...الـفـصـل الآول: "لقد حان الوقت أخيرًا للعودة إلى المنزل حقًّا."...
...------...
...كانت الطفلة عبدة لا تملك حتى اسمًا....
...كان اتّباعُ أوامرِ الآخرين جزءًا من حياتها اليومية، وواجبًا لا مفرّ منه....
...لكن في هذه اللحظة، لم يأمرها أحد بألّا تتحرك، ومع ذلك لم تستطع أن الحراك....
...لأنَّ ما يجري أمام عينيها كان يبدو كالحُلم....
..."أر... أرجوك، أنقذني... أرجوك أنقذني..."...
...الرجلُ الملطَّخُ بالدماء والذي كان يزحف على الأرض، لم يكن سوى تاجر العبيد الذي كان، حتى وقتٍ قريب، يصفع الطفلة ويصرخ في وجهها....
...كان دائمًا يقول: "لن تجدي سيدًا طيّبًا يطعم فتاةً قبيحة مثلك غيري!"...
...<أيتها الحمقاء عديمة الفائدة! ألا تعرفين كيف تتوسّلين؟>...
...<كيف تجرئين على النظر إليّ بتلك الطريقة؟>...
...<تتظاهرين بالألم؟ لو متِّ، فسأرمي بجثتك للكلاب الضالة!>...
...كان يركلها ويضربها بالسوط بلا رحمة،...
...وكانت أسباب ضربه تتغير كل يوم: مرة لأنها قبيحة، مرة لأن عينيها لا تعجبانه، وأخرى فقط لأنه كان في مزاجٍ سيّئ....
...لكن الطفلة لم تتوسّل إليه قط....
...لأنها كانت تعلم أنه حتى لو ترجّته ألا يضربها، فلن يتوقّف....
...لذا لم يكن أمامها سوى الصمت وتحمل الضرب....
...وفي كل مرة، كان تاجر العبيد يزداد غضبًا ویقول:...
..."هذه الطفلة حقًّا عنيدة وقاسية!"...
...لكن بعد أن ينتهي كل شيء، كانت الطفلة تستلقي وحدها على سريرها الخشن وتبكي كثيرًا....
...الشيء الوحيد الذي جعلها تتحمل تلك الحياة القاسية، كان هو الأحلام التي تراها من وقتٍ لآخر....
...في أحلامها، كانت فتاة تعيش في عالم آخر غريبٍ تمامًا....
...طائرات تطير في السماء،...
...سيارات تسير في الطرق،...
...ومدرسة مليئة بالأصدقاء......
...كانت تشعر بالسعادة كلما رأت هذا الحلم، كان يبدو لها واقعيًّا، كما لو كانت قد عاشت هناك....
...كلما تذكّرت هذا الحلم، كانت تستطيع أن تنسى القليل من آلام واقعها....
...'ربما هذا المكان ليس مكاني الحقيقي...'...
...'ربما سأعود إلى هناك ذات يوم...'...
...كانت هذه الأفكار وحدها كفيلة بأن تُبقيها صامدة....
...لكن مع مرور الأيام، أصبح تعذيب تاجر العبيد لها أشدّ قسوة....
...'ربما سأموت قبل أن أكبر...'...
...كان هذا ما تفكر فيه وهي تتكوّر تحت غطائها....
...ثم جاء هذا اليوم....
...حين لم يحمل تاجر العبيد سوطًا، بل سكينًا، شعرت حينها أنَّ نهايتها قد حانت....
...لكن الشخص الذي سقط أرضًا والدماء تغمره لم يكن هي، بل تاجر العبيد نفسه، الذي حاول قتلها....
..."لا تولد الفتيات في العائلة الإمبراطورية لأسكانيا."...
...قال ذلك رجلٌ طويل القامة الذي ركل تاجر العبيد الملقى على الأرض....
...كانت الطفلة تحدّق به مذهولة، وفمها مفتوح. كان يرتدي ملابس لم ترَ مثلها من قبل....
...عباءته الطويلة الحمراء التي تصل إلى الأرض، كانت تختلف تمامًا عن شالها الممزق....
...كانت حمراء جميلة زاهية، لا شك أنها غالية الثمن، إلى حدٍّ لم تجرؤ الطفلة على لمسها في حياتها....
...ولم تكن العباءة وحدها التي توحي بالفخامة: بل حتى ملابسه التي كانت مطرّزة بخيوط ذهبية براقة، وأزرارها تشبه الأحجار الكريمة، كل شيء فيها يلمع....
...لكنّ ما كان يلمع أكثر من كل شيء، هو ذلك الرجل نفسه....
...شعرٌ فضيٌّ كأنّه نُسج من أنقى ألوان البلاتين، وعينان سوداوان كظلمة الليل العميق....
...كان أجمل شخص رأته الطفلة في حياتها، وتحدّث بصوتٍ هادئ ناعس:...
..."الجميع يعرف أنّ ما يحدث بسبب لعنة جاءت من ذنب ارتكبه الإمبراطور الأول."...
...ذنب؟ لعنة؟...
...كانت الكلمات معقدة وصعبة، فلم تستطع فهمها جيدًا....
..."لكن يُقال إنَّه إذا وُلدت فتاةٌ في العائلة الإمبراطورية، فإن تلك الفتاة ستكسر اللعنة."...
...في الغرفة، إلى جانب الطفلة، وتاجر العبيد، والرجل الذي يحمل السيف، كان هناك أشخاصٌ آخرون....
...وفورًا نظروا جميعًا إلى الطفلة في وقتٍ واحد......
...قال الرجل:...
..."قبل عشر سنوات، أنجبت إحدى نساء الإمبراطور فتاة."...
..."هــاه...!"...
...فجأة بدأ تاجر العبيد، الذي كان يرتجف، يهزّ رأسه بشدّة وهو ينظر إلى الطفلة....
...وجهه، الذي كان دومًا غاضبًا، أصبح شاحبًا مرعوبًا مثل العبيد الذين كان يضربهم....
..."لـ... لا! هذا مستحيل! هذه الفتاة هي ابنة تلك المرأة التي هربت من القافلة... آاااخ!"...
...طَعنة!~...
..."هل سمحتُ لك بالكلام؟"...
...قال الرجل بصوتٍ بارد بينما دوّى صوت اختراق السكين للجسد....
...لم يتمكن تاجر العبيد حتى من الصراخ، بل راح يلفظ أنفاسه مع أنينٍ مختنقٍ مملوء بالألم....
..."لا أذكر أنني أعطيتك الإذن بالكلام."...
...ثم واصل الرجل توجيه طعنات دقيقة لا ترحم....
...الطفلة، التي لم تستطع حتى أن ترمش من الصدمة، فوجئت بشخصٍ ما يضع عباءة على رأسها....
...كلّ ما كانت تراه قبل قليل:...
...الغرفة المبعثرة،...
...تاجر العبيد الملقى على الأرض،...
...الرجل الذي جعل الجميع يرتجفون،...
...كلّهم اختفوا فجأة....
...لكن الطفلة لم تجرؤ حتى على إزاحة العباءة التي غطّت عينيها....
...كلّ شيء لا يزال يبدو كالحلم....
..."مولاي، لقد رأت أكثر ممّا ينبغي. جلالتها لا تزال صغيرة..."...
...همساتٌ خافتة، وصوت أشياءٍ تتحرك بخفة....
...وبعد لحظات، أُزيحت العباءة عن وجه الطفلة بهدوء....
..."...آه."...
...كانت الطفلة على وشك أن تصرخ من شدّة المفاجأة....
...فالرجل كان قد انحنى أمام عينيها مباشرة. ذلك الرجل الوسيم، ذو الشعر الأبيض اللامع، المرتدي للعباءة الحمراء....
..."يا صغيرتي."...
...ناداها ذلك الرجل الوسيم. بصوتٍ ناعمٍ جعل قلبها ينبض بشدّة، وبنبرةٍ رقيقةٍ لدرجةٍ جعلتها بالكاد تفتح شفتيها المرتجفتين لتُجيب....
..."نـ... نعم."...
...توقَّف الرجل للحظةٍ عندما سمع صوتها. ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة، بعد أن كان وجهه خالياً من أيِّ تعبير....
...عيناه، اللتان كانتا تبدوان سوداوين، أصبحتا هذه المرَّة كأنهما ذهبيَّتان....
..."أوه؟"...
...فتحت الطفلة عينيها على وسعهما من الدهشة. وفي تلك اللحظة، همس لها بلطف:...
..."لقد حان وقت العودة إلى المنزل."...
...إلـى الـمـنـزل الـحـقـیـقـي......
...---...
...1. الطفلة التي بلا اسم...
...في هذا العالم، من الشائع – بل من الطبيعي – أن لا يكون للعبيد أسماء....
...ولهذا، لم يكن للطفلة، وهي عبدةٌ عادية، اسمٌ أيضًا....
...لم تشعر الطفلة يومًا بأن هذا الأمر ظالم أو محزن،...
...فكل من حولها من العبيد لم يكن لديهم أسماء أيضًا....
...أما العبد الذي يحمل اسماً، فهو عبدٌ قد مُنِح دوراً خاصاً من قبل السيِّد....
...لكن الطفلة لم تكن تحب هؤلاء العبيد كثيرًا،...
...ليس حسدًا لهم بسبب أسمائهم،...
...بل لأنهم دومًا ما يتنمّرون على العبيد الآخرين....
...'حتى وإن كان لهم اسم، فهم لا يزالون عبيداً في النهاية.'...
...كانت الطفلة تحتضن سَلَّة غسيلٍ ضخمة ممتلئةٍ بالملابس، وتسير مسرعة بخطًى صغيرة ومتعبة....
...وفي تلك اللحظة، لمحها شخص، فتلألأت عيناه فجأة....
..."أنتِ!"...
...لكن الطفلة لم تدرك أن النداء موجَّهٌ إليها، بسبب انشغالها بحمل السَّلَّة....
..."أنتِ، ألا تسمعين؟!"...
...صرخة غاضبة ومليئة بالانزعاج سمع الطفلة....
...فزعت الطفلة، وكادت تُسقط سلَّة الغسيل من بين يديها....
...رأتها عابسة الملامح تنظر إليها بغضب....
..."ميريـ... أم..."...
...التي نادتها كانت واحدةً من قلائل العبيد في القصر الذين يملكون أسماء....
...وكان اسمها "ميريام"....
..."هل تجرّأتِ على تجاهلي؟ أيتها الحقيرة التي تُدعى وينزداي!"...
...「ويـنـزداي」...
...كان هذا هو الاسم الذي يناديها به الجميع،...
...لأنها كانت مخصّصة لخدمة السيّد في أيام الأربعاء....
..."... لم أتجاهلك."...
...صفعة!~...
..."اصمتي! لا تبرّري أفعالك!"...
...امتد الألم الحارق إلى خدّ الطفلة. لقد أدركت أنّ ميريام صفعتها للتوّ. فعضّت شفتيها بقوّة....
...كانت تعلم أنه لو حاولت التبرير، ستُصفع مرة أخرى. لذلك اختارت الصمت....
...ميريام، على عكسها، كانت تملك اسماً....
...والعبيد الذين يحملون أسماء كانوا عادةً يشغلون دور المراقبين:...
...يراقبون إن كان أحد العبيد يخطط للهروب، أو يتكاسل في العمل....
...لذا، لم يكن هناك أي فائدة من الدخول في شجارٍ معها....
...'لكن، حتى ميريام... تظلّ عبدة في النهاية.'...
...كانت الطفلة أذكى من أقرانها، وتفهم جيداً كيف تسير الأمور في هذا العالم....
...صحيح أن ميريام تنال حاليًا رضا السيّد، لكن إن قرّر السيّد اختيار مشرفةٍ أخرى، فستعود ميريام حينها لتكون مجرد عبدةٍ لا اسم لها....
..."لا بدَّ أنكِ لم تنسي أن اليوم هو دورك في خدمة السيِّد، أليس كذلك؟"...
..."نـ... نعم. ولهذا، منذ الصباح أنا..."...
..."لا تتكلمي!"...
...قاطعتها ميريام ببرود....
..."هل نسيتِ أن العبيد لا يحقُّ لهم التحدث أولاً؟...
...كل ما عليكِ هو الإيماء برأسك."...
...أومأت الطفلة برأسها بهدوءٍ دون أن تنطق بكلمة. عندها فقط، خفَّت ملامح الانزعاج على وجه ميريام....
..."عليكِ تنظيف مكتبة السيّد، وكيّ ملابسه، ومسح الممرّات، قبل حلول المساء."...
...كانت الشمس قد بدأت بالغروب بالفعل. ولم يكن من الممكن لطفلةٍ واحدةٍ إنجاز كلِّ تلك الأعمال. لكنها لم تستطع الاعتراض. فهي عبدة....
..."وإن لم تُنهِ كل شيء، فلن تحصلي على عشاء هذا اليوم."...
...قالت ميريام ذلك، وهي تضغط بإصبعها على كتف الطفلة بقوَّة....
..."عيونك تثير غضبي، غطّيها فورًا!"...
..."... حاضر."...
...سحبت الطفلة غرتها بيدٍ مرتجفة لتُخفي عينيها. حدَّقت بها ميريام لبرهة، ثم غادرت المكان....
...وقفت الطفلة في مكانها دون حراك، تُحدِّق في انعكاس صورتها على زجاج النافذة....
...شعرها الأشقر الكثيف، والمقصوص بطريقةٍ فوضوية، ملابسها البالية، وزاوية فمها المنخفضة التي بدت كأنها على وشك البكاء....
...ثم ظهر ببالها صورة ميريام، بملابسها النظيفة، وشريطها الأسود الذي يربط شعرها....
...لكنها لم تشعر بالغيرة....
...بل كانت فقط تتساءل:...
...'لماذا تُعامِلني ميريام بقسوةٍ شديدة؟'...
...'لم تكن هكذا في الماضي...'...
...سارت الطفلة بهدوء وهي تحتضن سلّة الغسيل، تفكّر بعمق:...
...متى بدأت ميريام تتصرّف هكذا؟...
...وفجأة، توقّفت الطفلة في مكانها،...
...حين رأت ظلًّا يظهر من بعيد، في آخر الممرّ......
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon