عندما جئت إلى هذه الدنيا، لم يكن الطريق أمامي واضحًا كأي مولود آخر. وُلدت في مستشفى كان يشع منها الضوء والهدوء، حيث كانت أمي، طبيبة الأطفال،. كانت ملامح وجهها تفيض بالطمأنينة، لكنها لم تخفِ التوتر الذي يرافق أي أم في لحظات كهذه. أما والدي، فقد كان ضابطًا في قسم التحقيق الجنائي، لا يكف عن التفكير في كل حالة جديدة تطرأ على مكتبه، ولكنه في تلك اللحظة كان يقف بجانب أمي، مشغولًا بنظراته بين طفله المولود وأسرار الحياة التي لا تنتهي في عالمه المهني. كان جمعًا غريبًا، بين هدوء الطب وصخب التحقيقات، لكنه كان يشير إلى أنني ولدت في بيئة لا تشبه غيرها
نشأت في بيت يعج بالتحديات والذكاء. كانت أمي تعمل بلا كلل كطبيبة أطفال، دائمًا مشغولة بعلاج الصغار، بينما كان والدي يقضي أيامه في حل الألغاز المعقدة في قسم التحقيق الجنائي. ورغم أنني كنت صغيرًا، كنت ألاحظ كيف كان والدي يدقق في التفاصيل الصغيرة في كل قضية، وكيف كانت أمي تتعامل مع الأطفال بكثير من الصبر والحب.
منذ طفولتي، بدا أن عقلي لا يتوقف عن العمل. كنت أجد متعة في حل الألغاز التي لا يفهمها الأطفال في سني. الأرقام والكلمات كانت تشكل لي تحديًا دائمًا، وكنت أتمكن من فك شفرات الأمور التي يصعب على غيري فهمها. لم يكن والدي وأمي يتوقعان ذلك في البداية، لكن مع مرور الوقت أدركا أن لديَّ قدرة غير عادية على التفكير والتحليل.
كنت في الخامسة عندما تمكنت من حل أول لغز معقد أمام أمي. كانت قد وضعت لي لعبة تعليمية تحتوي على مجموعة من الأشكال المتشابكة، وكنت أستطيع ترتيبها بسرعة ودقة. استغربت أمي من قدرتي، وقالت لي حينها: “أنت تفكر بطريقة مختلفة عن بقية الأطفال.”
في المدرسة، كان الأمر نفسه. كنت دائمًا الأول في كل مادة، وفي الاختبارات كنت أحقق درجات كاملة بينما كان زملائي يعانون. لم يكن الأمر سهلاً على نفسي، فقد شعرت بأنني في بعض الأحيان غريب عنهم. لكنني تعلمت كيف أتأقلم، كيف أحتفظ بتفوقي دون أن يزعج ذلك الآخرين، حتى أصبحوا يرونني مجرد طفل هادئ ومجتهد، لا يعلمون أن عقلي كان يطير بين الاحتمالات، يحلل ويبحث عن حلول في كل لحظة.
ربما كانت هذه القدرات هي التي جعلتني أشعر بأنني دائمًا في حالة بحث مستمر، كأنني أبحث عن شيء ما في هذا العالم الذي يبدو محيرًا في بعض الأحيان. وفي هذا الجو من التحدي والفضول، كانت الطفولة تمر سريعًا، وكل يوم يضيف إلى شخصيتي لمحة من القوة والذكاء التي ستمهد لي الطريق في المستقبل.
في السنوات التي تلت طفولتي المبكرة، أصبح واضحًا أنني لست كبقية الأطفال في سني. في المدرسة، كنت أتميز بذكاء يفوق أقراني، ولكني لم أكن أظهره بشكل فاقع. كنت أحتفظ به داخلي، أراقب وأستمع أكثر مما أتحدث. رغم تفوقي الدراسي، لم تكن الأمور دائمًا سهلة. كنت غالبًا ما أجد نفسي وحيدًا في الفصل، لا أشارك في ألعاب الأطفال أو في محادثاتهم، لأنني ببساطة لم أستطع أن أجد متعة في أمورهم البسيطة.
ومع مرور الوقت، بدأت أمي تلاحظ شيئًا غريبًا في سلوكي. كانت تقول لي دائمًا: “أنت ترى العالم بطريقة مختلفة.” وكانت محقة. كنت أبحث في كل شيء من حولي عن التفاصيل الصغيرة، التي لا يلاحظها الآخرون. كنت ألاحظ تعبيرات وجوه الناس وأحركات أيديهم، وأستطيع أن أخمن مشاعرهم أو أفكارهم من مجرد لمحة.
أما والدي، فكان أكثر اهتمامًا بتطوير مهاراتي التحليلية. كان دائمًا يطرح عليَّ أسئلة معقدة، يعطيني مسائل تدور حول المنطق والاستنتاج، وكان ينتظر مني أن أجيب بسرعة. كنت أستمتع بهذه التحديات، ولكني كنت أدرك في بعض الأحيان أن والدي يختبرني بطرق خفية، ربما ليكتشف ما يمكنني أن أحققه في المستقبل. لم يكن لديه شك في أنني سأكون قادرًا على التفوق في أي مجال أختاره، خاصة مع البيئة التي نشأت فيها، حيث كان يعيش وسط الغموض والألغاز التي كان يواجهها يوميًا في عمله.
في تلك الفترة، بدأ يلاحظ معلمي أنني كنت أتميز ليس فقط في المواد الدراسية، بل في قدرتي على التفكير النقدي والتحليل العميق. فقد كانت لدي قدرة غريبة على ربط الأشياء ببعضها البعض، وعندما كان أحدهم يسألني عن شيء، كنت أبدأ في طرح أسئلة أكثر مما أقدم إجابات. كنت دائمًا أبحث عن السبب وراء كل شيء، وكأنني كنت أبحث عن حل لغز كبير في هذا العالم.
لكن ماضيَّ لم يكن خاليًا من الصعوبات. في بعض الأحيان، كنت أعاني من شعور بالوحدة، فقد كان من الصعب عليَّ التفاعل مع الآخرين لأنني كنت دائمًا أرى الأشياء بطريقة مختلفة. كنت أفكر أكثر من اللازم، وكان ذلك يجعلني في كثير من الأحيان أبدو غريبًا في عيون الآخرين. ولكن، بدلاً من أن يزعجني ذلك، كنت أستخدمه كفرصة لتطوير نفسي أكثر.
كان أكثر ما يؤرقني هو أنني لم أكن أعرف بعد ما الذي أريده من الحياة. كان لديَّ هذا الشعور الغامض أنني أُعد لشيء أكبر من مجرد التفوق الدراسي. كان عقلي لا يهدأ، وأنا لا أستطيع إلا أن أبحث في كل شيء من حولي عن إجابة لهذا السؤال الكبير.
بدايه اكتشافي لحب التحقيق
عندما بلغت سن الخامسة عشر، بدأ شيء غريب يتشكل داخلي، شعرت كما لو أنني كنت أكتشف جزءًا من نفسي كنت قد غفل عنه طوال السنوات الماضية. كانت تلك الفترة هي التي تغير فيها كل شيء بالنسبة لي. كنت قد أصبحت أكثر نضجًا في تفكيري، وأصبحت أواجه الأسئلة التي كانت تراودني منذ الطفولة: ماذا أريد حقًا؟ لم أكن أدرك أن الإجابة كانت تقترب مني أكثر مما كنت أتخيل.
كان هذا العام مليئًا بالتحديات التي أظهرت لي جانبًا آخر من حياتي. بدأت ألاحظ أنني كنت أقل اهتمامًا بالأشياء العادية التي كنت أستمتع بها في الماضي، مثل الألغاز والألعاب العقلية. بدلاً من ذلك، بدأت أميل إلى قراءة القصص البوليسية والكتب التي تتعلق بالتحقيقات الجنائية. كانت تلك الكتب تأخذني إلى عالم موازٍ مليء بالألغاز المعقدة، والشخصيات الغامضة، والحلول المفاجئة التي تترك القارئ في حالة من الدهشة.
أذكر أنني في يوم من الأيام كنت أقرأ كتابًا عن تحقيقات في جريمة قتل غامضة في مدينة كبيرة. كان هناك شيء في الطريقة التي كانت تتبع بها الشرطة الخيوط المفقودة، وكيف أن كل خطوة كانت تؤدي إلى خطوة أخرى، حتى اكتشاف الحقيقة، جعلني أعيش حالة من الحماس لم أشعر بها من قبل. كنت أقرأ كل تفاصيل القضية، أدرس تحليل الأدلة، وأتخيل نفسي مكان المحقق، وأنا أربط بين جميع الخيوط. كانت لحظات كهذه تجعلني أشعر وكأنني في قلب الحدث، أعيش كل لحظة، أفكر كما يفكر المحققون، أتابع الأدلة وأحل الألغاز.
وذات يوم، بينما كنت في مكتبة المدرسة، التقطت مجلة عن قضايا جنائية قديمة، كانت تحتوي على تفاصيل تحقيقات شهيرة في جرائم قتل تم حلها بعد سنوات من الغموض. كان شيء ما في تلك القضايا يعجبني ويثير فضولي، فقررت أن أبدأ في دراسة كل قضية بعمق. وشيئًا فشيئًا، بدأت أستوعب كيف أن كل تفصيل صغير يمكن أن يكون له دور كبير في حل اللغز، وكيف أن المحققين يستندون على أدلة بسيطة قد تبدو تافهة للبعض، لكنها حاسمة في كشف الحقيقة.
تلك اللحظات من الدراسة والتحليل جعلتني أدرك شيئًا مهمًا: أريد أن أكون محققًا. ليس لمجرد حل الألغاز، بل لأكون جزءًا من العملية التي تقف وراء تحقيق العدالة، تلك اللحظة التي يتبين فيها الحقيقة وينكشف الظلام.
بدأت أتطور أكثر في هذا المجال، فبينما كان أصدقائي مهتمين بالرياضة أو الأنشطة الاجتماعية، كنت أنا أغرق في كتب التحقيقات، وأحاول تحليل الشخصيات في القصص التي أقرأها. كنت أدرس أنماط الجرائم وكيفية حدوثها، وأدقق في طريقة تفكير المحققين. كنت أعتقد أنه يمكنني أن أكون يومًا ما أفضل منهم.
في تلك الفترة أيضًا، بدأت ألاحظ شيئًا آخر، وهو أنني كنت أمتلك قدرة غريبة على قراءة الأشخاص. كنت أستطيع أن أرى في عيونهم ما لا يستطيع غيري أن يراه. كانت تعبيرات وجوههم، حركات أجسادهم، وحتى نبرات أصواتهم، تتحدث إليّ بطريقة لم أكن أفهمها تمامًا في البداية. لكن مع مرور الوقت، أدركت أنني كنت أمتلك قدرة فطرية على ملاحظة التفاصيل التي يغفل عنها الآخرون، وهذه كانت مهارة أساسية لأي محقق.
ذات مرة، وأنا في حفلة مدرسية، حدث موقف غير عادي. كان هناك شجار بين اثنين من زملائي، وعندما اقتربت منهم لمعرفة ما يجري، لاحظت شيئًا غريبًا في تصرفات أحدهم. كان يحاول أن يبدو هادئًا، لكن عيونه كانت تكشف عن شيء آخر. قررت أن أظل أراقب الوضع عن كثب، وفي النهاية اكتشفت أن الشخص الذي بدا هادئًا كان هو من بدأ الشجار، وكان يحاول إخفاء ذلك.
هذا الموقف كان بمثابة بداية حقيقية لاكتشاف شغفي بالتحقيقات. بدأت أرى نفسي في مواقف مشابهة، أراقب وأحلل وأربط بين الأمور بطريقة لم أكن قد فعلتها من قبل. بدأت أتساءل عن كيفية استخدام هذه القدرة في حياتي المهنية، وأيقنت أن هذا هو الطريق الذي أريد أن أسلكه.
ومع مرور الوقت، بدأت أمي تلاحظ هذا التغيير في اهتمامي. لم تكن متفاجئة، فقد كانت تعرف من قبل أنني كنت مختلفًا، ولكنها كانت تشجعني على متابعة هذا الطريق. كانت دائمًا تقول لي: “أنت لديك عقل لا يشبه الآخرين، وإذا أردت أن تكون محققًا، فاعلم أنك ستحتاج إلى الكثير من الصبر والتحليل. لكنني أعلم أنك قادر على ذلك.”
ومع دعمها، بدأت أطور مهاراتي في مجال التحقيق. كنت أتابع القضايا التي تجذبني، وأحاول تحليل الأدلة، وأتعلم كيفية ربط الخيوط المفقودة. ولم يكن والدي بعيدًا عن هذا التغيير، فقد بدأ يدعمني أيضًا. لم يكن يعلم أنه سيرى فيني ذات يوم محققًا يمشي على خطاه، ولكن كان يدرك أنني كنت على وشك أن أبدأ رحلة جديدة في عالم مليء بالتحديات والألغاز المعقدة
الدراسه في الجامعه
بعد أن تخرجت من الثانوية، كان الطريق أمامي أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. كانت السنوات التي قضيتها في اكتشاف شغفي بالتحقيقات قد منحتني قاعدة صلبة لبناء مستقبلي المهني. لم يكن الأمر مجرد قرار عابر؛ كان هناك إحساس عميق في داخلي بأنني موجه نحو هذا المجال، وأنه لا شيء يمكن أن يوقفني الآن.
التحقت بأحد الجامعات التي تقدم برنامجًا مخصصًا لدراسة القانون والتحقيقات الجنائية، وهو المجال الذي كنت قد بدأت في الاندماج فيه منذ سنوات. كانت الأيام الأولى في الجامعة مليئة بالتحديات، لكنني شعرت بأنني في مكاني الصحيح. على الرغم من أن الكثير من زملائي كانوا يختارون التخصصات الأكثر شيوعًا مثل الطب أو الهندسة، كنت أنا الوحيد الذي ظلّ في عالمي الخاص من التحقيقات والألغاز.
كنت أدرس كل شيء يتعلق بالقانون، أدلة الجريمة، تحليل الأماكن، وتقنيات التحقيق المختلفة. كلما تعمقت في الدراسة، شعرت وكأنني أغوص أكثر في عالم كنت أراه كحلم، ولكنه أصبح الآن أكثر واقعية من أي وقت مضى. كنت أمضى ساعات طويلة في المكتبة، أقرأ عن القضايا الشهيرة، كيف تم حلها، وما هي الأخطاء التي وقع فيها المحققون وكيف تصرفوا عند مواجهة المواقف الصعبة. بدأت في تحليل القضايا الجنائية القديمة من منظور مختلف، وكأنني أضع نفسي مكان المحقق وأبدأ في محاولة فهم كل قرار اتخذوه، وأتخيل ماذا كنت سأفعل لو كنت في مكانهم.
أمي، التي كانت دائمًا داعمة، شجعتني على هذا التوجه. قالت لي ذات مرة: “لقد اخترت الطريق الصعب، ولكنني واثقة أنك ستجد فيه مكانك. التحليل ليس فقط في قراءة الأدلة، بل في فهم الناس وتفكيرهم، وهذا ما يميز المحقق الجيد.” وكانت كلماتها بمثابة إشعار لي بأنني على الطريق الصحيح.
أما والدي، فقد أصبح أكثر دعمًا لي عندما اكتشف مقدار الجدية التي أبذلها في هذا المجال. لم يكن يمانع أبدًا أن أستعير بعض من أدواته أو أرافقه أحيانًا في زياراته الميدانية التي كانت تقودني إلى أماكن الجريمة أو التحقيقات المعقدة. أصبح تدريجيًا يعاملني كزميل له في هذا المجال، وكان دائمًا يطرح عليَّ أسئلة صعبة تختبر قدرتي على التفكير التحليلي والتوصل إلى حلول منطقية.
مضت سنوات دراستي الجامعية، ومع كل يوم كنت أشعر بأنني أقترب أكثر من حلمي. تم تدريبي على العمل في أقسام مختلفة تتعلق بالتحقيقات، مثل تحليل الأدلة الجنائية، استجواب الشهود، وكيفية فهم وتحليل تصرفات الأشخاص. كان لديّ شغف غير طبيعي بكل هذه التفاصيل الصغيرة التي كانت تشكل جزءًا من الصورة الأكبر التي يجب على المحقق أن يراها.
ومع اقتراب التخرج، كنت قد نضجت بشكل كبير، وأصبحت أكثر قدرة على فهم وتطبيق كل ما تعلمته في سنواتي الجامعية. كنت قد قررت أنني سأسلك طريقًا محددًا في مجال التحقيقات الجنائية، وأنني سأخوض عالم الجريمة بكل تفاصيله.
وفي يوم تخرجي، وقفت أمام عائلتي وأنا أشعر بالفخر. لم يكن مجرد تخرج من جامعة، بل كان بداية رحلة مهنية كنت قد بدأت في تخطيطها منذ سنوات، رحلة طويلة مليئة بالتحقيقات والألغاز التي ستحتاج إلى كل ما تعلمته طوال تلك السنوات. كنت أعلم أن الطريق سيكون صعبًا، ولكنني كنت مستعدًا لتحدي أي شيء يأتي في طريقي.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon