NovelToon NovelToon

خفايا الزمن

خفايا الزمن كاملة

خفايا الزمن

تسللت شمس الصباح الباكر من نافذته الصغيرة، تداعب عتمة الغرفة بوهجها الذهبي، وكأنها توقظه من حلم غامض لم يكتمل. فتح الحاج أحمد عينيه ببطء، ثم اعتدل في فراشه وهو يمرر يده على وجهه المتعب. مرّت سنوات كثيرة منذ أن بدأ العمل في ورشته، لكنها لا تزال مكانه المفضل، حيث تنصهر الطين والأسرار معًا.

نهض من سريره، ارتدى جلبابه البني القديم، ثم شق طريقه إلى الورشة المتاخمة لمنزله الطيني في نورانا، القرية التي ظلت شامخة بين الحقول الخضراء كأنها قطعة من زمن آخر.

في الداخل، كان جود مستلقيًا على كومة من الأقمشة القديمة، يتنفس ببطء كأنه غارق في حلم ثقيل. وقف الحاج أحمد أمامه للحظات، يراقبه بصمت. كان الفتى يتيمًا، وجده الحاج منذ سنوات عند مشارف القرية، ومنذ ذلك الحين صار يعمل معه ويتعلم منه فن الفخار. لم يكن مجرد عامل، بل كان أشبه بابنه الذي لم يرزق به قط.

اقترب الحاج أحمد وربّت على كتف جود بلطف، فانتفض الأخير قليلًا وفتح عينيه المتعبة.

"استيقظ، لقد حان وقت العمل."

"ألم نبدأ يومنا متأخرًا قليلًا؟" تمطّى جود وهو ينهض، محاولًا طرد بقايا النوم من جسده.

ضحك الحاج أحمد بصوت خافت، ثم أشار إلى الطين الموضوع على الطاولة:

"كل دقيقة تضيّعها هنا، تُهدر قطعة فخار كان يمكن أن تصنعها يداك."

كان صباحًا عاديًا… حتى لمح جود شيئًا غريبًا في الزاوية. هناك، بين الأرفف الخشبية المتربة، كانت تقبع مرآة قديمة بإطار أزرق داكن. لم يكن يتذكر رؤيتها من قبل، بل لم يسبق أن لاحظها في الورشة قط. اقترب منها بخطوات حذرة، وألقى نظرة على انعكاسه فيها. للحظة، خُيّل إليه أن شيئًا ما لم يكن صحيحًا… كان انعكاسه يبدو باهتًا، وكأن الحياة قد سُحبت منه.

شعر بقشعريرة تسري في جسده، لكنه هزّ رأسه محاولًا تجاهل أفكاره. ربما كان مجرد وهم، أو ربما لم يحصل على قسط كافٍ من النوم.

لكنه لم يكن يعلم أن تلك المرآة لم تكن مجرد زجاج يعكس الوجوه… بل كانت نافذة على ما هو أبعد من الزمن.

يتبع…

---

خفايا الزمن – الجزء الثاني: المرآة التي لا تعكس الحاضر

لم يستطع جود التوقف عن التفكير في المرآة طوال اليوم. كلما مر بجانبها، شعر بوخزة غريبة في صدره، وكأنها تناديه بصوت خفي لا يسمعه أحد سواه. حاول أن يركز في العمل، أن يشكل الطين كما علّمه الحاج أحمد، لكن عقله كان عالقًا هناك… عند ذلك الانعكاس الباهت.

عند حلول المساء، وبعد أن غادر الحاج أحمد إلى منزله، وجد جود نفسه واقفًا أمام المرآة من جديد. أخذ نفسًا عميقًا، ثم مد يده ليلمس سطحها البارد. وما إن فعل ذلك، حتى ارتعشت أطراف أصابعه وكأن تيارًا كهربائيًا ضعيفًا سرى فيها.

وفجأة، لم يعد يرى انعكاسه فقط… بل رأى رجلاً غريبًا يقف خلفه في المرآة!

جحظت عيناه وهو يستدير بسرعة، لكن لم يكن هناك أحد في الورشة. أعاد النظر إلى المرآة، فرأى الرجل لا يزال هناك، يحدّق به بعينين غارقتين في الظلال. بدا وكأنه نسخة أكبر سنًا منه… لكن هناك شيء خاطئ في ملامحه، شيء جعله يبدو كأنه ينتمي إلى زمن آخر.

"من أنت؟" تمتم جود بصوت مرتجف.

لم يحصل على إجابة، لكن شفتي الرجل في المرآة تحركتا ببطء وكأنهما تنطقان كلمات صامتة. حاول جود أن يفهم ما يقوله، لكنه لم يكن قادرًا على سماع أي صوت، سوى همسات خافتة تتردد في عقله.

"لم يبقَ الكثير من الوقت…"

تراجع جود عن المرآة، وقلبه ينبض بعنف. ماذا كان يعني ذلك؟ ولماذا شعر وكأن شيئًا قد تغيّر بالفعل داخل الورشة؟

في تلك اللحظة، سُمع صوت خطوات ثقيلة تقترب من الباب. التفت بسرعة، فرأى الحاج أحمد واقفًا هناك، يحمل مصباحًا زيتيًا، ووجهه متجهمًا بطريقة لم يعتدها جود من قبل.

"ما الذي تفعله هنا في هذه الساعة؟" سأله الحاج بصوت منخفض لكنه يحمل نبرة تحذيرية.

"كنت… فقط…" تردد جود، ثم أشار إلى المرآة، "هذه المرآة… إنها ليست طبيعية، رأيت—"

لكن الحاج أحمد قاطعه قبل أن يكمل:

"لا تنظر إليها مجددًا."

كان في صوته شيء جعل جسد جود يقشعر. للحظة، ظن أنه رأى نفس الخوف في عيني الحاج أحمد… وكأنه يعرف تمامًا ما الذي يمكن أن تفعله هذه المرآة.

يتبع…

--

خفايا الزمن – الجزء الأخير: الحقيقة المدفونة

وقف جود متصلبًا في مكانه، يحدق في الحاج أحمد، يحاول استيعاب تحذيره. لماذا كان خائفًا من المرآة؟ وماذا يعرف عنها؟ لم يكن هذا مجرد قلق عابر، بل كان أشبه بتحذير من خطر محدق.

حاول جود أن يسأل، لكن الحاج أحمد وضع يده على كتفه وضغط عليها قليلًا، وكأنما يخبره بصمت أن الوقت ليس مناسبًا للحديث.

"تعال معي." قال الحاج بصوت هادئ لكنه حازم.

قاد الحاج أحمد جود عبر ممر ضيق خلف الورشة، لم يكن جود قد انتبه له من قبل. كان المكان مظلمًا ورطبًا، والجدران الحجرية توحي بأنه قديم جدًا. في نهاية الممر، توقف الحاج أمام باب خشبي مهترئ، ثم أخرج مفتاحًا نحاسيًا من جيبه، وأداره في القفل بصعوبة.

بمجرد أن انفتح الباب، اندفع هواء بارد من الداخل، وكأنه آتٍ من زمن بعيد. دخل الحاج وجود وراءه، ليجدا نفسيهما في غرفة صغيرة مليئة بالصناديق العتيقة والمخطوطات المغبرة.

تقدم الحاج نحو أحد الصناديق، فتحه وسحب منه مرآة أخرى، تشبه تمامًا المرآة الموجودة في الورشة، لكنها كانت مغطاة بقماش أسود سميك.

"هذه ليست مجرد مرآة، جود." قال الحاج وهو ينظر إليه بعينين غارقتين في الذكريات. "إنها باب."

"باب؟ إلى أين؟" تساءل جود، وقلبه ينبض بقوة.

"إلى الماضي… وإلى المستقبل… وإلى أماكن لا ينبغي للبشر أن يصلوا إليها."

تجمد جود في مكانه، فقد بدأت القطع تتجمع في عقله. المرآة في الورشة… الرجل الغامض الذي ظهر له… تحذير الحاج… كل ذلك كان مرتبطًا بأمر أكبر وأخطر مما تخيله.

اقترب الحاج من جود، ووضع يده على كتفه مجددًا، لكن هذه المرة لم يكن تحذيرًا، بل كان اختيارًا.

"إذا كنت تنظر في المرآة مرة أخرى، فلن يكون هناك عودة."

كانت الكلمات تتردد في عقل جود، لكنه لم يكن قادرًا على التراجع بعد الآن. أخذ نفسًا عميقًا، ثم أمسك بالقماش الأسود، وسحبه ببطء عن المرآة…

وفي اللحظة التي انعكس فيها وجهه عليها، انقلب العالم من حوله، وتلاشى كل شيء في ظلام عميق.

تمت.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon