المدينة تغرق في صمتٍ مرعب. الليل قد سقط كسقف ثقيل فوق شوارعها المهجورة، حيث تتناثر الأنوار الباهتة من مصابيح الشوارع، وتنعكس على الجدران المدمرة للمباني القديمة، وكأنها تخفي وراءها أسراراً لا يستطيع أحد اكتشافها. كانت تلك المدينة، التي كانت في يومٍ من الأيام مليئة بالحياة، قد أُهملت منذ زمن طويل، وأصبحت موطنًا للمجهول.
أريان كان يركض. قلبه ينبض كطبل الحرب، وأقدامه تقطر عرقًا على الأرض المبللة. كان هناك شيء غريب في الهواء، شيء ثقيل يضغط على صدره ويجعله يشعر وكأن هذا العالم كله محاصرٌ به. الكتاب الذي كان يحمله في يده، ذلك الكتاب العتيق الذي بدت صفحاته وكأن الزمن قد أكل بعضها، كان مصدرًا لقلقه. كان يعلم أن الكتاب يحتوي على أسرار قد تُغير مسار حياته، بل مسار التاريخ ذاته، ولكن ماذا لو كانت تلك الأسرار أشد خطورة من أن يكتشفها؟
نظر خلفه. كان هناك شيء يلاحقه، شيئًا يتخطى الحواس البشرية. في الظلام، كانت الظلال تتحرك من تلقاء نفسها، تلتف حوله كأذرعٍ غير مرئية، وكأن المدينة نفسها قد أُحييت فجأة. همسات خافتة تملأ الهواء، همساتٍ تكاد تكون غير قابلة للسمع، ولكنها مع ذلك تصل إلى أعماق قلبه.
تسارع دقات قلبه وهو يركض نحو الزقاق الضيق الذي أمامه. كان الزقاق مظلمًا، وكأن ظلال الماضي قد اجتمعت في هذا المكان. وقف فجأة، عينيه تتسابقان للبحث عن مصدر ذلك الصوت الخفي. وإذا به يرى شيئًا غريبًا، شخصية جالسة في الظلام، تجلس على كرسي خشبي مهدم، عيونها تتوهج في هذا الظلام.
"أنت لا تهرب من شيء عادي، أريان"، قالت الشخصية بصوتها الهادئ الذي كان أشبه بهمس الرياح. لم يكن صوتًا بشريًا بالكامل، بل كان يحمل نغمة غريبة، كما لو كان قد جاء من مكانٍ أبعد من هذه الأرض. "كل خطوة تخطوها تقربك من مصيرك، ولا مفر لك من المواجهة."
أريان شدّ قبضته على الكتاب في يده، وكأن الكلمات التي تحويها الصفحات تأخذ شكلاً آخر في ذهنه. "من أنت؟" سأل بصوتٍ منخفض، لكنه كان يحمل فيه رعبًا حقيقيًا. كانت الشخصية أمامه، رغم أن ملامحها غير واضحة تمامًا، لكنها تحمل في عيونها سمة غامضة لا يمكن إغفالها. "كيف تعرف اسمي؟"
ضحكت الشخصية، ضحكة خفيفة مرت على شفتيها كهمسات الموت: "اسمي ليس المهم الآن، ولكنك، أنت، في مكانٍ لا يمكن أن تخرج منه إلا بحقيقة قد تكون أقسى مما تتصور."
أريان شعر بشيء غريب يلتف حوله، كما لو كانت الظلال نفسها تنصت إلى الحديث. بدأ الهواء يصبح أكثر برودة، وكأن الزمان نفسه يتأثر بما يحدث هنا. "أريد أن أفهم... هذا الكتاب، ماذا يحتوي؟ ولماذا هو ملاحق من قبل كل هؤلاء؟"
"الكتاب ليس مجرد أوراق، أريان. هو ليس مجرد شيء تكتب فيه الحروف. هو بوابة... بوابة لحقائق لم تُكتب بعد. لحقائق قد تقلب موازين العالم، وقد تدمر كل شيء كنت تعرفه عن الواقع. لا تظن أن الهروب هو الحل. إذا كنت تحاول الهروب الآن، فاعلم أنك لا تهرب من شيء عادي. أنت تهرب من مصيرك. من ظلال العصور."
كانت كلمات الشخصية تتخلل ذهنه كالسكاكين. كان يعرف أنه لا يفهم تمامًا، ولكنه كان يشعر بأن هذه الكلمات تلامس شيئًا في أعماقه، شيء قد ظل مختبئًا لفترة طويلة. "ظلال العصور؟ ماذا تعني؟"
أجابتها الشخصية بهدوء، وكانت ملامح وجهها تبدأ في الظهور تدريجيًا تحت ضوء القمر الخافت: "كل شيء في هذا العالم ليس كما يبدو. هناك أحداث قد جرت منذ العصور القديمة، أحداث تم محوها، تم إخفاؤها. ولكنها لم تموت. فهي لا تزال حية. ونحن، نحن من يحملها... نحن من سنعيدها إلى الوجود."
أريان شعر برغبة في الهروب، لكنه كان يدرك أن هذا ليس خيارًا حقيقيًا. كان الكتاب الذي بين يديه هو الجواب، لكن كل صفحة فيه كانت تخفي لغزًا آخر، شيئًا كان دائمًا مفقودًا، لكن في لحظةٍ ما، ستظهر الحقيقة كاملة، وستتسارع الأحداث بشكلٍ لا يمكن تحمله.
"من هم هؤلاء الذين يتبعونني؟" سأل، صوته مضطربًا، وكأن موجات من الرعب كانت تتسلل إلى كيانه.
"هم ليسوا بشرًا عاديين. هم الحراس. الحراس الذين حافظوا على الأسرار. ولكنهم الآن يتحولون إلى شيء آخر، شيء أكثر قتامة. وإن لم تجد الطريق الصحيح، فإنهم سيقضون عليك، وسيصنعون منك جزءًا من الظلال التي يتبعونها."
شعر أريان بأقدامه تغوص في الأرض، وكأن المكان بدأ يتحرك حوله، يتحول إلى متاهة من الزمان والمكان. رأى الظلال تتجمع وتتكثف أكثر، كما لو كانت تتحول إلى وحوش غير مرئية. ثم عاد نظره إلى الكتاب، ليجد الكلمات قد بدأت تتغير على الصفحات.
"الزمن بدأ يتغير، أريان. ولا يمكن العودة إلى ما كان. لا مهرب الآن."
فجأة، شعر بشيء غريب يتسلل عبر جسده. كان الكتاب ينبض، كما لو كان يحيي في داخله شيئًا ضائعًا. كانت الظلال قد أصبحت أكثر كثافة، وكأنها بدأت تلتهم كل ما حوله.
أريان، الذي كان قد بدأ في فهم جزء من اللغز، أدرك أن هذا ليس مجرد مطاردة عادية، بل بداية شيء أكبر. كان الكتاب هو المفتاح، وكان كل ما سيحدث بعد لحظة من الزمن هو نقطة انطلاق إلى النهاية، أو ربما إلى شيء لا يستطيع أن يتصوره.
لم يكن الجو في الزقاق قد تغير منذ اللحظة التي دخل فيها أريان. ظلال الليل تتسلل عبر الشوارع المهجورة ككائنات حية، بينما يعلو صمت المدينة، الممزوج بهمسات خفية، تكاد تكون غير مسموعة، ولكنها تتغلغل في أعماق قلبه وكأنها همسات القدر نفسه. المدينة التي كانت يومًا تفيض بالحياة الآن تغرق في سباتٍ قاتل، وتبدو وكأنها تحاول إخفاء أسرارها في الظلام الذي يلفها من كل جانب. كانت الأنوار الباهتة للمصابيح القديمة تتناثر هنا وهناك، لتلقي ظلالًا مشوهة على الجدران المدمرة التي كانت يومًا ما شاهدة على عظمة هذا المكان.
كان قلب أريان ينبض بشدة، وصوته يملأ أذنه مع كل خطوة يخطوها على الأرض المبللة، التي كان قطرات العرق تتساقط عليها من جبينه. كان يشعر بشيء غريب، شيء ثقيل يضغط على صدره، وكأن الهواء نفسه أصبح أسمك، وأشد كثافة. كانت هناك شيئًا ما، يشبه الألم المتأصل في أعماقه، يتنقل بين أضلعه.
بينما يركض، كان الكتاب العتيق الذي كان يحمله في يده يثقل كفته، حتى أنه شعر وكأن يده بدأت تنغمس فيه كما لو كان يتسرب منه طاقة غريبة، شيء غير مرئي. كان يعلم في أعماقه أن هذا الكتاب يحمل أسرارًا قد تفتح أمامه أبوابًا لا يمكنه إغلاقها، أسرار قد تفضي إلى معرفة ماضيه المفقود، لكن ماذا لو كان ما يحويه الكتاب أخطر من أن يُكتشف؟
لم يكن الطريق أمامه واضحًا؛ كانت الأزقة تضيق كلما ركض، وكأن المدينة نفسها تتحول إلى متاهة بلا مخرج. نظر خلفه. الظلام كان يكاد يبتلع كل شيء، لكن بين الظلال، كان هناك شيء يتحرك بسرعة غير مرئية. شيء يتجاوز إدراكه البشري. كانت الأقدام الثقيلة لشيء ما تطرق الأرض، يتبع خطواته بخفة غير متوقعة، تمامًا كما لو كان يلاحقه من مكان آخر، من زمن آخر.
وقف أريان فجأة، يشعر بأن الهواء حوله يضغط عليه. نظر حوله، وعينيه تبحثان عن أي أثر للشيء الذي يلاحقه، وإذا به يرى في الزقاق الضيق شخصًا جالسًا على كرسي خشبي مهدم. كانت الملامح ضبابية، ولكن العيون التي كانت تلمع في الظلام كانت مشعة بغموض لا يوصف، كما لو كانت تلك العيون قد شهدت الأزمان بأسرها.
"أنت لا تهرب من شيء عادي، أريان"، قال الصوت الهادئ الذي وصل إلى أذنه كهمسات الرياح العميقة. لم يكن الصوت بشريًا تمامًا، بل كان يحمل بين طياته نغمة غريبة، نغمة قد تأتي من مكان أبعد من هذه الأرض نفسها. "كل خطوة تخطوها تقربك من مصيرك. ولا مفر لك من المواجهة."
كانت الكلمات تتسرب إلى عقله كالسكاكين، تلتف حوله بشدة، وكأنها تضغط عليه بقوة أكبر. أريان شد قبضته على الكتاب في يده، وكأن قوة غامضة كانت تسري في عروقه. كان يعلم أن هذا الكتاب يحمل في طياته إجابات، ولكن ماذا لو كانت هذه الإجابات تحمل لعنة؟
"من أنت؟" سأل بصوت منخفض، ولكنه كان يحمل رعبًا حقيقيًا. كان يواجه شيئًا لا يستطيع فهمه، وهو يحاول فهم هويته قبل كل شيء. كانت الشخصية أمامه، رغم الضباب الذي يحيط بها، تحمل شيئًا غريبًا، شيء لا يمكن تجاهله. "كيف تعرف اسمي؟"
ابتسمت الشخصية ابتسامة مشبعة بالغموض، ضحكة خفيفة تخللت شفتيها وكأنها همسات موت قديم. "اسمي ليس المهم الآن. لكنك... أنت في مكان لا يمكن أن تخرج منه إلا بحقيقة قد تكون أقسى مما تتصور."
أريان شعر بشيء غريب يلتف حوله، كان الظلام نفسه يتشكل حوله كأذرع غير مرئية، وكأن كل شيء في هذا الزقاق لا ينتمي إلى هذا العالم. بدأت جزيئات الهواء تتغير، وكلما حرك يديه، كان الهواء يصبح أكثر برودة، كأن الزمن نفسه كان يتأثر بما يحدث هنا. "أريد أن أفهم... هذا الكتاب، ماذا يحتوي؟ ولماذا هو ملاحق من قبل هؤلاء؟"
"الكتاب ليس مجرد أوراق، أريان." قالت الشخصية، وهي تقترب قليلاً حتى بدا أنها قد خرجت من قلب الظلام. "هو بوابة... بوابة لحقائق لم تُكتب بعد. هو عنصر من الماضي السحيق، يشهد على أحداثٍ غيّرت مسار الزمن نفسه. لست تهرب من شيء عادي، ولكنك تهرب من مصيرك، من الظلال التي لا ترى. ومن ظلال العصور."
كان عقل أريان يعج بالأفكار المتناقضة، وأصبح متسائلًا عن هذه الظلال التي تتحدث عنها الشخصية. كان يشعر وكأن الكلمات التي كانت تتردد في ذهنه تتنقل عبر الزمن، حاملةً معها أسرارًا كُتبت في العصور القديمة، ولكنها كانت مغلفة في غلاف الزمان والمكان. "ظلال العصور؟ ماذا تعني؟"
أجابته الشخصية بصوتها الهادئ، والمثير للدهشة، وكأن الكلمات التي قالتها تلتصق بأعماق قلبه. "كل شيء في هذا العالم ليس كما يبدو. هناك أحداث قد جرت منذ العصور القديمة، أحداث تم محوها، تم إخفاؤها عن البشر، ولكنها لم تموت. فهي لا تزال حية. ونحن، نحن من يحملها، ونحن من سنعيدها إلى الوجود."
تردد قلب أريان في صدره، كما لو كانت كلماتها تغذي صراعًا قديمًا كان يدور في أعماقه. كان هناك شيء داخل قلبه يخبره أن هذه الكلمات لم تكن مجرد هراء، بل كانت بداية الحقيقة التي لم يكن يعرف عنها شيئًا. كان الكتاب في يده هو الجواب، ولكنه كان يحمل أسرارًا قد تجعله يرى العالم من منظور مختلف تمامًا.
"من هؤلاء الذين يتبعونني؟" سأل، صوته يرتعش مع زيادة الفزع الذي كان يتسلل إلى روحه. "من هم؟"
"هم ليسوا بشرًا عاديين، أريان." قالت الشخصية، وقام نظرها بالتحول إلى عمق الظلام، كما لو كانت ترى ما وراء الزمن نفسه. "هم الحراس. الحراس الذين حافظوا على الأسرار عبر العصور. ولكنهم الآن يتحولون إلى شيء آخر، شيء مظلم، أكثر قتامة. وإن لم تجد الطريق الصحيح، فإنهم سيقضون عليك، وسيصنعون منك جزءًا من الظلال التي يتبعونها."
شعر أريان بالأرض تحت قدميه تتغير. كان يشعر وكأن المكان نفسه بدأ يتحرك، وكأن الزمان قد توقف في هذه اللحظة الحاسمة. كانت الظلال تلتف حوله، وكأنها تستعد للانقضاض عليه. كل شيء بدأ يتسارع. ثم، عاد نظره إلى الكتاب، ليجد أن الكلمات التي كانت مطبوعة على صفحاته قد بدأت تتغير. كانت الكلمات تتحول بشكل غريب، وكأنها كانت تتفاعل مع الأحداث في هذا المكان.
"الزمن بدأ يتغير، أريان." قالت الشخصية بصوتها الذي أصبح عميقًا أكثر، وكأنها قد اختلطت مع الظلام نفسه. "ولا يمكن العودة إلى ما كان. لا مهرب الآن."
في تلك اللحظة، شعر أريان بشيء غريب يتسلل عبر جسده، وكأن الكتاب كان يبعث طاقة سحرية قديمة. كان ينبض، وكأن في داخله شيئًا ضائعًا قد بدأ يظهر. كانت الظلال قد ازدادت كثافة، وكان العالم حوله يلتف ويتغير. فجأة، أصبح أريان في قلب العاصفة.
كان الكتاب هو المفتاح، وكان كل شيء بدأ يتسارع في اتجاه غير معروف. لم يكن يعرف ما سيحدث، لكنه كان يعلم أنه في تلك اللحظة، كان مصيره قد بدأ يتشكل. وأن ما سيحدث بعد هذه اللحظة سيكون أكبر بكثير مما يمكنه تحمله.
الظلال كانت تراقبهم. كل خطوة يخطوها أريان، وكل همسة من ألين، كانت تثير غضب الظلال التي كانت تتربص في الظلام. كانت المدينة القديمة مغطاة بطبقة من الغموض. الشوارع الضيقة والمهجورة كانت تحتفظ بالأسرار التي تخشى حتى الرياح أن تقترب منها. أضاء القمر السماء الخافتة، لكن الضوء الذي كان يتسلل عبر النوافذ المغلقة كان يختفي فورًا في الزوايا المظلمة. كانت المدينة تتنفس، وكل حجر فيها كان يحكي قصة قديمة، قصة تتعلق بمصير أريان.
توقفت ألين فجأة في منتصف الطريق. "أريان، لا نعرف تمامًا ما الذي نواجهه هنا. لكننا لن نستطيع الهروب من شيء أكبر منا."
أريان نظر إليها بعيون متعبة. كانت الأسئلة تتزاحم في ذهنه، لكن لم يكن لديه إجابة واحدة. "ألين، هل تعتقدين أننا في خطر؟ أم أن هناك شيء آخر ينتظرنا في هذا المكان؟"
تبدلت تعابير وجه ألين، وعينيها اللامعتين أظهرتا القلق. "أعتقد أننا هنا من أجل سبب أكبر من أن نتجاهله. الكتاب الذي تحمله ليس مجرد شيء عادي، أريان. يمكنه فتح أبواب لا ينبغي فتحها."
أريان هز رأسه، محاولًا التمويه عن القلق الذي بدأ يتسلل إلى قلبه. "أعلم. لكن هل نحن مستعدون لما قد نكتشفه؟" نظر إلى الكتاب في يده، الذي كان ينبض بشدة وكأنه يحمل روحًا بداخله.
"لا شيء في هذا العالم يتيح لك الاستعداد بالكامل. لكننا يجب أن نكون مستعدين لأنفسنا أولًا."
ثم، صمت هائل. أصوات قديمة تملأ المكان، وهمسات غير مرئية تترنح حولهم كما لو كانت تقترب من قلب الحقيقة. فجأة، ظهر ظل غريب في الأفق. كان يتأرجح بين الضوء والظلام، غير واضح، لكن أريان شعر به. كان هناك شخص ما، يراقبهم.
شخصية غريبة ظهرت فجأة من الزقاق المظلم أمامهم. كان وجهه مغطى، ولكن الضوء القمر كان يعكس بعض ملامحه الضبابية. كانت يديه مثبتتين على سكين معدني غريب الشكل.
"هل تعرفون حقًا ما الذي تلاحقونه؟" سأل الصوت الغامض بهدوء، ملامح الوجه خفية خلف القناع.
ألين رفعت حاجبيها وقالت: "من أنت؟ وما الذي تريده منا؟"
ابتسم الظل، وكانت ابتسامته خافتة، كأنه يستمتع باللعب معهم. "أنتما تلاحقان شيئا قد يكون أكبر منك بكثير. الكتاب الذي تحمله، أريان، هو مجرد البداية. لكن ما ينتظركم بعده هو شيء لا يستطيع العقل البشري أن يتحمله. أنتم تبحثون عن شيء قد يحرق هذا العالم."
صمت أريان للحظة، لكنه شعر بأن قلبه يتسارع، وعقله كان يسبح في الأفكار. "من أنت؟" تكرر السؤال، لكن هذه المرة بنبرة أكثر إصرارًا.
"أنت لست مستعدًا بعد لمعرفة الإجابة. لكنك ستجدها قريبًا. الكتاب ليس النهاية، بل هو بداية سلسلة من الأبواب التي ستفتح. أبواب لم تطرقها أقدام بشرية من قبل."
قلب أريان كان ينبض بعنف. "لماذا تلاحقني إذاً؟ هل أنت جزء من الذين يريدون قتلي؟"
ضحك الظل قليلاً. "قتل؟ لا، هذا ليس ما نفعله. نحن نبحث عن شيء آخر. شيء أكبر من أن تفهمه. لكن في النهاية، سيتعين عليك أن تختار. سيأتي وقت لن تجد فيه الهروب."
ألين رفعت سيفها ببطء، ووقف أريان بجانبها. كانت العيون التي تتبعهم تختفي في الظلام. "إذا كان هذا ما تفكر فيه، فنحن مستعدون للمواجهة."
لكن قبل أن يستطيع الظل الرد، اهتز المكان فجأة. رياح قوية اجتاحت الشوارع الضيقة، كانت تهب من جهة واحدة، وكأنها تحاول دفعهم بعيدًا. ولكن كان هناك شيء آخر في الرياح. شيء غريب جدًا. كان يشبه همسات، كلمات غير مفهومة تتنقل مع الرياح.
"سيتعين عليك أن تختار، أريان. الحقيقة أم البقاء؟" قال الظل وهو يختفي في الظلام، وكأن الرياح ابتلعته بالكامل.
نظرت ألين إلى أريان وقالت بصوت منخفض: "لقد بدأنا بالفعل رحلتنا. لكن علينا أن نكون حذرين. هناك من يراقبنا. لم يعد الأمر مجرد كتاب أو خرافات قديمة. هناك شيء آخر، شيء يراهن على وجودنا."
أريان نظر إلى الكتاب بين يديه مرة أخرى. "إذا كان هذا الكتاب هو المفتاح... فما الذي يخبئه لي؟"
"نحن جميعًا جزء من هذه القصة. وكل خطوة نخطوها تقربنا من الحقيقة. ولكن الحقيقة، أريان، قد تكون أكثر من أن نتحملها."
ثم، ساد الصمت بينهما. كان هناك شعور غريب، شعور بأنهما كانا يقفان على حافة شيء عميق، شيء قد يكون بداية النهاية أو بداية شيء آخر تمامًا. لم يكن هناك من سبيل للرجوع.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon