NovelToon NovelToon

"مائة ظل للحزن"

القصة الأولى: "الواد اللي كان بيضحك طول الوقت"

القصة الأولى: "الواد اللي كان بيضحك طول الوقت"

أول مرة على كرسي العيادة

أدهم قاعد على الكنبة السودة في أوضة الدكتور كريم، حاسس بتوتر غريب. عمره ما تخيل إنه في يوم هيبقى قاعد عند دكتور نفسي. كان دايمًا شايف الموضوع للناس اللي فقدت عقلها تمامًا… بس دلوقتي هو هنا، مش عارف يقول إيه.

الدكتور كريم، راجل في الأربعينات، ملامحه هادية وعنده نظرة كأنها بتطمن اللي قدامه. ماسك نوتة صغيرة في إيده، لكنه مش بيكتب حاجة، بس مستني أدهم يبدأ.

ــ "مفيش حاجة مستعجلة… خد وقتك."

أدهم أخد نفس طويل، باصص في الأرض، ولأول مرة في حياته بيحاول يقول اللي عمره ما قاله.

ــ "أنا مش مجنون… بس تعبت."

الدكتور هز راسه كأنه بيقوله "فاهمك، كمل".

ــ "طول عمري بضحّك الناس… حرفيًا! في أي قعدة، لازم أبقى أنا اللي بخلي الجو لذيذ، اللي بهزّر، اللي بيخلي الناس تضحك حتى لو مافيش حاجة تضحّك. كنت بحب ده، أو يمكن كنت فاكر إني بحبه…"

صوته بدأ يتهز شوية، فبلع ريقه وكمل:

ــ "بس المشكلة بقى… إن بعد ما القعدة تخلص، بعد ما أرجع بيتي وأبقى لوحدي… الدنيا بتبقى كتمة، هدوء خانق… وأنا مش عارف أهرب منه."

الدكتور بص له باهتمام، وسأله بهدوء:

ــ "وإنت ليه بتحس بالوحدة بالشكل ده؟"

أدهم ابتسم بسخرية وهو بيحرك رجله بعصبية:

ــ "لأن أنا أصلًا طول عمري لوحدي، حتى وأنا وسط الناس. أمي كانت مشغولة بحياتها، أبويا مات وأنا صغير، إخواتي شايفين إني عايش مبسوط ومش بحتاج حاجة… بس أنا كنت بحاول أهرب من الحقيقة، بحاول أقنع نفسي إن لو خليت كل الناس تضحك، يمكن أنا كمان في يوم أضحك من قلبي."

الدكتور كتب حاجة في نوتته، وسأل:

ــ "وأمتى اكتشفت إنك مش قادر تضحك بجد؟"

أدهم عض شفايفه شوية قبل ما يرد:

ــ "لما بدأت أحس إن الضحك نفسه بقى مجهود… إن حتى الهزار اللي كنت بحبه بقى تقيل عليا… لحد ما في مرة، بعد حفلة سهر، روحت بيتي، وقفت قدام المراية، وبصيت لنفسي… وسألت نفسي: إنت مين؟"

سكت لحظة، قبل ما يكمل بصوت أضعف:

ــ "وماعرفتش أرد…"

لحظة الانهيار

الدكتور فضل ساكت مستني أدهم يكمل، وبعد لحظة صمت طويلة، قال أدهم بصوت متكسر:

ــ "أصعب حاجة إنك تكتشف إنك عايش في كذبة… أنا كنت فاكر إن الضحك هو اللي بيحميني، بس طلع الضحك هو أكتر حاجة بتوجعني… الناس بقت تتوقع إني أبقى مبسوط طول الوقت، لدرجة إني حتى لما كنت حزين، ماحدش لاحظ… لما كنت بتكلم بجد، كانوا يفتكروا إني بهزر… وفي اليوم اللي قررت أقول إني تعبان، صاحبي رد وقاللي: (إنت إيه يا عم، أول مرة تحس بمشاعر ولا إيه؟ خدلك نومة وكمل ضحك)."

الدكتور رفع حاجبه وسأله:

ــ "الكلام ده أثر فيك قد إيه؟"

أدهم ضحك ضحكة مكسورة وقال:

ــ "قتلني… حسيت إني وحيد بجد. وقتها بدأت أحس بضيق في صدري طول الوقت، ماكنتش قادر آخد نفسي كويس، النوم بقى عذاب، وأفكاري بقت بتوديني في أماكن سودة… وبدأت أسأل نفسي: لو اختفيت، هل حد هيحس؟"

لحظة القرار

الدكتور بص له بجدية وسأله:

ــ "جاوبت على السؤال ده؟"

أدهم شرد شوية، وبعدين قال بصوت ضعيف:

ــ "مكنتش لاقي إجابة… بس كنت بفكر في الموضوع، لحد ما في يوم وأنا راجع من الشغل، وقفت على كوبري عالي، وبصيت للمية، وسألت نفسي: (إيه المشكلة لو نطيت؟ مش يمكن أرتاح؟)"

الدكتور بص له بتركيز وسأله:

ــ "إيه اللي منعك وقتها؟"

أدهم تنهد وقال:

ــ "وأنا واقف، جاتلي رسالة من رقم مجهول: (أنا حاسس بيك، لو عايز تحكي، أنا موجود.)"

سكت لحظة، وبعدين كمل:

ــ "كان إعلان لخدمة دعم نفسي مجانية… يمكن دي كانت إشارة، يمكن كنت مستني حد بس يقولي إنه حاسس بيا، إنه شايفني."

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "وإنت هنا النهارده… يعني لسه عندك أمل."

أدهم ابتسم ابتسامة ضعيفة، وقال بصوت مبحوح:

ــ "أنا بس عايز حد يفهمني… حد يشوفني من غير القناع اللي لزقته على وشي طول حياتي."

الدكتور قفل نوتته وقال بحزم:

ــ "وأنا هنا عشان نخلع القناع ده… بس بهدوء، وبخطوات صغيرة، مع بعض."

القصة الأولى: "الواد اللي كان بيضحك طول الوقت" (الجزء الثاني)

بعد الجلسة الأولى… المواجهة الحقيقية

بعد ما خلصت الجلسة، خرج "أدهم" من العيادة وهو حاسس بحاجة غريبة… مش ارتياح، لكن على الأقل، لأول مرة، حد سمعه من غير ما يستهزأ بيه. فضل ماشي في الشارع من غير هدف، يفكر في كلام الدكتور:

ــ "وإنت هنا النهارده… يعني لسه عندك أمل."

هل فعلًا عنده أمل؟ ولا هو بس بيحاول يدي نفسه سبب عشان يكمّل؟

كابوس الضحك

أول ليلة بعد الجلسة كانت غريبة. نام وهو حاسس بتعب شديد، لكن الحلم اللي شافه خلاه يصحى مفزوع.

شاف نفسه واقف وسط ناس كتير، كلهم بيتحكوا بصوت عالي، ضحك هستيري، لكنه كان واقف لوحده، مش قادر يضحك معاهم. كل ما يحاول يفتح بُقه، يلاقي نفسه بيصرخ بدل ما يضحك. فجأة، الناس بدأت تبص له بعيون مليانة خوف، ووشوشهم بقت مشوهة، وكلهم قربوا منه وسألوه بصوت واحد:

ــ "إنت ليه ساكت؟ ليه مش بتضحّكنا؟"

حاول يجري، لكن رجله كانت تقيلة كأنها مربوطه في الأرض. فجأة، ظهرت المراية اللي وقف قدامها قبل كده وسأل نفسه "إنت مين؟"… لكنه المرة دي، كان شايف شخص غريب مكانه.

شخص بعينين ميتة… وابتسامة مزيفة.

المكالمة اللي غيرت كل حاجة

صحى مفزوع، وإيده على قلبه اللي كان بيدق بسرعة. بص للموبايل، لقى رسالة من الدكتور كريم:

ــ "عارف إن أول يوم بعد الجلسة بيبقى صعب… لو محتاج تتكلم، أنا موجود."

فضل باصص للرسالة فترة، وحس بحاجة تخليه يتصل بالدكتور فعلًا.

لما رد الدكتور، كان صوته هادي:

ــ "حلمت بحاجة؟"

ــ "إزاي عرفت؟"

ــ "لأن دي أول مرة تواجه نفسك بجد… العقل ساعات بيخوفنا من التغيير."

أدهم سكت شوية، وبعدين قال بصوت ضعيف:

ــ "أنا خايف، دكتور… خايف أكتشف إني كذبة، إن كل اللي كنت بعمله طول حياتي كان مجرد هروب."

ــ "الهروب مش غلط، بس لازم نعرف بنهرب من إيه… وإحنا هنكتشف ده مع بعض، بس واحدة واحدة."

أدهم خد نفس عميق، وحس إنه لأول مرة مش لوحده تمامًا.

يمكن، بس يمكن، الموضوع يستاهل إنه يحاول.

القصة الأولى: "الواد اللي كان بيضحك طول الوقت" (الجزء الثالث)

رحلة المواجهة

بعد المكالمة مع الدكتور كريم، بدأ "أدهم" يروح الجلسات بانتظام. في الأول، كان لسه متحفظ، مش عايز يتكلم عن كل حاجة، بس مع الوقت بدأ يفك، بدأ يحس إن فيه حد أخيرًا مهتم بيسمعه من غير ما يحكم عليه.

في الجلسة التالتة، الدكتور سأله:

ــ "فاكر أول مرة قررت تستخبى ورا الضحك؟"

أدهم فضل ساكت شوية، وبعدين قال بصوت هادي:

ــ "كنت في ابتدائي… أمي وأبويا كانوا بيتخانقوا كل يوم، صوتهم كان بيرج الدنيا… وفي يوم، بعد خناقة جامدة، لقيت أمي قاعدة في الصالة بتعيط. كنت طفل، ماعرفتش أعمل حاجة غير إني قعدت أقول نكتة ورا التانية عشان تضحك… وفعلا، ضحكت."

تنهد وقال بصوت ضعيف:

ــ "ساعتها حسيت إني عملت حاجة صح، إني عندي دور… ومن اليوم ده، قررت إني دايمًا أبقى الشخص اللي بيخلي الناس تضحك، عشان محدش يحس بالحزن اللي كنت شايفه في وش أمي."

الدكتور بص له بتركيز وسأله:

ــ "بس مين كان بيضحكك إنت؟"

أدهم سكت… وفهم السؤال لأول مرة.

ماحدش.

عمره ما كان فيه حد بيدخل حياته بس عشان يسأله: "إنت عامل إيه بجد؟"

لحظة الانهيار

في الجلسة الخامسة، أدهم وصل لمرحلة جديدة… أول مرة يعيط قدام حد من غير ما يحاول يخبي.

كان قاعد ساكت، عينه على الأرض، صوته مبحوح وهو بيقول:

ــ "أنا تعبت، دكتور… تعبت من إني دايمًا مضطر أبقى تمام عشان الناس تبقى تمام."

رفع عينه، ولأول مرة، قالها بصوت واضح:

ــ "أنا مش تمام."

الدكتور بص له بهدوء، وقال:

ــ "وده حقك… إنك تكون مش تمام."

أدهم فضل ساكت، بس جواه حس براحة غريبة… كأنه لأول مرة في حياته مش مضطر يضحك.

البداية الجديدة

مع الوقت، ومع الجلسات، بدأ أدهم يكتشف نفسه من جديد. مش بسهولة، مش بسرعة، بس واحدة واحدة، بدأ يتعلم إنه مش لازم يكون الشخص اللي بيسعد كل الناس طول الوقت، وإنه من حقه يحزن، ومن حقه يستقبل الحب مش بس يوزعه.

وفي يوم، بعد جلسة طويلة، وهو بيقف قدام المراية اللي كان بيخاف منها، بص لنفسه… وابتسم.

مش ابتسامة مزيفة.

مش ابتسامة عشان يسعد حد غيره.

ابتسامة حقيقية… لنفسه.

— النهاية الحقيقية لرحلة أدهم —

القصة الثانية: "البنت اللي بتسمع كل حاجة"

القصة الثانية: "البنت اللي بتسمع كل حاجة"

البداية: صوت في دماغي مش بيسكت

"ملك" قاعدة على الكرسي قدام الدكتور كريم، متوترة. بتحرك صوابعها بعصبية، وعنيها مليانة خوف… مش عارفة تبدأ منين، بس أخيرًا بتاخد نفس عميق وبتقول:

ــ "أنا بسمع أصوات."

الدكتور فضل ساكت مستنيها تكمل، فسكتت شوية وبعدين قالت بصوت أهدى:

ــ "مش أصوات ناس… مش حد بيتكلم معايا… بس كل حاجة حواليا صوتها عالي جدًا."

بصت للدكتور بنظرة مرعوبة وكملت:

ــ "عارف لما تقعد في مكان هادي تمامًا، بس تحس إن عقلك مش هادي؟ كل صوت بسيط، كل حركة، كل نفس، كل همسة… كل حاجة جوا دماغي بتتضخم لدرجة إنها بتوجعني."

الدكتور سألها بهدوء:

ــ "الأصوات دي بدأت إمتى؟"

ملك سكتت لحظة، وبعدين قالت بصوت متكسر:

ــ "من وأنا صغيرة… بس مكنتش بفهم اللي بيحصل. كنت بحس إني لوحدي في عالم كله دوشة… كنت بسمع ضربات قلبي بوضوح يخوف، كنت بحس بصوت السكون نفسه، وكان بيخنقني."

تنهدت وهي بتحاول تهدي نفسها، وكملت:

ــ "كنت فاكرة إن ده طبيعي، لحد ما بدأت المدرسة… اكتشفت إن الناس مش بتسمع زيي، مش بتحس بالضغط الرهيب اللي أنا فيه."

الطفولة: لما تبقى غريب وسط العاديين

ملك ابتسمت ابتسامة حزينة وهي بتحكي عن طفولتها:

ــ "كنت طفلة غريبة… كنت بكره الضوضاء، بكره الأماكن اللي فيها ناس كتير، لكن في نفس الوقت، لما أبقى لوحدي، كنت بحس بالرعب من السكون العالي اللي في دماغي."

الدكتور سألها:

ــ "كنتِ بتحكي لحد عن ده؟"

ملك هزت راسها بلا:

ــ "كنت بحاول، بس محدش كان فاهمني… حتى أهلي، كانوا بيقولولي (إنتي بتتدعي الحاجات دي عشان تلفتي الانتباه)."

ضحكت ضحكة مكسورة وكملت:

ــ "عارف إيه أكتر حاجة وجعتني؟ إني صدقتهم… بدأت أشك في نفسي، أقنع نفسي إني يمكن ببالغ، يمكن أنا فعلاً مفيش حاجة فيا."

الدكتور كتب حاجة في النوتة، وقال:

ــ "بس إنتي دلوقتي هنا… معنى كده إنك وصلتي لمرحلة ماقدرتيش تتجاهلي فيها اللي بيحصل جواكي."

ملك رفعت عينيها ليه وقالت بصوت ضعيف:

ــ "أنا بقيت بسمع حاجات مش موجودة بجد، دكتور…"

الانهيار: لما عقلك يبقى عدوك

ملك كملت بصوت مرعوب:

ــ "في البداية، كانت مجرد أصوات عالية في دماغي… بعدين بقى في صوت واحد مسيطر، بقى في حد بيتكلم جوا عقلي."

الدكتور سألها بهدوء:

ــ "الصوت ده بيقولك إيه؟"

ملك غمضت عينيها كأنها بتحاول تهرب من الكلام، وبعدين همست:

ــ "بيقولي إني مش موجودة، إني وهم، إني محدش بيشوفني بجد."

دموعها نزلت وهي بتكمل:

ــ "الصوت ده بيكرهني… طول الوقت بيقوللي إني فاشلة، إني مش كفاية، إني حمل تقيل على الناس اللي حوالي، وإنهم كلهم بيتمنوا إني أختفي."

الدكتور سألها بصوت أهدى:

ــ "وإنتي كنتي مصدقة الصوت ده؟"

ملك بصت له بنظرة مليانة ألم وقالت:

ــ "لما تسمع حاجة كتير، حتى لو عارف إنها غلط… بتصدقها في الآخر."

أول محاولة للهروب

ملك سكتت لحظة قبل ما تقول:

ــ "في يوم، الصوت كان عالي أوي، كنت قاعدة لوحدي في أوضتي، والدنيا ضلمة… والصوت فضل يقوللي: (لو اختفيتي، كل حاجة هتبقى أهدى… هترتاحي، وهما كمان هيرتاحوا)."

صوتها اتهز وهي بتقول:

ــ "مسكت المقص، وبدأت أجرح إيدي… كنت فاكرة إن الألم الجسدي هيغطّي على اللي في دماغي، بس العكس حصل، الأصوات بقت أعلى، وكأنها بتضحك عليا."

بصت للدكتور وقالت بصوت متكسر:

ــ "أنا مش كنت عايزة أموت، دكتور… أنا بس كنت عايزة الدنيا تهدى."

بداية العلاج: رحلة السكوت

الدكتور بص لها باهتمام، وقال:

ــ "ملك… اللي بتمري بيه مش ضعف، ومش حاجة في خيالك. اللي عندك اسمه "حساسية سمعية مفرطة" ومرتبط أحيانًا باضطرابات القلق والاكتئاب. ده مش معناه إنك مجنونة، ولا معناه إن مفيش أمل."

ملك كان واضح إنها أول مرة تسمع حد يوصف اللي بتحس بيه بكلام علمي، فقالت بتردد:

ــ "يعني أنا مش لوحدي؟"

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "أبدًا… في ناس كتير عندهم نفس المشكلة، بس الفرق إنك أخدتي أول خطوة وطلبتي مساعدة."

ملك أخدت نفس عميق، وقالت بخوف:

ــ "وهعرف أبقى طبيعية؟"

الدكتور رد بثقة:

ــ "هتعرفي تتحكّمي في اللي بتحسي بيه، خطوة خطوة… أول حاجة هنتعلمها مع بعض، هي إزاي نقلّل تأثير الأصوات عليكي، ونفرّق بين الصوت اللي جوا عقلك، والصوت الحقيقي."

ملك لأول مرة من سنين، حسّت إن في أمل.

التحوّل: لما الدنيا تبقى أهدى

مع الوقت، بدأت ملك تتعلم تمارين الاسترخاء، بدأت تستخدم سدادات أذن في الأماكن المزدحمة، بدأت تكتب يومياتها عشان تفرّغ الأفكار اللي في دماغها، وبدأت تفهم إن الصوت اللي بيقلل منها… مش صوتها، لكنه مجرد وهم.

في آخر جلسة، سألت الدكتور:

ــ "إنت شايفني هبقى كويسة؟"

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "أنا شايف إنك أقوى مما كنتِ فاكرة."

ملك ابتسمت لأول مرة… مش ابتسامة خوف، ولا محاولة لإخفاء الألم… لكن ابتسامة حقيقية.

أخيرًا، الدنيا بدأت تبقى هادية.

— النهاية الحقيقية لرحلة ملك —

(القصة الثالثة قريبًا… مع وجع جديد.)

"الواد اللي كان خايف ينام"

القصة الثالثة:

البداية: النوم كان بيخوفني

"سيف" قاعد قدام الدكتور كريم، عينه تحت، مش قادر يبص في عينه. حاسس إنه جاي يحكي عن حاجة تافهة، حاجة الناس بتقول عليها "عادي"، بس بالنسبة له… مكنتش عادي أبدًا.

بعد لحظة صمت، قال بصوت واطي:

ــ "أنا بخاف أنام."

الدكتور ما علّقش، استناه يكمل، وسيف أخد نفس عميق وقال:

ــ "الموضوع بدأ من سنين… كنت صغير، 6 سنين تقريبًا، كنت بنام عادي زي أي حد، لحد ما بدأت أحلم بكوابيس."

رفع عينه بصعوبة، كأنه بيتذكر حاجة صعبة عليه، وكمل:

ــ "مكنتش كوابيس عادية… كانت كوابيس بتتكرر كل ليلة، بنفس التفاصيل، بنفس الرعب. كنت بصحى مفزوع، مبلول عرق، وقلبي هينفجر من الخوف."

سكت لحظة، وبعدين قال بهمس:

ــ "بس المشكلة إن الكوابيس موقفتش، ولا راحت… كانت بتزيد كل ما كبرت."

الطفولة: لما النوم يبقى عدوك

سيف حكى عن لياليه وهو طفل، إزاي كان بيخاف يغمض عينه، إزاي كان بيحاول يقاوم النوم بأي طريقة، بس في الآخر، كان بيسقط فيه غصب عنه.

ــ "كان عندي 8 سنين لما بدأت أخترع طرق عشان أفضل صاحي، كنت بقرص نفسي، أشرب مياه باردة، أو أقعد أبص للسقف لحد ما النوم يغلبني… بس حتى لما أنام وأنا تعبان، الكوابيس كانت بتستنانى."

الدكتور سأل بهدوء:

ــ "حد كان عارف عن المشكلة دي؟"

سيف هز راسه بلا:

ــ "كنت بحكي لأهلي، بس كانوا بيقولولي: (كل الأطفال بتحلم بكوابيس، نام واقرأ قرآن قبل ما تنام وهتبقى كويس)."

ضحك ضحكة مكسورة وكمل:

ــ "بس مكنتش كويس… أنا كنت عايش في رعب كل ليلة."

المراهقة: لما النوم يبقى اختيار مش متاح

لما كبر، بقى عنده 14 سنة، قرر يعمل حاجة مختلفة… قرر يوقف النوم تمامًا.

ــ "بقيت أفضل صاحي بالساعات، أو أنام ساعة وأصحى قبل ما الكوابيس تبدأ… كنت بعيش طول اليوم مرهق، جسمي تعبان، عقلي تقيل، بس كنت بحس إني كسبت، إني منعت الكوابيس من إنها تسيطر عليّ."

الدكتور سأله:

ــ "بس دا كان مؤقت، مش كده؟"

سيف ابتسم ابتسامة حزينة وقال:

ــ "طبعًا… جسمي انهار بعد فترة، بقيت بحس إني بفقد تركيزي بسرعة، بقيت متوتر طول الوقت، وبدأت أحس إني بشوف حاجات مش موجودة، وده كان الرعب الأكبر."

الانهيار: لما الواقع يبدأ يشبه الكوابيس

ــ "في يوم، كنت ما نمتش بقالى ٣ أيام، كنت ماشي في الشارع، وفجأة… حسيت بشخص واقف قدامي."

الدكتور ركّز معاه وسأله:

ــ "شخص؟"

سيف هز راسه وقال بصوت مخنوق:

ــ "كان راجل طويل، لابس أسود، ملامحه مش واضحة، بس كنت شايفه بوضوح… كان واقف هناك، بعيد، بس كنت حاسس إنه عارف إني شايفه."

سكت شوية، وعينه مليانة رعب، وبعدين كمل:

ــ "غمضت عيني وفتحتها… واختفى."

رفع عينه للدكتور وقال بخوف:

ــ "ساعتها فهمت إن الكوابيس مبقتش بس في النوم… بقت في الواقع كمان."

طلب المساعدة: الخطوة الأصعب

لما الموضوع اتكرر، لما بقى يشوف حاجات مش حقيقية أكتر من مرة، قرر يحكي لأهله.

ــ "أخيرًا حكيت لأمي، كنت متوقع إنها تخاف عليا، تساعدني، تعمل أي حاجة… بس رد فعلها كان أصعب حاجة حصلت لي."

الدكتور سأله:

ــ "قالت لك إيه؟"

سيف ضحك ضحكة بدون روح وقال:

ــ "قالتلي (بطل أوهام… كل اللي في دماغك ده أفلام بتتفرج عليها)."

الدكتور بص له باهتمام وسأله:

ــ "وده خلاك تحس بإيه؟"

سيف عض شفايفه، وبعدين قال بهدوء:

ــ "إني لوحدي… إني حتى لما حاولت أطلب مساعدة، ملقتش حد يفهمني."

سكت شوية، وبعدين قال:

ــ "بس أنا مكنتش بتوهم، دكتور… كنت بعيش رعب حقيقي، كل يوم، كل ليلة."

العلاج: رحلة استعادة السيطرة

الدكتور كريم بص له وقال:

ــ "سيف، اللي مريت بيه اسمه "شلل النوم المتكرر" وممكن يكون سببه القلق المزمن أو اضطراب النوم، بس فيه كمان حاجة تانية… قلة النوم بتسبب هلوسات، ودا اللي وصلك للمرحلة دي."

سيف سأل بترقب:

ــ "يعني أنا مش مجنون؟"

الدكتور ابتسم وقال:

ــ "أبدًا… بس جسمك وعقلك مرهقين لدرجة إنهم بيلعبوا ضدك."

سيف سأل:

ــ "وهبقى كويس؟"

الدكتور رد:

ــ "هنمشي خطوة خطوة… أول حاجة، لازم نرجّع النوم لحياتك، بس بشكل صحي. هنتعلم تمارين استرخاء، وهتبدأ تكتب الكوابيس اللي بتجيلك عشان نحللها مع بعض."

سيف أخد نفس عميق، وقال بصوت أهدى:

ــ "ممكن أنام النهاردة من غير خوف؟"

الدكتور بص له بثقة وقال:

ــ "وممكن تصحى من غير رعب."

النهاية: أول ليلة هادية

بعد أسابيع من العلاج، وبعد ما سيف بدأ ينام بشكل منتظم، وبعد ما بدأ يتعلم يتحكم في خوفه، في يوم، نام… من غير كوابيس.

صحى الصبح، لأول مرة من سنين، وهو حاسس إنه مش مرعوب.

— النهاية الحقيقية لرحلة سيف —

(القصة الرابعة قريبًا… مع وجع جديد.)

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon