الليلة كانت مختلفة في منزل رين. لم يكن يومًا عاديًا، بل عيد ميلاده التاسع. الغرفة كانت معتمة، والألعاب القديمة الملقاة في الزاوية تزيد من إحساس الوحدة. كُلُّ ما كان يملأ المنزل هو صدى عقارب الساعة، تدق برتابة على الحائط بينما تتسرب أشعة القمر من خلال النافذة المغلقة.
على الطاولة بجوار السرير، كانت هناك كعكة صغيرة أعدتها والدته في الصباح، مزينة بقطع الفراولة المتناثرة على وجهها. كانت تلك الكعكة هي الأمل الوحيد الذي كان يملكه رين في هذه الليلة. رغم أنه كره حقيقة أن والدته لم تكن موجودة. كان والده في الطابق السفلي، يجهز نفسه لليلة صاخبة أخرى من الشجار والتوتر.
رين جلس على طرف السرير، يحاول كبح دموعه. كانت يداه ترتجفان بينما ينظر إلى الساعة. مرت ثوانٍ ثقيلة، ثم دقائق، ووالدته لم تعد حتى الآن. كان قد اعتاد على غيابها في الأوقات المهمة، لكن هذه الليلة كانت مختلفة. عيد ميلاده التاسع كان مختلفًا؛ هذه الليلة كانت مؤلمة أكثر من المعتاد.
فجأة، سمع صوتًا خفيفًا في الممر خارج غرفته. تسللت شبحية تلك الأصوات إلى قلبه، وأحس كأن شيئًا ثقيلًا جثم على صدره. "هل هذه أمي؟" تساءل ببراءة، لكن القلق بدأ ينمو في داخله. نادى بصوت مرتعش: "أمي؟ هل عدتِ؟"
لم يرد عليه أحد، وكل ما سمعه كان صوتًا جديدًا، أخف وأكثر غرابة، وكأنه خربشة على الخشب. وقف رين ببطء، خطا خطوات متثاقلة نحو الباب. عندما فتحه، شاهد شيئًا أغرب من الخيال: آثار أقدام صغيرة، مرسومة بلون أحمر زاهي، تتجه نحو الممر المؤدي إلى الطابق السفلي.
تذكر رين القصة التي كانت ترويها له والدته قبل النوم، القصة المرعبة عن السيد ذو الوجه الأحمر. كان الكائن الأسطوري هذا يظهر للأطفال الذين يتجاهلهم أهلهم. كلما تذكّر التفاصيل، شعر أن القصة لم تعد مجرد حكاية ليلية لتخويف الأطفال؛ بل حقيقة مرعبة تتسلل إلى واقعه.
"هل يعقل؟ هل يمكن أن يكون هنا من أجلي؟"
لم يستطع أن يتحمل الشعور بالخوف، لكن فضوله كان أقوى. تبع الآثار الحمراء عبر الممر، حتى وصل إلى أسفل الدرج، حيث أصبح الصوت أوضح. كانت آثار الأقدام تنتهي أمام الباب الخلفي للمطبخ، والذي كان مفتوحًا نصفه، والرياح تهب بهدوء. هناك، على عتبة الباب، كان والده يقف بظله الطويل القاتم، عيناه متجهمتان وغاضبتان كعادته.
"ما الذي تفعله في الخارج بهذا الوقت؟ ألم أقل لك أن تذهب إلى سريرك؟!" صاح والده بغضب بينما كان صوته يرتجف تحت تأثير الكحول.
"أريد أمي، لقد وعدتني!" صرخ رين، وهو يحاول كبح دموعه.
لكن والده لم يُعره اهتمامًا. استدار بغضب ودخل المطبخ تاركًا الباب مفتوحًا خلفه. رين شعر بأن الأمور تزداد سوءًا. تلك الآثار، ذلك الباب، والصمت الذي يحيط بكل شيء؛ كل هذا جعل الرعب يتسلل إلى أعماقه.
دخل رين إلى المطبخ ليتفحص المكان. كل شيء كان يبدو طبيعيًا في البداية، لكن رائحة غريبة كانت تعبق في الهواء، خليط من العطر المحروق ورائحة شيء فاسد. الأضواء بدأت تخفت ببطء، وكأن الظلال كانت تلتهم الغرفة من حوله.
فجأة، شعر بوجود شيء خلفه. التفت ببطء، وعيناه تلتقطان انعكاس وجه غريب على سطح النافذة. كان ذلك الوجه ذو لون أحمر، عيون واسعة تحدق فيه بلا ملامح واضحة. شعور بالتجمد اجتاح جسده بينما أحس أن قلبه سيتوقف عن الخفقان.
"أنا هنا يا رين..."
رنَّ الصوت في أذنه، لكنه لم يكن صوتًا بشريًا. كان صوتًا مليئًا بالألم والغموض، وكأن السيد ذو الوجه الأحمر قد وجد هدفه أخيرًا.
مرت دقائق طويلة وكأنها ساعات بعد ظهور ذلك الوجه الغريب على سطح النافذة. شعر رين بأن الهواء حوله أصبح كثيفًا، بالكاد يستطيع التنفس. كان الخوف يجري في عروقه، لكنه لم يستطع أن يتحرك. ظل واقفًا في مكانه، مصدومًا، مترقبًا. كل شيء حوله بدا وكأنه يذوب في الظلام.
"أنا هنا يا رين..."
الصوت كان خافتًا في البداية، لكنه سرعان ما أصبح واضحًا، كما لو كان ينبع من داخل رأسه. لم يكن هناك مفر. حاول رين استيعاب ما يحدث. هذا لا يمكن أن يكون حقيقيًا، أليس كذلك؟ السيد ذو الوجه الأحمر كان مجرد أسطورة... مجرد قصة كانت والدته ترويها له، لا أكثر. لكن الآن، وهو يرى وجهه واضحًا على النافذة، لم يعد هناك مجال للشك.
بدأت الظلال في الزحف على الجدران من حوله. الأضواء الخافتة تلاشت، تاركة إياه في ظلام دامس. فجأة، اختفى الوجه من النافذة. الصوت الغامض الذي كان يسمعه لم يعد موجودًا، لكن الشعور بالخوف لم يتركه.
ركض رين باتجاه باب المطبخ الخلفي، حيث رأى آثار الأقدام الحمراء تتجه إلى الخارج. لكن عندما فتح الباب، لم يكن هناك شيء. الفناء كان هادئًا، الرياح الباردة كانت تهب بلطف، والليل كان ساكنًا بشكل مريب.
"أمي... أين أنتِ؟"
كان صوته بالكاد مسموعًا، يكاد يخنقه البكاء. نظر إلى السماء المظلمة، حيث لم يكن هناك قمر، فقط النجوم البعيدة التي تلمع بخفوت. لحظة واحدة فقط، سمع صوت خطوات خلفه. التفت بسرعة، وقلبه يكاد يقفز من صدره.
كان هناك شخص ما يقف في الظلال، طويل القامة وذو وجه غريب. كان السيد ذو الوجه الأحمر. ملامحه غير واضحة، لكن عيناه كانت تلمعان بلون الدم. ببطء، بدأ يقترب من رين، وشيء ما في أعماقه كان يخبره أنه لن يستطيع الهرب.
"لقد كنت أنتظرك، رين..."
تجمد رين في مكانه، وهو يشاهد السيد ذو الوجه الأحمر يقترب أكثر فأكثر. الخطوات كانت ثقيلة، وكأن الأرض نفسها كانت تهتز تحت قدميه. كل شيء حوله بدأ يفقد ألوانه، الأشجار، السماء، وحتى المنزل الذي كان وراءه. بدا العالم وكأنه ينكمش في حضرة هذا الكيان الغريب.
بمجرد أن اقترب السيد ذو الوجه الأحمر بما يكفي، توقف فجأة. لم يتحدث، لكنه أشار بإصبعه الطويل إلى رين. كان يشير إلى الداخل، إلى المنزل. عندها، فهم رين الرسالة. لقد كان عليه أن يعود إلى الداخل، لكن لماذا؟ ما الذي كان ينتظره هناك؟
رغم الخوف الذي كان يشل حركته، بدأ رين بالتحرك ببطء نحو المنزل. لم يستطع فهم ما يحدث، لكنه شعر بأن مقاومة الأمر ليست خيارًا. وعندما دخل إلى المنزل مرة أخرى، كانت الأمور أكثر غرابة.
"ما الذي يحدث؟"
المطبخ الذي كان يعج بالظلال منذ دقائق، أصبح الآن مكانًا مختلفًا تمامًا. كانت هناك أشياء قديمة مرمية هنا وهناك، وكأن الزمن قد قفز به إلى الماضي. الألعاب التي كانت مفقودة ظهرت فجأة على الأرض، والغرفة التي كان يعرفها بدت وكأنها قديمة بشكل غريب.
رين وقف في منتصف المطبخ، يحاول استيعاب كل ما حوله، حتى سمع الصوت مرة أخرى. هذه المرة لم يكن صوت السيد ذو الوجه الأحمر، بل صوت مألوف أكثر: صوت والدته.
......................
...عزيزي القارئ،...
...الفصل الثاني من The Candle and the Boy يفتح الباب لمزيد من الغموض والصراع النفسي الذي يعيشه رين. في هذا الفصل، تتعمق القصة في شخصيته بشكل أكبر وتكشف عن بعض الجوانب التي قد تكون خفية في البداية. ركزت على استكشاف الحيرة والخوف الذي يسيطر عليه، وأردت أن تشعر معه بأن الظلام الذي يعيشه ليس فقط في الخارج، بل يتسرب إلى داخله أيضًا....
...آمل أن يأخذكم هذا الفصل في رحلة عميقة نحو فهم أعمق للشخصية وعوالمها الداخلية....
...مع التحية،...
...وان شي رانغ...
تابعوني علا تويتر (X):
@wanxhi10
@wanarabic
من أجل معرفة كل جديدة عن الروايات و الكتب و للأخبار!
أتمنى لكم قراءة سعيدة
بمجرد أن سمع رين صوت والدته يتردد في الأجواء، تجمد في مكانه. هل يعقل أن تكون والدته قد عادت؟ أم أن الأمر مجرد وهم آخر مثل ما رآه سابقًا؟ التفت ببطء، يحاول تعقب مصدر الصوت. كان هناك شيء غريب في طريقة ندائها، نغمة مليئة بالحزن والشوق.
"رين... تعال إليّ، أنا هنا..."
رنَّ الصوت من الغرفة المجاورة، وكانت خطواته ثقيلة بينما يتوجه نحوها. ظلَّ يحدق في الباب الموصد، يشعر كأن شيئًا مروعًا ينتظره خلفه، لكنه لم يستطع مقاومة الرغبة في اكتشاف الحقيقة. دفع الباب ببطء، وكان القلب يخفق بقوة داخل صدره.
عندما فتح الباب، كانت الغرفة مضاءة بضوء خافت، غير طبيعي. وسط هذا الضوء الغريب، رأى والدته واقفة بجانب النافذة، ترتدي فستانها المألوف. لكنها لم تلتفت إليه. كانت تنظر إلى الخارج، وكأنها تنتظر شيئًا ما أو شخصًا ما.
"أمي؟ هل هذا أنتِ؟"
لم تجبه. وقف رين في مكانه للحظة، يتساءل إن كان ما يراه حقيقيًا أم مجرد وهم آخر من أوهامه المخيفة. تقدّم ببطء نحوها، لكنه شعر بشيء بارد يسري في جسده. كان هناك إحساس غريب يغمره، وكأن الغرفة نفسها تخفي سرًا دفينًا.
عندما اقترب بما يكفي ليصل إليها، استدارت والدته ببطء نحوه. كانت ملامح وجهها عادية، لكنها لم تكن تبتسم. عيناها كانتا فارغتين، مثل شخص لم يعد ينتمي إلى هذا العالم.
"لماذا تركتني يا رين؟"
كانت كلماتها غريبة، وكأنها تلومه على شيء لم يفهمه. حاول أن يتحدث، أن يفسر ما يجري، لكن صوته اختنق في حلقه. أحس بشيء خاطئ للغاية، وكأن الحقيقة التي طالما تجاهلها كانت على وشك الظهور.
"ماذا تقصدين؟ أنا لم أتركك..."
والدته لم تجب، لكنها أشارت بيدها إلى الأرض. كان هناك شيء مدفون تحت الأرضية الخشبية، شيء لم يكن هناك من قبل. رين اقترب بحذر، وهو ينظر إلى البقعة التي أشارت إليها. كان هناك خط صغير بين الألواح الخشبية، وكأنها قد تم رفعها حديثًا.
بدأ رين يشعر أن هناك سرًا دفينًا تحاول والدته كشفه. بدأ يبحث عن شيء يساعده في رفع الألواح، حتى وجد مجرفة صغيرة كانت ملقاة في زاوية الغرفة. بحذر، بدأ يرفع الألواح الخشبية واحدة تلو الأخرى، حتى كشف عن حفرة صغيرة مظلمة.
"ما هذا؟"
صدم رين عندما رأى ما كان مدفونًا تحت الأرضية. كانت هناك حقيبة صغيرة، قديمة ومتسخة. فتح الحقيبة بيدين مرتجفتين ليجد داخلها مجموعة من الصور والرسائل القديمة. كل صورة كانت تحكي قصة، لكن ما جذب انتباهه أكثر كان صورة السيد ذو الوجه الأحمر، واقفًا بجانب والدته وهو يمسك بيدها.
أحس رين بأن الأرض تنزلق من تحت قدميه، وكأن العالم من حوله لم يعد كما كان.
......................
...عزيزي القارئ،...
...في الفصل الثالث من The Candle and the Boy، تتصاعد وتيرة الأحداث حيث يزداد الغموض عمقًا وتبدأ خيوط جديدة في الظهور. ركزت في هذا الفصل على بناء شعور متزايد بالتوتر والشك داخل رين، إذ تبدأ الأسئلة الكبيرة بالظهور حول ما إذا كانت التجارب التي يمر بها حقيقية أم مجرد وهم من عقله المتعب....
...مع أطيب التحيات،...
...وان شي رانغ...
هذا الفصل يعتبر نقطة تحول، حيث يبدأ القارئ في ملاحظة أن الحقيقة ليست كما تبدو. أتمنى أن تستمتعوا بالتحولات الغامضة والمشاعر المتزايدة التي تتكشف هنا.
تابعوني علا تويتر (X):
^^^ @wanxhi10^^^
^^^@wanarabic^^^
من أجل معرفة كل جديدة عن الروايات و الكتب و للأخبار!
أتمنى لكم قراءة سعيدة
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon