لم يكن زواجنا سوى خطوة سياسية بحتة، تم ترتيبها بعناية بين والدها الملك ووالدتي. لم يكن لي رأي في الموضوع، ولم أحاول حتى الاعتراض. فالجنرال أسغار لا يعترض على قرارات المملكة.
اليوم الذي وقفت فيه أمامها لأول مرة كان يوم زفافنا. لم أنظر إليها طويلًا، كنت مشغولًا بالحفاظ على ملامحي الباردة التي تعلمتها جيدًا خلال سنوات من القيادة والحروب. كانت ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا لكنه فاخر، يعكس أناقة لا تحتاج إلى أي زينة إضافية. كانت جميلة، نعم، لكنني حاولت تجاهل هذا. لم يكن الوقت مناسبًا للاهتمام بمثل هذه التفاصيل.
أثناء تبادل عهود الزواج، رفعت رأسها لتنظر إلي بعينيها العسليتين الواسعتين. لم تقل شيئًا، لكن نظرتها حملت ثباتًا نادرًا، وكأنها تقول: "لن أكون مثل أي امرأة أخرى في حياتك." كانت كلماتها غير المنطوقة تردد صدى في أعماقي، تجعلني أبتلع أي اعتراض قد يكون في فمي.
ابتلعتُ كلماتي غير المنطوقة وأكملت العهد بصوت ثابت، رغم أن شيئًا غريبًا كان يضطرب في داخلي، شيئًا لم أكن قادرًا على تسميته بعد.
في تلك الليلة، كانت غرفتنا مضاءة بأضواء خافتة تعكس ظلالًا ناعمة على الجدران. جلستْ بهدوء على طرف السرير، تحركت ببطء، وكأنها تحاول استيعاب المكان الجديد وحياتي التي أصبحت جزءًا منها. لم ترفع عينيها عن الأرض، لكنها كانت تعرف أن كل شيء قد تغير الآن.
لم أقترب منها، بل وقفت بجانب النافذة، أراقب القصر من الأعلى. صوتها الخافت اخترق الصمت عندما قالت:
"أعلم أنك لا تريد هذا الزواج، ولا ألومك. لم يكن خيارًا لأي منا."
نظرت إليها بصمت. كان في صوتها صدق أعجبني. لم تكن تحاول الادعاء أو التصنع، فقط واجهت الواقع بصراحة نادرة. كانت أكثر حكمة مما كنت أتوقع، وأشد صلابة من أي امرأة عرفتُها.
أجبتها أخيرًا، بصوت بارد لكنه خالٍ من العدائية:
"الزواج ليس دائمًا عن الاختيار. إنه عن الواجب."
كانت كلماتي تقطر قسوة، لكن شيئًا ما في عيونها جعلني أشعر بأني أخفي شيئًا أعمق من مجرد واجب.
ابتسمت نصف ابتسامة، لكنها لم تكن ابتسامة فرح. رفعت عينيها لتنظر إلي وقالت:
"وأنت تأخذ الواجب بجدية، أليس كذلك؟"
لم أرد، بل عدت أنظر إلى النافذة. الحقيقة أنني لم أستطع إنكار الإعجاب الذي بدأ يتسلل إلى داخلي. لم تكن مجرد أميرة عادية تُلقي الأوامر وتتوقع الطاعة. كانت مختلفة... بنظرتها، بثباتها، بصوتها الذي لا يشبه أصوات النساء المعتادة. كان فيها شيء يدفعني للتفكير بعمق، رغم أنني حاولت مرارًا أن أبقي المسافة.
مرت الأيام، وكان زواجنا أشبه بمعاهدة سلام هشة. لم نتحدث كثيرًا، لكنها كانت دائمًا حاضرة بهدوئها الذي يثير أسئلتي الداخلية.
كلما كنت أراها، كنت أشعر بشيء غريب ينمو في داخلي. إعجاب لم أكن مستعدًا للاعتراف به، حتى لنفسي. كانت تملك القدرة على تهدئة قلقي، ولكنها كانت أيضًا تثيره. كانت تمثل تحديًا لم أكن أعرف كيف أواجهه.
لكنها، دون أن تدري، كانت تهدم جدراني بصمتها وصراحتها البسيطة. كنت أراقبها من بعيد، متظاهرًا بأنني لا أهتم، بينما في الحقيقة، كانت كل لحظة معها تكشف لي شيئًا جديدًا عن نفسي وعنها.
في إحدى الليالي، كنت أراقبها وهي تقرأ كتابًا بجانب النافذة. ضوء الشموع كان يلقي ظلالًا خفيفة على ملامحها، وشعرها البني كان ينسدل على كتفيها بطريقة طبيعية. لم تنتبه لنظراتي، لكنها همست فجأة دون أن ترفع رأسها:
"لماذا تراقبني؟"
شعرتُ بالحرج للحظة، لكنني سرعان ما أخفيته. أجبتها بصوت هادئ:
"لا أراقبك."
أغلقت الكتاب بهدوء، ورفعت عينيها إلي بابتسامة صغيرة، وكأنها تعرف الحقيقة لكنها قررت أن لا تضغط علي أكثر. قالت ببساطة:
"حسنًا، سأصدقك... الآن."
كانت تلك اللحظة الأولى التي أدركت فيها أنني لن أستطيع تجاهلها طويلًا.
مرت الأيام ببطء، وكان زواجنا يشبه رقصة باردة بين غريبين. كلانا نعرف مكان الآخر، لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب أكثر مما يجب. كنت أراقبها من بعيد، أحاول أن أتمسك بما تبقى من برودي، لكنها كانت كالماء؛ تسلل إلى كل زاوية في حياتي دون أن أشعر. كان هناك شيء عنيد في قلبها، شيء جعلني أفكر أنني ربما لم أكن الرجل الذي تخيلت أن تكون بجانبه، لكنها لم تبدُ كذلك.
كانت تصرفاتها دائمًا متزنة، لا تزيد ولا تنقص، لكن هذا التوازن كان يستفزني أحيانًا. كيف يمكنها أن تبدو بهذا الثبات بينما أنا بالكاد أتحكم في أفكاري عندما تكون قريبة؟ كانت تملأ المكان بهدوء، وتترك أثرًا في كل خطوة تخطوها.
في إحدى الليالي، خلال مأدبة أقيمت في القصر للاحتفال بمعاهدة جديدة مع إحدى الممالك المجاورة، بدت لارين وكأنها تسير في عالم آخر. كانت ترتدي فستانًا أحمر قاتمًا يعكس ملامحها المميزة، وشعرها البني مربوطًا بشكل بسيط لكنه أنيق.
لاحظتُ نظرات الحاضرين التي لم تتركها. غضب خفي بدأ يتصاعد في داخلي، لكنني أخفيته كالعادة. لم يكن من حقي أن أطالبها بأي شيء، لكنها... كانت لي. كان شعورًا غريبًا.
رأيتها تبتسم لأحد النبلاء الذين اقتربوا منها للحديث. كانت ابتسامة هادئة، لكنها جعلتني أرغب في سحق الكأس الذي كنت أمسكه. اقتربتُ منها أخيرًا، لم أعد أتحمل أن أراقبها من بعيد.
وقفتُ بجانبها ونظرت إلى النبيل نظرة واحدة كانت كافية ليعرف مكانه. ابتسم بخجل وانسحب بهدوء. التفتت إلي لارين، رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وقالت:
"هل قررت أن تنضم إلى الحفل أخيرًا، جنرالي العزيز؟"
لم أرد على سخريتها، بل مددت يدي إليها وقلت بجدية:
"سوف نرقص."
بدا عليها الذهول للحظة، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها وأخذت يدي. دخلنا إلى ساحة الرقص، وخلال ثوانٍ كنت أمسك بيدها وأضع الأخرى على خصرها. كان الهواء ثقيلًا بيننا، مثلما كانت خطواتنا.
"لم أكن أعلم أنك ترقص،" قالت وهي تنظر إلي بابتسامة صغيرة. كانت كلماتها محملة بالكثير من المعاني.
"هناك الكثير مما لا تعرفينه عني، لارين." كانت الكلمات تحمل أكثر مما قلت، وكأنها رسالة مخفية.
خلال الرقص، شعرتُ بقربها بشكل لم أعتده. كانت كل خطوة، كل لمسة، تشعل شيئًا بداخلي حاولت طويلاً دفنه. لكنها لم تبدُ خائفة، بل كانت تنظر إلي وكأنها تتحداني أن أهرب.
بعد الحفل، عدنا إلى جناحنا. كانت تسير أمامي بهدوء، لكنها توقفت فجأة عند الباب واستدارت لتواجهني. كانت هناك نظرة غريبة في عينيها، مزيج من الفضول والقلق، وكأنها تتساءل عن شيء لم تجرؤ على قوله بعد.
"لماذا فعلت ذلك؟" سألت، صوتها لم يكن غاضبًا، لكنه كان يتوقع إجابة. كانت الكلمات تتدفق بيننا كتيار هادئ، لكنها كانت تمثل شيئًا أكبر مما يبدو.
"فعلت ماذا؟" سألت ببرود متعمد، وكأنني لا أريد أن أواجه ما حدث. لكنني كنت أعلم في داخلي أن شيئًا ما قد تغير بيننا.
"الرقص، التدخل... تصرفك وكأنك..." توقفت، وكأنها تخشى أن تكمل الجملة. كانت نظراتها لا تترك لي مجالًا للهرب، كانت تبحث عن شيء في عيني، كما لو أنها ترغب في أن أقدم لها تفسيرًا لما حدث، وليس فقط رد فعل.
اقتربتُ منها ببطء، كنت قريبًا بما يكفي لرؤية الارتباك في عينيها، وهو شيء لم أكن أتوقع أن أراه فيها. قلت بهدوء، لكن بنبرة حاسمة:
"لأنك لي، لارين. سواء كان زواجنا لأسباب سياسية أم لا، أنتِ زوجتي. ولن أسمح لأي شخص أن ينظر إليكِ بالطريقة التي فعلها ذلك النبيل." كانت هذه الكلمات تخرج مني بصدق لم أكن أعلم أنه لا يزال يسكنني.
ارتعشت يداها للحظة، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها وقالت:
"وأنا؟ ماذا عني؟" كانت الكلمات كالتيار الكهربائي، صدمتني للحظة. كيف يمكنها أن تسأل هذا السؤال؟ هل كانت تبحث عن شيء أكثر من مجرد واجب؟ هل كانت ترى في هذا الزواج شيئًا آخر؟
نظرتُ إليها بجدية أكبر، لم أستطع التراجع الآن. كانت هذه اللحظة، وكانت هي اللحظة التي كنت أخشاها. "أنتِ ماذا، لارين؟"
همست، وكأنها تخشى سماع نفسها:
"هل أنا مجرد واجب آخر في حياتك؟"
الصمت الذي تبع كلماتها كان ثقيلًا، وكأن الهواء أصبح أكثر كثافة. كنت أعلم أنها تستحق إجابة، لكنني كنت أخشى أن تكون الإجابة التي أخاف منها هي الحقيقية.
تنفست بعمق وقلت:
"أنتِ كل شيء، لكنني لا أعرف كيف أعترف بذلك." كانت هذه الحقيقة التي كنت أخشى أن أواجهها. كانت هي كل شيء، ولكنني لا أستطيع أن أقولها بسهولة، ولا أستطيع أن أكون vulnerable أمامها.
نظرت إلي بدهشة، وكأنها لم تكن تتوقع هذا النوع من الصراحة. لكنها لم تبتسم هذه المرة. قالت بهدوء:
"عندما تعرف، أسغار، تعال وأخبرني."
ثم دخلت الغرفة وأغلقت الباب برفق خلفها، تاركة إياي وحدي مع أفكاري. كان هناك شيء في كلماتها، في طريقة رحيلها، جعلني أشعر بشيء غريب في صدري. كان لدي شعور بأنها على وشك أن تفاجئني بشيء أكبر، ربما بشجاعة أعتقد أنها لن تملكها، ولكن في نفس الوقت، كان لدي يقين أن هذه البداية فقط.
كنت أقف بالقرب منها عند البوابة الداخلية للقصر، أراقب كل تفصيلة بينما أُهيّئ نفسي لوصول والدتي وأخي قادير. قادير، الأكبر من لارين بسنتين، لم يكن يشبهني في شيء، لا في المظهر ولا حتى في القدرات. بشعره الرمادي وعيونه الصفراء الواضحة، كان دائمًا متهورًا ومندفعًا، على عكسي تمامًا.
بمجرد أن رآني، اتسعت ابتسامته وعانقني بحماس. بقيت واقفًا كالصخرة، لم أبادله العناق؛ لطالما كرهت هذه اللمسات الحميمة. لم أفعلها إلا مرة واحدة في حياتي، بل كانت المبادر. مني. ولم تكن تلك سوى معجزة نادرة... معجزة تحمل اسمها.
ابتعد عني أخيرًا، ثم انحنى باحترام يحيي الأميرة. نظرتُ إلى لارين وهي تمنحه ابتسامة هادئة. شعرتُ بانزعاج غريب... لم يكن من المفترض بها أن تبتسم لأي أحد. عبستُ بضيق، عيني ثابتة على ابتسامتها التي بدت لي كأنها خيانة صغيرة.
وصلت والدتي أخيرًا، وعانقتني هي الأخرى. وكما هي عادتي، لم أبادلها. لا تفهموني خطأ، أحب والدتي أكثر من أي شيء، لكن العناق... ليس لي.
لم تكن لارين لتفوت فرصة كهذه. هتفت بتعجب وكأنها اكتشفت سرًا دفينًا:
"لماذا لا تبادل والدتك العناق؟!"
رمقتها والدتي بنظرة حادة جعلتني أتحسس من أن الأمور على وشك الانفجار. نطقت والدتي بجدية صارمة:
"ابني لا يعانق أحدًا. هذه عادته."
لكن تلك المهلكة لم تستسلم. رفعت رأسها بجرأة وقالت:
"لكنه عانقني."
اتسعت عيناي بصدمة، وأحسست بشيء غريب يخنقني. لم أكن أعتقد أنها ستقول ذلك بصراحة. رمقتها والدتي بعدم تصديق. لحسن الحظ، بدا أن والدتي قررت تجاهلها. لكن قادير، الأحمق المعتاد، انفجر وجهه احمرارًا وكأنه طفل صغير خجول.
قال وهو يحاول الحفاظ على نبرة مزيفة من الفضيلة:
"ياااه، لا تقولي مثل هذه الأمور أمامي، ما زلت أعزب يا زوجة أخي!"
ذاك النذل الصغير، يتظاهر بالبراءة أمامها بينما لا يترك امرأة واحدة في المملكة دون أن يضعها ضمن قائمة نزواته. وللمزيد من الطعن في كرامتي، ضحكت لارين على حديثه.
كانت ضحكتها بمثابة الجحيم لي. نطقت بانزعاج ظاهر:
"توقفي عن الضحك. الأمر مزعج."
رفعت حاجبها و نظرت إليّ باستغراب،بينما كان قادير يكتم ضحكاته وينظر إلي بخبث. والدتي، كعادتها، ظلت صامتة بملامح باردة.
لحسن الحظ، انتهى المشهد عندما قرر الجميع التفرق إلى غرفهم. كنت بحاجة إلى بعض الهدوء... أو هكذا ظننت.
_______________________________
بعد مرور بعض الوقت، وجدت نفسي واقفًا أمام غرفتها. ترددت كثيرًا، خطوة واحدة فقط تفصلني عن الباب. صوتها الهادئ اخترق ترددي:
"تفضل، لا بأس."
دخلت، أتنهد بعمق وأنا أجلس على الأريكة القريبة. راقبتها وهي تأخذ ملابس النوم وتتجه نحو الحمام. شعرت بارتباك غريب.
مرّت لحظات، وخرجت من الحمام... لكن يا إلهي، أكان عليها أن ترتدي هذا؟ فستان سماوي خفيف بحمالات رفيعة، بدا وكأنه يصب الزيت على نيران أفكاري المضطربة. استلقت على السرير، جذبت اللحاف لتغطي نفسها، وتركتني وحدي مع تخيلاتي الملعونة.
كنت أريد أن أذهب، أن أخرج وأترك هذه الأفكار المجنونة خلفي. لكن لم أستطع ... كانت لارين بالنسبة لي مهلكة، وستظل كذلك.
جلستُ على الأريكة، مشدودًا بين رغبتي في الخروج وبين قيد خفي جعلني لا أستطيع الابتعاد. كنت أراقبها وهي تغرق في النوم بسلام، وكأن العالم بأسره لا يحمل لها تهديدًا.
اللعنة، كيف استطاعت هذه المرأة أن تقتحم عزلتي وتغير نظام حياتي بهذا الشكل؟
حركتُ رأسي بضيق، أحاول إبعاد أفكاري عنها. لكنها استدارت قليلًا في نومها، وبدت أكثر هدوءًا، خصلات شعرها البني تنساب على الوسادة. لا أعلم لماذا شعرتُ برغبة شديدة في لمسها، أن أتأكد أنها هنا، أنها حقيقة، وليست مجرد وهم في رأسي.
لكنني كتمت أنفاسي، لا، لن أسمح لنفسي بالانجراف.
---
استيقظت فجأة وهي تنظر إلي بعينين نصف مفتوحتين، وكأنها أحست بوجودي القريب. قالت بنبرة ناعسة:
"أما زلت هنا؟"
"نعم." أجبت بهدوء، محاولًا إخفاء اضطرابي.
جلست على السرير، تلف اللحاف حول كتفيها، ونظرت إلي باهتمام. سألت:
"لماذا تبدو دائمًا متوترًا عندما تكون بالقرب مني؟"
لم أرد، بل نظرت إلى النافذة. كيف يمكنني تفسير هذا؟ حتى أنا لا أفهمه.
لكنها لم تتوقف عن الكلام:
"أتعلم؟ أحيانًا أتساءل إن كنت تكرهني."
التفتُّ إليها بسرعة، ربما أسرع مما كان ينبغي. قلت بجدية حادة:
"لا تكرري هذا الكلام أبدًا."
اتسعت عيناها بدهشة، لكنها لم تبدُ خائفة. على العكس، كانت تبتسم... تلك الابتسامة التي جعلتني دائمًا أشعر بالضعف.
"إذن، لا تكرهني؟"
تنفست بعمق، كنت أحاول أن أتماسك، أن لا أقول ما سيجعل الأمور أكثر تعقيدًا. لكنني نطقت، بصوت هادئ وحقيقي:
"لا أكرهك، لارين. لكنك تُربكينني فقط."
ضحكت ضحكة صغيرة، وكأن اعترافي هذا كان كافيًا لإرضاء فضولها. ثم قالت وهي تميل برأسها قليلاً:
"اربكك؟ هذا مثير للاهتمام. لم أكن أعتقد أن الجنرال الكبير يُربك بسهولة."
لم أستطع الرد فورًا. كلماتها كانت تحمل استفزازًا ناعمًا، لكنها كانت حقيقية بما يكفي لتصيبني في الصميم. تنهدت وقلت:
"الأمر ليس سهلاً كما تظنين."
اقتربت قليلاً، دون أن تترك مكانها على السرير، واستندت بمرفقها على الوسادة، تنظر إلي وكأنها تقرأ أفكاري. ثم سألت بفضول:
"إذن، هل أنا نقطة ضعفك؟"
شعرتُ بالضيق يتصاعد داخلي. كيف تستطيع بهذه البساطة أن تقتحم كل حصوني؟
"لارين..." قلت بتحذير، لكن صوتي كان أقرب إلى الرجاء.
قاطعتني بابتسامة خفيفة وقالت:
"أتعلم؟ أنا سعيدة لأنك لا تكرهني. كنت أخشى أنك تراني عبئًا أو مجرد صفقة سياسية."
كلماتها ضربتني في العمق. كنت دائمًا أفترض أنها تعرف مكانتها في حياتي، لكنها لم تكن تعرف... لم تكن تعرف أنها ليست عبئًا، وليست مجرد صفقة. هي كانت كل شيء.
لكنني لم أجرؤ على قول هذا. بدلاً من ذلك، قلت بهدوء:
"أنتِ لستِ عبئًا."
"حقًا؟" سألت بصدق، وكأنها بحاجة إلى تأكيد أكثر.
وقفتُ فجأة، لم أعد أتحمل هذه المحادثة التي كشفت الكثير مما حاولت إخفاءه. قلت بصوت حازم:
"يكفي حديثًا لليلة. نامي، لارين."
نهضتُ لأغادر، لكن صوتها أوقفني:
"أسغار..."
توقفت دون أن ألتفت.
"نعم؟"
في تلك اللحظة، أدركت شيئًا مهمًا... لارين لم تكن فقط مهلكتي، بل كانت خلاصًا لا أستطيع الهروب منه.
تجمدت مكاني عندما سمعت كلماتها. كانت ناعمة، لكنها حطمت الجدران التي بنيتها حول نفسي. "شكرًا لأنك هنا."
ظللت واقفًا، ظهري إلى الباب، أحاول أن أقرر بين الرحيل أو البقاء. لم أستطع التحرك. شيء ما في صوتها جعلني أشعر أن الخروج ليس خيارًا.
استدرت ببطء، وكانت عيناها لا تزالان تراقبانني، ممتلئتين بشيء غريب... مزيج من الثقة والحذر.
"لن أذهب،" قلت بهدوء، وكأنني أبرر لنفسي قبل أن أبرر لها.
اتسعت ابتسامتها قليلاً، لكنها لم تقل شيئًا. عادت تستلقي على الوسادة، تلف اللحاف حول جسدها كأنها تحمي نفسها من البرد.
اقتربتُ منها ببطء وجلست على الكرسي القريب من السرير. ظللتُ أنظر إليها بصمت، محاولاً أن أستوعب هذا الشعور الذي يسري في داخلي.
قالت بصوت خافت، دون أن تفتح عينيها:
"لماذا بقيت؟"
أدرت وجهي بعيدًا، أحاول أن أجد إجابة لا تكشف كل شيء. لكن في النهاية، وجدت نفسي أقول الحقيقة:
"لأنني لا أستطيع المغادرة."
فتحت عينيها ونظرت إلي، وكأنها تحاول فهم ما وراء كلماتي. لم تبتسم هذه المرة، بل قالت بهدوء:
"أتعلم، أسغار... أحيانًا أشعر أنك تخاف مني."
كلماتها جعلتني أنظر إليها بحدة. "أنا لا اخاف منك، لارين توقفِ عن قول هذا "
"إذًا ما هو الأمر؟" سألت بهدوء، لكنها كانت تنتظر إجابة حقيقية.
مررت يدي في شعري، أشعر بالارتباك. كيف أشرح لها؟ كيف أقول إن كل ما يتعلق بها يجعلني أضعف؟ إنني، رغم كل قوتي، أشعر بالعجز أمامها؟
قلت أخيرًا، بصوت خافت:
"أنتِ الشيء الوحيد الذي لا أستطيع السيطرة عليه."
سادت لحظة صمت طويلة. كانت تنظر إلي وكأنها ترى شيئًا جديدًا، شيئًا لم تكن تتوقعه. ثم همست:
"لست بحاجة للسيطرة علي، أسغار. أنا هنا... معك."
كلماتها كانت كافية لإسكات كل أصوات الشك في رأسي. في تلك اللحظة، أدركت أنني مهما حاولت الهرب، كنت دائمًا أعود إليها.
اقتربتُ من السرير وجلست على حافته. لمست بلطف يدها فوق اللحاف، نظرت إليها وقلت بصدق:
"لارين، أنتِ أكثر مما أستحق، وأكثر مما أتخيل."
ابتسمت، تلك الابتسامة الدافئة التي تجعل العالم كله يختفي. قالت بهدوء:
"وأنت أكثر مما أحتاج، أسغار."
في تلك الليلة، لم أخرج من الغرفة. جلست بجانبها حتى غفت تمامًا، وعرفت أنني لن أتركها أبدًا، مهما حدث.
في الصباح، قابلتها على مائدة الإفطار. كانت جالسة بملابس بسيطة، لكن حتى في بساطتها كانت تحمل هالة من الرقي. لم تنظر إلي مباشرة، بل اكتفت بتحيتي بعبارة قصيرة.
"صباح الخير، أسغار."
"صباح الخير."
كان الجو مشحونًا بيننا، لكن أحدًا لم يتكلم. والدتي وأخي قدير انضما إلينا لاحقًا، وسرعان ما ملأ الأخير الجو بأحاديثه المفعمة بالحيوية.
"لارين، هل أزعجكِ أخي بشخصيته المتجمدة؟" قال قدير مبتسمًا، محاولًا كسر الجمود.
ابتسمت لارين نصف ابتسامة، وقالت بهدوء:
"على العكس، إنه شخصية مثيرة للاهتمام."
نظرتُ إليها سريعًا، وكانت عيناها تلمعان بتلك السخرية الخفية التي أصبحت مألوفة لدي. قدير ضحك بصوت عالٍ وقال:
"ممتاز! أخيرًا وجدت شخص يستطيع تحمل مزاج اخي ."
لم أعلق. كنت أراقبها وهي ترد على أخي دون أن تفقد هدوءها، وكان هذا يثير إعجابي أكثر مما أريد الاعتراف به.
---
لاحقًا في ذلك اليوم، كنت في مكتبي، أراجع بعض التقارير العسكرية. لكن عقلي كان في مكان آخر. صورة لارين لم تفارق ذهني، خاصة تلك الابتسامة الصغيرة التي منحتها لأخي.
"لماذا تبتسم للآخرين هكذا؟" قلت لنفسي، لكن صوتي خرج أعلى مما توقعت.
"أتتحدث معي؟"
رفعت رأسي بسرعة لأجد لارين تقف عند الباب. بدت وكأنها كانت تبحث عني، لكنها لم تكن تتوقع سماع شيء كهذا.
"لا،" قلت بسرعة، أحاول التملص من الموقف. "لم أكن أعنيك."
رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وقالت:
"أوه، ظننتُ أنك كنت تشكو مني."
"لارين..." بدأت الحديث، لكنني توقفت. كيف أشرح لها كل ما يدور في داخلي؟
تقدمت خطوة إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها. وقفت أمام مكتبي وقالت بهدوء:
"لنتحدث بصراحة، أسغار. هذا الزواج قد بدأ كواجب، لكنني لست هنا لأكون مجرد قطعة شطرنج في حياتك. إما أن أكون شريكتك حقًا، أو نبقى غريبين إلى الأبد."
كانت كلماتها حادة، لكنها كانت صادقة. نظرتُ إليها طويلًا، محاولًا أن أجد الإجابة.
"أنا..." توقفت مرة أخرى، ثم تنفست بعمق. "أنا لست جيدًا في هذا، لارين. العلاقات، التعبير... كلها أشياء لست معتادًا عليها."
قالت بابتسامة خفيفة:
"وأنا لا أطلب منك أن تكون مثاليًا، أسغار. أنا أطلب فقط أن تكون صادقًا."
اقتربت منها ببطء، مترددًا كعادتي، لكن عينيها شجعتاني على المواصلة. مددت يدي ولمست كفها بلطف، كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالارتياح لفعل شيء كهذا.
"أنتِ لستِ واجبًا، لارين،" قلت بصوت خافت لكنه كان يحمل كل صدق مشاعري. "أنتِ شيء أكبر من ذلك بكثير. ربما لم أكن أعرف في البداية، لكنني أدرك الآن أنني معجب بكِ أكثر مما أريد أن أعترف به."
نظرت إليّ بعينيها الواسعتين، ثم قالت بهدوء:
"لماذا الآن، أسغار؟"
نظرت إلى عيناها قليلا ثم قلت بشرود
"لأنني أدركت أنني أكره فكرة خسارتك."
لم تقل شيئًا، لكنها ابتسمت تلك الابتسامة الصغيرة التي تجعل العالم كله يبدو أهدأ. ثم قالت:
"ربما نحن لسنا غريبين كما نعتقد."
في تلك اللحظة، بدأت الحواجز التي بيننا تتهاوى، واحدة تلو الأخرى.
----------
مرت الأيام وأصبحنا معًا، لكن بطريقة غير تقليدية. لم يكن هناك رومانسية فورية أو تحولات مفاجئة، بل كانت خطوات صغيرة نحو بناء علاقة أعمق من مجرد كوننا زوجين بالاسم فقط. أحيانًا، كنت أتسائل إن كنا قد اخترنا بعضنا في هذا الزواج أم أن القدر هو من فرض علينا هذا التقارب.
كانت لارين، في كل مرة أتقرب منها، تظهر لي جانبًا جديدًا منها. لم تكن مجرد أميرة أو زوجة في قصرها الفاخر، بل كانت شخصًا مليئًا بالأفكار العميقة، والمشاعر التي لا تُظهرها إلا لمن يقترب منها حقًا. لم تعد ابتسامتها نصف الساخرّة بالنسبة لي، بل كانت تعني شيئًا آخر، شيئًا لا أستطيع فهمه إلا وأنا أراها أمامي.
---------
في أحد الأيام، وبعد فترة من الحديث الذي بدأ بيننا في مكتبي، قررت أن أظهر لها أكثر من مجرد كلمات مهذبة. أخذتها في نزهة قصيرة خارج القصر، إلى إحدى الحدائق الملكية الهادئة. كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها معها دون أن أكون مشغولًا بالواجبات العسكرية أو التزامات السياسة.
"هل تحب هذه الأماكن؟" سألتها، وأنا أشير إلى الأزهار التي كانت تتفتح بألوانها الزاهية حولنا.
أجابتها بابتسامة رقيقة، قائلة:
"نعم، هنا كل شيء هادئ، مختلف عن صخب القصر. هذا يجعلني أشعر بأنني... بأنني أكثر حرية."
حرية. كانت هذه الكلمة غريبة بالنسبة لي. كجنرال، لم أكن أعرف الكثير عن الحرية الشخصية، فقد كنت مشغولًا بالقتال والحروب طيلة حياتي. لكن في ذلك المكان، برفقة لارين، كان كل شيء مختلفًا و أعجبني هذا بدأت احب قربها و فكرة الجلوس معها في مكان لا يوجد فيه أحد فقط انا و هي و إبتسامتها
---------
في ذلك اليوم، جلسنا تحت ظل شجرة كبيرة، وتبادلنا الحديث عن حياتنا قبل الزواج. أخبرتها عن الحروب التي خضتها، عن التضحيات التي قدمتها من أجل المملكة. كانت تستمع لي بصمت، لكنها كانت تطرح أسئلة عميقة تجعلني أرى نفسي من زاوية أخرى.
"هل تعلم؟" قالت بينما كانت تتأمل السماء الزرقاء. "لقد كنت دائمًا أشعر أن الجنرالات، خاصة مثلك، يحاربون ليس فقط من أجل بلادهم، ولكن أيضًا من أجل أن يثبتوا لأنفسهم شيئًا. هل أنتِ كذلك؟"
صمتت قليلاً قبل أن أجيب. كنت أعرف أن هناك شيئًا في كلماتها يجعلني أشعر أنني أمام مرآة، وأنها تراه أكثر مني.
"ربما كنتُ أحتاج إلى أن أُثبت شيئًا... لكني الآن أفهم أن هناك أشياء أخرى أكثر أهمية من المعارك." كانت هذه أول مرة أتحدث فيها عن ما أشعر به بعيدًا عن سياق الحرب.
نظرت إليّ لارين بحذر، ثم قالت بصوت هادئ:
"وهل تعتبرني واحدة من هذه الأشياء، أسغار؟"
صمتُ للحظة، ثم أجبت بصدق و انا انظر إلى عيناها :
"نعم، ربما."
ابتسمت ابتسامة بسيطة، ثم استدارت لتنظر إلي بشكل مباشر، قائلة:
"حسنًا، إذا كنت تعتبرني جزءًا من حياتك، فنحن على الطريق الصحيح، على الأقل. لكنني لن أكون مجرد ظل وراءك في هذه الحياة."
----------
عندما عدنا إلى القصر في نهاية اليوم، كانت هناك نظرة جديدة بيننا. لم تكن مجرد نظرة زوجين مرتبطين بعقد سياسي، بل كانت هناك بداية لشراكة حقيقية. شراكة لا تعتمد على الألقاب، بل على الفهم المتبادل والتقدير. بدأنا نرى بعضنا من خلال أعين بعضنا.
في تلك الليلة، بينما كنا نغلق الباب وراءنا ونجلس معًا في غرفة نومنا، كان هناك شعور بالارتياح. لم يكن علينا التظاهر بعد الآن. كنتُ أعرف أنها جزء مني الآن، تمامًا كما كنتُ جزءًا منها.
"أسغار، هل تعتقد أننا يمكننا أن نكون أكثر من مجرد زوجين بالاسم؟" قالت وهي ترفع رأسها نحوي.
قلت وأنا أنظر في عينيها، لا أحتاج إلى إجابة فورية:
"نعم، أعتقد ذلك. لكننا بحاجة إلى الوقت... إلى أن نكتشف ما بيننا."
ابتسمت، ثم اقتربت مني قليلاً، وسكنت كل المسافة التي كانت بيننا. وكأن الكلمات لم تعد مهمة، وكانت اللحظة كفيلة بأن تقول كل شيء.
وبينما كانت المسافة بيننا تتقلص أكثر وأكثر، أدركت أنني بدأت أخيرًا أعيش زواجي الحقيقي، لا كواجب، بل كفرصة لبناء شيء خاص بيننا.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon