النبذة:
"ما لم تتحدّثي، يا جلالتكِ، فمن الصعب عليَّ فهم نواياكِ."
الأميرة الشرعيّة الوحيدة للعائلة المالكة في مملكة سيليستا، لينوا،
تمكّنت من اعتلاء العرش كملكةٍ جديدةٍ بعد أن أزاحت الدوق الأكبر كايران بلاندي الذي نافسها على العرش.
ولكن...
"اعتبارًا من اليوم، أُعيّن الدوق الأكبر كايران بلاندي سكرتيرًا لي."
"...سأحترم رغبات ملكتي العزيزة."
هل كان خطأً أن تأخذه كسكرتير؟
كايران، الذي يلازمها باستمرارٍ متظاهرًا بالقيام بواجباته كسكرتير، ليس سوى عبء.
"لقد سئمتِ من تجاهلكِ لي طوال اليوم."
"من أكون بالنسبة لكِ، يا جلالتكِ؟ كما ذكرتُ سابقًا، أنا أقرب شخصٍ إليكِ."
"رجاءً، امتنعي عن تجنّبي دون سبب."
السكرتير المريب، الدوق الأكبر كايران بلاندي، الذي يتدخّل حتى في أصغر الأمور الشخصيّة.
بالنسبة إلى لينوا، التي تطمح لأن تصبح "ملكةً مثاليّة" تتفوّق على أي ملكٍ،
هل سيكون كايران حليفًا يُعتمد عليه أم عقبةً في طريقها؟
"رجاءً، ناديني كايران، لمرّةٍ واحدةٍ فقط."
"آه…"
"لطالما أردتُ أن أُنادى بهذا الاسم منكِ، يا جلالتكِ."
"…أليس لديكَ سبب؟"
"لقد أخذتِ كل أسبابي بعيدًا. يا ملكتي... يا لينوا."
ما لامس الإصبع النحيف لـ لينوا كان قبلة خضوع.
عهدٌ حارقٌ بالطاعة المُطلقة، مُتعهِدًا بتقديم كل شيءٍ بسعادةٍ من أجلها.
هذا الشعور المُحترق الذي يكاد يحرق يدها، هل هو حقًا ولاء سكرتير؟
الفصل 1: الملكة غير المثاليّة
ـــ بالإضافة إلى الملكة، يمكن للملك أن يتّخذ محظيّة. غالبًا ما تكون المحظيّة من عامة الشعب، لكنها قد تكون أيضًا سيّدة أو نبيلة أقل من رتبة الفيكونتيسة...
"هاه... لا يعجبني هذا."
تطاير شعر لينوا العاجيّ الناعم بينما كانت تهزّ رأسها. أغلقت الكتاب الذي كانت مُنغمِسةً فيه، فأحدث صوت ارتطامٍ أعلى من زفيرها المُتضايق بسبب حجمه الكبير وسُمكه.
عبست حاجباها الرقيقان أكثر وهي تحدق في عنوان الكتاب.
「ما هو الملك. 」
منذ اللحظة التي وقع نظرها عليه، بدا العنوان ومظهر الكتاب جامدين لدرجةٍ جعلتها تتردّد في قراءته.
لكن لم يكن لديها خيارٌ سوى قراءته. قد يكون كتابًا لا يثير اهتمام معظم الناس، لكنه كان ضرورةً مُطلَقةً لحاكم البلاد.
لينوا مون سيليستا، هذا كان اسمها الكامل، وقد بلغت العشرين هذا العام. مرّ شهرٌ واحدٌ فقط منذ أن اعتلت العرش. كانت صاحبة السلطة العليا في مملكة سيليستا، وطنها ومسؤوليتها الحاليّة. بكلماتٍ أخرى، كانت الملكة.
بصفتها الابنة الشرعية الوحيدة للملك والملكة السابقين، كان الجميع يتوقّع أن ترث العرش.
لكن كان هناك مرشحٌ آخرٌ لخلافة الحكم. بعد ثلاث سنواتٍ من بداية لينوا في عملية توريث العرش، بعد احتفالها ببلوغها سنّ الرشد، ظهر فجأةً رجلٌ داخل العائلة المالكة سيليستا.
كان الابن الشرعي الوحيد لدوق بلاندي. في زمنٍ مضى، كانت دوقية بلاندي أرفع عائلات النبلاء في سيليستا، بامتلاكها أراضٍ شاسعة والعديد من التابعين.
لكن ذلك كان في الماضي. بسبب حادثةٍ معيّنة، فقدت الدوقية مجدها، وصُودِرَ نصف أراضيها وثروتها من قِبل العائلة المالكة، ولم تعد إلى الساحة السياسيّة بعدها أبدًا.
مع ذلك، منح الملك لقب 'الدوق الأكبر' لذلك الابن الشرعي. كان لقب الدوق الأكبر يُمنح فقط لأقرباء العائلة المالكة أو كبار النبلاء، وغالبًا ما كان مُخصّصًا لحالات عدم وجود وريثٍ مباشرٍ مُناسبٍ للعرش.
بدأ الدوق الأكبر الجديد بدراسة شؤون الدولة مثل لينوا، وشيئًا فشيئًا وسّع قاعدته الداعمة، وكأنه يهدف إلى العرش. في الواقع، بدأ بعض كبار النبلاء في دعمه علنًا.
لكنه لم يكن من دمٍّ ملكي، وكان العرش بحاجةٍ إلى شخصٍ واحدٍ فقط ليتولّاه، وكان واضحًا من سيكون ذلك الشخص. في النهاية، وكما توقّع الجميع، كان هو الخاسر.
ومع ذلك، رغم أنه لم يصبح ملكًا، فإنه لا يزال يعيش في القصر الملكي بجانب لينوا.
"..."
فجأة، اجتاحتها ذكرياتٌ قديمةٌ مرّت كنسيمٍ عابر، يغزوها إحساسٌ باردٌ زحف على جسدها. هو وهي. منذ اللحظة التي وطئت قدماهما القصر الملكي حتى الآن، أيُّ علاقةٍ يمكن أن تكون بينهما؟
كلّما فكّرت في ذلك، حتى لوهلة، سال العرق البارد على ظهرها وانقبض صدرها. رغم العيش تحت سقفٍ واحدٍ لثلاث سنوات، كان بينهما جدارٌ لا يُرى.
'توقّفي عن التفكير في هذا.'
أبعدت لينوا عينيها بسرعةٍ عن الذّكريات نحو الكتاب. هذا الكتاب كان مُخصّصًا لورثة العرش.
والآن بعد أن فكّرت في الأمر، خلال فترة تدريبها كوارثة، عندما درست قواعد الإتيكيت والتاريخ مع العديد من المُعلِّمين، لم يكن غريبًا أن تختلط دروسهم بميولهم الشّخصيّة. حتى اليوم السابق لتتويجها، كان المربّون الملكيّون الذين علّموها يبتسمون لها قائلين:
'عندما تصبحين ملكةً وتتلقّين الوثائق الوطنيّة، قومي بتمرير شؤون الدولة إليه، آنسة لينوا.'
كانوا يتحدّثون بالفعل عن زوج الملكة، الشخص الذي سيتلقّى الوثائق الوطنيّة، رغم أن لينوا لم تكن مخطوبةً حتى. لم تفكّر يومًا فيمن سيمسك يدها خلال التتويج.
صحيحٌ أن معلّميها كانوا داعمين لها، لكن حينما يتعلّق الأمر بزوجها المستقبلي، كان اهتمامهم الأساسي يُنصّب على العرش الذي ستجلس عليه.
كانوا يؤمنون أن العرش يجب أن يكون لرجلٍ، لا لها، هي المرأة.
'هل أنا مجرّد ملكةٍ مؤقّتة؟'
أخبروها أنها الوريثة الشرعيّة، وأن عليها أن تصبح ملكة، ثم قالوا إنها يجب أن تسلّم شؤون الدولة لزوجها بمجرد زواجها.
كان هذا تناقضًا واضحًا.
لهذا السبب، كثيرًا ما كانت لينوا تتنهد سرًّا أثناء مراجعتها ودراستها بمفردها بعد انتهاء الدروس.
بعد قراءة الأجزاء السياسيّة الجافة، شعرت ببعض الراحة عندما انتقلت إلى قسم التقاليد الملكيّة، الذي كان أسهل نسبيًّا. المقطع الذي قرأته للتو كان في الصفحة الأولى من هذا القسم. كانت هذه المعلومات موضوعيّةً بلا شك.
لكن من وجهة نظرها، كان هناك خللٌ.
"كلُّ شيءٍ عن 'الملوك'."
الملك، الملكة، المحظيّة—هذا السطر، هذه الصفحة، وهذا الكتاب بأكمله كُتب من منظور مَلكٍ.
قرأت لينوا الكتاب بتركيزٍ شديد، بل ودوّنت ملاحظاتٍ عن الأجزاء المهمة منذ الصفحة الأولى، ومع ذلك، لم تجد أيّ ذكرٍ لـ'الملكة' أو 'الوثائق الوطنيّة' على الإطلاق.
والأسوأ من ذلك، أنها كانت تقرأ هذا الكتاب منذ أسبوع، وعلى وشك إنهائه، ولم يكن هناك أيُّ مؤشّرٍ على أن هذه الموضوعات ستظهر لاحقًا.
نشأت لينوا وهي تستمع إلى قصص الحكّام السّابقين لمملكة سيليستا كما لو كانت حكاياتٍ خرافيّة، منذ أن كان والداها على قيد الحياة. صحيحٌ أن الملوك كانوا الأغلبيّة، لكن هذا لم يكن يعني أنهم الوحيدون.
إذا كان الملوك يُشكّلون ٨٠٪، فإن الملكات شكّلن ٢٠٪ على الأقل.
على مرّ التاريخ الطويل، كانت هناك ملكاتٌ حكمن المملكة بالفعل. وبما أن الأميرة لينوا أصبحت الوريثة الرسميّة، كان من حقّها أن تصبح ملكة، وها هي الآن ملكةٌ بالفعل.
ومع ذلك، كان هذا الكتاب مليئًا بأمثلةٍ عن الملوك، ممّا يعني أن لينوا وكل الملكات السابقات قرأنه أيضًا.
'ماذا كنّ يفكّرن عندما قرأن هذا المقطع؟'
فتحت لينوا الكتاب مجددًا. وبينما كانت تقرأ بلا تفكير، استوقفتها جملةٌ فجأة. تألّقت عيناها البنفسجيّتان بلمعانٍ خفيف.
ـــ حاكم الدولة هو إنسانٌ أيضًا، لذا لا يمكن أن يكون مثاليًّا، ولا يحتاج إلى أن يكون كذلك.
'أوه، أحببتُ هذه العبارة.'
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفةٌ على شفتيها.
الجميع أرادها أن تكون 'مثاليّة'.
العامّة، النّبلاء، وحتى والداها الملكيّان—مع أنهما كانا أقلّ صرامةً في توقّعاتهما.
لكن على عكسهم، مؤلف هذا الكتاب قال إنها لا تحتاج إلى أن تكون حاكمةً مثاليّة.
كانت عبارةً مُوجزةً لكنها قويّة. في لحظة، شعرت لينوا بتحسّن. كما أنها أُعجبت باستخدام المؤلّف لكلمة 'حاكم' بدلاً من 'ملك'، مما شمل الملوك والملكات على حد سواء.
'همم؟ هناك تكملةٌ للجملة.'
ـــ كل حاكمٍ يتأثّر بالأفعال التي يتّخذها فور اعتلائه العرش.
هذا هو التبرير للعبارة السابقة.
كلما تعمقّت في القراءة، بدأت ابتسامتها تتلاشى تدريجيًا. هذه الجملة ذكّرتها بأوّل قرارٍ اتّخذته بعد أن أصبحت ملكة.
'اعتبارًا من اليوم، أُعيّن الدوق الأكبر كايران بلاندي سكرتيرًا لي.'
تعيين كايران بلاندي، المُرشّح الآخر للعرش، كسكرتيرٍ لها.
أمرها هذا أحدث اضطرابًا مفاجئًا في قاعة الحكم.
كان بالفعل أفضل خيارٍ مُمكن.
بجعل الدوق الأكبر بلاندي تحت سلطتها المباشرة وقريبًا منها بصفته 'سكرتيرًا'، راعت مصالح الطرفين، ووضعت قيودًا في الوقت نفسه.
بعض الحاضرين أُصيبوا بصدمةٍ جعلتهم يرتجفون، بينما اكتفى آخرون بهزّ رؤوسهم بصمت. وسط كل هذا، لم تتمكّن حتى من رؤية وجه الشخص المعني بالأمر.
لكنه، بلا شك، تكلّم.
'سأحترم رغبات ملكتي العزيزة.'
عندما صعد إلى المنصة، أمسك بيد لينوا الممدودة بلطف، وقبّل قفازها برقّة.
كانت مجرد إيماءةٍ رسميّةٍ لقبول المنصب، لكنها تركتها في حالةٍ من عدم الارتياح.
لقد تلقّت منه قبلاتٍ على يدها أكثر من مرّةٍ أو مرّتين.
لحسن الحظ، كانت ترتدي قفازات.
في النّهاية، أصبحت هي الملكة، وهو أصبح سكرتيرها.
كان هذا أوّل استخدامٍ لها لسلطتها كملكة، لذا كانت كلمات الكتاب منطقيّةً إلى حدٍّ ما.
لكنها لم تستطع الموافقة على فكرة أن هذا القرار سيؤثّر على كل ما سيحدث لاحقًا.
إذا اعترفت بذلك، فكأنها تعترف بوضعها الحالي معه.
'آه، هذا ليس الوقت المناسب لهذا التفكير.'
التفتت لينوا لتنظر إلى ساعة الحائط. كانت الثالثة عندما بدأت القراءة، لكنها الآن أصبحت تقارب الخامسة والنصف. تسلّلت أشعة الغسق الخافتة عبر النافذة.
'لقد أوشك المساء على الحلول. يجب أن... أرتاح قليلًا.'
وقفت لينوا واقتربت من النافذة. فتحت النافذة الكبيرة، المؤطّرة بألماس متألّق، فداعب النسيم وجنتيها. كان الفصل الحالي هو أوائل الربيع، بعد الشتاء مباشرة. تسلّلت رائحة الربيع الباردة إلى أنفها، مما منحها إحساسًا لطيفًا.
كانت لينوا، المسحورة بلمسة الطبيعة، تتكئ على النافذة وتتأمّل المشهد الخارجي. كان أخذ استراحةٍ خلال جدولها الشّخصي أحد هواياتها الصغيرة.
حين نظرت إلى الخارج، رأت الفرسان يتدرّبون بحماسٍ أكثر من المعتاد. كما رأت الخادمات يركضن على عجل.
غدًا هو اليوم الذي ستزور فيه بعثة مملكة ميرزن، حليفة سيليستا. كان العاملون في البلاط الملكي منهمكين في التحضيرات بجد، لضمان ألا تكون هناك أيُّ ثغراتٍ قد تلاحظها البعثة.
'الجميع يعمل بجدّ.'
لكن، مهما بذلوا من جهد، إن كانت هي نفسها مُقصِّرةً غدًا، فسيذهب كل ذلك سدى. فالحاكم هو وجه البلاد، والانطباع العام عن المملكة بأسرها سيتحدد بناءً على مظهرها غدًا.
"...."
شعرت لينوا بثقل المسؤولية، فخفتت تعابيرها.
لقد فقدت والدها بعد أن فقدت والدتها. ولم يكن لديها وقتٌ للحزن، إذ اضطرّت إلى تكثيف دروسها في إدارة الدولة دون أيّ فرصةٍ للراحة. ورغم أن الأمور باتت أفضل الآن، إلا أنها ما زالت مشغولةً ومُرهَقة. على الأقل، في الماضي، كان والدها يتولّى شؤون الحكم.
أما بعد وفاته المفاجئة، فلم تُطبّق معرفتها إلا بالكاد في الواقع. كانت مهام الملكة، كما تعلّمتها من الكتب والتعليم، مختلفةً تمامًا عن ممارستها الفعلية.
طرق، طرق.
كانت لينوا غارقةً في أفكارها وهي تحدّق في الفراغ عبر النافذة، وعيناها محمرّتان، لكن صوت الطرق على الباب أعادها إلى الواقع، سارعت بمسح دموعها بأصابعها.
"سيدة لينوا، أنا بيتيير. هل يمكنني الدخول الآن؟"
"تفضّلي."
ما إن سمعَت صوت الطارق، حتى هدأ قلبها المضطرب، وارتسمت ابتسامةٌ لطيفةٌ على شفتيها.
بيتيير كانت خادمتها الشّخصيّة ورئيسة خدم القصر الملكي. كانت بمثابة أختٍ لها، وكانت الثقة بينهما عميقة.
دخلت بيتيير بحذرٍ حاملةً طقمًا فاخرًا للشاي.
"كنتِ مندمجةً للغاية في القراءة، لم أجد الوقت المناسب للدخول. لكن مهما درستِ، سيدتي لينوا، يجب أن تهتمّي بنفسكِ أولًا."
"هوهو، أهذا صحيح؟ شكرًا لكِ، كما هو الحال دائمًا، بيتيير."
وضعت بيتيير طقم الشاي على الطاولة حيث كانت لينوا تجلس، وبدأت في تحضير الشاي. كان يبدو طازجًا وقد تم غليه حديثًا، إذ تصاعد منه البخار برفق.
كان شاي البابونج المفضّل لدى لينوا. لم يكن هناك أحدٌ يعرف تفضيلاتها بهذه الدقّة سوى بيتيير.
في مثل هذه اللحظات التي كانت تقضيها وحدها مع بيتيير، كانت لينوا تُشاركها أحداث يومها. كانت بيتيير أفضل مُستمِعةٍ لها، وكانت أحيانًا تتفاعل معها بشعورٍ مماثل، فتفرح أو تغضب معها.
عندما كانت تتحدّث معها، كانت لينوا تستطيع أن تكون نفسها، لا الملكة.
نسيَت أن الوقت قد دخل في المساء، لكنها أخذت تفكّر للحظةٍ في موضوعٍ يمكنها مناقشته مع بيتيير. خطر لها أن تتحدّث عن الكتاب الذي كانت تقرأه سابقًا، والذي وضعته جانبًا عندما أحضرت بيتيير الصينية. كان موضوعًا مناسبًا تمامًا.
وبينما كانت على وشك الدخول في نقاشٍ حماسي...
صرير.
فُتح الباب دون طرق، واخترق صوتٌ باردٌ اللحظة بينهما.
"جلالتكِ. حان وقت العشاء."
"......!"
كادت لينوا تُسقط فنجان الشاي من يدها. نظرت بسرعةٍ إلى صاحب الصوت.
شعرٌ أحمرٌ داكن، وعينان بلون البنفسج العميق. كان يومًا ما أحد المُرشّحين للعرش، لكنه لم يُختَر. والآن، كان يعمل كسكرتيرٍ للملكة، ودوقًا كبيرًا يقيم في القصر الملكي.
كان كايران بلاندي يُحدّق بها ببرودٍ من خلف الباب المفتوح.
الفصل 2: الضّيف غير المدعو
عند دخول غرفةٍ بها شخص، يعتبر الطرق قاعدةً أساسيّةً من آداب السلوك في جميع أنحاء البلاد. ولا يحتاج الأمر إلى ذكرٍ عندما يكون الشخص الموجود هو حاكم هذا البلد. لم تسمع لا لينوا ولا بيتيير أي إشارةٍ لوجود كايران.
"سمو الدوق الأكبر، أليس الطرق مسألة مجاملة؟"
"لقد أرسلتُ رسائلًا بشكلٍ مستمر، وبالتأكيد طرقتُ."
حتى مع إضافة بيتيير القوّة في نبرتها أثناء استجوابها له، أجاب كايران بلا اكتراث. عند رؤيته، شعرت لينوا بشيءٍ يؤلم قلبها.
كان كايران أقرب مساعدي لينوا. ومع ذلك، كان من المعروف في البلاط أن لينوا كانت تُبقي مسافةً بينها وبينه. في الواقع، حتى عندما كان كايران يُرسل رسائل عدّة عبر بيتيير في اليوم، كانت ترفض دائمًا، إما بسبب انشغالها أو اختلاق أعذار.
من بعدها، أصبحت عادةً لكايران أن يزورَها دون سابق إنذار. وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن أمرًا كبيرًا نظرًا لعلاقتهما العامّة والخاصّة، كانت لينوا دائمًا تشعر بعدم الارتياح حوله.
وكان الأمر نفسه ينطبق على بيتيير، أقرب شخصٍ موثوقٍ به حقًّا، سواء في العلن أو في السّر. كانت بيتيير تساعد سيدتها لينوا بنشاطٍ لضمان عدم حصول كايران على فرصة أن يكون وحيدًا معها. وعلى الرغم من أنها كانت تقف في وجه دوقٍ كبير، يقترب كثيرًا من العائلة المالكة، إلا أنها كانت ابنة إحدى عائلات الماركيز.
"بالمناسبة... ما الذي جاء بكَ إلى جلالتها؟"
"أوه... بالطبع."
ثبّت كايران نظره على لينوا ودخل بخطواتٍ ثابتة. كان الصوت أعلى بكثيرٍ مقارنةً بوجوده غير المسموع سابقًا.
مرّ بجانب الخادمة التي كانت جالسةً بجوار لينوا وكأنها غير موجودة، ثم ركع على ركبته أمام لينوا. مدّ يده اليمنى المكسوة بالقفاز الأبيض نحوها.
"سأرافقكِ إلى قاعة الطعام."
كان كايران الآن يبتسم ابتسامةً ودّية. لم يكن هناك أيُّ أثرٍ للسّلوك البارد. بالنسبة للغرباء، قد يبدو أن لينوا قد طلبت المُرافَقة مسبقًا.
"...لا بأس. يمكنني الذهاب مع بيتيير."
بدلاً من أن تأخذ يد كايران أمامها، وضعت لينوا يديها على يدَي بيتيير بجانبها.
لم تستطع لينوا أن تكون حاسمةً مع كايران. كان دائمًا طاغيًا، ولم تستطع أبدًا فهم سبب تصرّفه بهذا الشكل.
في الماضي، لم يصعد كايران إلى العرش بسبب عدّة عوامل. بدلاً من أن يكون الحاكم، بقي في القصر وعمل بجانب لينوا.
لم يكن هذا أمرًا غير معتاد. على الرغم من أن كايران كان قد حصل على لقب دوقٍ كبير، إلا أنه لم يكن من دمٍّ ملكي، لذا كان المنصب الأقرب للحاكم مناسبًا له.
لم تكن لينوا ترغب في أن تكون خليفةً أو ملكة، لكنها في النهاية قبلت بهذا الأمر. إذا رفضت، فسيكون الأمر وكأنها خذلت القوى التي دعمتها طوال الوقت، والأشخاص الذين أرادوا لها أن تخلف العرش أكثر من أيّ شخصٍ آخر هم والديها. على الرغم من أنها كانت ملكةً مضطرّةً لخوض أنواعٍ من الصراعات السياسيّة غير العنيفة، إلا أن حُبّ والديها لها جعلها شخصًا دافئًا يعرف كيف يفكّر في الآخرين أكثر من نفسها.
على أي حال، الشخص الذي فاز في المنافسة على العرش لم يكن كايران، بل هي. لذلك لا بد أنه كان غاضبًا منها. حتى أنها فكّرت في التنازل عن العرش، لكن في هذه المرحلة، كان التنازل سيؤدي فقط إلى إثارة الرياح التي بالكاد استقرّت في سيليستا مرّةً أخرى. علاوةً على ذلك، قضت وقتًا في دراسة أمور الخلافة، وأصبحت مهاراتها في الحكم تتحسّن يومًا بعد يوم.
ربما كان من الطبيعي أن يشعر كايران بالاستياء من لينوا. ومع ذلك، كان يتطوّع دائمًا لمرافقتها وكان يبحث عنها دون استثناءٍ كل يوم.
كانت لينوا تجد محاولات كايران المستمرّة للتقرّب منها عبئًا.
"لقد سئمتُ من تجاهلكِ لي طوال اليوم."
"..."
"من أنا بالنسبة لكِ، جلالتكِ؟ من فضلكِ فكّري في الأمر."
كانت لينوَا وكايران لا يفترقان. كان الأمر كما لو أن حبلًا طويلًا وقويًّا يربطهما معًا من خلال منصبيهما.
توقّفت لينوا للحظةٍ للتفكير وهي تواجه كايران الذي كان ما زال يمدّ يده. كما قال، رفضت جميع طلباته الثلاثة للقاء اليوم، باستثناء وجبتَي الإفطار والغداء. وكان ذلك بفضل بيتيير إلى حدٍّ كبير.
ومع ذلك، مهما كانت كراهيتها له على الصّعيد الشّخصي، فإنه كان سكرتيرها في الأمور الرسميّة. كان من الطبيعي تمامًا أن تعقد اجتماعاتٍ مع سكرتيرها. التعامل مع الأشخاص الذين لا تروق لهم كان شيئًا ستواجهه كثيرًا كملكة. وقد تعلّمت من الكتاب على الطاولة أن ذلك كان جزءًا من واجبات الملكة.
"إذن... من فضلكَ."
في النهاية، رفعت لينوا يدها بلطفٍ وأخذت يد كايران، مُغادِرةً الغرفة معًا ومتجهين إلى غرفة الطعام في الطابق الأول.
طوال الرحلة، كان قلب لينوا يرتجف. كان تمسك الأيادي مع شخصٍ تجده غير مريح، ومع العلم أنهما سيشتركان في العشاء معًا بمجرد وصولهما إلى غرفة الطعام، كان أمرًا غير مريح. وجبات العائلة المالكة عادةً ما تكون مشتركةً مع المساعدين المُقرّبين مثل السكرتير.
كانت خطوات الاثنين، عندما وصلا إلى الطابق الأول، تملأ الردهة المظلمة. حالما وصلا، ودون وجود أي شخصٍ آخر حولهم، كسر كايران الصمت فجأة.
"جلالتكِ."
تراجعت لينوا قليلاً، كأنها على وشك ترك يد كايران. ولكن، شدّ هو قبضته كما لو أنه لن يتركها.
"كما قلتُ سابقًا، أنا أقرب شخصٍ إليكِ، جلالتكِ."
"....."
"رجاءً، امتنعي عن تجنّبي دون تفكير."
كان أمرًا لا يمكن لأي شخصٍ غبيٍّ أن يتجاهله، بالنظر إلى تصرّفات الخادمات، وفوق كل ذلك، سلوك لينوا. ردّت لينوا بالصمت.
وأخيرًا، وصلوا إلى غرفة الطعام، التي بدت أكثر بُعدًا اليوم. داخل الغرفة، كان الطعام الفاخر الذي أعدّه الشيف الملكي للعائلة المالكة موضوعًا على طاولةٍ مستطيلةٍ طويلة. كانت المكوّنات وطرق الطهي من أعلى مستويات الجودة، حقًا أروع وليمةٍ في البلاد.
ومع ذلك، وحتى مع وجود هذه الأطباق الفاخرة أمامها، لم تشعر لينوا بالجوع. حتى بعد أن جلسها كايران ودفع كرسيها، لم تستطع أن تلتقط أدوات الطعام فورًا.
"جلالتكِ؟"
لینوا، التي كانت غارقةً في أفكارها وهي تحدّق في الطعام، استفاقت أخيرًا على صوت كايران. تقليديًّا، لا يمكن للمرء أن يلتقط أدوات الطعام حتى يفعل شخصٌ من رتبةٍ أعلى. وبما أنها كانت بمفردها معه، كان يتعيّن على لينوا أن تتّخذ المبادرة. تنهدت وأخذت الشوكة برفقٍ بيدها المتعبة.
"هل يجب أن ألتقط لكِ الشوكة؟"
"أوه، لا."
"أنا لست خادمتكِ."
تعثرت لينوا في كلماتها، وشعرت بمزيدٍ من الإرهاق. إذا كان أحدٌ قد شاهد هذا، لكان قد أصبح قصّةً مسليّةً وراء ظهرها.
وأخيرًا، بدأ العشاء غير المريح. ومع ذلك، على الرغم من تنوّع الأطباق الفاخرة، كان المشد الذي كانت ترتديه يسبب لها ألمًا في بطنها، ولم تستطع أن تأكل كثيرًا.
علاوةً على ذلك، كانت تشعر بتعبٍ غير عادي في جسدها اليوم.
'لا أشعر برغبةٍ في تناول الطعام...'
لكنها لم تستطع التعبير عن هذا بصراحةٍ له. قد ينزعج.
"أليس لديكِ شهية؟"
كان دائمًا كايران من يكسر الصمت. كان قد وضع أدواته جانبًا وراح يستند بذقنه على يده، مُراقبًا لينوا.
فوجئت لينوا بالنظر في عينيه عندما رفعت رأسها. حتى بعد بدء العشاء، كانت تلتقط بعضًا من السلطة الأقرب إليها.
اليوم، كان جسدها يشعر بالخمول أكثر من المعتاد، ولم تستطع أن تذكر شعورها بالمرض بسبب اجتماع الغد. كانت أفكارها أيضًا مضطربة، مما جعلها ترفض جميع طلبات كايران للقاء، التي كانت عادةً ما تقبلها مرّةً واحدةً على الأقل.
مع تدهور حالتها الجسديّة والنفسيّة، ونظرات كايران التي جعلت من الصعب عليها تناول الطعام، قررت أن تتخطّى العشاء تمامًا. كانت تُخطّط لاستخدام هذا الوقت لمراجعة ما لم تتمكّن من مراجعته في وقتٍ سابق.
"سأغادر الآن. من فضلك، خذ وقتكَ في تناول الطعام."
بالضبط عندما كانت لينوا على وشك النهوض.
"من فضلكِ انتظري لحظة."
أمسك كايران بذراعها بقوّة.
'لم أتوقّع أن يوقفني...'
جلس كايران، وأعاد لينوا المتصلّبة إلى مقعدها.
"ما لم تتحدّثي، جلالتكِ، سيكون من الصعب عليَّ أن أفهم نواياكِ."
ثم أخذ كايران طبقًا وقدّمه لها. كان بودنغ ليمون لذيذ مع الكرز الأحمر في أعلاه، قُدِّمَ كتحلية.
كانت هذه الأكلة المفضلة لدى لينوا. منذ أيامها كأميرة، كانت دائمًا تأكلها أولاً خلال الوجبات، مما كان يجعل والدتها تعاتبها على تناول الحلوى أولًا. كانت تحبّها حينها، وما زالت، لذلك كان الطهاة الملكيّون يحرصون دائمًا على تضمين بودنغ الليمون في وجباتها، حتى وإن تغيّر أفراد الطاقم.
على الرغم من أنها لم تلمسه بسبب ظروفٍ مختلفة، كان البودينغ الأصفر الناعم، الذي يذكّرها بلون شعرها، حامضًا وحلوًا بما يكفي لاستعادة شهوتها للطعام المفقودة.
عادت لينوا لتمسك بالشوكة مرّةً أُخرى.
"من فضلكِ لا تقومي حتى تنتهين من هذا."
بمجرد أن أنهى كايران حديثه، غرزت لينوا الشوكة في البودينغ بسرعةٍ وأخذت قضمة. كانت تنوي أكله بسرعةٍ والمغادرة أولًا.
"...."
بدلاً من مراقبة لينوا وهي تأكل البودينغ بسرعة، حوّل كايران نظره إلى مكانٍ آخر. كان يعلم أنها كانت تشعر به أثناء تناولها الطعام.
بعد فترةٍ قصيرة، غادرت لينوا غرفة الطعام وكأنها تهرب.
تابعها كايران بنظره.
'كان يجب أن أعطيها طعامي أيضًا. حينها كانت ستبقى لفترةٍ أطول.'
وحده في غرفة الطعام، نظر كايران إلى بودنغ الليمون.
كان بودنغ الليمون أيضًا طعامه المفضل. كان يذكّره بلينوا التي اختفت. ليس فقط لون شعرها، بل الطعم الحامض الحلو، وحتى الكرز الصغير على أعلاه.
"......"
كان كُلٌّ من البودينغ والباب يذكّره بلينوا لدرجة أنه كان يشعر بالجنون.
'على الرغم من أنها رفضت جميع طلباتي للاجتماع، كانت ودودةً للغاية مع تلك الخادمة. هل شعرَت بغضبي القبيح الذي بدأ يظهر؟ هل لهذا السبب هربت مني دون أن تنظر إلى الوراء؟'
تأثّر كايران بمشاعرٍ حارقة، فامسك بالطبق بإحكام بيده المُرتجفة. كان على وشك رميه على الأرض.
كان لديه لحظاتٌ كهذه كثيرًا. حتى قبل أن يلتقي بلينوا لأوّل مرّة، لا بل منذ قبل ذلك. كان يعاني من أعراض رمي الأشياء بشكلٍ متهورٍ أو عدم القدرة على النوم بشكلٍ طبيعي في الليل. هذا جعله شخصًا أكثر صعوبةً في التعامل معه.
وكان هذا شيئًا لم تعرفه لينوا، التي كانت معه حتى لحظةٍ مضت.
كان كايران على وشك رفع الطبق بكل قوّته عندما سقطت نظرته فجأةً على كرسي لينوا. كان هناك شيءٌ ما. فحص الكرسي بسرعة.
'آه... لا.'
شعر كايران وكأن قلبه قد توقّف للحظة.
كانت هناك قطراتٌ حمراءٌ من الدم على الأرض بالقرب من كرسي لينوا، تتجه نحو الباب.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon