^^^✧ عاصفة ✧^^^
^^^✧ وراء كل غيمة، سماء ✧^^^
^^^عاهدت نفسها بعد الانفصال أن تُغلق أبواب قلبها بإحكام، وأن لا تسمح لأي رجل بأن يطرق باب حياتها مرة أخرى. كان وعداً قطعته مع ذاتها، نقشته بمرارة الفراق وحزمته برماد الخيبة. وها هي اليوم، تجلس في زاوية مقهى يكتسي بزجاجٍ بارد، خلفه ترتسم لوحات من حياة الآخرين. كان الخريف قد ولى منذ زمن قصير، وها هو الشتاء يتسلل خلسةً، متخفياً في برد الهواء ورائحة المطر. يمرون الناس خلف الزجاج، منهم من يهرول ومنهم من يتباطأ، إلا أن حياتها بدت وكأنها متوقفة في تلك اللحظة، لا تحركها سوى تأملات ضائعة تبحث عن المعنى.^^^
^^^بعدما ارتوت من الصمت وأشبعت عينيها من مراقبة العابرين، نهضت بقرار ثابت؛ عليها أن تتوجه إلى الشركة التي أصبحت مديرةً لها منذ فترة قصيرة، حملتها المسؤولية على عاتقها بقدر ما حملتها الأيام من عزلة وصمت. فتحت باب المقهى الزجاجي، وإذا بها تصطدم بفتاة صغيرة مع رجل يبدو أنه والدها. توقفت قليلاً، التمست للحظة دفء الأبوة في عينيه، ذكرها ذلك بوالدها الذي مضت سنوات طويلة على غيابه، ولكن ذاكرته لا تزال تحوم حولها كطيفٍ في ليالي الشتاء الباردة.^^^
^^^أخذت خطواتها تتوجه نحو محطة القطار بدلاً من أن تقود سيارتها كما تفعل عادةً. كانت بحاجةٍ إلى أن تتخفف من ثقل القيادة وتستسلم لرحلة صامتة في عربة القطار، عسى أن تجد في انسياب الطريق ما يهدئ من اضطراب الداخل. لكنها قبل أن تضع قدمها على الدرج المؤدي للمحطة، تذكرت فجأة أنها لم تدفع الحساب. تلك اللحظة البسيطة أثارت فيها شيئًا من القلق، فارتدت بخطوات سريعة عائدة إلى المقهى.^^^
^^^دلفت إلى المقهى مرة أخرى، واتجهت نحو المضيف بخطى واثقة. لاحظت تغير ملامحه عند رؤيتها، وكأن ملامحه انطوت على حرج ما، ربما ظن أنها نسيت عمدًا. لكنها لم تعبأ كثيرًا، إذ لفت انتباهها رجل كان يقف بجانبها، يطلب من المضيف خمس أكواب من القهوة ليأخذها معه. فقاطعته بنبرة واثقة وهادئة: "لا أنسى حق أحد!". وضعت النقود امامه، ثم التفتت مغادرة، وهي تحس بخفة تكسر الثقل الذي أثقل كاهلها للحظة.^^^
^^^بينما كانت تهم بالخروج، التفت الرجل نحوها، نظر إليها نظرة خاطفة، وابتسم دون أن يقول شيئًا. تلك الابتسامة كانت خفيفة، عابرة كنسمة شتاء. لم تستغرق لحظات قليلة حتى أخذ الرجل طلبه واتجه إلى السيارة، حيث كان يجلس بجواره أحد مرافقيه. وحين ركب السيارة، قال إلى مرافِقه بابتسامة : "سأروي لك شيئًا..."^^^
^^^**************^^^
^^^دخلت جواهر الشركة بخطى واثقة، تحمل على كتفيها عباءة من الجدية والمسؤولية. كانت أروقة الشركة تضج بالحركة، لكنها، كعادتها، بدت كأنها تشق طريقها وسط الضجيج دون أن تتأثر. ما إن وطأت قدمها أرض مكتبها حتى تلقّتها السكرتيرة بابتسامة رسمية، وهي تحمل بيدها قائمة المواعيد وتقرأ بنبرة مهنية واضحة:^^^
^^^"سيدتي، لقد تلقيت دعوة لحضور عرض أزياء تنظمه شركة Z & W الليلة، والممثلة عن شركتنا في العرض ستكون أليكسا."^^^
^^^توقفت جواهر للحظة، وعيناها تغوصان في ملامح السكرتيرة، ولكنها كانت تفكر فيما هو أبعد من مجرد عرض أزياء. هذه الدعوات كانت جزءًا من واجباتها الجديدة كمديرة، لكنها لم تعد تثير فيها الحماس الذي كان من قبل، فالعالم الذي كانت تراه براقاً صار أشبه بمشهد سينمائي يتكرر بلا جديد.^^^
^^^نظرت إلى السكرتيرة وقالت بصوت هادئ:^^^
^^^"أريد جميع الملفات التي تحتاج إلى توقيعي في غرفة المحاسبة فورًا. ^^^
^^^ولا تنسي أن تحضري لي فنجانًا من القهوة."^^^
^^^كانت كلماتها كما هي دائماً، موجزة وواضحة. ليس هناك وقت لتفاصيل هامشية، فما ينتظرها أكبر من حدث عابر. تحركت السكرتيرة بسرعة لتنفيذ الطلبات، بينما وقفت جواهر للحظات تتأمل الفراغ أمامها. شعرت بثقل اللحظات التي تنقضي دونما استثناء، وكأنها تعبر وسط غابة من الأفكار المتشابكة. كان الليل يقترب ومعه مسؤوليات لا تنتهي، وكل قرار تتخذه يحمل ثقله الخاص، كما لو أن كل توقيع تضعه يحمل في طياته جزءًا من روحها المتعبة.^^^
^^^لكن جواهر، رغم تلك التأملات التي لا تخلو من شجن، لم تكن لتدع ذلك يظهر. ارتدت قناع الجدية من جديد، واستعدت لمواجهة يوم آخر من القرارات والمسؤوليات التي تراكمت أمامها كشلال جارف.^^^
^^^**************^^^
^^^وعلى تمام الساعة التاسعة، وجدت جواهر نفسها جالسة في الصفوف الأمامية لقاعة العرض، وهي تحتل مكاناً استراتيجياً يليق بمقامها كمديرة. جلست سكرتيرتها إلى جانبها، بناءً على طلبها، فالعين المدققة تلتقط التفاصيل مهما بدت صغيرة، وجواهر كانت تدرك جيداً أهمية أن تكون محاطة بفريقها في مثل هذه المناسبات. القاعة بدأت تمتلئ تدريجياً بالمدعوين، وكل واحد منهم يأخذ مقعده في مواقع مختلفة، وكأنهم قطع على رقعة شطرنج يجلسون في أماكنهم بترتيب متقن.^^^
^^^وفي الجهة الأخرى من القاعة، كان رجل يراقب الحضور بتأمل، وحين التفت ليرى من بجانبه، لمحت عيناه امرأة جالسة على يسار صديقه إيهاب. تملكته لحظة دهشة حين تعرف عليها؛ إنها ذات المرأة التي التقاها في المقهى صباح هذا اليوم. باندفاع العفوية همس في أذن صديقه قائلاً: "إيهاب، انظر إلى يسارك... إنها المرأة التي رويت لك عنها!"^^^
^^^✧ عاصفة ✧^^^
^^^✧ وراء كل غيمة، سماء ✧^^^
^^^التفت إيهاب بعينيه ليقابل نظرات تلك المرأة التي سرعان ما التفتت هي الأخرى نحوهما بعدما شعرت باهتمامهما. للحظة عابرة، تشابكت الأعين في مشهد بدا كأنه لوحة فنية ممتزجة بألوان مختلفة من المشاعر. لم يكن ثمة كلام، لكن لغة العيون كانت ناطقة بما لا يُقال. كأن الزمن توقف في تلك اللحظة، وصار الحاضر مشهداً من قصة لم تكتمل بعد.^^^
^^^إلا أن هذه اللحظة لم تدم طويلاً، إذ قطعها صوت المذيع وهو يرحب بالحضور بحماسة ودقة، متوجهاً بشكر خاص "للسادة أصحاب الشركات" الحاضرين. أعادت جواهر وجهها نحو المنصة، وقد اختفت من ملامحها أي إشارة توحي بأنها تأثرت بما جرى. كانت نظرتها صارمة، كما لو أن شيئاً لم يحدث.^^^
^^^ومع بداية العرض، بدأ الإبهار يتجلى على المنصة؛ العارضات يتوالين واحدة تلو الأخرى، والموسيقى تغمر المكان بإيقاعها الموزون. وعندما جاء دور العارضة السمراء ذات الجمال الأخاذ، استرعت الانتباه بجمالها الذي امتزج مع تصميم فريد نال إعجاب الكثير من الحاضرين. أطلق عليها المذيع لقب "ملكة السمراء" بإعجاب صريح، وكانت نظرات الجمهور تتبعها بشغف وهي تسير بخفة ورشاقة.^^^
^^^لكن الأنظار ما لبثت أن تحولت نحو الصفوف الأمامية، حيث سلطت الأضواء على امرأة ذات شعر ذهبي أشقر، جلسَت في هدوء ووقار. كانت إحدى المصممات البارعات، ووقف المذيع يشكرها على حضورها وعلى التصميم المذهل الذي أبدعت فيه. التفت إيهاب إليها مجدداً، وقد أذهله تزامن الجمال والإبداع في تلك اللحظة؛ جمال التصميم الذي لمع تحت أضواء العرض، وجمال تلك المرأة التي أضفت بلمسة الضوء سحراً إضافياً على ما كان يبدو كاملاً.^^^
^^^انتهى العرض الأول وسط تصفيق الحاضرين، وأُعلن عن استراحة لمدة نصف ساعة للترفيه عن النفس قبل استئناف الجزء الثاني من الأمسية. نهضت جواهر ببطء، وقد بدا على وجهها شيء من الإرهاق الذي حاولت إخفاءه خلف ملامحها المعتادة. برفقتها كانت سكرتيرتها بيلا، تسير بخطى هادئة إلى جانبها، تراقب بحرص ما إذا كانت سيدتها بحاجة إلى شيء.^^^
^^^خرجتا إلى الهواء الطلق، حيث استقبلتهما نسائم الليل الباردة، كأنها محاولة من الطبيعة لتخفيف عبء اللحظة. لكن جواهر ما لبثت أن توقفت فجأة، ووضعت يدها على صدرها وهي تكافح لالتقاط أنفاسها. انحنت بيلا نحوها، وقد تملكها القلق، محاولة تقديم المساعدة.^^^
^^^في تلك اللحظة، كان إيهاب وصديقه جاك يخرجان أيضاً من القاعة، يتبادلان أطراف الحديث، لكن انتباههما سرعان ما تحول نحو جواهر التي بدت في حالة من التعب الشديد. رأيا بيلا تحاول جاهدة أن تدعمها وهي تقول بصوت متوتر: "سيدتي، ارجوك تحملي قليلا، اجابتها جواهر بإرهاق: احضري السيارة فورًا."^^^
^^^ردت بيلا بسرعة، وكلماتها ترتجف تحت وطأة الموقف: "سيدتي، المكان بعيد، ولم نأتِ بعربتك الخاصة."^^^
^^^قاطعتها جواهر وقد اشتدت ملامحها بالغضب والألم: "تبا! سانديني إذن!"^^^
^^^كان صوتها مليئًا بالعجز رغم الحزم المعتاد، وكأنها تتحدى جسدها المتخاذل أمام مرأى الجميع. التفت جاك إلى إيهاب وقال بقلق: "ماذا تنتظر؟ علينا أن نساعدها، إنها تموت!"^^^
^^^تردد إيهاب لبرهة، ثم قال: "لست متأكدًا إن كان هذا القرار صائبًا، لكن أحضر السيارة على الفور."^^^
^^^هرع إيهاب إلى بيلا وقال لها بنبرة هادئة وحاسمة: "اسمحي لي." تراجعت بيلا وهي تشعر بأن الأمر أكبر من أن تواجهه بمفردها. اقترب إيهاب بحذر، وأسند جواهر بيديه القويتين، محاولاً بث الطمأنينة في لحظة كانت مثقلة بالتوتر. رفعها بين ذراعيه بحذر، وكأنها شيء ثمين يخشى أن ينكسر، وسار بها بخطوات سريعة نحو السيارة التي كان جاك قد أحضرها على الفور.^^^
^^^ركب إيهاب معها في المقعد الخلفي، بينما جلست بيلا بجانب السائق، محاولة أن تسيطر على توترها وتستعيد بعضاً من رباطة جأشها. تنفس إيهاب بصعوبة، وقال بقلق: "ما الذي يحدث؟ ما الذي تعاني منه؟"^^^
^^^ردت بيلا بصوت مرتعش، وهي تكاد لا تصدق ما يحدث: "إنها تعاني من مرض في القلب، وكانت حالتها سيئة منذ البداية... لكن الآن يبدو أن الوضع ازداد سوءًا."^^^
^^^ضغط جاك على دواسة الوقود بقوة، وانطلقت السيارة بسرعة نحو المستشفى، وكأن الطرقات نفسها تتسابق لإنقاذ حياة جواهر.^^^
^^^**************^^^
^^^خرجت الممرضة من غرفة جواهر بخطى هادئة، وعلى وجهها ابتسامة مطمئنة، وقالت: "الحمد لله، إنها مجرد نوبة بسيطة نتيجة الإجهاد والقلق الشديد. لا شيء يدعو للقلق، وبإمكاننا إخراجها صباح الغد بعد أن تأخذ قسطًا من الراحة." تلاشت كلماتها في الهواء كنسيم بارد، مما بعث الطمأنينة في القلوب التي كانت مضطربة منذ دقائق.^^^
^^^بمجرد أن ابتعدت الممرضة، التفتت بيلا، السكرتيرة، نحو إيهاب وجاك قائلة: "شكرًا جزيلًا على مساعدتكم، سأبلغ سيدتي بذلك، وبلا شك ستقدم لكم شيئًا مقابل ما فعلتموه."^^^
^^^أجابها إيهاب بهدوء: "لا داعي لذلك، الأمر لا يستدعي مقابلاً." ثم استدرك بنبرة تملؤها التساؤلات: "منذ متى بدأت حالتها تسوء؟"^^^
^^^أجابت بيلا بنبرة فيها شيء من الحزن: "منذ صباح هذا اليوم... لقد كانت مرهقة جداً."^^^
^^^همس إيهاب لنفسه بتنهيدة خافتة: "عنيدة...." ثم أكمل حديثه مع بيلا قائلاً: "لقد تكفلت بتغطية جميع المصاريف الطبية، عليك فقط أن تأتي غدًا لاستلام الدواء أما الآن، فأعذرينا."^^^
^^^أومأت بيلا برأسها امتنانًا، فيما التفت إيهاب وجاك ليغادرا المستشفى. وفي الخارج، حيث الأضواء الخافتة تعكس هدوء الليل، سأل جاك إيهاب: "هل أنت متأكد من عودتك إلى الشركة؟"^^^
^^^أجاب إيهاب دون تردد: "نعم، سيُقدَّم الطلب الليلة، وأريد أن أتأكد من كل شيء بنفسي."^^^
^^^أومأ جاك برأسه متفهمًا، وقال: "حسنًا، اركب إذن لأوصلك إلى هناك."^^^
^^^لكن إيهاب، بنبرة حازمة وهادئة، رفض قائلاً: "سأذهب سيرًا على الأقدام. أحتاج إلى بعض الوقت للتفكير."^^^
^^^ودع كل منهما الآخر، واتجه كل منهما في طريقه. جاك نحو سيارته، وإيهاب يسير بخطوات واثقة في شوارع المدينة التي بدأت تهدأ مع اقتراب منتصف الليل، متأملاً في الأفكار التي تجتاحه، وكأن السير في هذا الليل الهادئ هو ما يحتاجه لترتيب ما يضج في داخله من مشاعر وأسئلة بلا أجوبة.^^^
^^^✧ عاصفة ✧^^^
^^^✧ وراء كل غيمة، سماء ✧^^^
^^^وعند الساعة الرابعة صباحًا، فتحت جواهر عينيها ببطء، لتجد بيلا نائمة على يدها، كأنها كانت تحرسها بعينين أغلقتا من شدة الإرهاق. بابتسامة خفيفة، نادت جواهر: "بيلا..."^^^
^^^استفاقت بيلا فجأة، وقد ارتسمت على وجهها علامات القلق، وقالت بسرعة: "سيدتي، كيف أصبحتِ؟"^^^
^^^ابتسمت جواهر في هدوء، وهي تشعر بأن حمل الساعات الماضية قد بدأ يتلاشى شيئًا فشيئًا، وقالت: "نعم، أنا بخير... لكنني أشعر بالقليل من الجوع."^^^
^^^تنفست بيلا الصعداء، ثم قالت بحماس: "إذن لنذهب لأطلب لك شيئًا تأكلينه." ارتدت جواهر معطفها الأبيض، الذي بدا وكأنه امتداد لصفاء اللحظة، وخرجتا من الغرفة نحو بهو المستشفى، كأن الهواء البارد يحمل معهما وعدًا بيوم جديد وأقل ثقلاً.^^^
^^^في الوقت ذاته، وفي أروقة الشركة، كانت الأجواء مختلفة تمامًا. دخل جاك المكتب بعد أن تلقى اتصالاً من حارس الأمن، يبلغه أن إيهاب قد أصابه شيء من الجنون، وأنه بدأ يرمي جميع المستندات في سلة المهملات بعصبية شديدة. ما إن وصل جاك إلى المكتب حتى فوجئ بالمشهد؛ الأوراق مبعثرة في كل مكان، المستندات الممزقة متناثرة، وكأن إعصاراً قد مرَّ بالمكان. لكن إيهاب كان يجلس على الأريكة بهدوء، يحتسي كوبًا من عصير التفاح الطازج، متناقضًا تمامًا مع الفوضى المحيطة به.^^^
^^^اقترب جاك ببطء، جالسًا بجانبه، وقال بنبرة مشوبة بالغضب والاستغراب: "هل جننت؟ المكان يعمه الفوضى، وأنت هنا تجلس بكل هدوء وتشرب عصيرًا؟!"^^^
^^^رفع إيهاب عينيه ببطء نحو جاك، ثم في لحظة اندفاع أمسك بثياب جاك بقوة، والغضب يتفجر في صوته كبركان: "تم خداعي!! هل تفهم ما أقول؟! خداع... شركتي على وشك الإفلاس، وأنا كنت آخر من يعلم! أتظن أنني سأجلس هنا وأرقد بهدوء بينما كل شيء ينهار؟!"^^^
^^^كان صوته محملاً بالمرارة، كأنه يصرخ في وجه ظلم لا مرئي، ظلم طعن قلبه من حيث لم يتوقع. الشركة Z & W التي ظن أنها منيعة كحصن، كانت تتداعى أمامه، وهو لا يقوى على إيقاف الانهيار. كل وثيقة مزقها كانت شهادة على خيانة أو خداع، وكل ورقة ملقاة كانت كأنها جزء من روحه التي تتفكك ببطء.^^^
^^^نظر إليه جاك بنظرة تعاطف، لكنه كان يدرك أن غضب إيهاب هذا لم يكن مجرد لحظة طيش، بل كان نتيجة إحساس عميق بالخيانة. قال له بهدوء، محاولاً السيطرة على الموقف: "إيهاب، أعرف أن الوضع سيئ، لكننا لن نحل شيئًا بهذه الفوضى. علينا أن نواجه الأمر بعقلانية، لا أن نترك الغضب يسيطر علينا."^^^
^^^لكن إيهاب لم يكن مستعدًا لسماع شيء. كان عقله غارقًا في دوامة الخيبة، وجسده مشدودًا بتوتر لم يترك مجالاً لتهدئة. شرب إيهاب آخر رشفة من الكأس ثم، في لحظة غضب جامح، رماه بقوة على الأرض، فتكسّر إلى شظايا متناثرة،^^^
^^^**************^^^
^^^في مكان آخر، جلست جواهر برفقة سكرتيرتها بيلا في مطعم "أنيا"، الذي اشتهر مؤخرًا بوجباته الشهية وأجوائه الراقية. كان الهواء في المطعم مشبعًا برائحة الأطعمة الفاخرة، وكان الهدوء يعم المكان رغم امتلائه بالزبائن. بينما كانت جواهر تتناول طعامها بشهية معتدلة، تحدثت بيلا بنبرة فيها شيء من التردد: "سيدتي، لقد ساعدنا رجلان البارحة عندما ساءت حالتك... أحدهما تكفل بالمصاريف واشترى لك الدواء الذي نفذ منك."^^^
^^^توقفت جواهر لحظة، مسترجعة تلك اللحظات الغائمة في ذاكرتها. كانت تذكر أن هناك من ساعدها، وأنها بين يدي أحدهم، لكنها لم تتذكر ملامحه بوضوح. قالت بعد برهة من التفكير: "سأشكرهما لاحقًا... لكن، ما أسماؤهما؟"^^^
^^^أجابت بيلا: "سيدتي، أحدهما رجل أعمال يُدعى إيهاب جيف، أما الآخر فلم أتمكن من معرفة هويته."^^^
^^^رفعت جواهر حاجبها في استغراب طفيف، كأن الاسم أثار في ذهنها تساؤلات غير واضحة، لكنها سرعان ما صرفت تلك الأفكار بعيدًا وقالت: "حسنًا، سأشكرهما في وقت لاحق. ماذا عن الفاتورة المطلوبة للعرض؟ هل قمتِ بتقديمها؟"^^^
^^^أجابت بيلا: "لقد تكفل السيد إيهاب بكل شيء، سيدتي."^^^
^^^تسربت الدهشة إلى وجه جواهر ببطء، لكنها لم تكن دهشة عابرة. كيف لرجل بالكاد تعرفه أن يتكفل بكل هذه الأمور دون أي طلب مقابل؟ لقد فعل أكثر مما تتوقع من أي شخص، وهذا الأمر زاد من فضولها. قررت على الفور أن تذهب لمقابلته بنفسها، لتفهم ما وراء هذا الكرم المفاجئ.^^^
^^^طلبت من بيلا عنوان الشركة التي يعمل بها إيهاب، أخرجت بيلا أخر ملفًا كانت تحمله معها وسلّمتها العنوان. نظرت جواهر إلى الورقة بين يديها، وابتسمت ابتسامة خفيفة تحمل في طياتها شيئًا من الغموض، وقالت بصوت هادئ لبيلا: "بالهناء والشفاء."^^^
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon