في قمة الجبل، حيث يلتقي الليل بالظلام الكامل، كان أرثر جالسًا بمفرده على حافة الهاوية. الهواء البارد كان يلف جسده، ولكن الألم الذي يعصف بقلبه كان أشد من أي برد. تأمل في السماء المظلمة، حيث كان القمر يبدو وكأنه مرآة لآلامه التي لا تنتهي. صرخ بأعلى صوته، يوجه كلماته إلى فراغ لا يجيب:
"لماذا؟ لماذا دائمًا أنا؟ لا أهل، لا أم، لا حياة هادئة، فقط معارك لا أريد دخولها، خيانات لا أستطيع الهروب منها. هل هكذا تكون الحياة؟ هل يجب أن أكون هذا المقاتل الأقوى في العالم وأنا عاجز حتى عن إنقاذ من أحب؟"
دموعه سقطت على الأرض الباردة بينما كان قلبه يعتصره الحزن. كانت عزيزته، شقيقته الوحيدة، على وشك الموت. لم يعد لديه شيء آخر ليفقده. محاربٌ قوي، ولكنه عاجز أمام مصير كان يهدده بفقدان آخر فرد من عائلته.
"لماذا؟ لماذا لا أستطيع إنقاذها؟ هل القوة التي امتلكتها هي مجرد عبء؟" همس وهو يبكي، يضرب الأرض بيديه، يكاد يصرخ.
وفي تلك اللحظة، وعندما كاد يفقد الأمل تمامًا، ظهر أمامه ظلٌ غريب، رجلٌ يقف هناك في هدوء تام، وكأن الزمن قد تجمد. دانيال كان اسمه، وكان يبدو كأنه أتى من عالم آخر.
قفز أرثر بسرعة، محاولًا مسح دموعه، وأخذ يقف في وضعية دفاعية، مشيرًا إلى الغريب بكلمة حادة:
"من أنت؟ وكيف وصلت إلى هنا؟ كيف تمكنت من دخول المكان دون أن أكتشفك؟"
ابتسم دانيال ابتسامة خفيفة، وقال بلهجة هادئة، لكنها كانت تحتوي على شيء غريب من الحكمة:
"لا تسرع في الأسئلة، يجب أن تعرف أولًا ما أنا هنا من أجله. اسمي دانيال، وأنا مكلف بحماية استقرار الكواكب في الكون الخامس. هناك كوكبٌ على وشك الدمار بسبب الحروب المستمرة بين البشر والوحوش والشياطين. وقد سمعنا كثيرًا عن أقوى مقاتل في هذا العالم، وهذا هو السبب الذي جعلني أبحث عنك."
نظر أرثر إلى هذا الرجل باندهاش، ولكنه لم يتراجع، بل ظل يراقب بعينيه الحادتين، متشككًا في نوايا هذا الزائر الغامض.
"أريد منك مساعدتي، أرثر." تابع دانيال بنبرة جدية، "ولكنني لم أتوقع أن أراك في هذه الحالة. كنت أتوقع أكثر من مجرد مقاتل يبكي في الجبال."
تشنج جسد أرثر، وكان الغضب يختمر في صدره. كان دائمًا يُنظر إليه على أنه البطل الذي لا يهزم، والآن يقف أمام شخص يخبره عن ضعفٍ لم يتوقعه أحد.
"كيف لي أن أساعدك، وأنا عاجز حتى عن إنقاذ من هم قريبين مني؟ لا يوجد شيء في حياتي يستحق هذه المساعدة!" قال أرثر بغضب، وهو ينظر إلى السماء وكأنها هي التي خذلته.
رد دانيال بنبرة هادئة، ولكن كان هناك شيء حازم في صوته: "لا تقلق بشأن ذلك. يمكنني علاج شقيقتك، ولكن عليك أن تساعدني في مهمتي أولاً."
كانت كلمات دانيال كالصاعقة بالنسبة لأرثر. لم يستطع تصديق ما سمعه. "ماذا؟" همس، "هل حقًا تستطيع إنقاذها؟"
أجاب دانيال بلهجة ثابتة: "نعم، ولكن الأمر ليس مجانيًا. يجب أن تعمل معي لإحلال السلام في الكوكب الذي على وشك الانهيار."
لحظات من الصمت، وبينما كان أرثر يتصارع مع نفسه، شعر بشعور غير مألوف؛ كان هذا الأمل، لكنه كان يتيه في داخله. "وأنا ماذا؟ هل أستطيع فعل شيء؟" همس بألم. "سأفعل أي شيء من أجل إنقاذها، فقط من أجلها."
دانيال نظر إليه، وقال بكل هدوء: "حسنًا، إذاً لنذهب. سأساعدك، ولكن يجب أن تساعدني في تحقيق السلام هناك."
وقف أرثر بصعوبة، وحس بقوة غريبة تتسلل إلى قلبه. لم يعد هناك من خيار. كانت تلك الفرصة الوحيدة التي قد تغير مصيره.
"لنذهب إذًا." قالها وهو ينظر إلى السماء، وكأنه يستعد لخوض معركة جديدة.
دخل دانيال وأرثر إلى غرفة زيلا، حيث كانت مريضة جدًا. الغرفة كانت صغيرة ومعتمة، وكان الهواء ثقيلًا بسبب المرض الذي أصابها. كانت زيلا، أخت أرثر، طريحة الفراش، وعينها نصف مغلقة، بينما كانت تشعر بتعب شديد. ملامح وجهها كانت شاحبة، وكان جسدها النحيل ينم عن مرض طويل الأمد. بدا أنها لم تعد تلك الفتاة النشيطة التي كان يتذكرها أرثر، بل أصبحت كائناً مريضًا يستنزف الحياة يومًا بعد يوم.
اقترب دانيال من سرير زيلا، لكنه توقف للحظة وهو يحدق فيها بتركيز، كأنما يحاول أن يفهم ما لا يستطيع رؤيته. كانت هناك حيرة في عينيه، وكان يبدو أنه يزن خياراته بعناية، حتى كاد أن يخرج عن صمته.
لحظات من الصمت مرّت، ثم رفع دانيال نظره إلى أرثر، الذي كان يراقب ما يحدث بقلق واضح. كانت عيون أرثر مليئة بالحزن، وكأن آخر أمل له في الحياة بدأ يتلاشى أمامه. أخيرًا، تحدث أرثر بصوت منخفض، يكاد يلامس الحزن: "أحقًا حتى أنت، دانيال، لا تستطيع إنقاذها؟"
كان الألم في كلمات أرثر ثقيلًا. أرثر كان قد خسر الكثير في حياته، لكن ما كان يراه أمامه كان أسوأ من أي خسارة سابقة. كان فقدان أختاه بمثابة تدمير آخر ما تبقى له من أمل.
دانيال شعر بحزن صامت، لكنه تمالك نفسه وأجاب بثبات: "من قال لك أنني لا أستطيع إنقاذها؟ هناك مغامرة عظيمة في انتظارنا. قد تفسد بعض خططي، لكنني يمكنني علاجها." نبرة دانيال كانت هادئة، لكن عيناه كانتا تخفيان شيئًا من التوتر. لم يكن الأمر بهذه البساطة كما بدا.
أرثر نظر إليه بعينين متفجرتين من الألم، ثم أجاب بسرعة، دون تفكير: "لا يهمني ما هي خططك! فقط أنقذها، سأفعل أي شيء تطلبه!" صوته كان مليئًا بالإصرار، وكان واضحًا أنه مستعد لفعل أي شيء، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بكل شيء.
ابتسم دانيال ابتسامة هادئة وقال وهو يتنهد: "حسنًا، بما أنني يجب أن أغير بعض من خططي، دعني أوضح لك حقيقة الأمر. مرض أختك ليس مرضًا عاديًا. إنه لعنة." أضاف وهو يشير بيده إلى زيلا: "لعنة تأكل روحها يومًا بعد يوم، ببطء، حتى تصبح فارغة تمامًا. وقد تم تدمير 55% من روحها بالفعل. إذا تركنا الأمور كما هي، ستكون النهاية حتمية. لكنني أستطيع إيقافها، لكن هناك مخاطرة."
كانت كلمات دانيال ثقيلة كالصخور على قلب أرثر، الذي كانت أنفاسه تتسارع في صدره، بينما كان يحاول فهم كل كلمة قالها. "هل يوجد أمل؟ هل من حل لها؟" سأل أرثر، عينيه مليئة بالدموع.
دانيال أغمض عينيه للحظة، ثم رد بصوت هادئ: "نعم، هناك حل واحد فقط. الحل هو أن تتنازل عن جزء من روحك. سأقوم بنقل جزء من روحك إليها، لتستعيد عافيتها. لكن هناك خطر كبير: ستدخل في غيبوبة عميقة قد تستمر لعشرين عامًا، خلال هذه الفترة سأساعدك في استعادة روحك، لكن هذا ليس بالأمر السهل." كان دانيال ينظر إلى أرثر بعينيه الثاقبتين، منتظرًا ردة فعله.
أرثر ظل صامتًا للحظات، وكأن الكلمات عجزت عن التعبير عما يجول في قلبه. ثم نظر إلى دانيال بعينيه المشبعتين بالدموع وقال: "هل يعني ذلك أنني سأعيش في غيبوبة طوال هذه الفترة؟"
دانيال أومأ برأسه وقال: "نعم، لكن لا يعني ذلك أنك ستضحي بحياتك. ستظل على قيد الحياة، لكنك ستكون في حالة غيبوبة طويلة الأمد. وبينما تكون في غيبوبة، سأساعدك في استعادة قوتك." كانت كلماته تحمل نوعًا من الطمأنينة، لكن الحقيقة كانت قاسية بما فيه الكفاية لتجعل أرثر يشعر بالمرارة.
"كيف سأتمكن من مساعدتك في مهمتك بينما أنا في غيبوبة؟" سأل أرثر، وهو يحاول البحث عن حل آخر.
ابتسم دانيال وقال بثقة: "لا داعي للقلق. الحل البديل هو نقل وعيك إلى جسد آخر في عالم آخر. ستبدأ حياتك من جديد، وستتدرب على كل شيء من الصفر. سيكون لديك فرصة لإعادة اكتشاف نفسك." كان صوته هادئًا، لكنه كان يحمل الكثير من القوة والقدرة على إقناع الآخرين.
شعر أرثر بالصدمة، وكانت الأسئلة تتوالى في ذهنه بسرعة. "هل يمكنك حقًا نقل وعيي؟"
أجاب دانيال بتأكيد: "نعم، هذا من اختصاصي. أنا متخصص في التعامل مع الأرواح، وأستطيع فعل ذلك بسهولة."
ثم نظر أرثر إليه وقال:
"ولكن ماذا عن كرامتي؟" سأل أرثر بصوت منخفض، وكأن السؤال لا يتعلق فقط بالموقف الحالي، بل بحياته كلها.
دانيال لم يبدُ متفاجئًا، بل أومأ برأسه بتفهم، وقال بهدوء: "أفهم ما تعنيه. لكن هذا العرض ليس بالسهولة التي قد تبدو عليها. نحن نتحدث عن حياتك وحياة من تحب، وفي مثل هذه الظروف، قد يكون الخيار الأصعب هو الأكثر ضرورة."
أرثر كان يزن كلامه، وعقله يغلي بالكثير من التساؤلات. كان يعلم أن التضحية من أجل إنقاذ شقيقته هو الشيء الصحيح، ولكن ماذا عن نفسه؟ ماذا عن مستقبله؟ وعن حياته التي قد تُسرق منه إلى الأبد؟
"هل هناك أي طريقة أخرى؟" قالها وهو ينظر إلى زيلا الممدة على السرير، التي كانت تبدو وكأنها في حالة من العذاب المستمر. كان الألم في قلبه يزداد كلما رأى حالتها.
دانيال رد بشكل حازم: "لا. إذا كنت تريد إنقاذها، يجب أن تأخذ هذا القرار الآن. وقتك نفد. اللعنة ستأخذ روحها بالكامل قريبًا إذا لم نتحرك بسرعة."
كانت الكلمات تزن كالصخور في قلب أرثر. رأى في عينيه شعاع الأمل الوحيد: فرصة واحدة لإنقاذ شقيقته. ولكن كان الثمن باهظًا جدًا.
"أنت تعرف أنني لن أتوانى في إنقاذها." قال أرثر أخيرًا، وهو ينظر إلى دانيال بعينين مليئتين بالإصرار. "لن أتركها تموت."
دانيال ابتسم بارتياح، وكأنه كان ينتظر هذه اللحظة. "إذن نحن متفقون. ولكن تذكر، عندما تبدأ هذه العملية، لا رجعة فيها."
أرثر أخذ نفسًا عميقًا، ثم توجه إلى زيلا. وضع يده برفق على رأسها، وهمس بألم: "لن أدعك تذهبين، أختي. سأكون هناك من أجلك."
دانيال اقترب منه وأشار إلى الأرواح المحيطة، والتي كانت محشورة في أبعاد أخرى من العالم. "إذن، دعني أبدأ العملية."
بدأ دانيال بحركات غريبة بيديه، وبدأت طاقة قوية تتجمع في المكان. الهواء حولهم بدأ يهتز، وكان الضوء يتوهج بشكل غريب، كأن الطبيعة نفسها تشارك في هذه اللحظة المصيرية. ابتسم دانيال بابتسامة عميقة، وكأنما هو على دراية بما سيحدث.
ثم تحدث بصوت هادئ: "استعد، أرثر. يجب أن تظل هادئًا طوال العملية."
قبل أن يستطيع أرثر أن يجيب، غمرت طاقة دانيال المكان، وفجأة شعرت نفسه وكأنها تتفكك إلى أجزاء صغيرة، وكأن روحه تنتقل من جسده. ثم جاء الصوت الغريب في عقله، صوت لم يكن له ملامح، ولكنه كان مليئًا بالمعرفة القديمة: "هل أنت مستعد؟"
أجاب أرثر داخليًا وهو يحاول التماسك: "نعم، لن أتراجع."
وعندها، بدأ الجزء الأكثر حسمًا من العملية. الروح كانت تنتقل، وعيناه تغلقان، ليغرق في ظلام عميق.
وفي نفس الوقت، كانت زيلا تبدأ في استعادة قوتها شيئًا فشيئًا. كانت روحها تبدأ في استعادة تماسكها، والعلامات الحمراء التي كانت تظهر على جسدها تختفي تدريجيًا.
في هذه الأثناء، كان دانيال يقف بجانبه، ينظر إلى العملية باهتمام شديد. كان يعلم أن هذه كانت خطوة غير عادية، وأنه كان قد وضع أرثر في مسار خطير.
ولكن دانيال لم يكن يندم. هذا هو الطريق الذي اختاروه معًا.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon