NovelToon NovelToon

منزل الساحرة في سيدرهولم

المنزل ذو السقف الأخضر

عندما صعدت التلة الصغيرة، ظهرت في الأفق سقيفة مطلية بلون أغمق من خضرة الغابة المحيطة.

كانت ذلك منزلًا صغيرًا مبنيًا على الطراز الحديث، تم تجديده مؤخرًا. وقفت ميلفي أمام بوابته، حيث أضاءت شمس الظهيرة شعرها بلون العسل ودثرت ظهرها بدفئها، غير أن شتاء سيديرهولم، الواقعة شمال القارة، كان قاسيًا.

لم يكن معها سوى حقيبة سفر مستعملة، دون أي أمتعة ثقيلة أخرى. فقد أخبروها أن كل ما تحتاجه متوفر بالفعل، وأنها لا تحتاج إلى حمل شيء إضافي.

ميلفي تعمل كخادمة متنقلة، تتنقل بين منازل مختلفة. كان عملها الحالي يتطلب العناية الشخصية بالجندي آدم سبنسر، الذي جاء للراحة في سيديرهولم بعد تعرضه لإصابة.

آدم كان قد أصيب في إحدى قدميه أثناء قمعه اضطرابات وقعت في قلب الدولة. ورغم أن إصابته لم تكن خطيرة، إلا أن حالته لم تكن تسمح له بمباشرة مهامه العسكرية المعتادة. لذلك، نُصح بأخذ إجازة طويلة مبكرًا لفصل الشتاء، واستغلالها للتعافي في هذا المنزل الريفي.

هذا المنزل كان ملكًا لجده، ولم يكن أحد من أفراد عائلته على علم بوجوده حتى سنواته الأخيرة التي قضاها في المرض. تشير السجلات إلى أن السكان السابقين كانوا سيدة عجوز وطفلين، ويبدو أن الجد، الذي كان فاعل خير، قدم لهم الدعم والإعانة.

تم تجهيز المنزل بوسائل تسهيل الحركة لكبار السن، مما يجعله مكانًا مثاليًا للتعافي.

تلقت طلب العمل لرعاية آدم من أحد معارفها في الجيش قبل أسبوع فقط. وبما أن ميلفي كانت قد أنهت عملها السابق ولم تكن قد حددت وجهتها التالية، فقد كان هذا العرض فرصة مثالية لها للعمل والإقامة لمدة شهر كامل.

عمل جديد، ورب عمل جديد.

ترى، ما نوع اللقاءات التي تنتظرها في هذا المنزل؟

بينما كانت تحاول تهدئة ضربات قلبها المتسارعة، خطت ميلفي أول خطوة داخل ساحة المنزل.

"تشرفت بلقائكَ. لقد أتيت بناءً على طلب كولت بالمر. أدعى ميلفي."

"آه."

آدم كان رجلاً غريب الأطوار وغير ودود إلى حد كبير. بشعره الأشقر الرمادي الداكن وعينيه الرماديتين الباردتين، مع ندوب صغيرة متناثرة على وجنتيه، وشفتين ممتلئتين تشدهما بملامح غاضبة. جسده الضخم الممتلئ بالعضلات جعل كتفيه عريضتين، وبدا حجمه ضعف حجم جسد ميلفي النحيل.

"ألا يوجد أي خدم هنا؟"

"كبير الخدم في مهمة، والطاهي يأتي من البلدة. أما أنتِ، فسأكلفكِ بأمور الحياة اليومية الصغيرة."

"فهمت."

"لكن، أريد أن أخبركِ مسبقًا، لا تضغطي على نفسكِ."

بينما كان يتحدث بنبرة باردة، بدا عليه فجأة التردد. سألت ميلفي:

"هل الأمر بخصوص الفتاة الصغيرة؟"

"... لقد حاولت إقناعها، لكن..."

في هذا المنزل توجد فتاة صغيرة تدعى كايتلين، تبلغ من العمر سبع سنوات.

لم تكن ابنة آدم البيولوجية، بل تبناها بعد وفاة صديقه العسكري الذي كان والدها.

صديق آدم، الذي توفيت زوجته قبله، لم يكن لديه أقارب يدعمونه. أما عائلة زوجته، التي تنحدر من عائلة محترمة، فلم تكن راضية عن زواج ابنتهم من جندي، وأبدوا استياءهم تجاه حفيدتهم بعد وفاتها.

ربما بسبب هذا، أصبحت كايتلين فتاة مشاكسة وعصبية للغاية، مما دفع العديد من الخادمات إلى ترك العمل بسبب سلوكها.

كان من المتوقع أن تقوم ميلفي بدور المربية أيضًا.

"لقد أُبلغت بالأمر. لا يمكنني أن أعدك بنتائج عظيمة، لكن سأبذل قصارى جهدي."

"لنبدأ بالتعريف بينكما."

قال آدم ذلك، واستدار ليقود الطريق. رغم إصابته في قدمه، كان يمشي بخطوات ثابتة دون تردد.

يتألف المنزل من جناحين يفصلهما المدخل الرئيسي.

الجناح الأيمن يحتوي على المطبخ وأماكن الخدمات، بينما الجناح الأيسر مخصص للسكن.

عند الدخول إلى أول غرفة في الجناح، عبر باب مزدوج مفتوح، تجد غرفة المعيشة. كان المدفأة مشتعلة، لكن حرارة الغرفة كانت أقل مما توقعت ميلفي.

عندما نظرت حولها، لاحظت أن بابًا منزلقًا يؤدي إلى الخارج كان مفتوحًا قليلاً، مما سمح بدخول الرياح الباردة.

"أعتذر، هذا من فعل كيتلين. تقول دائمًا إنه يجب ترك الأبواب مفتوحة لتتمكن من الدخول، وتقوم بفتحها في كل مكان دون استئذان."

بينما كان آدم يمد يده لإغلاق الباب، قاطعه صوت حاد من الغرفة المجاورة:

"لا تغلقه!"

"إنه غير آمن، ولدينا ضيف، لا يمكننا تركها تشعر بالبرد. تعالي وحييها."

"لا. إنها مجرد امرأة أخرى تفوح منها رائحة العطر وتبحث عن المال، أليس كذلك؟ تلك مثل التي كانت تحاول التسلل إلى سريرك!"

"كايتلين!"

"لا تنادني بهذا الاسم!"

ميلفي تقدمت بخطوات هادئة نحو الصوت، متجاوزة نباتات الزينة التي كانت تخفي مصدره. وأخيرًا، رأتها.

كانت فتاة بشعر أسود مستقيم مربوط بإحكام، وعينين خضراوين رماديتين مليئتين بالغضب.

وقفت بشموخ، وأكتافها مشدودة بغضب.

يبدو أنها لم تتوقع أن تظهر ميلفي فجأة. عندما التقت عيناهما، بدا عليها الارتباك الطفيف.

شعور غامض بالقلق بدأ يلوح في عينيها، مما جعل ميلفي تبتسم بخفة.

(يا لها من فتاة لطيفة في الحقيقة.)

عندما اقتربت من الفتاة، جلست على ركبتيها لتصبح على نفس مستوى نظرها.

"تشرفت بمعرفتكِ. أنا ميلفي. هل يمكنك أن تخبريني باسمك؟"

"أنت تعرفينه بالفعل."

"هذا صحيح، لكني أود سماعه منك."

"...كيسي."

"يا له من اسم جميل. إنه يشبهك تمامًا، كالقطة الخرافية اللطيفة كيت-شي."

أمسكت ميلفي بيدي الفتاة الصغيرة وابتسمت، مما جعل عينيها تتسعان من الدهشة.

اقتربت ميلفي قليلاً منها وهمست بصوت منخفض يكفي لأن تسمعه الفتاة فقط:

"هل تتركين الأبواب مفتوحة لتصنعي طريقًا لمرور الجنيات؟"

شيء صغير مختبئ بالقرب من كتف الفتاة ضحك بخفة.

روح شبيهة بحيوان ركضت على الأرض ثم اختفت بمجرد أن اصطدمت بالجدار.

لم تكن هذه الكائنات مجرد أرواح منزلية، بل يبدو أنها أرواح مدنية تبعت كايتلين إلى هنا.

"لا تقلقي. الجنيات يمكنها الدخول من أي ثقب صغير. ولكن إذا فتحتِ كل الأبواب، فقد يحتارون في أي مدخل يدخلون. عليكِ أن تخبريهم، 'هنا هو المدخل.'"

"حقًا؟"

أومأت ميلفي برأسها بحزم. فتجهمت كايتلين وخفضت بصرها.

"بصراحة، غرفتي كانت باردة. لكن الجميع..."

توقفت لبرهة قبل أن تكمل.

"... أعني، الجنيات كانت سعيدة بالتحدث معي، لذلك كانوا دائمًا معي."

"بالطبع، الجنيات تحبك. ولكن يا كيسي، هناك جنيات طيبة وجنيات سيئة. الجنيات السيئة يمكنها الدخول من الأبواب المفتوحة، وقد تعتقد أنكِ ترحبين بها."

"هل ستأخذ روحي؟"

"ربما. الجنيات السيئة تستهدف البشر، وخاصة الأطفال الصغار. لذا عليكِ أن تعرفي كيف تتعاملين معهم وتحمين نفسك."

ارتعش جسد كايتلين الصغير، ربما بسبب ذكرى معينة. فاقتربت ميلفي منها وربتت على رأسها بلطف.

"سيديرهولم مليئة بالأرواح، وسيكونون بجانبك إذا احتجت إليهم. لا بد أنك كنت وحيدة وخائفة، ولكنك كنت شجاعة جدًا، أليس كذلك يا كيسي؟"

"لماذا تصدقينني؟ أمي وجدتي كانتا تضربانني وتقولان إنني أتفوه بأشياء غريبة. وحتى الخادمات السابقات قلن إنني مريبة لأنني أتحدث إلى نفسي. لماذا أنتِ مختلفة؟"

فقط لأن الفتاة يمكنها رؤية ما لا يراه الآخرون، عُوملت بشكل غريب وأسيء فهمها.

"لأنني أرى ما ترينه، يا كيسي."

"هذا كذب."

"ولماذا أكذب؟ أنا أكبر منك بكثير، وعلاقتي مع الأرواح أطول."

حاولت ميلفي أن تنفخ صدرها وهي جاثية، لكنها سقطت على الأرض. روح صغيرة بجانبها داس على إصبعها قبل أن يختفي.

(ربما أغضبته. عليّ أن أصلح الأمر لاحقًا.)

بينما كانت ميلفي تفكر مع نفسها، شعرت بتردد كايتلين.

رغبة في التصديق ممزوجة بالشك والخوف. كانت المشاعر تتصاعد بداخلها كدوامة من الألوان.

نصف ما قالته ميلفي كان صحيحًا والنصف الآخر لم يكن كذلك.

ميلفي يمكنها أن ترى ما تراه كايتلين، لكنها تمتلك قدرة إضافية: يمكنها سماع قلوب الآخرين. حتى عندما تحاول كتم هذه القدرة، تظهر المشاعر كأشكال من الهالة من حولهم.

بينما كانت تنظر إلى الصراع الداخلي في قلب كايتلين، اقترب آدم بهدوء.

"أعتذر عن تصرف كايتلين."

"لا داعي لذلك أبدًا."

لكن تدخل آدم جعل كايتلين تشعر بالتحفظ مجددًا.

خلطت بين الحذر وخيبة الأمل، ومع ذلك كانت الحزن يهيمن على مشاعرها.

"أنا لم أفعل شيئًا خاطئًا! هي التي سقطت بنفسها!"

"هل دفعتِها مرة أخرى؟"

"مرة أخرى؟ لكن... لكن تلك المرة كانت..."

شعور عارم بالحزن تدفق من الفتاة.

"لا، لم يكن خطئي. في ذلك الوقت كان هناك شيء مخيف. إذا لم أفعل شيئًا، لكانت تعرضت للإصابة."

ربما كان ذلك بسبب شدة المشاعر التي تراودها، أو ربما لأن ميلفي نفسها شعرت ببعض الارتياح لرؤية شخص يشاركها تلك القدرات.

فجأة، سمعت ميلفي "صوت" كايتلين يتردد في رأسها.

بغضب، ضربت كايتلين الأرض بقدمها، ثم هربت من المكان وكأنها تفر من المواجهة. وقف آدم يراقبها، وهو يتنفس بصعوبة.

"أنا آسف. تصرفاتها تلك هي السبب في ترك العديد من الخادمات العمل."

"سيدي، هل سبق أن استمعت إلى وجهة نظرها؟"

"في الواقع، والد كايتلين الراحل، قال إنها كانت تعيش في عالم من الخيال، وغالبًا ما تتحدث بأوهام."

تعابير وجه آدم التي تعكس الاستياء جعلت الغضب يتصاعد داخل ميلفي.

"لهذا السبب تبدو عنيدة جدًا. حسنًا، فهمت. سأكون أنا حليفتها."

"لا، أنا فقط..."

"إذا قضيت وقتًا في هذا المكان، فربما تستطيع أن تفهم العالم الذي تراه كايتلين، حتى لو قليلاً. وعندما تدرك ذلك، أرجوك، تقبلها كما هي."

الحديقة التي تسكنها الجنيات

عندما همّت ميلفي بفحص النوافذ العلوية المكسورة، سمعت صوت بول، كبير الخدم المسن، يحاول منعها من الصعود على السلم:

"لا ينبغي لآنسة أن تقوم بأمور كهذه."

"لا تقلق يا بول. أنا أصغر سنًا، وأستطيع القيام بذلك بسهولة."

في مدخل القصر، كانت هناك نافذة زجاجية صغيرة في الأعلى بمفتاح مكسور.

فاستعانت ميلفي بسلم قديم من المخزن الخلفي، وسط محاولات بول اليائسة لإيقافها.

بول، الذي خدم عائلة سبنسر لسنوات طويلة، سمع كثيرًا عن مهارات ميلفي كمربية ومساعدة منزلية بارعة.لكنه لم يكن يتوقع أن تكون امرأة بهذا الشباب والحيوية.

كان يتطلع للقائها، لكنه فوجئ عندما علم أنها شابة في الرابعة والعشرين، أصغر من السيد آدم نفسه.

"توقفي، هذا خطير!"

"لا بأس، اعتدت على مثل هذا العمل عندما كنت أخدم في منزل زوجين مسنين."

صعدت ميلفي بخفة ورشاقة على السلم، وبدأت بفحص النافذة العلوية الصغيرة.

كان واضحًا أن النافذة غير محكمة الإغلاق، مما قد يسمح للجنّيات السيئة بالدخول.

شعرت ميلفي بضرورة اتخاذ إجراء سريع لحماية كيتلين، الطفلة الحساسة التي قد تكون معرضة للخطر.

بينما كانت تعمل، تساءلت بصوت مسموع:

"بما أن عيد الميلاد قريب، هل سنضع شجرة؟ من الأفضل أيضًا إضافة نبات الهدال. ربما نضعه..."

...نبات الهدال :...

...

...

لكن صوتًا غاضبًا قاطع أفكارها. كان السيد آدم قد دخل القاعة ووقف أسفل السلم:

"ماذا تفعلين؟"

"كما ترى، كنت أتأكد من النافذة العلوية."

"ليس عليك القيام بمثل هذا العمل."

"بول يعاني اليوم من ألم في ركبتيه بسبب البرد، ولم أشأ أن أرهقه."

"إذا كان الأمر كذلك، كان عليكِ أن تطلبي مني القيام بذلك."

"وأرهق سيدي المصاب والذي يخضع للعلاج؟ ثم إن هذا السلم لن يتحمل وزن جسدك."

"على أية حال، انزلي الآن."

"كما تشاء."

نزلت ميلفي ببطء، لكنها شعرت بتوتر في الجو.

عندما وقفت أمام آدم، لاحظت أنه يضغط شفتيه بغضب، وعيناه الرماديتان الباردتان تحدقان بها بحدة.

أدركت أنها ربما تجاوزت حدودها كمربية. "لقد تصرفت باندفاع. أعتذر عن ذلك."

"لا بأس. انتهى الأمر."

رد آدم بهدوء، لكن الموقف ترك شعورًا غريبًا في الأجواء.

"ميلفي، لا داعي للاعتذار. أنا الذي أثرت غضب السيد آدم."

بعدما انحنت ميلفي لتقديم اعتذارها، التفت آدم وابتعد بخطى بطيئة.

ورغم علمها أنه يراعي إصابة قدمه، إلا أن تلك الخطوات البطيئة بدت وكأنها تعكس غضبًا، مما جعل ميلفي تشعر بالمزيد من الإحباط.

'منذ قدومي إلى هذا المكان، وأنا أشعر أنني أتصرف بغرابة... لكن هذا المنزل... إنه مختلف.'

قطع أفكارها صوت بول، الخادم المسن:

"أعتذر يا آنسة ميلفي."

"لا، أنا من أخطأت. أعتذر بشدة على إثارة غضب السيد آدم."

"لم يكن غاضبًا، صدقيني. لقد كان قلقًا عليك."

"قلق؟ بشأن ماذا؟"

"لأنك صعدت إلى مكان مرتفع. إذا سقطتِ، فقد تتعرضين لإصابة خطيرة."

"لهذا السبب فقط؟"

نظرت ميلفي باستغراب. المكان الذي صعدت إليه لم يكن مرتفعًا للغاية، ومن النادر أن يقلق أحد بشأن أمور كهذه، خاصة إذا كان العمل جزءًا من مهامها كمربية.

بدا لها آدم وكأنه رجل مفرط في الحذر.

غير بول الموضوع بلباقة:

"بالنسبة لشجرة عيد الميلاد، أعتقد أن فكرتك جيدة جدًا، خاصة بوجود الآنسة كيتلين."

و أكمل :

"إذا كنتِ ترغبين بذلك، يمكنكِ التوجه إلى الجمعية التجارية في البلدة. هم على دراية بالمنزل، وربما يوفرون خدمة التوصيل إذا ذكرتِ أنه منزل التل."

أومأت ميلفي برأسها وقالت:

"فهمت، سأستفسر عن ذلك. يبدو أن الجميع يعرفون هذا المنزل. البلدة بأكملها تعرفه بأنه منزل الساحرة، السيدة روزا."

تشتهر بلدة سيدرهولم بتعايشها مع الطبيعة وبإيمانها العميق بالجنّيات والأرواح.

في الماضي، عاشت في هذا المنزل ساحرة عجوز تُدعى روزا، كانت تُعرف بحكمتها وعلاجاتها الطبية، مما جعلها شخصية محبوبة في البلدة.

سألت ميلفي بصوت منخفض:

"بول، ألا تشعر بالخوف؟ في المدن الكبرى، السحرة ليسوا موضع ترحيب دائمًا."

ابتسم بول ورد:

"لقد خدمّت السيد جيفري، رب المنزل السابق. كان يحب بلدة سيدرهولم ويؤمن أن هناك أشياء غامضة في هذا العالم. في شبابه، كان رجلاً متحفظًا، لكنه تغيّر كثيرًا. وربما كان للساحرة التي عاشت في هذا المنزل دور في هذا التحول."

...***...

...ع...

ندما خرجت ميلفي من الباب الموصل بالمطبخ إلى الخارج، رأت شجيرات تمتد نحو الحديقة الخلفية.

كانت هذه الشجيرات بالكاد تصل إلى مستوى خصرها، لكنها بالنسبة لطفلة قد تبدو بحجم يفوق طولها. في مثل هذه الشجيرات، ليس من النادر أن يختبئ شيء ما...

وأثناء سيرها بحذر، سمعت صوتًا خافتًا. كان هناك شخص واحد فقط يمكن أن يكون صاحب هذا الصوت.

"كيسي، هل حدث شيء؟"

"لا شيء، اذهبي بعيدًا."

وقفت كيتلين في البرد، ووجنتاها متورّدتان من الصقيع. بدت وكأنها تخفي شيئًا خلف ظهرها، ونظرت إلى ميلفي بنظرة حادة.

رغم ذلك، لم تشعر ميلفي بأي طاقة سلبية. على العكس، بدا الجو هادئًا ومستقرًا.

اقتربت ميلفي من كيتلين، لكن الأخيرة تراجعت خطوة إلى الوراء.

خلف ظهر كيتلين، لم تكن أوراق الشجيرات هي التي ظهرت، بل بدا وكأنه فرو لحيوان.

"كيسي، ما هذا؟"

"لا! إنه ليس وحشًا! أرجوكِ، لا تؤذيه. آسفة، آسفة جدًا!"

وقفت كيتلين محاولة حماية ما تخفيه. كان ذلك الكائن بحجم الشجيرات المحيطة تقريبًا، وربما أطول قليلاً من كيتلين الصغيرة. كان مغطى بفرو أخضر داكن وله ذيل طويل ملتف كالحبل، يهتز برفق.

ابتسمت ميلفي وطمأنتها:

"هل يمكن أن تعرفيني على صديقك هذا؟"

"لن ترميه بحجر؟"

"بالطبع لا."

"ولن تضربينه بعصا، أو تصبين عليه الماء، أو تحاولين إخافته بالصراخ؟"

"أبدًا، لن أفعل ذلك. اطمئني."

جلست ميلفي على ركبتيها لتكون على مستوى كيتلين، مبتسمة بلطف لتهدئة الطفلة.

ثم وجهت نظرها نحو الحيوان الأخضر. كان وجهه مخفيًا تحت الفرو الكثيف، ولم يصدر أي صوت.

لكن أنفه الأسود اللامع كان يظهر قليلاً، مما جعل ميلفي تفترض أن لديه فمًا كبيرًا تحت الفرو.

مدت ميلفي قبضتها بهدوء نحو الحيوان وبدأت تهمس بصوت صغير. اقترب الحيوان من قبضتها بحذر، وأخذ يشمّها بأنفه.

بعد بضع دقائق من الترقب، هزّ الحيوان ذيله الكبير ببطء واقترب من ميلفي، واضعًا فروه الناعم على ذراعها. بدا وكأنه يثق بها.

(لم أتوقع أن يظهر كائن "كو-شي"، الكب الجني، في هذا المنزل.)

كانت ميلفي قد رأت مثل هذه الكائنات بالقرب من الغابات القريبة من التلال، لكنها تساءلت إن كان قد جاء إلى هذا المكان تحديدًا بسبب وجود كيتلين.

"منذ متى وهو يأتي إلى هنا؟"

"لا أعرف. لكنه يظهر كلما خرجت إلى الحديقة."

"هل أخبر عمّكِ؟"

"هل ستخبرينه؟"

أجابت ميلفي بحزم:

"بالطبع، إذا أردنا السماح له بدخول المنزل، علينا الحصول على موافقته."

تفاجأت كيتلين من رد ميلفي. كانت ملامحها تشير إلى أنها لم تصدق ما سمعته. وضعت ميلفي يدها على رأس كيتلين وابتسمت:

"فلنطلب منه. قولي إنك تريدين تربية كلب."

"لكن هذا الكلب كبير جدًا، لن يسمح بذلك أبدًا!"

"أوه، إنه ما يزال جروًا صغيرًا."

في تلك اللحظة، تغير حجم الحيوان الكبير وأصبح بحجم يمكن حمله بين يدي كيتلين. اقترب منها بلطف وبدأ يلعق فروه الصغير بلسانه.

"حسنًا، لنذهب إلى المنزل ونعطيه بعض الحليب. ما اسمه؟"

"غرين."

أمسكت كيتلين بيد ميلفي الممدودة، وهمست بصوت مليء بالدموع.

عمل الخادمة

"ميل، كيف يمكن قراءة هذا؟"

"انتظري قليلاً. لقد انتهت ماديلين، دعنا نتناول الشاي معاً."

"هل يمكنني إعطاؤه لـ غرين أيضاً؟"

"يمكنكِ إعطاؤه قليلاً مما تأكلينه فقط."

لقد مر حوالي أسبوعين منذ أن جاءت ميلفي إلى هذا المنزل.

لقد أصبحت كايتلين تتعلق بها بعد أن اختفت حدة البداية.

كانت البداية مع كلب واحد. كايتلين، وهي تحمل الكلب المشعر، عرضت بشكل متردد أنها تريد تربية كلب.

كان هذا أول مرة تتمنى فيها الفتاة شيئاً، ويبدو أن آدم أصبح أكثر رعباً من المعتاد بسبب الاضطراب.

أوقفت ميلفي، التي كانت تقف بجانبها، كايتلين التي كانت تبدو خائفة، وعندما تحدثت إليها بلطف، أجابت برأسها.

أصبح آدم أكثر ارتباكاً بسبب الأجواء الهادئة.

ربما كان كلب ضال دخل إلى الحديقة. بعد أن سمحوا للطبيب برؤيته للتأكد من عدم وجود مرض، بدت كايتلين مرتاحة واحتضنت ميلفي من خصرها.

بعد ذلك، أخبرتها ميلفي بوجه جاد أن الجرو هو "جنية".

"كنت أعلم أن هناك إيماناً بالأرواح في سيدرهولم، لكنني لم أصدق بوجودها. والأكثر من ذلك، لم أكن أعلم أن كايتلين كانت تحمل في عينيها شيئاً غير إنساني طوال الوقت."

"كيف يمكن أن تعرفي مثل هذا الشيء؟"

ردت ميلفي على السؤال، مشيرة إلى عينيها بلون البندق، واعترفت بأنها تشعر بنفس الشيء.

"لا أعتقد أنكَ ستصدق كل شيء الآن. لكن، من فضلكم، لا تنكر عالم كايتلين. تحتاج تلك الفتاة إلى من يساندها."

يبدو أنها كانت سعيدة جداً لوجود شخص يرى ويسمع ما تراه وتسمعه.

مع حصولها على شخص يفهمها، هدأ قلب الفتاة بشكل مذهل.

عندما رأى آدم الموقف الحميم بين الاثنين، تنفس الصعداء في داخله وأطلق زفرة إعجاب.

ربما كان زواج صديقه ليستر، الذي كان صديقاً له منذ أيام الأكاديمية العسكرية، في سن مبكرة، لأن حياته الأسرية لم تكن محظوظة.

كان دائماً يشعر بالغيرة من آدم الذي لديه إخوة وأخوات.

كانت زوجة ليستر، كارينا، ابنة عائلة نبيلة قديمة مثل عائلة سبنسر، ولكن عند مراجعة شجرة العائلة، يتضح أنها تنحدر من عائلة نبيلة. كان والداها يكرهان العسكريين بسبب طبيعة عملهم العنيفة.

تعارف الاثنان من خلال آدم. كان آدم غير محبوب من تلك العائلة لأنه تم اتهامه بإغواء ابنتهم.

من الحديث الذي سمعه آدم من ليستر في ذلك الوقت، كان يُقال إن كايتلين هي فتاة تعاني من مشاكل نفسية، لكن بعد سماع كلمات ميلفي الآن، أصبح واضحاً أنها لم تكن كذلك.

ومع ذلك، كان من الممكن أن كارينا، التي عاشت في المجتمع الراقي، لم تقترب من ابنتها حتى لو علمت بذلك.

لقد أصيبت بالإرهاق ومرضت نفسياً، وفي النهاية اختارت إنهاء حياتها.

على الرغم من أن كايتلين كانت السبب في كل ذلك، إلا أنها تم أخذها مؤقتاً، ثم تُركت أمام سكن ليستر. ومنذ ذلك الحين، بدأت تكره أن يُذكر اسمها، وبعد فترة قصيرة، توفي ليستر أثناء عمله.

"أنا حقاً ابنة شيطان."

صوت كايتلين عندما همست بذلك لا يمكن أن ينساه آدم.

كانت تلك اللحظة التي قرر فيها أن يتولى تربية كايتلين بدلاً من ليستر الذي لا عائلة له.

على الرغم من أن آدم لا يُعتبر كثير الكلام، إلا أنه عنيد للغاية.

لدى إخوته وأخواته بالفعل أطفال، ولا يمكنه تحميلهم المزيد من الأعباء. من هذه الناحية، هو أعزب، وليس لديه شريكة زواج، ولا خطط لذلك.

يدرك أنه تقدم بالأمور بشكل قسري.

قد يُقال إنهم يتبادلون الألم كأشخاص فقدوا ليستر، ولكن مع ذلك، لم يستطع ترك الفتاة الوحيدة في معاناتها.

استأجر عدة مربيات، لكن كايتلين لم تتعلق بهن. بل على العكس، عندما علمت المربيات بأن آدم أعزب، بدأوا يتوددون إليه كزوج. كيف يمكن لمن لم يتأقلم مع كايتلين حتى أثناء العمل أن تصبح أماً؟

عندما وجدت تجاعيد على سرير غرفتي وبقيت رائحة العطر، شعرت بالغثيان، وقررت التوقف عن توظيف المربيات.

المربية ميلفي، التي تم ترتيبها خلال الإجازة، لديها سجل مهني لا يتناسب مع عمرها. يبدو أنها تتنقل بين العديد من الوظائف، لكنها لا تبقى طويلاً في مكان واحد.

لذا، من المؤكد أنها ستقوم بعملها بشكل واضح. يجب ألا يحدث ما حدث مع المربيات السابقات.

بناءً على ذلك، قرر آدم قبولها.

الشخص الذي قدم ميلفي هو كورت بارمر، موظف في مكتب المعلومات العسكرية.

بارمر معروف كابن بالتبني للبارون بارمر، أعلى قاضي في البلاد، ومع ذلك، تم الاعتراف بمكانته من خلال أدائه في العمل.

يبدو أنه يمتلك شبكة معلومات خاصة به، ولديه قدرة على إجبار المشتبه بهم على الاعتراف، مما يجعله يُعتبر كمن يقرأ القلوب، وهو معروف بلقب "بارمر ذو أذني الجحيم".

لم يكن لديه معرفة عميقة به، لكن تم التواصل معه عندما قرر آدم أخذ إجازة. تم تقديمه مباشرة عند تقديم طلب الإجازة.

في البداية، كان آدم مترددًا، لكن عندما تم الإشارة إلى كايتلين، كان من الصعب عليه الرفض.

كما تم الإشارة، أعتقد أنها ستكون مفيدة، أثبتت ميلفي كفاءتها.

تعمل وفق توجيهات بول، ولا تفعل شيئًا يتعارض مع إرادته. يبدو أن المنزل قد أصبح أكثر إشراقًا، وليس فقط بسبب عدم كفاية التنظيف. صوتها المرح غير الجو العام للمنزل.

لكن كفاءتها لا تقتصر على الأعمال المنزلية. كانت بارعة في اللغات أيضًا.

كان اسم المرسل في البريد الذي وصل إلى آدم مكتوبًا بلغة أخرى، لكنها قرأته، وقرأت نصًا كان آدم بحاجة إلى قاموس لفهمه بسهولة. يبدو أنها عملت أيضًا في استضافة الضيوف من الخارج. يُقال إن المربية التي تتولى الترجمة تُعتبر قيمة، لذا كانت نشطة في تعلم اللغات.

عددها، بما في ذلك لغتها الأم، خمس لغات. واحدة منها لم تكن واثقة من نطقها، لكنها كانت قادرة على القراءة والكتابة، وهذا يعتبر أمرًا رائعًا.

ربما بسبب الإجازة، تصل الكثير من الرسائل المتعلقة بعائلة سبنسر. كابن لعائلة نبيلة، هناك أيضًا التزامات على الابن الثاني.

لا يمكن الكشف عن الوثائق المتعلقة بالأسرار العسكرية، لكن الأمور المتعلقة باسم سبنسر تُترك لتقدير آدم.

قررت أن أطلب من ميلفي مساعدتي بدلاً من بول في الأعمال التي كنت أقوم بها في المكتب.

"إنها عطلة ثمينة، لذا يجب على السيد بول أن يأخذ قسطًا من الراحة أيضًا."

شجعت ميلفي، وبدأ بول الذي أصبح لديه وقت فراغ يقضي الوقت مع كايتلين. كانت الفتاة ليست على علاقة جيدة مع جدها من جهة الأم، لكنها بدأت تفتح قلبها لهدوءه.

الذي أسس لهذه القاعدة لم يكن سوى ميلفي.

في غضون أسبوعين فقط، غيرت عالم آدم أيضًا. وتبدو هذه التغييرات، كما تشعر، ليست سيئة على الإطلاق.

***

آدم سبنسر ليس رجلًا كثير الكلام، لكنه بالتأكيد جاد بشكل مفرط، وهذا ما تعيد ميلفي تقييمه.

بعد أن طُلب منها تنظيم الرسائل والمستندات، بدأوا يقضون الوقت معًا في المكتب بعد أن استقرت الأعمال المنزلية.

لا تكاد توجد محادثة، لكن الهالة التي يحيط به مريحة، وبدأت ميلفي تشعر بالراحة.

إذا فكرت في الأمر، كانت أول لقاء لهما غير جيد. شعرت بالإحباط من طريقة نفيه لكايتلين بشكل قاطع. وتعترف بأنها تصرفت بشكل غير ناضج تمامًا.

لا يجب أن أزعج قلبي. سأجذب الكيانات السلبية. هنا في سيدرهولم. مكان حيث الأرواح أقرب من أي مكان آخر.

―― فكري في الأشياء الجيدة، ميل. من خلال ذلك، سيساعدك جيرانكِ.

(نعم، أعلم. يا جدتي)

أغلقت عينيها وضبطت تنفسها.

الشخص المهم الذي يظهر خلف جفونها.

السبب في زيادة فرص تذكرها هو أنها عادت إلى هنا.

سيدرهولم هو المكان الذي قضت فيه ميلفي طفولتها.

كانت ميلفي، التي كانت تستطيع رؤية ما ليس بشري وسماع الأصوات الداخلية للآخرين، قد تُركت أمام الكنيسة عندما كانت في الخامسة من عمرها.

لا تتذكر وجه والديها كثيرًا. فقط تتذكر أنها دُفعت بعبارة "أنتِ غير مرغوب بك"، وضربت ظهرها بجدار بارد، بينما بدأت الثلوج تتساقط، وتذكرت فقط أن عربة مرت أمامها.

في الكنيسة، أدركت الأخت التي لاحظت خصوصية ميلفي أنها ستسلمها قريبًا إلى شخص آخر.

وكانت تلك المرأة العجوز التي تعيش على التل. كانت تُعرف باسم الساحرة، روزا.

أنقذت ميلفي على يد روزا. علمتها كيفية التعامل مع الجيران، وكيفية حجب "الأصوات" التي كانت تسمعها دون إرادتها، كل ذلك تعلمته من روزا.

لكنها لم تتوقع أبدًا أن تعود إلى هذا المنزل كعمل.

علاوة على ذلك، للعناية بفتاة تحمل خصائص مشابهة.

(كولت، لقد كنتَ تعرف لكنكَ ظللت صامتًا)

ما كان يتبادر إلى ذهنها هو وجه صديق طفولتها الذي يبدو عليه الفخر بالنجاح، وجه الرجل الذي كان مثل الأخ والذي قضت معه وقتًا طويلًا في هذا المنزل.

كان ترتيب الأعمال أمرًا معتادًا، وعندما سمعت أن منزل ساحرة سيدرهولم هو مكان العمل، لا يوجد سبب لرفضه. لم يتغير شكل منزل طفولتها منذ أن انتقل إلى يد آخرين، وكان ذلك كفيلًا بجعل دموعها تكاد تنهمر.

لقد مر نصف فترة العقد، ومع ذلك كانت تتمنى أن يمتد قليلاً. هذا شيء جديد عليها. فقد تجنب البقاء في نفس المكان لفترة طويلة خوفًا من أن تكشف أسرار قلوب الآخرين، لكنها لا تعرف لماذا تشعر بهذا الآن.

ربما لأنها قلقة بشأن كايتلين. بعد أن حصلت على الكلب الحارس غرين، سيصبح الوضع أكثر استقرارًا، ولكن ما زالت بحاجة للتوجيه.

(لذلك، لا أعتقد أنني أشعر بالوحدة).

بينما كانت تحمل الشاي الذي أعدته لآدم، غادرت ميلفي المطبخ.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon