في ليلة ساحرة، تزينت القاعة الكبرى بأضواء الشموع المتلألئة، وانعكست ألوان الفساتين الفاخرة والمجوهرات اللامعة على أرضية الرخام المصقولة. كان الحفل يعج بالنبلاء والشخصيات الرفيعة، لكن وسط كل هذه الأبهة، كانت هناك طفلة صغيرة تبلغ من العمر ستة أعوام، تجذب جميع الأنظار إليها.
كان شعرها الأسود اللامع يتراقص مع كل خطوة تخطوها، وعيناها الزرقاوان تشعان ببريق فضولي. ركضت بخفة بين المدعوين، تضحك وتلعب، غير مبالية بنظرات الدهشة والإعجاب التي لاحقتها.
لكنها سرعان ما توقفت عندما لمحت صبيًا يقف عند النافورة في ركن بعيد من الحديقة، يحدق في المياه المتلألئة بصمت. بدا مختلفًا عن بقية الأطفال، لم يكن يشارك في اللعب، ولم يكن يهتم بضوضاء الحفل.
اقتربت منه بحذر، ثم سألته بصوت طفولي نقي:
“ما اسمك؟”
لم يحرك الصبي رأسه نحوها، بل اكتفى بإلقاء نظرة جانبية وهو يرد بصوت هادئ ولكن حاد:
“ألا تعرفين من أنا؟”
أمالت رأسها بفضول وقالت:
“كلا، من أنت؟”
استدار نحوها أخيرًا، والتقت نظراتهما، فأجابها بثقة امتزجت بالغرور الطفولي:
“أنا أليستر.”
رفعت حاجبيها الصغيرة بدهشة، ثم ضحكت قليلًا وسألته بمرح:
“ومن يكون أليستر هذا؟”
ارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة، أشبه بابتسامة تحدٍّ، وقال:
“ومن تكونين أنتِ حتى لا تعرفيني؟”
لكن قبل أن تتمكن من الرد، حدث ما لم يكن في الحسبان—
اهتزت الأرض تحت أقدامهما فجأة، وتعالت الصرخات من داخل القاعة. ارتجف الماء في النافورة، وسقطت بعض الكؤوس على الأرض، بينما انتشر الرعب بين الحاضرين
جاء الحرس راكضين، وعيونهم تبحث عن مصدر الاضطراب
بينما كان الحرس يهرعون في كل الاتجاهات، اهتزت الأرض بقوة لدرجة أن النافورة تكسرت وتناثرت مياهها في الهواء. فجأة، ارتفعت الأرض تحت قدمي أليستر، وكأنه انجرف بفعل قوة خفية. اختل توازنه وسقط أرضًا، بينما كانت صرخاته تتردد وسط الضجيج.
ميراي، التي كانت لا تزال واقفة في مكانها، حدقت به بعينين متسعتين، ثم دون تفكير، مدت يدها نحوه. لم تكن تعلم لماذا، لكن شيئًا بداخلها دفعها لفعل ذلك، كما لو أن يديها خُلقتا لإنقاذه.
وفجأة، انبثق شعاع من النور، زاهٍ ومتعدد الألوان، كأنه قوس قزح ينبض بالحياة. التف الضوء حول أليستر كخيوط سحرية، ورفع جسده ببطء إلى مكان آمن، بعيدًا عن الفوضى التي اجتاحت الحفل. كان الجميع يراقبون المشهد بذهول، بينما وقفت ميراي في مكانها، تنظر إلى يديها بدهشة.
ما الذي حدث للتو؟
وقف أليستر في الأعلى، أنفاسه متقطعة، وعيناه الرماديتان تحدقان بها بدهشة، لكنه لم يقل شيئًا. أما ميراي، فقد شعرت بقشعريرة تسري في جسدها، وكأنها لمست قوة لم تكن تعرف بوجودها من قبل.
ساد الصمت للحظات، قبل أن تبدأ الهمسات تتعالى بين الحضور، يتساءلون عن مصدر هذا الضوء العجيب. وسط الدهشة والذهول، ظهر رجل غامض من بين الحشود، توجه مباشرة نحو ميراي، أمسك بيدها بحزم وهمس بصوت منخفض لكن محمل بالقلق:
— ماذا فعلتِ؟ سيكشف أمرنا… لا أريدك أن تعاني كما عانيتُ أنا.
دون أن يمنحها فرصة للرد، سحبها بعيدًا بخطوات سريعة، كأنه يحاول إخفاءها عن الأنظار. لكنه لم يدرك أن هناك عيونًا كانت تراقب بصمت… عيون أليستر، الذي كان واقفًا على مقربة، يتأمل المشهد كله بتركيز حاد، وعيناه الرماديتان تعكسان مزيجًا من الحيرة والتصميم.”
تصلبت ملامح أليستر وهو يحدّق بالمشهد أمامه، لم يستوعب بعد ما حدث. شعر بجسده يخذله، واهتزت قدماه تحت وطأة الصدمة، حتى كاد أن يسقط لولا أنه تشبث بحافة النافورة.
وفجأة، شقّ صوت قوي أجواء الفوضى:
— لقد وجدنا ولي العهد!
في لحظة، تدافع الحرس نحوه، يحيطون به بقلق، تتوالى أسئلتهم المتلاحقة:
— سموّك، هل أنت بخير؟
— هل أصبت بأذى؟
لكن أليستر لم يجب، عيناه ما زالتا معلّقتين على الفتاة والرجل الغامض الذي أخذها معه… واختفى في الظلام.”*
كانت السماء ملبدة بالغيوم حين عاد أليستر إلى القصر. لم يكن يدرك أن تلك الليلة ستترك أثرًا عميقًا في روحه. منذ تلك الحادثة، لم يفارق ذهنه ذلك الضوء الزاهي ولا الفتاة ذات العيون الساحرة التي اختفت فجأة.
وقف أمام النافذة المطلة على ساحة القصر، يراقب انعكاس صورته في الزجاج. الحرس الملكي لم يتوقفوا عن سؤاله إن كان قد أصيب، لكنه لم يكن قادرًا على استيعاب ما حدث. كان هناك شيء غامض، شيء لم يكن يفهمه، لكنه شعر بأنه مرتبط به بطريقة لا يمكن تفسيرها.
في تلك الأثناء، في مكان آخر بعيد عن القصر، استيقظت ميراي في غرفة لا تعرفها. كان الرجل الذي أخذها يقف بالقرب من النافذة، يتحدث بصوت خافت إلى شخص مجهول. حاولت النهوض، لكن جسدها كان متعبًا، وكأن ذلك الضوء الذي ظهر قد استنزفها بالكامل.
استدارت إليه وسألته بصوت مرتجف:
— “من أنت؟ ولماذا أحضرتني إلى هنا؟”
التفت إليها الرجل بوجه خالٍ من التعبير، ثم قال بصوت هادئ لكنه حازم:
— “كان يجب أن أبعدك قبل أن يكتشفوا أمرك… ميراي، حياتك ليست كما تظنين.”
كانت تلك الكلمات كافية لتشعل داخلها ألف سؤال وسؤال، لكنها لم تكن تعلم أن الإجابة ستغير حياتها للأبد
دق… دق…
ارتفع صوت الطرق على الباب، فقطع سلسلة أفكار أليستر. جلس على كرسيه قرب النافذة، محدقًا في الظلام الممتد خارج القصر.
“ادخل.” قال بصوت هادئ لكنه يحمل في طياته التعب.
فتحت الباب امرأة ذات ملامح رقيقة لكن عينيها تحملان قلقًا دفينًا. “أليستر… ألا زلت تفكر في تلك الفتاة؟”
استدار إليها ببطء، عيناه الرماديتان تلتمعان في ضوء الشموع. صمت للحظة وكأنه لم يفهم سؤالها، ثم ضيق عينيه وقال بصوت منخفض: “لم أنسَها يومًا، أمي.”
اقتربت والدته وجلست بجانبه، نظرت إليه بحنان وقالت: “لقد مرَّت عشر سنوات، ربما كانت مجرد صدفة… ربما كانت مجرد فتاة عادية.”
نظر إليها بصمت، ثم حول بصره إلى النافذة مجددًا. “لا، لم تكن فتاة عادية… ولن أصدق أنها اختفت بلا سبب.”
في الخارج، كان القمر مكتملًا، ينعكس ضوؤه على حدائق القصر الواسعة. في مكانٍ ما، ربما لم تكن تلك “الفتاة العادية” قد اختفت تمامًا… وربما كانت هذه الليلة بداية لقاء جديد
في نفس اللحظة، كانت ميراي تقف في غرفة شبه مظلمة، ترتدي رداءً طويلاً بلون الليل، وشعرها الأسود الطويل ينساب على ظهرها. مدت يدها إلى مقبض الباب ببطء، تنوي الخروج إلى الهواء الطلق، لكن قبل أن تتمكن من ذلك، فتح الباب فجأة.
وقف أمامها رجل طويل القامة، ذو ملامح صارمة ونظرة حادة. كان هو نفسه الرجل الذي أخذها قبل عشر سنوات.
“ميراي…” قال بصوت منخفض لكنه حازم. “ألم أخبرك ألا تخرجي وحدك؟”
توقفت في مكانها، نظرت إليه بعينين زرقاوين تحملان شيئًا من الرجاء.
“أرجوك، يا سيد فينسينت، لم أخرج منذ مدة… أشعر وكأنني حبيسة هذا المكان.”
أغمض فينسينت عينيه للحظة، وكأنه يزن كلماته قبل أن يقولها. ثم فتحهما مجددًا، وحدق فيها بجدية. “الأمر ليس بهذه البساطة، ميراي. أنتِ تعلمين ذلك.”
لكنها لم تتراجع، قبضت على الرداء حولها بقوة وقالت بإصرار: “إذا كنتُ سأبقى هنا إلى الأبد، على الأقل أريد أن أشعر بأنني حرة.”
ساد الصمت بينهما للحظة، قبل أن يتنهد فينسينت ويميل برأسه قليلاً، وكأنه يفكر في حل وسط.
في الخارج، كانت الرياح تهب برفق، كأنها تناديها للخروج. لكنها لم تكن تعلم أن هذه الليلة قد تكون بداية لشيء لم تكن تتوقعه أبدًا.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon