زيا
ها قد عاد السيد
"مَن يتحمل عبء القدر يواصل المسيرة حتى إن كان بمفرده".
في العصور الغابرة، عاش البشر في أراضٍ وحشية وقاحلة. حيث كانت تتجول مخلوقات الفيرالي الوحشية في كل مكان، ما أجبر البشر على الانزواء إلى أماكن غير متوقعة. غادر كل من زيا وفوزي، الحكيمان العظيمان وهما في الخمسينيات من عمرهما، قبيلتهما بحثًا عن نمط حياة أفضل للبشر، لينطلقا في رحلة كُبرى سُميت "الرحلة المقدسة".
وبعد ثلاثين عامًا طويلة من المحن الشاقة، وصلا أخيرًا إلى الوجهة التي حددتها الكائنات الخارقة لهما، بعدما أرهقتهما رحلتهما. منحتهما نووا لقب "المنفذين"، ليكونا أول من يحمله على الإطلاق.
وعندما سألت نووا عن سبب رغبتهما في أن يصبحها منفذين، كان ردهما الوحيد "لمساعدة شعبنا". عندما عادا إلى قبيلتهما، اكتشفا أن أغلب من حضروا بداية رحلتهما قد رحلوا عن عالمنا. ومن تبقوا كانوا أطفالًا يتعلّمون الكلام وقتما رحل الحكيمان.
نقل الحكيمان بعد ذلك معرفة الكائنات الخارقة إلى البشرية، ليأخذا بيدها من ظلام البربرية حتى تتمكن من الاعتماد على نفسها.
وبعدها، خاض الحكيمان يدًا بيد حرب الفيرالي، التي تكبدت فيها صفوف المنفذين خسائر فادحة. بحلول ذلك الوقت، كانت أعوام كثيرة قد مرّت، وغدت البشرية أقوى. لذا، وجهت نووا أوامرها إلى زيا باختيار البشر المتميزين لتولي المسؤولية كمنفذين جدد. بينما أظهر فوزي خلال الحرب مهارة منقطعة النظيرة في الفنون القتالية، لذا مُنح حلقة الكائنات الخارقة المعدنية، المعروفة كذلك باسم "اليقظة". وهكذا، عمل فوزي على حماية قانون الفناة والحرص على شيوع السلام في العالم البشري كمنفذ للمبادئ ونائب عن الكائنات الخارقة.
في وقتٍ لاحق، وخلال حرب عُظمى عُرفت باسم "سقوط الكائنات الخارقة"، قاتل الحكيمان بصفتهما منفذين تحت راية نووا. رغم تكبد كلا الجانبين خسائر فادحة في الأرواح، فمع انقشاع غبار المعركة، كان قد هُزم سيد الظلام، دايكون. ليتفرق على إثر ذلك السقوط شمل المنفذين والكائنات الخارقة. عهدت نووا إلى فوزي وزيا بحماية البشرية وإرشادها في دربها، لكن مع مرور الوقت، صار من الجلي أن الحكيمين لديهما وجهات نظر مختلفة عن الطريق الأنسب الذي يجب أن تسلكه البشرية، ما أدى في النهاية إلى تفرقهما.
وبعد عدة سنوات، اندلعت حرب المنفذين. ليحمل زيا على عاتقه، بصفته حامي البشرية، مهمة تنظيم القوات وهزيمة الملك تشاو، مضحيًا في الطريق بأغلب قواه المقدسة. كان النصر حليف جيش زيا، وسُحقت خطط سيد الظلام مرة أخرى. في ذلك الوقت، تبلورت رؤية فوزي لمستقبل البشرية. إذ أمل أن يستطيع البشر في يوم من الأيام حماية أنفسهم.
وفقما اتضح، جمع سيد الظلام قواته مجددًا استعدادًا للهجوم التالي، فالهزيمة الأخيرة لم تكن سوى نكسة بسيطة. بدأ زيا، خلال إقامته في منزله المنعزل في با، بالتفكير في طريقة للقضاء على هذا الخطر وللأبد. وهذا لم يمنعه من هزيمة قوات سيد الظلام مرة أخرى خلال تلك العملية.
عندما وصل زيا أخيرًا إلى تشانغآن في رحلته للبحث عن إجابات، حبسته تلميذته، ووي زيشيان، في بُعد موازٍ عقابًا له على آرائه وأفعاله المثيرة للانشقاق. استغل زيا هذه "الخلوة" النادرة للتأمل بعمق، واستعادة قوته المقدسة بالكامل.
في الحاضر، نفذت هايا، تابعة سيد الظلام، خطوتها الأولى بالفعل. نجح زيا في التحرر من سجنه، وأقسم هذه المرة على أن يحل مشكلة سيد الظلام الشائكة إلى الأبد.
"رحلت الكائنات الخارقة. سأقف حارسًا بدلًا منها!"
صديقان عزيزان
"لماذا لم تنم بعد أيها العجوز فوزي؟ ماذا تفعل؟" تثاءبت الشابة وهي تتجه إلى الأشيب الذي كان يحدق في السماء البعيدة.
"صمتًا. أنا في حالة حداد على صديق قديم". قال فوزي هذا وهو يلوح لها بانزعاج.
"أوه، شخص مسكين ما لم يعد معنا، أفهم ذلك. ربما عاش حياة مليئة بالهموم".
"غالبًا أن جسده يتعفن في حقل ما. ربما لم يكن شخصًا لطيفًا. وبالنسبة إلى الهموم… حسنًا، لقد جعل حياة الكثير من الأشخاص بائسة".
"أوه؟ لقد نجحت في إثارة فضولي. ماذا فعل؟"
"ليس بالشيء المميز للغاية… لكنه قاد قوات لهزيمة شخص يُدعى الملك تشاو، جامعًا في طريقه جيشًا قويًا. ثم اختفى بعيدًا ليدرب بعض التلاميذ الاستثنائيين والمميزين، مثل المخطط الاستراتيجي المفوه، ليانغ، والمخيفة ووي زيشيان…"
"إذن فهو يحب قبول الطلبة، مثلك تمامًا! آه، مهلًا... هذا الصديق… أتقصد زيا، المقدس الأسطوري؟!"
"لم يكن من يقال عنه صديق حق... لقد افترقنا عندما حل بيننا خلاف فتعصب لرأيه بكل غرور. كان عنيدًا كالبغال".
"عمَّ كان الخلاف؟"
"لدى كل إنسان أشياء يراها أهم ما تكون، أشياء مستعد للتضحية بحياته من أجلها. قد يؤدي هذا الإصرار بالمرء إلى القسوة على أصدقائه وأحبائه، وحتى عائلته. وقد أصر ذلك الرجل على أن يحرس عالم الفانين بنفسه. لذا أنشأ داجي، وهزم الملك تشاو، ودحر الفيرالي، وقضى على سيد الظلام… ولم يفكر في نفسه إطلاقًا، بالطبع. حمل على عاتقه ذلك العبء الثقيل لغرض واحد فقط، وهو أن يحل السلام على عالم البشر.
أنا، على الجانب الآخر، راودتني بعض الشكوك. ما تعريفك لعالم يسوده السلام للبشر؟ أهو عالم لا يحوي سوى البشر دون أجناس أخرى؟ عالم يجب أن يموت فيه البعض ليعيش البعض الآخر، حيث لا نجاة إلا للأقوى؟ ربما كرس ذلك الأحمق حياته لهزيمة سيد الظلام، لكنه بالكاد حرك ساكنًا خلال حروب أخرى، آثر الوقف متفرجًا بينما يذبح البشر بعضهم بعضًا… أهذا حقًا هو السلام الذي تمنيناه؟
لم يتمكن أحدنا من إقناع الآخر. اختلفنا وتجادلنا ثم افترقنا".
"من فاز إذن في النهاية؟"
"كفاكِ حمقًا! يستحيل وجود فائز في مثل هذه الأمور! لقد تلاعب بتلاميذه ليقاتلوا بعضهم بعضًا بهدف القضاء على سيد الظلام، حتى انقلب سحره عليه! خانته تلميذته ووي زيشيان، إذ احتجزته في مكان لا يعلمه أحد…"
"إذن فقد فزت! فأنت لا تزال هنا، أم هو فلا!"
"كفاكِ حمقًا! لطالما أحب السير خلف حدود المعروف نحو المجهول، وبينما كان قاسيًا على الآخرين، كان أقسى على نفسه. بمعرفتي به، فقد استغل سجنه كفرصة ليرسم خلالها طريقًا جديدًا لنفسه، بمهمة جديدة، وكفاح جديد. وهكذا، يبدو أن الرابطة المشؤومة بيننا لن ينحل عقدها في أي وقت قريب…"
"حسنًا إذن، لمَ لا تشمر عن ساعديك ببساطة وتستعد لشجار؟ لمَ تجلس هنا حدادًا على شخص لم يمت حتى؟"
"صمتًا. أنتم الشباب لا تفهمون شيئًا! لست في حداد على شخص. بل في حداد على خسارتي لصداقة قديمة... والأيام الخوالي!"
أسفلهما، صعدت نفحات دخان من جيكسيا وتبخرت في الهواء. في مكان ما بعيدًا عبر الجبال والسحاب، كان هنالك عجوز عنيد لا يعرف الكلل، يتحرر تدريجيًا من محبسه.
"لن نرحم!"
شرارة ضعيفة
"بينما تخفت النار، مَن سيلتقط الشعلة ويواصل المسيرة؟"
قبل آلاف السنين، خيم الليل ببرده على البشر سكان إحدى الغابات الواسعة. نام أطفال القبيلة مرتاحي البال في أكواخهم المتواضعة، بينما اجتمع الكبار في صمت حول نار المخيم.
ومع ازدياد الشتاء برودة، بدا أن أعداد الفيرالي تزيد أيضًا. لم تعد البشرية، التي لا تزال في مهدها، قادرة على النجاة لوقت أطول في هذه الأراضي القاسية.
لذا وجب عليهم العثور على طريقة جديدة لتفادي الأخطار المحدقة بهم.
امتلكت القبيلة بين صفوفها حكيمين. عُرف أحدهما بالتفاؤل والبهجة وابتسامة دائمة وقع في حبها الجميع. ولا يتذكره أحد إلا حاملًا صولجانه الحديدي ليصد أي كائنات غازية.
لم يبتسم الحكيم الآخر قط. بل كان يمشي مكفهرًا بينما يشرف على الأعمال والواجبات اليومية في القبيلة، ويتأكد من تأدية الجميع لواجبه بطريقة عادلة ومنظمة.
نذر الحكيمان سنين عمرهما خدمةً للقبيلة حتى شاب شعرهما منذ زمن طويل حيث تركا سنين شبابهما خلفهما.
وصلت مخطوطة جديدة من سيليستيا، وسلمها الحكيم العبوس إلى شاب يافع.
بدأ الشاب في القراءة قائلًا: "الكائنات الخارقة التي تعيش في أقصى الشمال، أعلنت عن "رحلة مقدسة" لاصطفاء أكثر البشر موهبة".
"أولئك الذين يبلغون نهاية الرحلة، سيصبحون مبعوثين مقدسين".
هتف الشاب بحماس: "ستحل كل مشكلاتنا إن تمكنا من أن نصير مبعوثين!"
كان الحاضرون يهمهمون ويتناقشون بالفعل. بينما بدأ إحساس ضعيف بالأمل ينتشر بينهم، طلبوا من المتحدث أن يواصل القراءة.
"بيد أن السجلات تظهر أنه لم ينجح أحد من قبل في بلوغ نهاية الرحلة. تقول الأسطورة إن الطريق صعب وطويل. قد يقضي من يسلكه فيه عقودًا أو عمره بأكمله دون أن يبلغ وجهته".
"أوه…"
حل الصمت على الحشد مجددًا بعدما انطلقت تنهدات محبطة.
صاح أحدهم: "لكنه الطريق الوحيد!"
أجاب آخر، "من الذي سيقع عليه الاختيار إذن ليمضي في هذه "الرحلة" المحكوم عليها بالفشل غالبًا؟"
ورغم أن البشر الأوائل كانوا ضعفاء، فإنهم كانوا أنقياء القلب أيضًا. رفع عدة شباب أياديهم تطوعًا، مضحين بحياتهم من أجل صالح القبيلة. إلا أن أنظار الحشد تعلقت بدلًا من ذلك بالحكيم العبوس وهو يحمل عصاه.
فقد انعكف على تنظيم أمور القرية لعقود، لهذا اعتادوا على الثقة في حكمته دون تشكيك. فلطالما أسند الواجبات المناسبة إلى الأشخاص المناسبين.
اعتلت وجوه كل شباب القبيلة ملامح العزم، آملين أن يختارهم الحكيم. وتفحصتهم عينا الحكيم الذابلتان جميعًا، لكنه رفضهم واحدًا تلو الآخر.
فنكسوا أياديهم المرفوعة ورؤوسهم الشامخة بخيبة أمل. فتر حماس القبيلة بسرعة كبيرة وكأن جمرة الحمية دُفنت في ثلج بارد.
ومع هذا، نجت شرارة وسط الظلمة، إذ ظلت يد واحدة مرفوعة. لم يلحظ الحكيم العبوس صاحب العصا بسمة الرجل الهادئة، إذ كان يقف خلفه.
وبينما تعلقت أنظار الجمهور بتلك الابتسامة، نجحت شرارتها في إشعال جذوة الأمل في قلوبهم. كان أمهر محاربيهم، وحكيمهم البهيج الذي كان مرشدهم دومًا في أحلك الأوقات.
التفت الحكيم الذي يحمل العصا مقطبًا جبينه كالعادة ليواجه صاحب الابتسامة. نظر كلاهما إلى بعضهما بعضًا للحظة طويلة، يستشعران العزيمة والإصرار الذي يملأ عيني كل منهما. وأخيرًا، أومأ الحكيم العبوس برأسه إيماءة خفيفة.
ليعلن الحكيم العبوس، وما زال جبينه مقطبًا، أنه سيرافق الحكيم المبتسم، فوزي، لينطلقا في الرحلة المقدسة معًا. ربما ظن أن الحل الوحيد للنجاة من امتحان كهذا هو أن يمرا به يدًا بيد.
حاول الحشد المذهول ثني الشيخين عن قرارهما. إذ يجب ألا ينطلق في رحلة محفوفة بالمخاطر كتلك سوى الشباب على أي حال. فإذا أُصيب الحكيمين بأي سوء خلال الرحلة، من سيبقى لقيادة القبيلة والخروج بها من أي مأزق مستقبلي؟
لم ينبس كلا الحكيمين بكلمة، بل أومآ لبعضهما بعضًا. حيث أخذ كل منهما الشعلة القريبة منه ورفعاها عاليًا، ثم استدارا للسير نحو الغابة المظلمة.
قبل أن ينهض أفراد القبيلة المصعوقون من أماكنهم حول النار، كان الحكيمين قد بدآ المسيرة.
إن كان الطريق أمامنا محفوفًا بالمخاطر، فما جدوى الخوف من الظلام؟ لمَ ننتظر الغد؟
عقب وصولهما إلى صف الأشجار الأول، توقف الحكيمان والتفتا ليواجها الحشد الذي ما زال متسمرًا في مكانه. وبينما يلوح العجوزان مودعين، وقف رجل أخيرًا من بين الحشد. كان الشاب الذي قرأ المخطوطة بصوت عالٍ قبلًا. لم يتحدث، ولكنه انحنى بشدة للحكيمين. وبعد فترة وجيزة، حذا بقية أفراد القبيلة حذوه.
على القبيلة الآن أن تتعلم سريعًا كيف تعتمد على نفسها، دون إرشاد الحكيمين، بينما ينتظرون عودتهما.
ابتسم الحكيمان لبعضهما بعضًا، ثم التفتا وانطلقا إلى قلب الظلام.
في هذه الأرض الشاسعة، المحفوفة بالمخاطر والمجهول، لم تكن البشرية حديثة الولادة سوى شرارة ضعيفة. حتى الحكيمان، رغم توهجهما الذي يفوق الآخرين، كانا مجرد جمرتين في الظلام.
ولكن بدءًا من الآن، ستبحث تلك الشرارة الضعيفة عن مخرج من الغابة المظلمة، ومن الجبال الواعرة، ومن المنحدرات الغادرة، وتنطلق نحو البعيد المجهول.
ولكن، وبينما كان أفراد القبيلة يتطلعون إلى عودة الحكيمين، كانوا يدركون جميعًا في قلوبهم أن ذلك قد لا يحدث أبدًا.
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon