى في الهواء.

ثم فُتح الباب.

وخرج الصوت مجددًا...

الصوت في الممر... لكن هذه المرة لم يكن وحده.

كان يتبعه همسات... خطوات... وضحكة خافتة.

سُهى ركضت خارج الغرفة، الممر كان أضيق مما تتذكر، والضوء بدأ يخفت تدريجيًا.

لكنها لم تتوقف.

ركضت نحو السلم، وعندما وصلت إليه...

وجدت صورة لها معلّقة على الجدار.

صورة لم تلتقطها من قبل، لكن كانت حديثة... وفي الخلفية، ظهر نفس الظل.

تجمدت، لكنها سمعت شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقها.

باب الطابق السفلي يُفتح.

الباب الذي لم تفتحه أبدًا، والذي ظنت أنه مغلق منذ سنوات.

وخرج منه صوت ثقيل، كأن شيئًا يُزحف من أعماق الأرض...

سُهى وقفت على رأس الدرج، جسدها يرتجف، وعيناها على باب القبو المفتوح.

الظلام تحرك في الأسفل... كأنه حي.

الصوت استمر، زحف ببطء، ثم توقّف.

ثوانٍ مرت، ثم خرج منه همس خافت جدًا... لكنه واضح:

"افتحي الخزانة."

التفتت سُهى نحو الخزانة القديمة في غرفة المعيشة، نفس الخزانة التي بدأت منها الطرقات.

كأن كل شيء... بدأ منها، وكأن كل شيء ينتظرها هناك.

ترددت.

ثم مشت.

اقتربت.

مدّت يدها ببطء نحو المقبض...

وفجأة، الهاتف رنّ.

صوت رنينه اخترق الصمت، صاخبًا، غير منطقي، كأنه جاء من عالم آخر.

كان موضوعًا على الأرض، أمام الخزانة مباشرة.

سُهى انحنت ورفعته، الشاشة كانت مطفأة... لكنه ما زال يرنّ.

وضغطت على "رد".

جاءها صوت أنثوي ناعم، هامس، مألوف:

"سُهى... لا تفتحي الباب."

ثم انقطع الخط.

سُهى رفعت عينيها ببطء نحو الخزانة...

وفي اللحظة التي همّت فيها بالتراجع...

انفتح الباب من تلقاء نفسه.

وانتهى الجزء الثاني

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon