NovelToon NovelToon

تعال هنا، ايها الطاغية

𝟏

...آني... كانت فتاةً محظوظة....

...بل الأعجب من ذلك، أنّ كلَّ ما تنطق به شفتاها، مهما بدا خياليًّا، كان يتحقّق كحقيقةٍ راسخة لا شكَّ فيها....

...لذلك، لم يكن غريبًا أن ينهال عليها من حولها بطلباتهم السخيفة مرارًا وتكرارًا:...

..."سيّدتي، هلا تكرّمتِ وقلتِ: (إنّ كارلا لن تسلك إلّا طريقًا مملوءًا بالثّراء حتّى آخر أنفاسها)؟" ...

..."سيّدتي دِسِف، قولي: (إنّ رجلًا وسيماً ستهيمين به عشقًا، ويكون لكِ وحدكِ طيبًا، ويهبكِ السعادة الأبديّة)!"...

..."سيّدة آني، أرجوكِ! قولي إنّي سأفوز بالجائزة الكبرى في اليانصيب!" ...

...آهٍ... كم ضاقت آني ذرعًا بكلّ هذا العبث!...

...كانت كلّما سمعت أمثال هذه الطلبات، يغمرها الحزن، فلا تجيب إلا بالدموع، ولكنّ الشّكوك حول قدرتها العجيبة لم تتبدّد قط....

..."آني، هل أنتِ حقًّا محظوظة؟ قولي الحقيقة! بفضل كلماتكِ، أصبحت المصمّمة سانيل مواطنةً في بوركاوس!"...

...كانت سانيل، تلك المصمّمة ذات الأنف الشامخ كقبّة كاتدرائيةٍ عظيمةٍ في العاصمة، جوهرةً لا تُقدّر بثمن....

...راودتها دول الجوار بأبهى العروض، لكنّها ظلّت عصيّةً على الجميع، لا تُراغب ولا تُخادع....

...سانيل، عبقريةٌ مترفّعة، رفضت عروض بوركاوس بسخائها، كما رفضت محاولات هاركنون، العدوّ القديم....

...وكما يفعل كبار الفنّانين، كانت تتحرّى الحياد ما أمكنها....

...لكنّ كلمةً عابرةً من آني بدّلت مجرى الأمور:...

..."سيكون شرفًا لنا لو جاءت سانيل د. زاينر إلى إمبراطورية بوركاوس..."...

...ولم تمضِ أيّامٌ، حتّى اصبحت سانيل في بوركاوس بل وحصلت على الجنسية....

...ابتهج النّاس، وقالوا إنّ الملكة سيلفاس قد حقّقت أمنيتها الثمينة....

...وحقًّا، فقد كان تجنيس سانيل حدثًا زلزل أرجاء القارّة بأسرها....

...وعندما سألها الصحفيّون عن سبب هذا التحوّل، أجابت بوضوحٍ ساحر:...

..."الحبّ الصادق هو السبب."...

...ومنذئذٍ، شاع بين النّاس أنّ قلب سانيل خفق لرجلٍ بوركاوسيٍّ مجهول....

...لكن، بالنسبة لآني، لم يكن في الأمر ما يستحقّ الضجّة....

...كانت مجرد مُعجبةٍ وفيّة، تسهر الليالي في كتابة رسائل الإعجاب لمعبودتها....

...بدعمٍ من العائلة الإمبراطوريّة، شرعت سانيل في عملها الفنيّ داخل الإمبراطورية....

...صمّمت الحقائب، الأحذية، الملابس، والإكسسوارات، فأبهرت الجميع بذوقها الرفيع وابتكارها الفذّ....

...سرعان ما لُقّبت بـ"نور بوركاوس"، كنور البلّورة الأرجوانيّة الثمينة....

...وفي لحظة امتنانٍ صادقة، أقامت سانيل حفلة خصمٍ خاصّةً لمواطني بوركاوس، فخفضت أسعارها إلى النصف!...

...وكان من بين تصاميمها الفاتنة، حزامٌ كريم اللون حريريّ، تتلألأ عليه مكعّباتٌ فضيّة جميلة... الحزام الأحبُّ إلى قلب آني....

...ثمّ جاء ذاك الخبر السعيد:...

..."سيّدة آني! كعكة الليمون السحرية في مخبز العاصمة عليها خصم! اشتري واحدة وخذي أخرى مجّانًا!"...

...يا لسعادتها!...

...رمت آني كتابها جانبًا، وأسرعت إلى العربة السوداء....

...ذاك المخبز العتيق، الذي لم يعرف خصمًا منذ خمسين عامًا، قد تنازل أخيرًا عن تقليده الصارم....

...وكيف تقاوم آني إغراء "كعكة الليمون السحرية" التي توقظ الروح من سباتها؟...

...لم يكن المال عائقًا، لكنّ خصمًا كهذا جعل قلبها يخفق فرحًا، وجعل لعابها يسيل شوقًا إلى الطّعم الحامض الرائع....

...وفي الطريق، كانت خادمتها كارلا تثرثر بحماس:...

..."سيّدتي، ألستِ أنتِ من تمنتِ خصمًا؟ يا للعجب! تحقّقت أمنيتكِ مجددًا!"...

...ابتسمت آني، ووجنتاها تتوردان، وأومأت برأسها....

...لم تفكر كثيرًا في الصّدفة أو في المعجزات؛ فكلّ ما كانت تفكر فيه هو كعكة الليمون اللذيذة....

...ومنذ ذلك اليوم، أُضيف طبق كعكة الليمون إلى قائمة مطبخ آل دِسِف ثلاث مرّاتٍ في الأسبوع على الأقل!...

...كلّ ما تقوله آني يتحقّق... مهما بدا بسيطًا....

...قالت مرة عن خبز أنبِرتِر:...

..."إنّه خبزٌ سحريّ! ينبغي أن يُكرّم من صنعه!"...

...وما هي إلا فترةٌ وجيزة، حتّى فاز صانعه بجائزةٍ كبرى وثلاث نجوم من الإمبراطورية....

...ابتسمت آني عند سماع الخبر، وقالت بسعادة:...

..."إنّه شخصٌ يستحقّ ذلك حقًّا."...

...بل حتّى المشاريع الصغيرة التي بدأت بها لإنقاذ عائلتها المأزومة ماديًّا، ما لبثت أن تحوّلت إلى نجاحٍ ساحقٍ بفضل مستثمرٍ ذكيّ سدّد كلّ ديونهم دفعةً واحدة....

...ولمّا تمنّت يومًا أن تتلقّى الملابس والإكسسوارات مجّانًا من متجرها المفضّل، تحقّقت أمنيتها، وباتت تتلقى الهدايا طوال عامٍ كامل!...

...حقًّا، حظّ آني العجيب هذا قد رافقها لسبع سنواتٍ متواصلة....

...حياةٌ مملّةٌ أصبحت فجأةً دربًا متلألئًا بالفرص والنّجاحات....

...وإن كان ذلك مُرهقًا... فهو أيضًا ممتعٌ بما يكفي لجعلها تبتسم دائمًا....

...نعم، آني محظوظةٌ... وهذا شيءٌ جميل....

...لولا أمرٌ واحد....

...الــرّجـــال....

...كان حظّها معهم نقيض كلّ حظّها الآخر....

...خطيبها الذي رافقها ستّ سنواتٍ خان عهدها....

...وفي البلاد الأخرى، لم تجد من بينهم رجلاً سويًّا واحدًا، بل كانوا صفًّا من الخيبات المتراصّة....

...أوشكت على فقدان صوابها....

...كيف يمكن أن يُحكم عليها بالفشل لمجرّد أنّها لم ترتبط أو تتزوّج؟...

...أليس الأجدر أن تُحترم الإرادة الحرّة؟...

...مهما حاولت أن تشرح، كانت عائلتها تضغط عليها بلا رحمة....

...وفي لحظةٍ من لحظات اليأس الشجاع، اتخذت قرارها الحاسم:...

...«لــن أتــزوّج أبــدًا.»...

𝟐

...[بعد إعلان عدم الزَّواج بخمسة أيَّام - بقلم دْسِف] ...

...تسلَّل خيطٌ من ضوء الشمس عبر النوافذ المفتوحة على مصراعيها، يحمل معه نغمةَ العصافير وهي تُغرِّد بلحنٍ رقيقٍ، ينسابُ في الأرجاء كأنَّه وشوشةُ الصباح....

...كانت "آني" نصفَ مستلقية فوق سريرها الوثير، تفرك عينيها بتعبٍ وهي تتثاءب بكسل....

..."أُريد أن أنامَ أكثر..."...

...كان شعرها القصير، بلون البنِّ المُعتق، يتدلَّى حتى أطراف أُذنيها، وقد بدأ مع الأيام يزداد طولاً. تحت عينيها الأرجوانيَّتين اللتين تشبهان زهرتين بريَّتين، رسم التَّعب هالاتٍ سوداء تُشي بعناءٍ خفيّ....

...لم تذق "آني" طعم النَّوم الهانئ منذ زمنٍ قريب، وبات حالها كمن أنهكه السفر في صحراءٍ لا ظلَّ فيها....

...فبعد إعلانها الجريء عن رفض الزواج، لم تجد فسحةً لترتيب شؤون عائلتها، أو التفرغ لأعمالها التي طالما اعتنت بها....

...ورغم ذلك، ظلَّت أعمالها تسير بوتيرةٍ لا تعرف التوقّف؛ بل تخطَّت توقُّعات الجميع، إذ مدَّت يدها البيضاء للعطاء، تتبرَّع لجمعيَّات الأمهات العازبات ودور الأيتام، تسكب خيرها كالنهر الذي لا ينضب....

...خشخشة خفيفة~...

...تسلَّل صوتٌ خافت إلى أذنيها، صوت سَحب قماشٍ أو فتح خزانة....

...التفتت برأسها، لتقع عيناها على "كارلا"، خادمتها الأمينة، منهمكةً قرب الخزانة، ترتِّب الملابس بعناية....

...كانت كارلا قد جمعت شعرها الأشقر الطويل إلى أسفل، تتحرّك بنشاطٍ وحيوية....

...سألتها وهي تُلوِّح بعدة فساتين:...

..."سيِّدتي، أيَّ فستانٍ تودِّين ارتداءه اليوم؟"...

...أجابت "آني" بصوتٍ خافتٍ مُثقل بالتعب:...

..."فقط، أخرجي أيَّ واحدٍ منها."...

...غطَّت فمها براحة يدها وتثاءبت مجددًا، فابتسمت "كارلا" وقالت بشيءٍ من الحزم:...

..."هيا، هيا، آن الأوان للنهوض."...

...فركت "آني" عينيها الناعستين مجددًا ونهضت بتكاسل، واقفةً أمام المرآة الممتدة بطول الجدار....

...'يبدو هذا سخيفًا...'...

...رمقت صورتها المنعكسة بامتعاض، ثم ربَّتت على خديها بلطفٍ في محاولةٍ لإيقاظ حيويَّتها الغائبة....

...لكنّ التَّعب كان يُثقل نظرتها ويُغلف وجهها كضباب الصباح....

..."هل يناسبكِ هذا؟ أم أن الدانتيل سيكون أجمل؟"...

...سألتها كارلا، تتنقل بنظراتها بين فستانٍ سهرة فاخر وآخر أحمر وأنيق....

...كان التصميم جريئًا لا تخطئه العين؛ يبرز الكتفين وخطّ الصدر بأناقةٍ لافتة....

...توردت وجنتا "آني"، وهي التي اعتادت ارتداء الفساتين البسيطة ذات الألوان الهادئة....

...'لن ألتقي أحدًا اليوم... فما الداعي لكلّ هذا الاهتمام؟'...

...قالت بخجل:...

..."كارلا، أعطني فستاني المعتاد."...

...لكن كارلا توسَّلت إليها بعناد:...

..."أوه، سيّدتي! اليوم مناسبةٌ خاصَّة، أوَّل مرةٍ تخرجين فيها بعد إعلانكِ عدم الزَّواج. رجاءً، دعيني أحقق هذه الأمنية الصغيرة."...

...بدت الأوردة الزرقاء على ظهر يدي كارلا البيضاء واضحةً من شدّة تمسكها بالفستان، كشبكة عناكبٍ خجولة....

...لم ترغب كارلا أن يلتفت النَّاس إلى "آني" وهي في هيئةٍ مرهقةٍ باهتة....

...كانت تُعاملها كأختٍ عزيزة، لا كسيدةٍ وخادمة....

...ابتسمت "آني" بخجلٍ أمام حماس كارلا، وشعرت بامتنانٍ يتسلل إلى قلبها....

...'ليس هناك ضرر... قد يُحسِّن المزاج قليلاً.'...

...قالت أخيرًا:...

..."حسنًا، أُريد فُستانًا يليق بي تمامًا."...

...تهلَّلت أسارير كارلا، وعينها تتلألأ بالفرح....

...رفعت بصرها إلى سيّدتها، وهي تتأمَّلها بنظرة إعجاب....

...رغم أن ملامح "آني" تبدو للوهلة الأولى عادية، إلا أن عينيها الأرجوانيتين كانتا تحكيان قصة جمالٍ نادر....

...كانت كارلا تقول دائمًا:...

..."سيّدتي، عيناكِ نعمةٌ كبيرة... إنهما أندر من الجَمَشْت."...

...وإن كانت "آني" تحاول إيقافها كل مرة عن قول ذلك، فإن كارلا كانت تُعيدها بإصرار طفوليٍّ محب....

...---...

...ارتدت "آني" الفستان الجديد الذي كشَف شيئًا يسيرًا من صدرها، تزيِّنه لمسةٌ خفيفة من الدانتيل الرقيق....

...ارتبكت قليلاً، فوضعت يدها على صدرها تغطيه بخجل....

..."ألا يبدو هذا غريبًا؟"...

...ضحكت كارلا:...

..."إنه يليق بكِ جدًّا... فقط أخشى أن يتساقط الرِّجال أمامكِ عشقًا."...

..."كارلا، هل أصابكِ الجنون؟"...

...أمسكت كارلا بمشطٍ خشبي وبدأت تُسرِّح شعر "آني"، تدندن بلحنٍ بسيط....

...كانت آنِي تعرف جيّدًا أن شعرها القصير يليق بها، وكارلا لطالما أبدعت في تصفيفه بأناقةٍ عفويّة....

...ما إن أنهت تجهيزها، حتى وضعت كارلا يديها على كتفي آنِي وقالت بفخر:...

..."انظري إلى نفسكِ... كم أنتِ ساحرة اليوم."...

...ابتسمت آنِي بمزيجٍ من الحياء والامتنان، وقالت ممازحة:...

..."كارلا، أنتِ خادمتنا الأفضل، لا بل قائدة الفرسان النُّخبة."...

...ضحكت كارلا بصوتٍ عذب:...

..."لو شئتِ، سأبدأ غدًا بتعلُّم فنون السَّيف أيضاً."...

...فجأة، وكأن رياح الحياة دبّت في جسد آني، ارتفع مزاجها قليلًا....

...تمتمت ممازحة:...

..."بعد إنجابكِ لطفلكِ الثاني، أصبحتِ تضربين أقوى!"...

...ضحكت كارلا، وأمسكت بيدي آني بحماسٍ لا يخفى، ثم همست لها برجاءٍ خفيّ:...

..."سيّدتي، عِديني بشيء..."...

..."ما هو؟"...

..."أن تمنحي كلَّ من يأتيكِ فرصةً... حتى لو لم يرق لكِ من النظرة الأولى."...

...ابتسمت آني برفق، وربتت على يديها:...

..."عدا ذاك الطاغية الرهيب... سأفكّر بالأمر."...

...قالتها بنبرةٍ مرحة، وهي تعلم أن قلبها، مهما أغلقته، ما زال قادرًا على أن يُفتح ذات يوم....

𝟑

...وهل يُعقل، بحقّ السماء، أن تُرسل "كارلا" سيّدتها إلى ذلك الطاغية المجنون؟...

...إنَّه أمرٌ بديهيٌّ، لا يقبل الشكَّ ولا الجدل....

...نـقـر~...

...بمجرَّد أن أُغلِقت النافذة الثقيلة، استدارت "كارلا" بعينيها الذَّهبيّتين المتقدتين نحو العربة المتوقفة أمام البوابة الحديديّة للقصر....

...هناك، كانت العربة البنفسجيّة، بشعار عائلة "دْسِف" المهيب، تنتظر في صمتٍ مهيب....

...قالت "كارلا" بصوتٍ حنونٍ ينضح بالقلق:...

..."ستعودين مباشرةً بعد تقديم الإقرار الضريبيّ، أليس كذلك؟"...

...ابتسمت "آني"، وقد تسرَّب شيءٌ من التفاؤل إلى صدرها، ثمّ تمدَّدت بجسدها ببطء، محاولةً طرد التعب المتراكم في أوصالها، وأجابت:...

..."يُفترَض ذلك."...

...بخطواتٍ رصينة، اجتازت الاثنتان الساحة الرخاميّة اللامعة للقصر الإمبراطوريّ، حيث الوجوه ساكنة، والجدران تشهد على قرونٍ من المجد والدماء....

...فقد حان موعد تقديم الإقرار الضريبيّ السنويّ للعائلة، وكان موسم "رياح الورود" يُلقي عبيره الخافت على الأرجاء....

...رغم أنّ هذا الواجب موسميٌّ ولا يأتي إلّا مرَّة في العام، إلّا أنّه يحمل في طيَّاته إرهاقًا لا يُستهان به....

...ومع ذلك، كان لا بدّ من أدائه دون توانٍ....

...كارلا، الخادمة الأمينة والدَّقيقة، والتي تخدم أذكى فردٍ من أفراد عائلة "دْسِف"، احتضنت استمارة الإقرار الضريبيّ، التي ملأتها "آني" سلفًا، وضعتها داخل مُجلَّدٍ بنِّيٍّ أنيق، وضمَّته إلى صدرها وكأنّها تحمل كنزًا لا يُقدَّر بثمن....

...في تلك الأثناء، كانت "آني" قد استقرَّت داخل العربة، وعيناها شارده، تغوصان في لجَّة أفكارها، بينما كانت العجلات تدور، تقرع الطريق نحو العاصمة....

...ومن بعيد، بدأ القصر الإمبراطوريّ يلوح لها، ضخمًا، مهيبًا، يمدّ ظلاله على السهل كوحشٍ قديمٍ نائم....

...ذلك هو عرين الطاغية... "إيجيد"....

..."الطاغية..."...

...تساءلت في أعماقها، هل مجرَّد نطق اسمه هذا الصباح هو ما استدعى هذه المشاعر الثقيلة؟...

...وفجأةً، هبّت عليها ذكرى قديمة، كانت قد دُفنت في أعماق نسيانها....

..."ششش، لا تبكِ."...

..."إن لم تتوقفِ عن البكاء، فسيأتي الطاغية ويأخذك."...

...ذلك الصوت، الذي كان يخرج من فم جدَّتها في أوقات الألم، أصبح جزءًا من ملامح طفولتها، يتكرر في ذهنها حتى اعتادت على سماعه، فصار كأنّه أغنية من أغاني الحكايات الشعبية التي يُحكى عنها في الأمسيات الباردة....

...لقد كانت أهوال الطاغية "إيجيد جان بوركوس" منتشرة في الإمبراطوريّة انتشار الوباء....

...مجرَّد ذِكر اسمه، كان يكفي لإطفاء البسمات من الوجوه....

...حتى قبل أن يُولَد، سرت نبوءة كاللعنة في أرجاء الأرض....

...ففي ذات زمن، تلقى "روبيش أبجي"، الملك المعروف بلقب "الأسد"، رسالةً مظلمة جاء فيها:...

..."الإمبراطور القادم سيكون طاغيةً كذلك....

...سيسفك الدماء حتى تكتب صفحات التاريخ بحبرٍ أحمر....

...كلُّ من يقف في طريقه، سيُقطَع إلى نصفين، ويُقدَّم طعامًا للغربان."...

...لم يكن ملكًا ساذجًا، ولا قومه من الضعفاء؛ ومع ذلك، صدَّقوا النبوءة....

...فالرجل قد قضى عمره سندًا للعائلة الإمبراطوريّة، وأحنى جبهته أمام قَدَرٍ لا مفرّ منه....

...ومنذ ذلك الحين، صار الناس يتهامسون بقصصٍ مروّعة عن الطاغية المرتقب... حتى قبل أن يولد....

...ومـرّت الأعــوام......

...وجــاءت الــسـاعـة....

...وبعد مضيّ عشرين عامًا، اختفت كلُّ دولةٍ تجرأت على الوقوف في وجه الإمبراطوريّة....

...كأنّها ابتلعتها الأرض دون أثر....

...ولم يتبقَّ بين الشعوب من يجرؤ على الهمس بمعارضة "إيجيد"....

...لأكون دقيقةً، كان هناك رجلٌ واحدٌ قد رفع سيفه ضدّه، لكنّه، قبل أيامٍ معدودة، تبخَّر وجوده من هذا العالم....

...سيف "إيجيد"، سيفٌ باردٌ لا يعرف الرحمة، كان قد حصدهم جميعًا....

...وفي طفولتها، كانت "آني" طفلةً واهنةً، كثيرة البكاء، تخشى ذلك الطاغية الصغير الذي كان يصغرها سنًّا، والذي استُخدم اسمه كأداةٍ لقمع نزواتها الطفوليّة....

...> "آني، إن لم تأكلي، سيأخذكِ الطاغية لتصبحي زوجته!"...

...> "وااااه!"...

...'كنتُ بريئةً بصدق آنذاك...'...

...ابتسمت "آني" بمرارة، ساخرةً من ذكريات خوفها الساذج....

...لقد كانت تطيع كلّ أمرٍ صادرٍ عن والديها، خشية أن تتحول إلى "عروس الطاغية"....

...لكن... لِمَ كانت تخاف إلى ذلك الحدّ؟...

...ذلك الطاغية، الذي كان لا يزال طفلاً دونها، من المفترض أن يكون أكثر هشاشةً منها، ومع ذلك، كان اسمه يجمّد الدم في عروقها الصغيرة....

...غير أنّ الزمن، ببطءٍ وحكمة، قد خفَّف من حدة ذلك الخوف....

...اليوم، حتى لو عبرت أبواب القصر الإمبراطوريّ، فليس ثمة داعٍ للرهبة....

..."إيجيد"، بالكاد كان يُرى حتى بين جدران قصره المترامي....

...خارج منصبه الرسميّ، لم يكن يعرف أحدٌ أين يختفي....

...بعضهم كان يقول إنه هبط إلى العالم السفليّ ليقاتل الشياطين، وآخرون زعموا أنَّه دمَّر أممًا بأكملها....

...لم تكن أكثر من شائعاتٍ تروى تحت أضواء المشاعل الخافتة....

...ورغم كلّ شيء، كان يُقال إنّ عدد الذين قتلهم بحدِّ سيفه يفوق عدد سكان العاصمة بأسرها....

...'ومع ذلك... ما شأني أنا بكل هذا؟'...

...هكذا كانت "آني" تطرد القلق من عقلها، فقد كانت، في نهاية المطاف، مجرّد نبيلةٍ عاديّة، تعيش في ظلّ الإمبراطوريّة دون أن تثير انتباه سيّدها الأعلى....

...ومع ذلك... لم يكن الماضي قد انقطع تمامًا بينهما....

...لقد التقيا، ذات مرة، في مناسبةٍ اجتماعيّة عابرة....

...'لقد مرَّت سبع سنوات كاملة.'...

...كانت الذكرى مغبَّشة، ضبابيّة، كأنّها مشهدٌ يتلاشى مع الزمن، ومع هذا، لم تستطع "آني" أن تمحو صورة ذلك اللقاء من ذاكرتها....

...ففي تلك اللحظة الأولى، حين وقعت عيناها على الإمبراطور "إيجيد"، فتحت شفتيها دون وعي، وتمتمت:...

..."هل هذا شخصٌ حقيقيّ؟" ...

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon