في إحدى زوايا الحرم الجامعي، كان "يُوسُف" يقف وحيدا بالقرب من نافذة قاعة المحاضرات، متأملا في السماء الزرقاء التي تعكس صفاء مزيفا بعيداً عن فوضى حياته. على الرغم من أنه كان محاطاً بزملائه الذين يتبادلون الأحاديث والضحكات، إلا أنه كان يشعر وكأن هناك حاجزا غير مرئي يفصله عنهم. كانت ابتسامته الدائمة هي درعه، لكن قلبه كان غارقا في الظلام الذي اخفاه بعناية.
عندما دخلت "ريما" إلى القاعة، كانت أولى ملاحظاتها على يوسف هي تلك الابتسامة. ابتسامة تلمع كالذهب، لكنها ليست صادقة. كانت تعلم أن هناك شيئاً عميقاً خلف هذه الابتسامة، شيئاً لا يتحدث عنه. ومع ذلك، لم تكن تريد أن تتدخل. كانت تفضل البقاء في عالملها الهادئ.
مرت الأيام، وظل يوسف على حاله، يتنقل بين المحاضرات والأصدقاء، لكن نظرات ريما كانت تلاحقه. كانت دائماً تراقب تصرفاته من بعيد، تلاحظ كيف أن ابتسامته تتلاشى في لحظات من الصمت، وكيف ان عينيه تحملان الحزن رغم محاولاته لإخفائه. بدأت تشعر بشيء غريب، نوع من الفضول تجاه هذا الشاب الذي يبدو قويا في الظاهر، ولكنه محطم داخلياً.
في أحد الأيام، أثناء استراحة غداء، كانت ريما جالسة بمفردها على الطاولة المعتادة، تعالج أفكارها ببطء. فجأة، جلس يوسف بجانبها، وابتسامته المعتادة قال:
"هل تعرفين؟ الكافيتيريا هنا تقدم أسوأ طعام في تاريخ الجامعة، لكننا جميعاً مضطرون لتحمله، أليس كذلك؟
ضحكت ريما بصوت منخفض، لكنها شعرت بشيء في نبرته يختلف عن المعتاد. كان هناك شيء في عينيه، شيء لا يستطيع أن يخفيه بعد الان. نظرت إليه بتمعن، ثم قالت بهدوء:
"أنت تعتقد أن الجميع لا يلاحظون، أليس كذلك؟"
تجمدت ابتسامته للحظة، ثم استعادها بسرعة. لكنه لم ينظر إليها مباشرة. كان يعلم أن هناك شيئاً ما غير طبيعي في سلوكها، لكنه لم يكن مستعداً للاعتراف بذلك.
"ماذا تعنين؟" سأل بصوت منخفض.
"أنت تحاول أن تخفي شيء ما، لكن عينيك تخبراني بشيء مختلف. لا يجب أن تخفيه، إذا كنت بحاجة للتحدث، أنا هنا"
كان قلب يوسف ينبض بسرعة، لكن مشاعره كانت مشوشة. لم يكن يتورط في حديث عن ماضيه أو آلامه، لكنه شعر بشيء غريب في وجودها. كان هناك نوع من الراحة في قربها، لكن أيضاً خوف من أن يكتشف اي شخص عن المأساة التي لا يستطيع أن يتجاوزها.
مرت الأيام بسرعة، وتكرر إلقاء بين يوسف وريما في نفس المكان، على طاولة الكافيتيريا. في البداية، كانت هناك محادثات سطحية، ولكن شيئاً فشيئا، بدأ الحديث بينهما يتعمق. ريما كانت تراقب عن كثب، وكل مرة كانت تراه يبتسم، كان قلبها يتسع حزناً على ما يخفيه. لم يكن يوسف بحاجة لأن يقول الكثير، كانت هي قادرة على الشعور بما يعانيه من خلال كل كلمة، وكل نظرة.
في إحدى الجلسات، بعد محاضرة متبعة في إحدى مواد الجامعة، جلس يوسف كما المعتاد، بجانب ريما. ولكن هذه المرة، كان الصمت طويلا. لم تكن هناك محاولات لتبادل النكات أو الحديث عن طعام الكافيتيريا.
"هل كل شيء على ما يرام؟" سألته ريما بنبرة هادئة، وهي تنظر إليه بتمعن.
هز يوسف رأسه بسرعة، محاولة منه لإخفاء تلميح الحزن الذي بدأ يظهر على ملامحه. "نعم، كل شيء على ما يرام. لماذا تسألين؟"
"لأنك تبدو بعيداً... ليس فقط في هذا المكان، لكن كأنك بعيد عن الجميع. حتى في وسط الزحام، كنت دائماً وحدك."
توقف يوسف عن الحديث، وهو يحاول أن يمسك بتوازنه. كانت كلماتها تخترق الجدران التي بناها حول نفسه. لم يكن يعرف ماذا يقول. كانت أول مرة يشعر فيها بأن أحدهم أقترب منه بما فيه الكفاية ليكشف ما كان يخبئه.
"أنت لا تعرفين ماذا يعني أن تكون وحيداً." قالها أخيراً، وهو يحاول أن يبتسم، لكن ابتسامته كنت مليئة بالمرارة.
نظرته كانت شاردة، كما لو كان يعود بالزمن إلى لحظة معينة، لحظة كانت قد مضت منذ وقت طويل، لكنه لا يزال يحمل تبعاتها.
ريما لم ترد أن تستعجل الامور، ولكن كان في قلبها شعور عميق بأنها كانت على حافة اكتشاف شيء لا يريد يوسف أن يتحدث عنه. ومع ذلك، لم تشأ أن تجرح مشاعره.
"انا هنا إذا كنت بحاجة للتحدث، يوسف. أحياناً، الحديث عن الاشياء يجعلها اخف." قالتها بهدوء، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة، كانت كافية لتهدئة الأجواء بينهما.
ابتسم يوسف، لكنه كان يعلم في قرارة نفسه أنه لن يستطيع اخبارها بما يخبئه في قلبه. ما زال هناك جرح عميق في أعماقه، جرح كان يخشى أن يراه الآخرون. جرح فقدان عائلته في حادث مروع. كان الحادث قد حدث قبل سنوات، لكنه لم يشف بعد. كانت تلك الليلة هي التي قبلت عالمه رأسا على عقب، وكان الجرح لا يزال ينزف في أعماقه كل يوم.
ومع ذلك، كان هناك شيء في ريما يجعله يشعر بالأمل. شيء في هدوئها الذي يريح قلبه، وفي كلماتها التي لم تكن قاسية أو مستعجلة. شيء جعله يعتقد أن ربما... فقط ريما، يمكنه أن يثق بها.
"ربما في وقت ما... سأخبرك بكل شيء،" قال يوسف أخيراً، وكأن الكلمات كانت تخرج منه رغماً عنه.
ريما ابتسمت، لكن ابتسامتها كانت مليئة بالفهم، وكأنها كانت تقول له أنها ستنتظر حتى يأتي الوقت المناسب. "لا تستعجل، يوسف. أنا هنا، عندما تكون مستعداً."
ومع مرور الأيام، بدأت العلاقة بينهما تتطور بشكل تدريجي. كان يوسف يشعر بتغيير، كان هناك شعور جديد يزرع الأمل في قلبه كلما التقى بريما. بدأ يرى الحياة من زاوية مختلفة، ولكن الظلال التي كانت تطارده منذ سنوات لم تختفي بعد.
وفي يوم من الأيام، بعد محاضرة متعبة، قرر يوسف أن يذهب إلى مكان هادئ في الحرم الجامعي، حيث لا أحد يراه. كان يحتاج إلى لحظة من الراحة، بعيداً عن عين الناس. لكنه لم يكن يعلم أن ريما كانت تراقبه من بعيد، تلاحظ خطواته المتسرعة، وكأنه كان يحاول الهروب من شيء ما.
تبعته على مسافة، حتى وصل إلى مكان الذي كان يجلس فيه، تحت شجرة ضخمة. جلس يوسف على الارض، يحدق في السماء، كما لو كان يبحث عن إجابة. كانت ريما تقف على مسافة، ولم تجرؤ على الاقتراب، لكنها كانت تعرف أن هناك شيئاً يجب أن يحدث. شيئاً سيغير كل شيء.
كانت ريما قد قررت في قلبها أن تعرف الحقيقة. كان هناك شيء في يوسف كان يعذب روحه، شيئاً لم يكن يقدر على التحدث عنه، وقررت أنها ستكون تلك التي تساعده في التخلص من آلامه. لكن السؤال كان: كيف تبدأ؟
في أحد الأيام، بعد محاضرة الرياضيات، اقتربت منه بحذر، وهي تلاحظ توتره الواضح. "هل أنت بخير؟" سألته، وهي تراقب يديه التي كانتا ترتجفان قليلاً.
يوسف تراجع خطوة للوراء، وعينيه تجنبانها. " نعم، كل شيء على ما يرام."
لكن ريما كانت تعرف أنه لا يقول الحقيقة. "لا تضحك علي، يوسف. هناك شيء كبير في قلبك وأنت تخفيه. يمكنني مساعدتك".
ابتلع يوسف ريقه بشدة. لم يكن مستعداً لتلك المواجهة. لكنه شعر بأن ريما كانت الشخص الذي يستطيع مساعدته. أخيراً، نظر إليها وأجاب بنبرة ضعيفة: "لن يكون الأمر سهلاً".
لم تكن ريما لتستسلم بسهولة. بدأت تراقب تصرفاته اكثر، وعرفت أنه كان يختفي كثيراً في الأيام التي تلي الذكريات المؤلمة بالنسبة له. كان يبتعد عن الجميع بعد كل محاضرة، ويجلس في أماكن بعيدة، كما لو كان يحاول الهروب من ماضيه.
في يوم اخر، كانت ريما قد قررت أنها لن تتركه هذه المرة. اقتربت منه في مكتبة الجامعة، بينما كان يقرأ بصمت، وعينيه تغطيها خيوط من الظلام.
"يوسف، إذا لم تخبرني، سأظل أراقبك حتى تفتح قلبك." قالتها، وكأنها تعهدت بحماية هذه الروح المكسورة.
يوسف نظر إليها، وأخيراً قال: "لقد فقدت عائلتي في حادث مروع. كان ذلك منذ ثلاث سنوات، وكلما مر الوقت، كلما كانت الذكريات أكثر إيلاما. أنا لا أستطيع تجاوز ذلك."
كانت اللحظة التي كشف فيها يوسف عن ماضيه بمثابة انفجار عاطفي، لا يستطيع إيقافه. ريما، التي كانت تراقب بنظرة مليئة بالتعاطف، قالت بهدوء: "انت لست وحدك في هذا، يوسف. لن اتركك."
كانت الكلمات البسيطة كفيلة بأن تفتح له أبوابا مغلقة منذ زمن طويل. بدأ يشعر بنوع من الأمل يزحف إلى قلبه. ربما، كان هناك ضوء في هذا الظلام الذي يعيشه.
في إحدى الأمسيات الممطرة، جلس يوسف وريما معا في مقهى الجامعة. كانت الأمطار تتساقط بغزارة، ولكن في تلك اللحظة، كانت السكنة تحيط بهما. كان يوسف يبتسم قليلاً، وعينيه مليئة بشيء جديد. شيء لم يشعر به منذ فترة طويلة.
"انت اتيت إلي في الوقت المناسب، ريما. لم أكن أستطيع أن أواجه ماضي بمفردي. لكن الآن، معك، أشعر بشيء مختلف."
أخذت ريما نفساً عميقاً، وقالت: "أنا هنا من أجل أن اساعدك، يوسف. ولكن يجب أن تتعلم أن تفتح قلبك، وأن لا تخفي هذا الحزن."
كانت تلك لحظة فارقة، لحظة بدأ فيها يوسف يتخلى عن جزء من حصار نفسه.
رغم الاعترافات، لم يكن يوسف قادراً على التحرر من الماضي بالكامل. كان يشعر أحياناً بأن الحزن الذي حمله طوال هذه السنوات يطارد خطواته. كان يختفي عن الجميع، ويبتعد عن ريما في الأيام التي تزداد فيها الذكريات إيلاما.
في إحد الأيام، قررت ريما أن تأخذ زمام المبادرة. كانت تعرف أنه لا يمكنه العيش في الماضي إلى الأبد. قررت أن تخرج به إلى مكان بعيد، حيث لا يوجد شيء سوى الطبيعة.
"يوسف، أنت بحاجة إلى أن تعيد بناء نفسك. الماضي جزء منك، لكن لا يجب أن تحيا فيه.
أرجو أن تعجبكم القصة و هل تعلمون ماذا سوف يحدث مع يوسف وريما في فصل ثالث وماذا سوف يولد بينهما وماذا سوف يفعلان.
بدأ يوسف تدريجياً يغير نظرته إلى الحياة. كانت ريما دائماً بجانبه، تدعمه وتذكره أنه لا يجب أن يعيش في ظلال الماضي. كانت المواقف التي كانت تجلب له الألم تبدأ في التحول إلى دروس حياتية. وكان يرى الآن نفسه في ضوء جديد.
مع مرور الوقت، بدأت علاقتهما تتطور إلى شيء أكبر من مجرد صداقتهما. بدأت ريما تشعر بشيء أكثر من مجرد تعاطف. كان قلبها ينبض بشكل مختلف عندما كان يوسف يقترب.
وفي يوم من الأيام، بينما كانا يمشيان في الحديقة الجامعية، توقف يوسف فجأة، ونظر إلى ريما بعينيه التي كانت مليئة بالشكوك والأمل في نفس الوقت.
"ريما، لا أستطيع أن أكون هذا الشخص الذي كنت عليه، لكنني أريد أن أكون معك. هل تشعرين بنفس الشيء؟".
ابتسمت ريما، وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة طوال الوقت. "أنت لست بحاجة لأن تكون شخصاً اخر، يوسف. أنت كما أنت، وأنا أحبك كما أنت."
وكانت هذه اللحظة هي البداية لفصل جديد في حياتهما، حيث بدأ! يكتشفان معا ما تعني الحياة الحقيقية عندما نعيشها دون أن نخفي أنفسنا.
مع مرور الوقت، بدأ يوسف وريما يعبران كل التحديات معا. أصبح ماضي يوسف جزءًا من هويته، ولكنه لم يعد يقيد خطواته. أصبحت علاقتهما أكثر عمقاً، وتعلم يوسف أن الحب ليس فقط شفاؤه، بل أيضاً الأمل في المستقبل.
"أنت السبب في أنني بدأت أؤمن بأن الحياة يمكن أن تكون جميلة مرة أخرى." قال يوسف، وهو ينظر إلى ريما بابتسامة حقيقية، لأول مرة منذ فترة طويلة.
كانت بداية جديدة، بداية مليئة بالفرص، حيث كان يوسف وريما يستعدان معا لبناء مستقبل مشرق، بعيداً عن الظلال.
في الأيام التي تلت اعتراف يوسف لريما بمشاعره، بدأت الحياة تأخذ منحنى أكثر استقرارا بينهما. لكن رغم الحب الذي كان يربطهما، كان يوسف يشعر بأن ظلال ماضيه لا تزال تلاحقه. في أحد الأيام، خلال محاضرة في الجامعة، تلقى رسالة غير متوقعة على هاتفه من شخص قديم في حياته، شخص كان جزءًا من ماضيه المظلم.
"يوسف، هناك شيء يجب أن تعرفه... أريد أن أتحدث معك. الامر يتعلق بحادث عائلتك."
كانت الرسالة تذكره بتلك اللحظة المأساوية التي غيرت حياته للأبد. ولكن لم يكن مستعداً لمواجهة ذلك مجدداً. لم يستطيع إخبار ريما عن الرسالة، وظل يخطط في نفسه كيف يمكنه الهروب من هذا الكابوس الذي عاد للظهور.
كانت ريما تلاحظ أن يوسف أصبح بعيداً قليلاً. كان هناك توتر في أعينهم، ولم يكن يخبرها بكل شيء. بدأت تشعر بشيء غير مريح بينهما. في إحدى الليالي، قررت أن تتحدث.
"يوسف، شيء ما غيرك مؤخراً. هل يمكنك إخباري بما يحدث؟ أنا هنا من أجلك."
تردد يوسف، لكنه أخيراً قرر أن يخبرها عن الرسالة. "لقد تلقيت رسالة من شخص كان موجوداً في حياتي قبل الحادث. أعتقد أن هناك أشياء غير مكشوفة بعد."
كان صوت ريما مليئا بالقلق، لكنها أجابت بحزم: "أنا هنا معك، يوسف. لن تواجها هذا بمفردك."
قررا معا أن يبحثان عن الإجابات. في اليوم التالي، اتصل يوسف بذلك الشخص، الذي وافق على اللقاء في مكان بعيد خارج الجامعة، كان اللقاء ثقيلاً، مليئا بالذكريات التي لم يكن يوسف مستعداً لإحيائها. ولكن ريما كانت بجانبه، تعطيه القوة لمواجهة ماضيه.
"لقد كان الحادث أكثر تعقيداً مما كنت تعتقد. هناك أمور لم تعرفها بعد." قال الشخص، وابتسم ابتسامة غامضة، بينما نظر يوسف إلى ريما التي كانت تحاول فهم كل كلمة.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon