...•...
...•...
...•...
...هطلت أمطار أواخر الخريف بلا انقطاع على الجبال العميقة....
...سرعان ما ملأ الظلام الفراغ الذي خلفته الشمس الغاربة. وتسلقت شخصية صغيرة ضعيفة الجبل شديد الانحدار وغير المميز مثل سنجاب رشيق....
..."واو، واو...."...
...تشابكت ساقاها وهي تركض بسرعة على طول الطريق الموحل. لوحت بذراعيها لاستعادة توازنها، لكن،...
..."آآآآه، أوه...!"...
...في النهاية، انزلقت وسقطت في بركة الماء....
...وقفت الفتاة وهي عابسة من الألم، وربتت على خصرها ووركيها بقبضتيها. كانت ملابسها مبللة ومتسخة، في حالة من الفوضى الكاملة....
...كانت أكمامها وحاشية تنورتها ممزقة في عدة أماكن....
..."الحمد لله أنني لم أكسر زجاجة الدواء."...
...تنهدت بارتياح وهي تحتضن زجاجة صغيرة على صدرها. انبعثت أنفاسها البيضاء في الهواء البارد وهي تمسح المطر عن عينيها وتواصل تسلق الجبل....
...وبعد فترة، اطلت الغابة الكثيفة على جرف به شلال. خطت أرابيل وهي تلهث على الصخور الزلقة وبدأت تقفز من حجر إلى حجر عبر النهر. ووصلت إلى الشلال ورأت مدخل كهف مغطى بالطحالب....
...فتحت أرابيل الستائر المغطاة بالطحالب ودخلت الكهف. أضاء ضوء النار الخافت الكهف. رأت كومة من الأوراق والأغصان متراكمة عالية بجانب النار....
...كانت كومة الأوراق تتحرك لأعلى ولأسفل ببطء. كانت عيون حمراء حادة تلمع من خلال الأوراق، تتبع حركات أرابيل....
...تحدثت إلى كومة الأوراق الطويلة بصوت لطيف وواضح لا يتناسب مع صوت الكهف المظلم الرطب....
..."آسفة، هل انتظرت طويلاً؟ لحظة واحدة فقط، سأقوم بتدفئتك."...
...قبل أن تنتهي من حديثها، جلست القرفصاء بجوار النار وأخرجت زجاجة صغيرة من جيبها الداخلي. كانت زجاجة زجاجية، بالكاد بحجم إصبعيها....
...صبت السائل الصافي على الجمر المحترق، وسرعان ما عادت النار إلى الحياة....
...انتشر الدفء بسرعة، مما أدى إلى تدفئه جسدها البارد. استرخى كتفي أرابيل المتوترين....
...كانت عينا الوحش الحذرتان تراقبان الفتاة وهي تقترب، ثم أزالت بعناية الأوراق التي تغطي المخلوق الضخم....
...تساقطت الأوراق حول الوحش، فظهر نمر أسود ضخم. ورغم إصابته ووقوعه بلا حراك، إلا أنه كان ينضح بحضور ساحق....
..."غرررر...."...
...أطلق النمر زئيرًا مهددًا بأنيابه الكبيرة....
..."لا بد أنك جائع. أنا آسفه لأن هذا كل ما لدي."...
...فتحت آرابيل مئزرها، فكشفت عن التوت البري، ووضعته على الأوراق أمام النمر....
..."فكرت في إحضار لحم الضأن المملح من المطبخ، لكن معلمتي قالت إن الطعام المتبل من قبل البشر قد يكون ضارًا للحيوانات البرية المصابة. التوت البري أفضل."...
...لم يبدو أن النمر لديه القوة لفتح فمه. امتلأت عينا أرابيل بالشفقة وهي تراقب الوحش....
...قررت أن تأخذ حفنة من التوت وتملأ خديها به. كان التوت الذي لم ينته موسمه حامضًا وذو مذاق حامض، لكنها مضغته بقوة....
...بصقت العصير الأرجواني في يدها، ومن دون تردد، دفعت يدها في فم الوحش....
..."غررر...."...
...ابتلع النمر العصير، ولسانه الخشن يلعق يدها....
..."حسنًا، حسنًا، اترك يدي."...
...ربتت على أذن النمر لتهدئته....
...وبعد تكرار ذلك عدة مرات، ترك النمر يدها أخيرًا. اختفى كل التوت، وتلطخت شفتا أرابيل باللون الأرجواني....
...ورغم أن النمر تخلص إلى حد ما من العطش، إلا أن السم انتشر في جسده بسرعة، فارتجف من الألم....
...أخرجت أرابيل بسرعة زجاجة الدواء من صدرها، ثم صبت السائل الأصفر السميك بعناية على جرح النمر....
..."يستخدم والدي هذا لعلاج الحيوانات البرية المصابة، لكنه لم يعالج حيوانًا كبيرًا مثلك من قبل..."...
...لامس السائل الجرح، مما أدى إلى ظهور دخان ورائحة حادة....
..."غررر..."...
...صدى هدير الوحش المؤلم في الكهف....
..."يجب أن يكون الدواء فعالاً الآن."...
...ارتجف صوت أرابيل وهي تراقب الجرح، وامتلأت عيناها الكبيرتان اللطيفتان بالدموع....
...لم يلتئم الجرح بل نزف بغزارة، وتجمع الدم تحت بطن النمر....
..."أنا آسفه... أعتقد أنني جعلت الأمر أسوأ."...
...تدفقت الدموع على خديها المخدوشين....
..."لو كنت أمتلك قوى الشفاء التي تمتلكها عائلتي، لكنت قد تمكنت من شفائك الآن."...
...حاولت يداها الصغيرتان إيقاف النزيف، لكن دون جدوى. كان بإمكان والدها أو شقيقتها كاميل أو حتى شقيقها روكسي أن يعالجوا النمر....
..."ينبغي لي أن أعود وأطلب المساعدة."...
...لكنها جلست مرة أخرى، لأنهم سيقتلونها بمجرد رؤيتها....
...كان النمر حيوانًا معلنًا للإمبراطورية. وكان لزامًا على الجميع الإبلاغ عنه أو قتله على الفور....
...كان القبض على أحد هذه الحيوانات ان يجعل طبقة النبلاء من عامة الناس، في حين كان إطلاق سراحه يجلب عليه عقابًا شديدًا....
...كانت النمور قد انقرضت في الإمبراطورية والقارة منذ مائة عام. لكن أرابيل واجهت واحدة منها هذا الصباح خلف ممتلكاتها....
...عندما رأت أرابيل الوحش يقترب، ضمت عائلة الأرانب إلى صدرها. كانت تخطط لإطلاق سراحهم سراً، لكنها انتهت إلى مواجهة النمر بنفسها....
...على عكس عينيه المخيفتين، تحرك الوحش ببطء وضعف. لاحظت أرابيل الرماح القصيرة المغروسة في بطنه....
...أطلقت سراح الأرانب واقتربت من النمر، فكشف عن أنيابه لكنه سمح لها بسحب الرماح....
...بمجرد إزالة الرماح، انهار النمر. فكرت أرابيل،...
..."إذا تركته، فسوف يُقتل أو يصبح فريسة."...
...تذكرت الكهف خلف الشلال، فسحبت الوحش ودفعته إلى داخل الكهف....
..."في هذا الصباح فقط، كان بإمكانك التحرك بمفردك."...
...وضع الوحش رأسه على الأرض، وهو يرمش بعينيه بشكل ضعيف. أدركت أرابيل أنه لم يعد بوسعها أن تفعل شيئًا آخر....
...عانقت جسد الوحش البارد، محاولةً أن تشاركه دفئها. همست،...
..."كل الحياة ثمينة، ولكن لماذا كل هذه القسوة... أنا آسفه لأنني لم أتمكن من مساعدتك."...
...توقف قلب النمر، وسقطت دموعها على جرحه، وأهدرت أصوات المطر وفرقعة النار نومهما....
...***...
...أيقظ زقزقة العصافير أرابيل، وتسلل ضوء الشمس عبر الطحالب، ودغدغ جفونها....
...تلوت جسدها، لا تريد أن تترك الدفء. شعرت وكأنها محاصرة في حجر دافئ وناعم. كان الحجر صلبًا ولكنه مريح بشكل غريب....
...وبينما كانت لا تزال نائمة، تمددت في مكانها ومرت يدها على السطح الدافئ، فاستكشفت أصابعها ملمسه الناعم والخشن....
...بينما تحرك يدها إلى الأسفل، أمسكت يد طويلة بمعصمها بلطف....
..."لا بأس إذا كنتِ ترغبي في لمسي، ولكن ألن يكون الأمر أفضل إذا كانت عيناك مفتوحتين؟ سوف تستمتعي بـهذا أكثر."...
...سمعت صوت رجل غريب فوقها، فانفتحت عينا أرابيل بفزع....
...التقت عيناها بمساحة شاسعة من الجلد البرونزي. نظرت إلى الأعلى لترى وجهًا وسيمًا بدا غير حقيقي....
...أغمضت عينيها بإحكام، على أمل أن يكون حلمًا....
..."لم ارى شخص يتظاهر بالنوم بهذه الطريقه."...
...صوته، مع لمحة من الضحك، جعلها تدرك الحقيقة. كانت بين ذراعي رجل غريب. وكان عارياً....
...كانت مذهولة للغاية بحيث لم تستطع التفكير، فحاولت التحرر من قبضة يده، لكن ذراعيه أمسكتها بقوة أكبر....
...شعرت بجسده القوي، وعقلها أصبح فارغًا....
...أصوات تنادي من خارج الكهف،...
..."...أرابيل...!"...
..."السيدة أرابيل!"...
...أصبحت الأصوات أقرب....
..."النمر!"...
...انتبهت أرابيل ونظرت حول الكهف بحثًا عن الوحش المحتضر....
...لقد نامت وهي تحتضنه، لكنها الآن بين أحضان رجل غريب....
...التقت عيناها الكبيرتان بعينيه ذات اللون الأحمر الذهبي، وتلعثمت قائلة:...
..."…النمر…؟"...
..."...النمر الأسود...؟"...
...همست أرابيل بهدوء وهي تنظر إلى العيون الحمراء الياقوتية....
...حاولت أن تتجنب نظراته، لكن تلك العيون القرمزية كانت قد حاصرت نظراتها بالفعل....
...تعمقت نظرة الرجل في عينيها المرتبكتين، وأمرتها بالنظر إليه فقط. كانت يده الكبيرة تداعب بلطف خدها الناعم، الذي خدشته أغصان الشجر. جعل الدفء الحارق كتفيها الصغيرتين ترتعشان....
...اهتز حلق الرجل وهو يحدق في أرابيل، وكانت نظراته مفترسة. ثم لعق شفتيه الجافتين بلسان أحمر لامع قبل أن يتحدث....
..."كم هو غريب. أنتِ تمضغي الطعام للوحش، وتداعبي أذنيه وبطنه وكأنه قطة أليفة."...
...مرر أصابعه القوية على شفتي آرابيل، اللتين كانتا لا تزالان ملونتين باللون الأرجواني....
..."ومع ذلك يبدو أنكِ تخافي مني، من مجرد إنسان."...
..."هذا..."...
...ابتلعت آرابيل الكلمات التي كانت على وشك قولها. لم تستطع حشد الشجاعة لتقول له: "لم ينظر إلي النمر الأسود كما لو كنت أتناول الطعام، لكن عينيك تبدوان جائعتين، وكأنك تستطيع أن تلتهمني في أي لحظة"....
...كان الرجل الذي يمسكها يشعر بأنه أكثر خطورة من الوحش البري بأنيابه الحادة....
...ربما كان ذلك لأنه بدا وكأنه شخص نزل من السماء، كما في اللوحات التي شاهدتها. هزت أرابيل رأسها قليلاً، وشعرت أنها قد لا تهرب منه أبدًا إذا لم تحافظ على ذكائها....
..."تذكري. اسمي هو..."...
...تحدث الرجل ببطء،...
..."أرابيل! أرابيل، أين أنت؟"...
..."آنسة أرابيل! من فضلك أجيبي!"...
...جاءت أصوات مألوفة تنادي على أرابيل من خارج الكهف، قريبة جدًا....
...دفعت أرابيل صدر الرجل بكل قوتها. وبينما كانت ذراعاه القويتان ترتخيان قليلاً، انزلقت من قبضته. وقفت بسرعة وجذبت ذراع الرجل....
..."ركز، عليك أن تغادر الآن."...
...لقد حثته بقلق، لكنه لم يتزحزح، حتى أنه ابتسم بهدوء....
..."يجب أن تهرب بسرعة. إذا وجدوك هنا، فسوف يقتلونك."...
..."لماذا؟ ما الخطأ الذي فعلته؟"...
..."لأنه في الإمبراطورية، تم تصنيف النمور السوداء كوحوش يجب قتلها بمجرد رؤيتها. ليس لدينا وقت. انهض بسرعة."...
..."ما علاقة هذا بي؟ هل لدي ذيل أم شيء من هذا القبيل؟"...
...تحرك الرجل قليلاً، فترك الأوراق المتبقية على جسده تتساقط. كان جسده الطويل الذي يزيد طوله عن ستة أقدام مكشوفًا أمام النار، كاشفًا عن عضلاته المنحوتة....
...كانت أرابيل تشعر بالحرج أكثر من الرجل العاري. ففي العشرين من عمرها، لم تكن قد رأت حتى صدر رجل عاري من قبل....
...أدارت ظهرها وعينيها مغلقتين بإحكام، فجاء صوته من خلفها....
..."حتى لو كانوا قاسيين، فإن البشر لن يقتلوا إنسانًا آخر دون سبب."...
...كانت كلماته تحمل نبرة مريرة، فشعرت أرابيل بخفقان في قلبها لبرهة من الزمن....
...ولكن بعد ذلك أشرق وجهها. لقد كان محقًا. بدا الرجل أمامها بشريًا، بلا أثر لنمر أسود. لم تكن تفحصه جيدًا. احمرت وجنتيها، لكن الأمل أشرق في عينيها....
..."أنت تبدو إنسانًا، لذلك لا ينبغي أن تكون هناك أي مشكلة إذا تم العثور عليك."...
...التفتت إليه بارتياح، لكنها سرعان ما حولت نظرها عنه، وخجلت حتى رقبتها. وصل ضحكه الممتع إلى أذنيها، مما جعلها تعض شفتها السفلية....
..."حتى لو دخل الناس هذا الكهف، لا تقلقي. سأحمي شرفك."...
...استدارت نحوه، وهي تكافح للحفاظ على تركيز نظرها على وجهه. تجاهل رد فعلها، ورفع نفسه على مرفقه، وكانت تعابير وجهه واثقة....
...أمالَت رأسها عند وعده، ثم اتسعت عيناها، وارتعشت شفتاها، وتصبَّب العرق على جبينها....
...لو وجدها والدها وأهل القرية بهذا الشكل.. شعرها أشعث وفستانها ممزق.....
...شحب وجه أرابيل عند التفكير في ذلك....
...كانت تظهر برفقة شاب عارٍ تمامًا. ابتلعت ريقها بجفاف ونظرت حول الكهف. كان ضوء النار الخافت والأوراق المتناثرة يشير بوضوح إلى أن الاثنين قضيا الليل معًا....
...لإثبات براءتها، كان عليها أن تكشف سره. ولكن حينها كان سيُقتل على الفور....
...نقلت عيناها البريئة عددًا لا يحصى من الكلمات غير المنطوقة....
...لمعت عيون الرجل الحمراء بهدوء من باب التسلية....
...يا لها من فتاة غريبة! على الرغم من مظهره المخيف وجروحه، فقد تسلقت الجبال الغادرة عدة مرات للعناية به....
...لقد بكت حتى نامت، وهي تدفئ جسده البارد بجسدها. وإذا علم أحد أنها قضت الليلة مع رجل مجهول في كهف، فسوف تدمر حياتها....
...وبالنظر إلى فستانها القديم المتهالك، يتبين أنها لم تكن من عائلة ثرية. ولم يكن لديها أي نفوذ لحماية شرفها....
...ومع ذلك، لم تبد أي نية في الكشف عن سره، وكان وجهها الشاحب قلقًا....
..."لا تقلقي، سأحميك، أعدك بذلك... اعدك باسمي."...
...كانت قصص تحول البشر إلى وحوش مألوفة لدى أرابيل، وخاصة في مزرعتها الريفية المحاطة بالجبال. كانت مثل القصص المخيفة التي تُحكى للأطفال في ليالي الصيف الطويلة....
...كانت الوحوش القادرة على التحول إلى بشر أكثر رعبًا من النمر الأسود. وكانت القرى التي غزتها مثل هذه المخلوقات تختفي دون أن تترك أثراً....
...كان الهدف من مطاردة النمور السوداء، التي بدأت قبل مائة عام، هو القضاء على مثل هذه المخلوقات. وقال الكهنة إن النمر الأسود هو الوحش الأخير الذي يمكنه التحول....
...لفترة من الزمن، كان يُعتقد أن مثل هذه المخلوقات لا وجود لها إلا في كوابيس الأطفال....
...لكن قبل خمسة وعشرين عامًا، ظهر النمر الأسود من جديد، وكان يُعتقد أنه الأقوى بين كل هذه المخلوقات....
...لقد تسلل المخلوق إلى القصر الإمبراطوري، وقتل ولي العهد، واختطف ولي العهد. ولم يُشاهد أي منهما منذ ذلك الحين....
..."قالوا أنه لا وجود لمثل هذه المخلوقات في عصرنا."...
...ربما يكون الرجل الذي أمامها هو آخر هؤلاء المخلوقات. تجنبت أرابيل نظراته الواثقة، وكان أنفها يرتعش....
...لقد بدا عاجزًا بعد إصابته بجروح بالغة. ومع ذلك، كان هنا، يقدم وعودًا عظيمة....
..."هل لا تزال إصابتك تؤلمك؟"...
...لم تستطع أرابيل أن تنظر إلى الجرح القريب من سرته، فخفضت بصرها....
...نظر الرجل إلى جسده. لم يتبق سوى بقع دم خفيفة، والجرح شُفي. انتشرت ابتسامة رضا على شفتيه....
..."لقد تم شفاؤه تمامًا. إنه لأمر مدهش."...
..."هذا أمر مريح. في هذه الحالة..."...
...بدأت أرابيل بالتراجع....
..."يجب أن أذهب الآن. إذا أمسكني والدي هنا، فسيتم إرسالي إلى دير بدلاً من اتباع معلمتي."...
...قبل أن تنتهي من حديثها، ركضت نحو مدخل الكهف....
...وعندما خرجت، استدارت وصرخت،...
..."ابق مختبئًا في الجبال. الاقتراب من القرية سيكون كارثيًا. لن أتمكن من مساعدتك بمجرد مغادرتي."...
...لقد اختفت من مدخل الكهف، تاركة الرجل عابسًا....
..."لقد غادرت دون أن تخبرني حتى باسمها."...
...ليس الأمر مهمًا جدًا. إذا أراد، يمكنه معرفة كل شيء عنها بحلول الليلة....
...ما أزعجه هو تعليقها حول مغادرة القرية قريبًا....
...تذكر أنها كانت تتحدث معه طوال الليل، وتبقي جسده المتجمد دافئًا بقصصها. كانت تتباهى بلا نهاية بمعلمها "الأكثر وسامة وكمالاً"....
..."للأسف، لن تسير الأمور كما خططت لها. الآن بعد أن وجدتك، لا يمكنني أن أتركك."...
...لقد وجد أخيرًا مفتاح لعنته. تحولت عيناه الياقوتية إلى اللون الأحمر الداكن....
...في تلك اللحظة،...
..."جلالتك!"...
..."الإمبراطور ماكسويل!"...
...قام رجلان يرتديان عباءات طويلة بقطع الكروم ودخلا الكهف....
...أربعة أرجل من الفرسان الملكيين مطوية في مزامنة مثالية وهم يركعون باحترام....
..."نحن مطمئنون أنك آمن."...
..."من فضلك عاقبنا على فشلنا في حمايتك!"...
...لقد بدا الأمر كما لو أن كلا الفرسان قد بحثوا في الجبال طوال الليل....
...وبينما وقف الرجل، أطل ظله الطويل فوق الفرسان. كان وجوده مخيفًا وحارقًا في الوقت نفسه، وكان يشع من جسده الذي يبلغ طوله تسعة أقدام. وكان يرتدي عباءة فوق جسده، تذكرنا بـملك الحرب....
..."أولاً، بحلول اليوم..."...
...انتظر الفرسان بصمت أمر سيدهم....
...وبينما كان يزيل شعره الأسود عن جبهته، انكشف وجهه النبيل....
...لقد سقطت نظراته عليهم، وكانت أكثر حدة وغطرسة مما أظهره للفتاة البريئة....
...كان ماكسويل دي فونتي أغسطس، الإمبراطور السابع والعشرون لإمبراطورية هيلترد خلال عصرها الذهبي، قائدًا،...
..."هناك شخص يجب أن نجده. شخص سيعود معي إلى القصر."...
...بين الأشجار الطويلة، كانت خصلات الشعر البني الطويل ترفرف في مهب الريح. كان هناك شكل صغير ودقيق يشق طريقه بمهارة عبر مسار الجبل شديد الانحدار مثل سنجاب صغير....
...كان هذا جبلًا وعرًا، بالكاد يحتوي على أي مسارات، مما قد يشكل تحديًا حتى بالنسبة لرجل بالغ عادي....
...ومع ذلك، تحركت أرابيل دون تردد، مستخدمة الأغصان المتناثرة والصخور والحجارة من حولها للركض. ...
...إذا كان هناك شيء واحد في العالم كانت أرابيل واثقة منه، فهو قدرتها على التنقل عبر الجبال....
...كانت هذه هي الحال منذ أن بدأت في المشي ببطء. فقد استكشفت كل الجبال المحلية مع والدتها، وجمعت الأعشاب. ...
...كانت الجبال الواقعة خلف ملكية عمها الأكبر البارون كاندر، والمعروفة في جميع أنحاء الإمبراطورية بتضاريسها الغادرة، بمثابة ملعب ممتع لأرابيل....
...منذ سن مبكرة، وجدت أرابيل الهادئة والانطوائية أن قضاء الوقت مع الحيوانات أكثر راحة ومتعة من التواجد مع الناس....
...كان إخفاء وحش مصاب وعلاجه في كهف خطوة جريئة لا تتناسب مع شخصيتها المعتادة....
...أي شخص يعرفها سوف يضحك ويقول إن الأمر مستحيل. كانت أرابيل خجولة للغاية، وسلبية، وساذجة بعض الشيء....
...ولكن هذه كانت "أرابيل" كما رآها أولئك الناس المتشددون الماكرون. لم يعرفوا "أرابيل" الحقيقية ولم يحاولوا فهمها....
...بطبيعتها، كانت أرابيل تشعر بالحرج من لفت الانتباه إليها ولم تحاول إظهار نقاط قوتها. ربما كانت تبدو خجولة وخائفة، لكنها لم تكن ساذجة أو حمقاء كما يظن الناس....
...كيف يمكن لفتاة حمقاء أن تعرف أسماء وخصائص مئات الأعشاب، وتكون على دراية بجغرافية الجبال والأنهار المحلية، وتتذكر أسماء وخصائص عدد لا يحصى من الحيوانات والحشرات؟...
...ظن الناس أن أرابيل كانت حمقاء لأنها كانت لطيفة ومتسامحة بطبيعتها، على الرغم من أنها كانت تعلم الحقيقة....
...ولقد تعاملت أسرتها مع لطفها على أنه أمر مسلم به واستغلته. وبالنسبة لأرابيل، كانت الحيوانات هي عائلتها وأصدقائها الحقيقيين. ولم يكذبوا عليها وأحبوها كما هي....
...لهذا السبب لم تستطع أرابيل أن تتجاهل النمر الأسود الذي يموت برماح بشرية. بالنسبة لأرابيل، بدا البشر الذين يؤذون الحيوانات والطبيعة بقسوة أكثر خطورة من الوحوش....
...***...
...بنقرة واحدة، فتحت يد جافة بصمت الباب الجانبي لمطبخ القلعة القديمة. نظرت عيون كبيرة بحذر، تراقب المحيط. كان الخدم القلائل مشغولين بإعداد إفطار اللورد المتأخر....
...فجأة، أمسكت يد باردة بمعصم أرابيل النحيف وسحبتها إلى الداخل....
...وكانت اختها الكبرى، كاميل....
..."أين كنتِ؟"...
..."آسفه، كنت في الجبال ووقعت في عاصفة. نمت في كهف."...
..."لقد أحدثتِ ضجة في القلعة، ثم نمتِ؟"...
...عبست كاميل، التي كانت أطول رأسًا من أرابيل، في عدم تصديق. حدقت روكسي، شقيقة أرابيل الصغرى، فيها بنظرة احتقار....
..."لا تكذبي. لقد كنتِ تعالجي الحيوانات المصابة في الجبال مرة أخرى، أليس كذلك؟"...
..."لا، لم أكن..."...
..."لا تنكري ذلك، إنه واضح على وجهك الأخرق. أعلم أنكِ أخذتِ الأرانب من مختبر والدي وأطلقتي سراحها في الجبال. والدي غاضب، لذا توقعي الأسوأ."...
...حذرتها روكسي، التي كانت أصغر منها بعام واحد فقط ولكنها لم تنادي أرابيل بـ "أخت" أبدًا....
..."هل تعلمي كم عدد الأشخاص الذين اضطروا إلى تسلق الجبل بسببك؟ حتى والدي اضطر إلى الذهاب. عمل جيد."...
..."لم يكن عليهم أن..."...
...شعرت أرابيل بالذنب، ولاكنها شعرت بالدفء بشكل غير متوقع. حتى عمها وخالتها وأبيها كانوا قلقين عليها. شعرت بوخز في أنفها، فأخفضت رأسها....
...قبل عامين، عندما حوصرت في الجبال لمدة ثلاثة أيام بسبب انهيار أرضي، لم يأت أحد للبحث عنها....
...صعدت إلى الجبل لجمع الكمأة لعمها الأكبر في منتصف الشتاء....
...كان أهل القلعة يضغطون عليها قائلين إن أرابيل وحدها تعرف الجبال كظهر يدها....
...ثم حدث الانهيار الأرضي. ارتجفت أرابيل في جحر أرنب، ولم تشعر بالاستياء من عدم مجيء أحد للبحث عنها. كان الأمر ليشكل خطورة عليهم. اعتقدت أنه من حسن حظها أنهم لم يأتوا....
...لكنها شعرت بحزن قليلًا عندما تعرضت للتوبيخ بسبب إحضارها الكمأة المجمدة غير الصالحة للاستخدام بعد ثلاثة أيام....
..."مضحك. هل تعتقدي أنهم بحثوا عنك لأنهم كانوا قلقين؟"...
..."إن حصان إريك مضطرب لأنه حامل، وتحتاجِ إلى تهدئتها، أليس كذلك؟"...
..."إذا حدث شيء لحصان إريك، هل تعتقدي أنك وحدك من سيتعرض للمتاعب؟ هذا سيؤثر علينا جميعًا!"...
...استمرا كاميل وروكسي في توبيخ أرابيل. وبحلول ذلك الوقت، كانت الخادمة الرئيسية ماري والخادمة آني قد اجتمعتا وانضمتا إليهما....
..."ماذا لو حدث شيء لحصان السيد إيريك الثمين بسببك؟"...
..."تسك، إذا كنتِ تعيشي على حساب البارون، فيجب عليك على الأقل أن تكوني مراعيه. قد يتعرض زوجي للتوبيخ بسببك."...
...كان زوج ماري، جيري، مسؤولاً عن الإسطبلات. وكانت رعاية حصان السباق الحامل من مسؤوليته. ومع ذلك، ألقى الجميع باللوم على أرابيل....
...كان الأمر كما لو كان من مسؤولية أرابيل أن تلد مهر حصان السباق، وترضع الخنازير المصابة بالحمى، وتستخرج الحليب من الأبقار الجافة....
...كان موظفو ملكية البارون كاندر ينظرون منذ فترة طويلة إلى عائلة أرابيل، الذين كانوا يعملون في العقار مجانًا، على أنهم مساوون لهم....
...وخاصة بالنسبة لأرابيل، التي كانت طيبة القلب للغاية، فقد تنازلوا عن أعبائهم بحماس....
...وكان السبب بسيطا: كانت ملكية البارون كاندر فقيرة للغاية....
...كانت الأرض محاطة بالجبال، وكانت قاحلة للغاية بحيث لا يمكن زراعتها، ولم تكن هناك منتجات متخصصة ملحوظة. ...
...ولم تكن حتى مكانًا تنمو فيه الأعشاب الثمينة بكثرة. كانت أرضًا لا قيمة لها على الإطلاق....
...حتى لو كان اللورد وزوجته حكيمين وفاضلين، فقد يكون الأمر أفضل، لكنهما كانا الأسوأ. ...
...لم يكن البارون كاندر وزوجته حمقى فحسب، بل كانا أيضًا مسرفين وجشعين. لم يكن ابنهما إيريك وابنتهما مارجو أفضل حالاً....
...كانت الحياة قاسية، ولم يكن لموظفي القلعة والسكان القلائل في العقار الضمير ولا القدرة على مساعدة الآخرين....
..."هذا صحيح. من المقرر أن تلد ليلي توأمًا غدًا. يجب أن أطمئن عليها. لا بد أنها خائفة جدًا."...
...كانت جواد إريك، ليلي، تفضل أرابيل على سيدها. ركضت أرابيل إلى غرفتها العلوية في الطابق الخامس لتغيير ملابسها....
...عندما مرت بدرج الطابق الثاني، ...
...صفعه!...
...انحرفت رأسها إلى الجانب، ورقصت النجوم أمام عينيها. أمسكت بخدها المنتفخ ونظرت إلى ابنة عمها التي كانت تقف أمامها. رمشت عيناها بسرعة بينما امتلأتا بالدموع....
..."كيف تجرؤِ على سرقة وارتداء فستاني المفضل؟"...
...تم إلقاء الفستان الأصفر على وجه أرابيل وهي تقف ترتجف وشفتيها ترتعشان....
..."هل تحاولي خداعي بهذا الوجه الغبي؟ كان هذا الفستان مخصصًا لحفلة الكونت هوثورن يوم السبت. والآن أصبح مدمرًا، وكنتِ تحاولي إخفاءه؟"...
..."لا-لا..."...
..."لا تنكري ذلك. من غيرك ينظف غرفتي؟"...
...اتسعت عيون مارجوت مثل الثعبان وهي ترتجف من الغضب....
..."هل مزقتِ فستان مارجوت؟" ...
...لقد لفت الضجيج على الدرج انتباه البارونة....
..."أنا..."...
..."لا تستطيع حتى الإجابة لأنها مذنبة يا أمي. رأتها الخادمة الرئيسية وهي ترتدي فستاني وتبتسم لنفسها في المرآة!"...
...أشارت مارجوت إلى أرابيل الصامتة وصرخت....
...نادت البارونة ماري دون أن ترفع نظرها الجليدي عن أرابيل....
..."ماري!"...
..."نعم سيدتي."...
..."هل رأيت هذا بأم عينيك؟"...
..."نعم، لقد فعلت ذلك. في الصباح قبل امس، رأيت الآنسة أرابيل ترتدي الفستان في غرفة الآنسة مارجوت."...
...كذبت ماري، وتبادلت نظرة ماكرة مع مارغو. لم تكن مارغو ترغب في ارتداء فستان عتيق في الحفلة. كانت بحاجة إلى سبب لشراء فستان جديد....
...مع انهيار مالية الأسرة بعد التستر على قضية الاعتداء التي تعرض لها إيريك، لم توافق والدتها بسهولة. تواطأت مارغو الماكرة مع الخادمة الرئيسية....
...كانت مارجوت نفسها قد مزقت الفستان، وكانت ماري تكذب بشأن رؤية أرابيل ترتديه....
...بالطبع، لم تكن ماري لتساعد مارغو مجانًا. كانت الخادمة الشابة آني، الوحيدة المتبقية في القلعة، شوكة في خاصرتها....
...لقد رأت آني تتبادل نظرات سرية مع زوجها الخائن عدة مرات. لشراء فستان باهظ الثمن، سيحتاجان إلى أموال غير مدرجة في الميزانية، تعادل أجر ثلاثة أشهر من راتب الخادمة....
..."أمي، ماذا علي أن أفعل؟ هذا الحفل مهم للغاية... حتى الورثة النبلاء من العاصمة سيحضرون."...
..."لا تقلقي، سنطرد آني ونبحث عن خادمة جديدة. يمكن لأرابيل أن تقوم بعمل آني حتى ذلك الحين. يجب أن تكوني ممتنة لأنني لم أخبر عمك الأكبر بهذا الأمر."...
...واست البارونة ابنتها التي كانت تبكي، وربتت على كتفها....
...انحنت شفتي ماري قليلاً عندما وقفت أرابيل صامتة وغير قادرة على الاحتجاج....
...كانت أرابيل المجتهدة والمجتهدة أفضل بكثير من آني الكسولة والماكرة. كان عبء عملها سينخفض بمقدار الثلث....
...عندما سمعت أرابيل خطواتًا باهتة تقترب، شعرت فجأة بثقل عمل آني. اقترب منها والدها جوناثان بوجه صارم....
..."أبي، أنا آسفه على جعلك قلق..."...
...لم تستطع آرابيل مواجهته، فأطرقت برأسها، وسقطت عليها الكلمات الحادة كالسيف....
..."أنتِ لستِ سوى عبء على حياتي لا ... بل على حياتنا جميعًا. أنتِ تعلمي مدى أهمية حصان السباق، ومع ذلك تختفي؟ إلى متى ستستمر في استغلالنا، دون أن تفعلي شيئًا سوى الأكل؟"...
...انهمرت الدموع على حذائها المتهالك، لكن الكلمات القاسية لم تتوقف....
..."لو أنكِ... لو ورثت قوة الشفاء العائلية مثل كاميل وروكسي، فلن تكون حياتنا مثل هذا."...
..."توقفي عن إثارة المشاكل وادخلي إلى الداخل. سوف يشعر البارون بالاستياء إذا سمع المزيد من الضوضاء بسبب عائلتك."...
...هدأت البارونة شقيقها وغادرت مع مارجوت. كما ابتعد والد أرابيل عن ابنته الباكية....
...في غرفتها العلوية، عضت أرابيل شفتيها لتكتم شهقاتها. غيرت ملابسها إلى فستانها القديم الباهت واتجهت إلى الإسطبلات....
...بوجهٍ ملطخٍ بالدموع، هدأت الخيول والأبقار والخنازير. وهدأت يدها الدافئة الحيوانات المضطربة. رغم أن عينيها الكبيرتين كانتا دامعتين، إلا أنهما كانتا تحملان حزنًا عميقًا....
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon