لم يكن أحد يتخيل أن مجرد باب قد يغيّر مصير خمسة أصدقاء إلى الأبد...
بينما كانت الرياح تلعب بأوراق الأشجار، وبينما تتراقص أشعة الشمس بين الأغصان المتشابكة، كان هناك شيء مختلف في الحديقة الخلفية لمنزل ريجي وناتالي. باب قديم، نصف مخفي خلف نباتات غريبة وأزهار لم يرها أحد من قبل. بدا وكأنه كان ينتظر من يكتشفه... أو ربما من يعبر من خلاله.
لم يكن الأصدقاء يعلمون أن هذه اللحظة ستغير كل شيء. أن هذا الباب لم يكن مجرد ممر، بل بوابة لعالم لم يتخيله أحد حتى في الأحلام.
لكن هل كانوا مستعدين لما ينتظرهم على الجانب الآخر؟
كانت الشمس تتوسط السماء، تنثر أشعتها الذهبية فوق منزل ريجي وناتالي القديم. الجو مليء برائحة التراب والهواء النقي بعد المطر، وصوت الطيور ينساب بهدوء بين الأشجار. لم يكن هناك ما يوحي بأن هذا اليوم سيكون مختلفًا عن أي يوم آخر... لكن ميا كانت تشعر بشيء غريب.
"هل تعتقدون أن تنظيف الحديقة كان فكرة جيدة؟" قالت ميا وهي تمسح جبينها المتعرق.
"بالتأكيد، المكان يبدو وكأنه مهجور منذ قرن!" ردت ناتالي وهي تحاول تجنب اتساخ ملابسها.
بينما كان الأصدقاء منهمكين في ترتيب الفوضى، اكتشف جايدين شيئًا غير مألوف خلف شجيرات كثيفة. كان هناك باب قديم، نصفه مغطى بالأغصان والورود النادرة التي لم يرها أحد منهم من قبل.
"هذا غريب..." تمتم جايدين، يقترب بحذر.
اقترب الجميع وهم يتأملون الباب بحيرة. كان يبدو وكأنه جزء من الحديقة منذ الأزل، لكن لم يسبق لأحد أن لاحظه من قبل. مد ريجي يده ليحرك بعض الأغصان بعيدًا، وفجأة...
"طَق!"
اهتز الباب قليلًا، ثم بدأ يشعّ نورًا خافتًا من الحواف. تبادل الأصدقاء النظرات، خليط من الفضول والخوف يتلاعب بملامحهم.
"ربما... يجب علينا الدخول؟" همست ميا بعينين متلألئتين بالحماس.
لم يكن هناك وقت للتفكير، فقد انفتح الباب فجأة، ليبتلعهم ضوء ساطع أعمى أعينهم للحظات. وعندما استطاعوا الرؤية مجددًا... لم يكونوا في الحديقة بعد الآن.
وسط الغيوم العائمة، وجدوا أنفسهم محاطين بسماء لا حدود لها، بلا أرض تحتهم ولا معالم واضحة. الهواء كان لطيفًا لكنه حمل إحساسًا غريبًا... كأنهم عالقون بين الحلم والواقع.
"أين نحن..." تمتم ريجي، بينما حدقت عيناه في الضباب الأبيض الذي يحيط بهم.
كانوا جميعًا في حالة من الذهول. قبل لحظات فقط، كانوا يقفون في الحديقة الخلفية لمنزل ريجي وناتالي القديم، والآن، دون سابق إنذار، أصبحوا في... منتصف السماء؟
"واااو! نحن نطير! هذا رائع!" صاحت ميا بحماس، وهي تدور حول نفسها وتحاول لمس الغيوم التي تحيط بها.
"ميا، هذا ليس وقت المزاح!" قال جايدين بحدة، وهو يعقد ذراعيه بقلق.
"أوه، تعال يا جايدين، لا تكن متجهمًا هكذا! متى سنحصل على فرصة لنكون وسط الغيوم مجددًا؟" قالت ميا وهي تقفز بحماس، وكأنها على وشك الانطلاق في سباق طيران وهمي.
"بصراحة، لديها وجهة نظر." قال لوكاس بابتسامة، وهو يضع يديه على خصره. "إن كنا هنا بالفعل، فلنستمتع على الأقل."
"هل أنتم جادون؟!" قالت ناتالي وهي تعقد حاجبيها، صوتها يحمل نبرة ارتياب. "نحن لا نعلم حتى أين نحن... قد يكون هذا حلمًا... أو—"
لكنها توقفت فجأة عندما مرت غيمة أمامهم، كانت تمسك بورقة وقلم، وتكتب بعجلة وكأنها تسجل ملاحظات غاية في الأهمية.
في البداية، لم تنتبه إليهم، لكنها ما إن رفعت رأسها ورأتهم حتى تسمرت في مكانها، واتسعت عيناها من الصدمة.
"ماذا...؟!" همست الغيمة، قبل أن تسقط الورقة والقلم من يدها.
تقدمت نحوهم بسرعة، وعيناها لا تفارقانهم، وكأنها كانت غير قادرة على تصديق ما تراه.
"من أنتم؟! وكيف وصلتم إلى مملكة الغيوم؟!"
"غيمة... تتحدث!" صرخ الجميع في نفس الوقت، بينما كان بعضهم يتراجع خطوة إلى الخلف بذهول.
"ما بالكم مصدومون؟" قالت الغيمة وهي ترفع حاجبًا.
"كيف لا ننصدم ونحن نرى غيمة تتحدث وكأنها شخصية في كرتون؟" قال جايدين، وهو يضع يده على جبينه وكأنه يحاول استيعاب الوضع.
"أنا أيضًا أريد أن أعرف! كيف يكون لديكم حواجب؟!" قالت ميا باندفاع، وهي تقترب من الغيمة لتفحص وجهها.
"حواجب؟ ما هذه الكلمة الغريبة؟" سألت الغيمة وهي تميل رأسها بحيرة.
"إنها تلك الخطوط فوق أعيننا التي تتحرك عندما نشعر بشيء معين." قالت ناتالي، مشيرة إلى وجهها.
"آه... لم أفكر في الأمر بهذه الطريقة من قبل." قالت الغيمة وهي تلمس جبينها بيد وهمية مصنوعة من البخار.
"مهلاً، لحظة!" قالت ناتالي فجأة، وهي تعود إلى صلب الموضوع. "لم تخبرينا من أنتِ."
"أنا غيم... مراقبة في مملكة الغيوم." قالت الغيمة، وهي تنظر إليهم بتوجس. "لكن هذا لا يهم الآن! كيف وصلتم إلى هنا؟!
"هذا ما نحاول اكتشافه!" قال ريجي وهو يعقد ذراعيه. "أحدنا ضغط على الباب، وفجأة، نحن هنا."
"باب؟!" كررت غيم وهي تتراجع خطوة. "مستحيل! لا يوجد أبواب تؤدي إلى مملكة الغيوم...!"
"يبدو أن هناك بابًا واحدًا على الأقل." قال لوكاس، وهو يرفع حاجبيه.
لكن قبل أن يرد أحد، اهتزت الغيوم من حولهم للحظة، وكأن المكان استشعر وجودهم الغريب.
تجمدت غيم في مكانها، وبدأت عيناها تتحرك بسرعة، وكأنها تفكر في شيء خطير.
"يجب أن لا يراكم أحد هنا... إن علمت الملكة سحاب بوجودكم، فسيكون هذا كارثيًا!"
"الملكة سحاب؟" سألت ناتالي وهي تميل رأسها. "من تكون؟"
"إنها حاكمة مملكة الغيوم، ورئيسة مجلس حكام تريانتيس. نحن، الغيوم، مسؤولون عن مراقبة الأرجاء، والتأكد من عدم وجود أخطاء أو ثغرات في السماء. إن علمت بوجودكم هنا... فقد تعتبركم تهديدًا."
"لحظة، لم أفهم... لماذا سيكون الأمر كارثيًا لهذه الدرجة؟" سأل ريجي.
"لأن... يُمنع على أي كائن في تريانتيس دخول مملكة الغيوم دون إذن رسمي، وأنتم... لستم من تريانتيس أصلاً!" قالت غيم، وعيناها تمتلئان بالخوف.
ساد الصمت لوهلة.
هذه المرة، أدركوا جميعًا أنهم قد يكونون في ورطة حقيقية.
سادت لحظة صمت قصيرة، لم يقطعها سوى صوت ميا وهي تحاول تكرار الاسم الجديد على مسامعها.
"لحظة، لحظة… ما كان اسم المكان؟ تيرا...تـ... تيراني...؟" قالت وهي تعقد حاجبيها محاولة تذكر الاسم.
"إنه تريانتيس." قالت غيم، وهي تنظر إليها بنظرة تجمع بين الفضول والارتباك. "أرض الخير... والشر... والمجهول."
"إذًا، نحن الآن داخل تريانتيس..." قال ريجي وهو يمرر يده بين خصلات شعره، صوته كان منخفضًا كأنه يحاول استيعاب الحقيقة. ثم تنهد وأكمل: "وبدون أي طريقة للعودة."
قبل أن يجيب أحد، بدأت الغيوم تتغير، اللون الأبيض الناعم بدأ يكتسب ظلالًا رمادية، والهواء اللطيف تحوَّل إلى نسمات باردة ومقلقة.
وفجأة… دوّى صوت رعد قوي!
قفزت ميا من مكانها، بينما ضغطت ناتالي على ذراع ريجي بقلق. لوكاس أطلق صافرة خفيفة وقال بنبرة ساخرة:
"حسنًا… لم يكن هذا على قائمة الأشياء التي توقعت حدوثها اليوم."
أما جايدين، فقد كان الأكثر واقعية في المجموعة، إذ قال بقلق وهو ينظر إلى السماء المتلبدة: "ما الذي يحدث؟"
"أوه لا… أوه لا، هذا سيء!" قالت غيم، صوتها مليء بالذعر وهي تدور حول نفسها وكأنها تحاول استيعاب الوضع.
"انتظري، انتظري!" قالت ميا وهي ترفع يديها محاولة تهدئة الغيمة. "لماذا تتوترين؟ أليس هذا طبيعيًا؟ نحن في السماء، والرعد والغيوم جزء من الطقس، أليس كذلك؟"
"لا، لا، لا!" ردت غيم وهي تهتز قليلاً، وكأنها تعكس اضطراب الطقس. "هذا ليس طبيعيًا أبدًا! هذه حالة طوارئ!"
"رائع… بالكاد دخلنا إلى هذا المكان، ونحن بالفعل في حالة طوارئ!" تمتم جايدين بعبوس، بينما كان يراقب الغيوم تزداد قتامة.
"لكن ما سبب ذلك؟" سألت ناتالي، وهي تعض شفتها بتوتر.
"لا أعلم… ولكن هذا يعني أن هناك خللًا ما في تريانتيس!" قالت غيم، وهي تنظر حولها بقلق، وكأنها تتوقع ظهور شيء خطير في أي لحظة.
"حسنًا، وماذا علينا أن نفعل الآن؟" قال ريجي، بينما كان يحاول أن يبقى هادئًا رغم التوتر المتزايد.
"علينا الاختباء!" صاحت غيم.
"أوه، عظيم، وأين سنختبئ بالضبط؟ نحن في السماء، لا توجد كهوف ولا أشجار ولا حتى جدار نلتصق به!" قال لوكاس وهو يشير إلى الفراغ من حولهم.
"لا يوجد مكان سوى…" توقفت غيم للحظة قبل أن تكمل بتردد، "أن آخذكم إلى الملكة سحاب."
"أوه، أنتِ قلقة من أن تكتشفنا الملكة قبل قليل، والآن أنتِ بنفسكِ تريدين أخذنا إليها؟" قال جايدين وهو يرفع حاجبه مستنكرًا.
"هذا مختلف!" قالت غيم بعجلة، "إن كانت هناك مشكلة كبيرة في المملكة، فالملكة سحاب وحدها يمكنها أن تقرر ما يجب فعله بكم. وإلا… فقد ينتهي بكم الأمر في وسط العاصفة القادمة."
"عاصفة؟!" صرخت ميا وهي تنظر إلى السماء التي بدأت تتوهج بوميض برق خافت. "هل سنعلق في عاصفة ضخمة في يومنا الأول هنا؟"
"أنا لست مستعدة لهذا!" قالت ناتالي وهي تمسك بذراع ريجي، الذي كان يحاول التفكير بسرعة.
"حسنًا، لا أعتقد أن لدينا خيارًا آخر…" قال ريجي وهو ينظر إلى أصدقائه، ثم عاد ببصره إلى غيم. "خذيـنا إلى الملكة سحاب."
وهكذا، ومع اشتداد العاصفة خلفهم، انطلقت غيم لتقودهم إلى حيث يقبع مصيرهم المجهول...
أثناء تحليقهم وسط الغيوم الملبدة، بدأ التوتر يخيم على المجموعة. لم يكن أحدهم متأكدًا مما ينتظرهم عند مقابلة الملكة سحاب، لكن الصمت الذي طال لم يكن مريحًا أبدًا.
قرر لوكاس كسره قائلًا بنبرة ساخرة: "إذًا، هذه الملكة الغريبة… كيف هي بالضبط؟ هل هي مخيفة؟ صارمة؟ أم أنها من النوع الذي يحب الشاي والكعك؟"
توقفت غيم في الهواء فجأة، استدارت نحوه بحدة، وعيناها -أو ما يشبه عينيها- اشتعلتا بالغضب.
"انتبه لكلماتك!" قالت بحدة، "إنها الملكة سحاب، الحاكمة العظيمة لمملكة الغيوم ورئيسة مجلس حكام تريانتيس! احترامها واجب!"
رفع لوكاس يديه مستسلمًا، لكنه لم يستطع منع نفسه من التهكم قليلًا: "حسنًا، حسنًا، لم أقصد الإساءة، مجرد فضول بريء."
"فضولك قد يضعك في ورطة إذا لم تكن حذرًا." قالت غيم وهي تهز رأسها بقلق، ثم واصلت طريقها للأمام.
"إذًا، غيم…" قال ريجي، محاولًا إعادة الحديث إلى مسار أكثر جدية، "هل هناك شيء يجب أن نعرفه عن الملكة سحاب؟ أي تحذيرات؟ قواعد؟ أي شيء يمكن أن يساعدنا في عدم الوقوع في المشاكل؟"
"أوه، بالطبع! هناك الكثير!" قالت غيم بحماس، "أولًا، لا تقاطعوها أبدًا عندما تتحدث، خاصة إن كانت غاضبة…"
"حسنًا، هذا منطقي." علق جايدين، بينما دوّن المعلومة في ذهنه.
"ثانيًا، لا تلمسوا أي شيء في قاعة الغمام دون إذن. القلعة مليئة بالأشياء السحرية، وبعضها قد يكون خطيرًا!"
"أشياء سحرية؟ مثل ماذا؟" سألت ميا بفضول متأجج.
"أوه، مثل المرايا السحابية التي تعكس المستقبل، والريش الذهبي الذي يكتب من تلقاء نفسه، والساعة العاصفية التي تستطيع إيقاف الوقت!" قالت غيم بفخر، وكأنها تستعرض إنجازًا شخصيًا.
"حسنًا، هذا رائع!" قالت ميا بحماس، وعيناها تلمعان وكأنها طفلة سمعت للتو عن أرض مليئة بالحلويات.
"لا، ليس رائعًا!" قالت غيم بقلق، "لأنكم إن لمستم شيئًا، فقد تجدون أنفسكم محبوسين داخل زجاجة غيمية لمئة عام!"
"أوه… هذا ليس رائعًا فعلًا." قالت ميا وهي تعقد حاجبيها.
"وثالثًا…" تابعت غيم، "لا تحاولوا الكذب عليها. الملكة سحاب تستطيع قراءة النوايا من مجرد النظر إليكم. إن شعرَت أنكم تخفون شيئًا، فلن يمر الأمر بسلام."
"قراءة النوايا؟ رائع، الآن أصبح الأمر أشبه بالتحقيق السحري." تمتم لوكاس وهو يضع يديه خلف رأسه.
"وأخيرًا، والأهم…" قالت غيم وهي تخفض صوتها قليلاً، "لا تسألوا عن الجوهرة."
تجمد الجميع للحظة.
"الجوهرة؟" سأل جايدين، نبرته أصبحت أكثر جدية.
"نعم، جوهرة القلب… إنها سر المملكة، وأي حديث عنها قد يجعل الملكة… غاضبة." قالت غيم بصوت منخفض، وكأنها تخشى أن يسمعها أحد.
"وهذا هو آخر شيء نريده، صحيح؟" قال ريجي وهو يعقد ذراعيه.
"بالضبط!" أكدت غيم، ثم توقفت للحظة قبل أن تلتفت إليهم: "هل فهمتم كل شيء؟"
"عدم المقاطعة، عدم لمس الأشياء، عدم الكذب، وعدم ذكر الجوهرة." قال جايدين وهو يعدّ على أصابعه، ثم نظر إلى لوكاس: "هل تستطيع التزام الصمت ولو لمرة واحدة؟"
"مهلًا، لا أعد بأي شيء!" قال لوكاس مبتسمًا، ثم أضاف: "لكنني سأحاول، من أجل سلامتنا."
"لا يبدو مقنعًا." تمتمت ناتالي وهي تتنهد.
"حسنًا، لا وقت لنضيعه!" قالت غيم وهي تسرع في الطيران، "نحن نقترب من قاعة الغمام، استعدوا لمقابلة الملكة سحاب!"
وبينما كانوا يتبعونها، كانت أصوات الرعد لا تزال تتردد من بعيد، وكأن السماء نفسها تراقب خطواتهم بحذر...
عند بوابة قاعة الغمام، حيث تتدلى سلاسل من السحب الكثيفة، كان غمامة، رئيس مراقبي مملكة الغيوم، يقف شامخًا بوجه صارم وعينين ضيقتين. كان طيفه أشبه بغيوم العاصفة المتراكمة، وصوته الجهوري جعل حتى الريح تهدأ للحظة.
وقفت غيم مكانها، متيبسة كمن أمسك به متلبسًا بالجريمة.
"أوه... يا إلهي..." تمتمت بخوف، وكأنها تدرك أن الأمور ستتعقد أكثر.
نظر غمامة إليها نظرة فاحصة قبل أن يقول بنبرة حادة: "غيم! أين كنتِ؟ الملكة تطلب رؤيتك شخصيًا، والوقت ليس في صالحك. ماذا فعلتِ هذه المرة؟"
"أنا... أ-أنا لم أفعل شيئًا!" قالت غيم بتوتر، قبل أن تشير بخفة نحو المجموعة البشرية خلفها. "لكن... ربما... هذا؟"
رفع غمامة حاجبه، ثم حول نظره إلى ريجي والبقية، ودقق فيهم كما لو كان يحاول أن يفهم من أي سحابة سقطوا. "ومن هؤلاء؟"
"نحن، هممم، سياح؟" قال لوكاس بابتسامة مرتبكة، محاولًا التصرف وكأن وجودهم هنا أمر طبيعي تمامًا.
"سياح؟" كرر غمامة وهو يعقد ذراعيه، قبل أن يلتفت إلى غيم مجددًا. "هل تحاولين إخباري أنك أحضرت كائنات مجهولة إلى مملكة الغيوم بدون إذن؟"
"هممم، لم أحضرهم! هم ظهروا فجأة هنا! وأردت فقط أن أتأكد أنهم بخير قبل أن–"
"قبل أن تفاقمي الوضع أكثر؟" قاطعها غمامة بحدة. "هذا خرق واضح للقوانين، غيم. لو علمت الملكة سحاب بذلك..."
"لكنها علمت، أليس كذلك؟" قاطعته ناتالي بنبرة حذرة، "أنت قلت إنها طلبت رؤيتها، مما يعني أنها تعرف بوجودنا بالفعل."
نظر غمامة إليها نظرة جانبية قبل أن يتنهد: "هذا صحيح. الملكة لا تحتاج إلى أن يُخبرها أحد. لقد شعرت بوجودكم منذ أن وطأت أقدامكم مملكتها."
"شعرت بنا؟" تمتم جايدين، متأملًا قوة الملكة الغامضة.
"إذن... ماذا الآن؟" سأل ريجي، محاولًا أن يحافظ على هدوئه.
"الآن، ستذهبون معي." قال غمامة بحزم، ثم أضاف بنبرة تحذيرية: "وأقترح عليكم أن تلتزموا الصمت وتحترموا الملكة. فقد لا تكون مزاجها جيدًا بعد العاصفة التي كادت أن تضرب المملكة."
"لحظة، العاصفة كانت بسببنا؟" سألت ميا بذهول.
"لا أعلم، لكن وجودكم هنا لم يكن جزءًا من النظام الطبيعي لتريانتيس، وهذا وحده قد يثير اضطرابًا." أجاب غمامة وهو يفتح البوابة، مشيرًا لهم بالدخول.
تبادلت المجموعة نظرات متوترة قبل أن تتبع غمامة إلى الداخل، حيث امتدت ممرات مصنوعة من السحب النقية، وتلألأت أضواء سحرية بين أركانها، بينما كانت أصوات الرعد لا تزال تهدر في الأفق البعيد، وكأنها تحذرهم مما هو قادم...
كانوا يسيرون في الممرات الشاسعة لقصر الغمام، وهو قصر ضخم يبدو وكأنه مشيد بالكامل من السحب، حيث تتوهج جدرانه بلمعة بيضاء ناعمة، وأرضياته كانت وكأنها صلبة لكنها تعطي شعورًا بالخفة، كما لو أنهم يسيرون على الهواء نفسه.
كل شيء في القصر كان ينبض بالسحر، من الأضواء التي تنبعث من السقف وكأنها نجوم عالقة في سماء القلعة، إلى اللوحات التي لم تكن مجرد صور، بل كانت تتحرك، تعرض مشاهد متغيرة من الغيوم والعواصف وكأنها نافذة تطل على السماء نفسها.
"واو!" صاحت ميا بدهشة وهي تدور حول نفسها محاولة استيعاب المكان. "هل هذه مقاعد على شكل غيوم؟!" أشارت إلى المقاعد المتراصة على جانبي الممر، والتي بدت كوسائد ناعمة منتفخة.
لوكاس لم يستطع مقاومة فضوله، فمد يده ولمس إحدى المقاعد، ثم ضغط عليها قليلًا، فشعر بأنها ناعمة ومرنة. "حقًا! إنها تبدو مريحة جدًا، أتساءل كيف سيكون الجلوس عليها؟"
"لو قررت الجلوس عليها، فقد تجد نفسك تسقط عبرها إلى الأرض!" قال جايدين بنبرة حادة وهو يعقد ذراعيه.
"آه، جايدين، لا تكن هكذا، نحن في عالم سحري! يجب أن نستمتع قليلًا!" قالت ميا بحماس وهي تحاول القفز على أطراف أصابعها.
"ميا، لوكاس، أنا أتفهم حماسكم، لكن دعونا نبقى حذرين. لا أريد أن تقوم علينا عاصفة... أنا أكره العواصف." قالت ناتالي وهي تضبط خصلات شعرها وتراقب المكان بحذر.
لوكاس التفت إليها بابتسامة ماكرة. "أوه، يبدو أنك تخافين من عاصفة صغيرة؟" قال بصوت ساخر وهو يرفع حاجبه.
ناتالي رمقته بنظرة مستاءة. "أنا لا أخاف، فقط لا أحب أن تُفسد الرياح شعري"
"بالطبع، لأن هذا هو أكثر ما يهم الآن" قال لوكاس ضاحكًا.
"لوكاس، توقف عن مضايقة أختي." قال ريجي بصوت جاد وهو ينظر إليه بحدة.
"هيا يا ريجي، أنت تعلم أنني أحب مضايقتها فقط لا أكثر، إن ردة فعلها الممتعة!" قال لوكاس وهو يرفع كتفيه بلا مبالاة.
غمامة، رئيس مراقبي مملكة الغيوم، الذي كان يسير أمامهم، التفت إليهم بضجر. كان غمامة مختلفًا عن غيم، حيث كان مظهره أكثر صلابة، وكأنه مكون من غيوم متراكمة أشد كثافة، وعيونه كانت تتوهج بلون أزرق باهت.
"أنتم مخلوقات مزعجة وصاخبة... ذكروني، ما نوعكم؟" قال بنبرة باردة وهو يحدق فيهم وكأنهم كائنات غريبة تمامًا.
"نحن بشر" قال جايدين وهو يعدل نظارته، محاولًا الحفاظ على هدوئه أمام نظرات غمامة الثاقبة.
غمامة توقف للحظة، وكأنه يحاول استيعاب الكلمة، ثم نظر إليهم بتعبير جامد. "بشر؟... لم أسمع بهذا الاسم من قبل"
"أظن أن الملكة سحاب سوف تعرف" قالت غيم وهي تحاول التحدث، لكن غمامة قاطعها بحدة وهو يرمقها بنظرة صارمة.
"غيم، التزمي الصمت، لقد سببتِ بالفعل ما يكفي من المتاعب لهذا اليوم" قال بصوت قاسٍ.
غيم خفضت رأسها بخجل. "لكنني لم أفعل شيئًا خاطئًا هذه المرة..." همست بصوت منخفض.
"لا تقسو عليها، هي ليست مذنبة، نحن من دخلنا هنا بالخطأ" قال ريجي محاولًا تهدئة الموقف.
غمامة لم يرد عليه، بل استدار واستمر في السير حتى توقف أمام باب ضخم مصنوع من السحب المتراكمة، تتخلله خيوط ذهبية وكأنها برق متجمد، وكان ينبض بطاقة سحرية قوية تشعر بها من بعيد.
"وصلنا... هذه هي قاعة الغمام، الملكة سحاب تنتظركم في الداخل." قال غمامة بصوت هادئ لكن محمل بالرهبة.
تبادل الأصدقاء نظرات قلقة، كان المكان هادئًا بشكل غير مريح، لكنهم جميعًا شعروا بهالة قوية قادمة من خلف الأبواب، وكأن هناك عاصفة تحتبس في الداخل، تنتظر أن يتم إطلاق سراحها.
عندما انفتحت الأبواب العملاقة، اندفع تيار هواء ناعم مشبع برائحة المطر والبرق، وكأن القاعة نفسها كانت تتنفس. خطا الأصدقاء إلى الداخل، وعيونهم تملؤها الدهشة من المشهد أمامهم.
كانت القاعة فسيحة جدًا، سقفها عالٍ بشكل يبدو وكأنه لا نهاية له، والجدران كانت تتشكل من سحب تتحرك ببطء، مما جعل المكان يبدو وكأنه جزء من السماء نفسها. في منتصف القاعة، كان هناك درج طويل يمتد صعودًا إلى منصة مرتفعة، وفي نهايته عرش مصنوع من الغيوم المضيئة، ينبعث منه وهج أثيري خافت.
وعلى العرش، كانت تجلس امرأة ذات جمال لا يوصف. بدت قريبة من البشر، لكن هناك شيئًا في ملامحها كان أشبه بالسحب نفسها. شعرها الطويل المجعد كان أشبه بالغيوم الممطرة، يتحرك بلطف وكأنه يتنفس، وبشرتها كانت ناعمة بلون الغيوم الصيفية، بينما كان ثوبها الملكي الواسع يتلألأ وكأنه نسيج من البرق والضوء.
نظرت إليهم بعينيها الرماديتين العاصفتين، ثم نهضت ببطء، وكان كل تحرك لها يترك أثراً من الضباب الخفيف حولها. بخطوات هادئة لكنها محملة بالرهبة، نزلت الدرج الطويل حتى وقفت أمامهم، بطولها الفارع وهيبتها الطاغية.
ما إن وقفت أمامهم حتى انحنى غمامة فورًا، تبعته غيم وهي تنظر إلى الأرض بخوف. أما الأصدقاء فقد ترددوا للحظة، قبل أن يتبعهم ريجي، لوكاس، وجايدين، بينما بقيت ميا وناتالي متجمدتين في مكانهما، تنظران إلى الملكة بإعجاب وفضول.
جايدين، الذي لاحظ ذلك، رفع حاجبيه بقلق قبل أن يمد يديه سريعًا إلى رأسيهما، دافعهما إلى الانحناء برفق. "هل فقدتما عقلكما؟" همس بغضب بين أسنانه.
"لكنها رائعة..." تمتمت ناتالي بصوت منخفض.
"مذهلة..." أضافت ميا باندهاش.
لم يبدُ على الملكة أنها تأثرت بانحنائهم، بل بقيت تحدق فيهم بحدة قبل أن تتحدث بصوت هادئ لكنه محمل بالسلطة:
"كيف وصلتم إلى مملكة الغيوم؟"
كان السؤال بسيطًا، لكنه حمل خلفه قوة عاصفة، وكأنها تتحدى أي كذب قد يصدر منهم.
تبادل الأصدقاء نظرات سريعة قبل أن يأخذ ريجي خطوة للأمام، محاولًا التحدث بهدوء. "نحن وصلنا هنا عن طريق الخطأ..." قال بصوت متزن.
رفعت الملكة حاجبًا واحدًا. "عن طريق الخطأ؟"
"نعم، لقد كنا في الحديقة الخلفية لمنزل ريجي وناتالي، ثم ظهر باب غريب، دخلنا إليه، وفجأة وجدنا أنفسنا هنا!" قالت ميا بسرعة قبل أن يوقفها جايدين بوخزة في ذراعها.
"أوه، إذًا دخلتم عبر بوابة مجهولة... مثير للاهتمام." قالت الملكة سحاب، لكن صوتها لم يعكس أي اندهاش، بل كان وكأنها تدرسهم عن قرب.
"نحن لم نقصد الدخول إلى مملكتك، لم نكن نعلم إلى أين يقود الباب." قال جايدين بجدية.
"أوه حقًا؟" قالت الملكة وهي تضع يدها على خصرها وتنظر إليهم بريبة.
"نعم! نحن لا نعرف شيئًا عن هذا المكان!" قالت ناتالي بصدق.
الملكة سحاب لم تقل شيئًا، لكنها خطت خطوة أقرب، مما جعلهم يشعرون أكثر بقوة هالتها الغامضة. ثم نظرت إلى غيم التي كانت واقفة خلفهم برأس منخفض.
"غيم، هل هؤلاء هم السبب في الاضطراب الذي حدث قبل قليل؟"
غيم رفعت رأسها بسرعة، وهي تلوّح بيديها في توتر. "أنا... لا أعلم، جلالتك! لقد وجدناهم فجأة في المملكة، ولم نكن متأكدين مما يحدث!"
غمامة، الذي كان واقفًا بصمت طوال الوقت، تحدث أخيرًا بصوت جاد. "جلالتك، لقد ظهر اضطراب غريب في الغيوم عند وصولهم، وقد لاحظناه جميعًا."
"هل هذا صحيح؟" تمتمت الملكة لنفسها وهي تفكر للحظة. ثم نظرت إليهم مجددًا، هذه المرة عيناها تحملان شيئًا أعمق من الغضب، وكأنها تقيّمهم، تحاول فهمهم.
"إذن، أنتم تقولون أنكم دخلتم من بوابة مجهولة، ووجدتم أنفسكم هنا بلا قصد..."
"بالضبط." قال ريجي.
"وهل أنتم متأكدون أنكم لم تلمسوا أي شيء غريب قبل أن تصلوا؟"
تبادلوا النظرات، ثم هز لوكاس كتفيه. "في الواقع، لا أذكر أننا لمسنا أي شيء، الباب فُتح من تلقاء نفسه."
الملكة أغمضت عينيها للحظة، وكأنها تفكر في شيء مهم. ثم قالت ببطء:
"هناك شيء غريب في مجيئكم... لا أحد يستطيع دخول مملكتي هكذا، حتى من سكان تريانتيس، فكيف لبشر من عالم آخر أن يصلوا إلى هنا؟"
صمت الأصدقاء، لم يكن لديهم إجابة، فهم لم يفهموا ما يحدث أصلًا.
الملكة سحاب نظرت إليهم للحظة أطول، ثم التفتت إلى غمامة. "راقبهم جيدًا، لا أريد أن يتجولوا بحرية هنا قبل أن نعرف حقيقة مجيئهم."
"كما تأمرين، جلالتك." قال غمامة بانحناءة بسيطة.
ثم عادت الملكة للنظر إليهم، وهالة من الغموض تزداد حولها.
"أمامكم الكثير لتفسيره، أيها البشر..." قالت بصوت عميق، قبل أن تستدير وتصعد الدرج مجددًا، تاركة خلفها صمتًا ثقيلًا يملأ المكان.
ساد الصمت الثقيل في القاعة بعد أن صعدت الملكة سحاب بضع درجات على سلم عرشها، لكن ريجي لم يكن ينوي ترك الأمور بهذا الشكل. خطا خطوة إلى الأمام بثقة وقال بصوت واضح:
"ولكن يا جلالة الملكة سحاب، نحن عالقون هنا ولا نعرف كيف نعود إلى عالمنا. نطلب منك المساعدة."
توقفت الملكة عن الصعود، ثم التفتت لتنظر إليه. عيناها الرماديتان بدتا وكأنهما عاصفة على وشك الهبوب. صمتت للحظة، قبل أن تقول بصوت بارد:
"المساعدة؟ وهل تعتقدون أنني أملك إجابة لكل شيء؟"
تبادل الأصدقاء النظرات القلقة، ثم تحدث جايدين بحذر: "نحن لا نعلم شيئًا عن هذا المكان... ولا نعرف حتى كيف يعمل. ولكن بما أنكِ ملكة هذه المملكة، فربما لديك فكرة عما يجري؟"
"أو على الأقل دليل حول كيفية عودتنا؟" أضافت ناتالي، صوتها يحمل نبرة توسل خفيفة.
"نحن لا ننوي التسبب بأي مشاكل، صدقيني!" قالت ميا، وهي ترفع يديها بإخلاص. "نريد فقط أن نعود إلى حيث ننتمي."
الملكة نظرت إليهم للحظات، ثم تنهدت ببطء، وكأنها تفكر في قرار مهم. أخيرًا، تحدثت بصوت محايد لكنه يحمل نبرة أمر واضحة:
"غمامة، خذهم إلى مُزن. دعه يخبرهم عن أرض تريانتيس، قد يفهمون حينها أين هم ولماذا هم هنا."
غمامة، الذي كان يراقب الموقف بصمت، انحنى بإيماءة خفيفة. "كما تأمرين، جلالتك."
ثم التفتت إلى غيم، التي كانت لا تزال واقفة في توتر خلف الأصدقاء.
"وأنتِ، يا غيم، اذهبي مع باقي فرق المراقبة وتفقدي وضع المملكة. أريد تقريرًا مفصلًا عن أي تغيرات غير مألوفة."
"حاضر، جلالتك!" قالت غيم بسرعة، قبل أن تستدير وتركض خارج القاعة، وكأنها تهرب من العاصفة التي تمثلها الملكة سحاب.
أما غمامة، فوجه لهم نظرة حادة قبل أن يشير بيده. "اتبعوني."
بدأوا في التحرك خلفه، لكن قبل أن يصلوا إلى باب القاعة، أضافت الملكة بصوت هادئ لكنه قوي:
"لا تتسببوا بالمشاكل... وإلا، فإن مملكة الغيوم لن تكون رحيمة معكم."
شعروا بقشعريرة تمر في أجسادهم، لكنهم لم يجيبوا، فقط تابعوا السير خلف غمامة بصمت، وأعينهم لا تزال مليئة بالأسئلة التي لم تجد إجابة بعد.
بعد أن خرجوا من القاعة، دخلوا في ممر طويل حيث كانت الجدران والسقف مكونين من سحب متحركة، وأحيانًا كانوا يرون لمحات من البرق تتراقص بين السحب البعيدة.
"من هو هذا الـ مُزن؟" سأل لوكاس وهو يمشي بجانب غمامة.
غمامة لم يلتفت إليه، بل رد بصوت حازم: "إنه أحد حكماء مملكة الغيوم. يعرف الكثير عن تاريخ تريانتيس، وقد يكون لديه بعض الإجابات لكم."
"أوه، عظيم! شخص آخر يحدق فينا بغرابة." تمتم لوكاس بسخرية.
"لوكاس، اخفض صوتك." همس جايدين محذرًا.
"أنا فقط أقول، الجميع هنا ينظر إلينا وكأننا تهديد محتمل. ألا يمكن أن يكون هناك شخص ودود قليلاً؟"
"غيم كانت لطيفة." قالت ميا مبتسمة.
غمامة ألقى عليها نظرة جانبية قبل أن يقول: "غيم... مختلفة."
"ماذا تقصد؟" سألت ناتالي بفضول.
غمامة لم يرد فورًا، ثم قال بعد لحظات من الصمت: "إنها لا تفكر كغيرها من الغيوم. إنها أكثر فضولًا، وأحيانًا أكثر تهورًا."
"هذا يفسر الكثير..." قال ريجي وهو يتذكر تصرفاتها العفوية.
استمروا في السير حتى وصلوا إلى باب ضخم مصنوع من الغيوم المكثفة، وعندما اقترب غمامة، انفتح الباب ببطء، كاشفًا عن قاعة واسعة مليئة بالمخطوطات والكتب التي تطفو في الهواء.
وفي وسط الغرفة، كان هناك رجل مسن، لكن جسده لم يكن صلبًا بالكامل مثل البشر، بل كان شفافًا قليلًا، وكأن جسده مكون من الضباب الخفيف. شعره كان أبيض كثيفًا وكأنه سحابة صغيرة على رأسه، وعيناه تلمعان بلون أزرق عميق يشبه السماء عند الفجر.
وقف الحكيم مُزن أمام المجموعة، ظهره منحني قليلاً بسبب عمره، لكن عينيه كانتا حادتين مثل البرق. كان يرتدي عباءة فضفاضة بلون الغيوم، تتماوج أطرافها كما لو كانت مصنوعة من الضباب نفسه.
"إذاً... أنتم البشر الذين أحدثوا كل هذه الجلبة؟" قال بصوت هادئ لكنه عميق، كأنه محمل بقرون من الحكمة.
نظروا إليه بحذر، فتراجع ريجي خطوة إلى الأمام ليبدو واثقًا، بينما بدت ناتالي مترددة قليلًا. أما ميا، فقد كانت تحدق فيه بفضول واضح.
"لا تقلقوا، لست غاضبًا. في الواقع، هذا اليوم مثير للاهتمام بالنسبة لي. لم أعتقد أنني سأرى بشرًا في حياتي مجددًا."
"مجددًا؟!" سألت ميا بدهشة، عيناها تتسعان بحماس. "هل التقيت بالبشر من قبل؟"
أومأ مُزن ببطء، وكأنه يسترجع ذكريات قديمة جدًا.
"ليس شخصيًا، ولكنني قرأت الكثير عنكم. في الكتب القديمة، هناك حكايات عن بشر دخلوا عالم تريانتيس... لكن لا أحد يعلم كيف انتهت رحلاتهم."
"يا لها من بداية مشجعة..." تمتمت ناتالي وهي تعقد ذراعيها.
"ولكن، أهذا يعني أن هناك فرصة لنعود لعالمنا؟" سأل جايدين بنبرة تحليلية، متطلعًا إلى الحكيم بتوقع.
لكن مُزن لم يُجب مباشرة، بل اكتفى بالنظر إليهم نظرة عميقة قبل أن يقول:
"دعونا لا نستبق الأمور... أنتم الآن في تريانتيس، وهذا بحد ذاته شيء نادر جدًا."
"وأيضًا مزعج جدًا." قال لوكاس ساخرًا، واضعًا يديه خلف رأسه.
"بل هو قدر نادر." قال مُزن بنبرة واثقة. "والآن، قبل أن نتحدث عن أي شيء آخر، دعوني أرى... ما الذي يجعلكم مميزين؟"
"مميزين؟!" قالت ميا بحماس، ثم أشارت إلى نفسها بمرح. "أنا مميزة لأنني الأروع هنا!"
لوكاس ضحك قائلاً: "لا، لا، أعتقد أنكِ مميزة لأنكِ الأكثر إزعاجًا هنا."
"هيي! هذا غير صحيح!" قالت ميا معترضة، بينما ناتالي أومأت موافقة: "في الواقع... ربما معه حق."
قهقه مُزن بخفة، ثم نظر إليهم جميعًا وقال:
"ليست هذه النوعية من التميز التي أتحدث عنها، ولكن لا بأس... سأكتشفها بنفسي مع الوقت."
"حسنًا، بما أنك حكيم مملكة الغيوم، فهل يمكنك إخبارنا على الأقل كيف نعود؟" قال ريجي بنبرة عملية.
تنهد مُزن وقال: "دائمًا تبحثون عن الطريق إلى الوراء قبل أن تفهموا أين أنتم."
ثم لوّح بيده، فبدأت السحب المحيطة تتحرك، وكأنها تستجيب لأمر غير مرئي.
"انتظر، هل أنت ساحر؟!" سألت ميا بذهول.
"لا، لكنني أفهم هذا العالم جيدًا، وهذا يكفي لجعله يجيبني." قال مُزن بابتسامة غامضة.
"إذن، هل يمكن لهذا العالم أن يجيبنا عن كيفية العودة؟" قال جايدين، محاولًا ربط الأمور ببعضها.
أومأ مُزن ببطء. "ربما... لكن قبل ذلك، عليكم أن تفهموا المكان الذي دخلتم إليه. لا أحد يستطيع مغادرة تريانتيس دون أن يعرف كيف يعمل هذا العالم."
"رائع، هذا يعني أننا عالقون هنا لفترة طويلة..." تمتمت ناتالي.
"ليس بالضرورة... لكن دعوني أبدأ أولاً بتعريفكم على أرض تريانتيس."
رفع يده مرة أخرى، وفي لحظة، بدأ الضباب المحيط بهم يتلاشى تدريجيًا، كاشفًا عن رؤى غامضة لما يبدو أنه عالم آخر بالكامل.
نظر الجميع إليه بترقب، متحمسين ومتوترين في آنٍ واحد لسماع القصة التي ستكشف لهم أسرار الأرض التي وجدوا أنفسهم فيها.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon