NovelToon NovelToon

حَنينٌ لا يَموتُ

الفصلُ الأول: عَالِقةٌ في المَاضِي.

_قِراءة ممتعة_

كانت صوفي تجلسُ في شقتها الصغيرة، على مكتبٍ خشبي قديم يطلّ على نافذة نصف مفتوحة. أصابعها تمسك بالقلم، وعيناها مثبتتان على الصفحة البيضاء أمامها، لكن روحها كانت تسبح في مكان آخر. كأنها تكتب للغائب الذي لا يغيبُ عن ذاكرتها، تنسج كلمات ثقيلة بالحنين، فيما صوت الرياح بالخارج يزيد المكان سكونًا عميقًا...

نسمة باردة تسللت من النافذة، فارتعشت صوفي قليلًا، لكنها لم تتحرك. عيناها العسليتان غارقتان في سطور لم تكتمل، وكأنها تبحث بين الكلمات عن وجهه المفقود. مرّت ثلاث سنوات، لكن الوقت لم يستطع أن يمحو صوته، ضحكته، ولا آخر نظرة تبادلاها قبل ذلك الحادث المشؤوم.

وضعت القلم جانبًا، وأسندت رأسها إلى كفها. بصوت خافت، بدأت تردد أبياتًا من قصيدة كتبتها له منذ أيامٍ:

كم مرّ طيفك في ليلي…

كم أخبرتُ القمر عنك…

ولم يُجبني سوى الصمت..."

...----------------...

توقفت صوفي للحظة، وكأنها تسمع صدى أبياتها يتردد في زوايا الغرفة. أخذت نفسًا عميقًا، ثم نهضت ببطء واتجهت نحو النافذة، كانت المدينة تغرق في ظلام شتوي ثقيل، بينما أضواء الشوارع ترسم خطوطًا باهتة على الطريق الرطب.

في الخارج، كان كل شيء يمضي… الحياة مستمرة، الناس يعبرون دون توقف. لكنها ظلت عالقة في لحظة واحدة، لحظة وداع لم تُكتب لها نهاية سعيدة.

حدّقت طويلًا في السماء الرمادية قبل أن تهمس:

"لو كان بوسعي أن أستعيدك، فقط لليلة واحدة… لأخبرك كم أفتقدك."

...----------------...

لكن حبل أفكارها إنقطع فجأةً بصوت طرقات خفيفة على الباب الخشبي لشقتها المتواضعة. إبتعدت صوفي عن النافذة وراحت تنظر في الباب، كانت تعرف من يكون، إنه فيليكس.

فيليكس، صديق طفولتها، الذي ظل دائمًا هناك، رغم أن الأيام مرّت وتغيرت أشياء كثيرة. كان دائمًا يزورها، يحمل في يديه علبة الحليب التي يبيعها من باب إلى باب. لم يكن يتغير، ووجهه لا يزال يحتفظ بابتسامته الهادئة.

فتحَتْ الباب ببطء، لتجد فيليكس يقف أمامها، يحمل علبته المعتادة، لكن عينيه لم يكونا كما كانا. كان يحمل حزنًا غريبًا، كأن هناك شيئًا يريد أن يقوله، لكنه لم يجد الكلمات بعد.

"مساء الخير، صوفي... كيف حالك؟" قالها فيليكس بصوت متردد، وكأن الكلمات ثقيلة على لسانه.

نظرت إليه صوفي للحظة، ثم ابتسمت محاولة إخفاء الحزن في عينيها. "أهلًا فيليكس، أنا بخيرٍ، كيف حالك أنتَ؟"

لكنه لم يرد. فقط وقف هناك للحظةٍ طويلةٍ، ثم إقترب منها خطوةً وقال بصوتٍ هادئ وجاد: "أعتقد أن الوقت حان، صوفي".

لِقاءاتٌ غيرُ متوقعةٍ.

...أعتقد أن الوقت حان، صوفي." قال فيليكس بصوت ضعيف، كأن الكلمات خرجت منه بصعوبة.

صوفي حدقت فيه بدهشة، ولم تستطع فهم ما يعنيه. "ما الذي تقصده؟" سألته بصوت منخفض.

فيليكس ألقى نظرة سريعة على المكان ثم تنهد بعمق. "أنتِ ما زلتِ عالقة في الماضي، في الذكريات، في كل شيء تركه وراءه، أنتِ تعيشِينَ في وقت ميت، صوفي."

تراجعت خطوة إلى الوراء، وكأن كلماته أصابت قلبها. كانت تعلم أنه محق، لكن الكلمات جعلتها تشعر وكأنها تهوي إلى حفرة عميقة.

"أنا لا أستطيع تركه، فيليكس... أنا لا أستطيع أن أنساه. كيف لي أن أنسى شخصًا كان كل شيء بالنسبة لي؟"

فيليكس اقترب منها، وكان هناك نوع من الحزن في عينيه. "أفهمك، ولكنك لا تستطيعين أن تظلي أسيرة لأشياء لا يمكن إرجاعها. الحياة ما زالت أمامك، صوفي، هناك الكثير من الأشياء الجميلة تنتظرك."

صوفي رفعت عينيها إليه، وشيء ما في عينيه جعلها تشعر بشيء من الراحة، لكنها لم ترد. كانت تعرف أن كلمات فيليكس تحمل الكثير من الحكمة، لكنها كانت عاجزة عن الاستجابة لها في تلك اللحظة.

تنهدت صوفي ثم تنظر له نظرةً جادةً "لا، لا أريد أن أنساه، هو روحي، لن أتخلى عنه"

ينظر لها فيليكس بحزن، هو يعرف أنّها لن تتخلى عنه "حسنًا، كما تريدين، لكن سأكونُ هنا دائما من أجلكِ، تصبحين على خيرٍ"

...----------------...

بعد ذلك اليوم، و كالعادة، كانت صوفي تحاول الانشغال بشيء، أي شيء، لتجنب ذلك الفراغ الثقيل الذي يسكن قلبها، قررت الخروج من شقتها الصغيرة، تمشي في شوارع المدينةِ الباردة، حيث الهواء يحمل رائحة المطر القديم.

خطواتها قادتها إلى المقهى الصغير الذي كانا يجلسان فيه يومًا، لم تدخل هناك منذ الحادث، لكنها اليوم وقفت أمام الباب، مترددةٌ، قلبها ينبِضُ بقوةٍ، بينما عقلها يصرخ بأن تعود أدراجها...

فجأةً، سمعت صوتًا مألوفًا خلفها. إستدارت ببطء لتجد نفسها أمام وجه لم تكن تتوقع رؤيته أبدًا...

...----------------...

فجأة، سمعت صوتًا مألوفًا خلفها، إستدارت ببطء، لتجد نفسها أمام كايل، إبن عم حبيبِها الراحل. كان يقف هناك، عيناه مليئتان بمزيج من الدهشة والحنين.

"صوفي... لم أتوقع رؤيتَكِ هنا." قال كايل، وصوته يحمل أثقالًا من الذكريات.

صوفي شعرت أن الزمن توقف للحظة. لم ترَ كايل منذ ذلك اليوم المشؤوم، كانا صديقين مقربين في المدرسة الإعدادية، ثم افترقا بعد الحادث، وكأن وجوده يفتح بابًا مغلقًا على ألمٍ قديمٍ.

"كايل..." تمتمت بإسمه، وعيناها تفيض بمشاعر مختلطة. "ماذا تفعل هنا؟"

إبتسم إبتسامةً خفيفةً، لكنها كانت تحمل شجنًا واضحًا. "عدت إلى المدينة مؤخرًا... ظننت أنني سأبدأ من جديدً"...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon