...اقدم لكم مقدمة محتوي الكتاب الطبي...
أود الآن إبداء ملاحظة في ما يتعلق بهذا الكتاب
إن الفصول مكتوبة وفق تسلسلها المنطقي؛ وذلك بحيث تمتد على أربعة أجزاء رئيسية
ينصرف الجزء الأول إلى إماطة اللثام عن هذا الشيء الغامض الذي ندعوه نومًا:
ما هو؟
وما ليس هو؟
ومن ينام؟
وكم ينام؟
وكيف يجب أن ينام البشر (لكنهم لا يفعلون ذلك)؟
وكيف يتغيّر نومك على امتداد مسار حياتك، أو على امتداد مسار حياة طفلك، سواء أكان ذلك في الاتجاه الأحسن، أو في الاتجاه الأسوأ
وأما الجزء الثاني فهو يدخل في تفاصيل النوم الجيد والنوم السيئ، والآثار القاتلة للنوم السيئ وقلة النوم
وسوف نستكشف كل ما للنوم من منافع مدهشة فيما يخص الدماغ والجسد، وذلك على نحو يؤكّد على الأهمية الكبرى لهذه الأداة (التي هي النوم) فيما يتعلّق بصحة الإنسان وحسن حياته
وننتقل بعد ذلك إلى مناقشة كيف، ولماذا، تؤدّي قلة النوم إلى الوقوع في حمأة اعتلال الصحة، والمرض، والموت في آخر المطاف
ويعرض الجزء الثالث معبَرًا آمنًا من النوم إلى عالم الأحلام الرائع الذي يشرحه العلم ويوضحه
وهنا ننتقل من إلقاء نظرة داخل أدمغة الأفراد الذين يحلمون لنرى كيف تكون الأحلام مصدر إلهام للأفكار التي تفوز بجائزة نوبل وتغيّر العالم إلى مناقشة مسألة ما إذا كان التحكم بالأحلام أمرًا ممكنًا أم لا، وما إذا كان القيام بهذا الأمر شيئًا حكيمًا… سوف تتضح هذه النقاط كلها
ثم يضعنا الجزء الثالث - أولًا بأول - إلى جانب سرير المرض، فيشرح اضطرابات النوم الكثيرة، بما فيها الأرق
وسوف أعرض الأسباب الواضحة وغير الواضحة التي تجعل أشخاصًا كثيرين يجدون صعوبة في الحصول على نوم ليلي جيد، ليلة بعد ليلة
ثم تأتي مناقشة صريحة للأدوية المنومة، وذلك استنادًا إلى البيانات العلمية والسريرية، بدلًا من القيل والقال والرسائل الترويجية
وسوف أقدم في ذلك القسم معلومات عن معالجات جديدة آمنة فعّالة غير دوائية من أجل التوصّل إلى نوم أفضل
وبعد هذا، نترك سرير المرض وننتقل في الجزء الأخير إلى مناقشة النوم في المجتمع، فنتعلّم أشياء كثيرة عن الأثر الواضح لقلة النوم على التعليم والطب والرعاية الصحية، وكذلك على الأعمال
وسوف نستعرض أدلة قادرة على تحطيم المعتقدات السائدة الخاصة بفائدة ساعات اليقظة الطويلة وقلة النوم، وذلك على نحو فعال، آمن، نافع، أخلاقي، بما يحقق أهداف هذه التوجهات كلّها
ثم أختم الكتاب بأمل حقيقي متفائل فأرسم خريطة طريق لأفكار قادرة على إعادة وصل ما انقطع بين البشرية والنوم الذي صارت محرومة منه كثيرًا إنها «رؤية جديدة إلى النوم في القرن الرابع والعشرين»
بقي علي أن أشير إلى أن ما من ضرورة تحتم قراءة هذا الكتاب وفق تسلسل أجزائه
فمن الممكن قراءة كل فصل بمفرده، وبصرف النظر عن ترتيبه، من غير أن يضيع الكثير من معناه
ومن هنا، فإنني أدعو القارئ إلى قراءة هذا الكتاب، كله أو بعضه، بطريقة انتقائية أو وفق تسلسل ترتيبه… أي كما يحلو له
إذا داهمك النعاس ونمت خلال قراءة هذا الكتاب، فليس من شأن هذا أن يوهن عزيمتي (خلافًا لأكثر المؤلفين)
وفي حقيقة الأمر - استنادًا إلى موضوع هذا الكتاب ومحتواه - فإنني أشجّع القارئ على هذا النوع من السلوك
فبالنظر إلى ما أعرفه عن العلاقة بين النوم والذاكرة، سيكون إطراء كبيرًا لي أن أرى القارئ غير قادر على مقاومة الحافز الذي يدفعه إلى تعزيز وتذكّر ما أقوله له من خلال الاستسلام إلى النوم
لذلك، أرجو أن يشعر القارئ بحرّية كاملة في الاستسلام إلى النوم والاستيقاظ من جديد، مرة بعد مرة، على امتداد هذا الكتاب
لن أشعر بأي استياء أبدًا! على العكس من ذلك تمامًا، سوف أكون في غاية السرور
...اقدم لكم الصفحة 1...
هل تظن أنك استوفيت حاجتك من النوم خلال الأسبوع الفائت ؟
وهل تتذكّر متى استيقظت آخر مرة من غير رنين الساعة المنبّهة فنهضت شاعرًا بالانتعاش وعدم الحاجة إلى الكافيين ؟
إذا كانت إجابتك على أي من السؤالين بالنفي، فأنت لست وحدك في هذا! يفشل ثلثا البالغين في البلدان المتطوّرة كلّها في تحقيق فترة ساعات النوم الليلي الثماني المُوصَى بها
لا أظن أن هذه الحقيقة قد فاجأتك كثيرًا؛ لكن عواقبها قد تكون مفاجئة لك
إن اعتيادك أن تنام ليلًا أقل من ست ساعات، أو حتى أقل من سبع ساعات، يقوّض نظامك المناعي ويزيد خطر إصابتك بالسرطان أكثر من ضعفين
كما أن النوم غير الكافي عامل رئيسي من عوامل نمط الحياة التي تحدّد إن كنت ستصاب بمرض الألزهايمر
تؤدّي قلّة النوم - حتى في حال التقليل المعتدل من فترة النوم مدة أسبوع واحد فقط - إلى اضطراب عميق في مستويات السكر في الدم بحيث يمكن اعتبارك «ما قبل سكري»
ترفع قلّة النوم احتمال إصابة الأوعية الدموية المغذية للقلب بالانسداد والهشاشة مما يضعك على طريق الإصابة بالأمراض القلبية الوعائية، والأزمات القلبية، وفشل القلب الاحتقاني
وتمامًا مثلما تقول حكمة شارلوت برونتي
«الذهن المضطرب يجعل الوسادة غير مريحة»، فإن لاختلال النوم مساهمة كبيرة في الاعتلالات النفسية الكبرى، كالاكتئاب والقلق والنزوع إلى الانتحار
لعلك لاحظت أيضًا أنّ رغبتك في الأكل تزداد عندما تكون مرهقًا! هذه ليست مصادفة على الإطلاق، لأن قلة النوم تؤدّي إلى زيادة تركيز الهرمون الذي يجعلك تشعر بالجوع وتخفض مستوى الهرمون المسؤول عن إطلاق إشارة الاكتفاء من الطعام
وهكذا تستمر لديك الرغبة في تناول مزيد من الطعام على الرغم من امتلائك
إنها وصفة مضمونة لزيادة الوزن لدى البالغين والأطفال ممن يعانون قلة النوم
ولعل ما هو أسوأ من هذا هو أنك تحاول الالتزام بنظام غذائي لتخفيض وزنك فتفشل لأنك لا تنال كفايتك من النوم خلال محاولتك؛ وذلك لأنك تفقد - في هذه الحالة - جزءًا من وزن الكتلة العضلية في جسمك، لا من الدهون التي تحاول التخلّص منها!
يصير الاقتناع بالنتيجة المؤكّدة التالية أكثر سهولة إذا جمعنا تلك العواقب الصحّية الواردة أعلاه: نوم أقل يعني عمرًا أقصر
كم هو مشؤوم ذلك القول المعروف:
«سأنام عندما أموت!»، ما عليك إلا أن تتبنّى هذه الطريقة في التفكير حتى تضمن الموت في وقت أقرب، وحتى تكون حياتك (الأكثر قصرًا) أقل جودة
إن الرابطة المرنة بين العمر وقلة النوم لا يمكن مطّها كثيرًا قبل أن تنقطع
والمحزن أن ما من نوع من أنواع الكائنات الحيّة، غير البشر، يتعمّد حرمان نفسه من النوم من غير وجود أي مكسب يبرّر ذلك
يتعرّض كل مكوِّن من مكوِّنات طيْب الحياة، إضافة إلى ما لا يحصى من خيوط نسيج الحياة الاجتماعية، إلى التآكل بفعل تلك الحالة باهظة التكلفة، حالة إهمال النوم … إنها تكلفة إنسانية ومالية على حد سواء
وهذا ما جعل منظمة الصحة العالمية تعتبر قلة النوم حالة وبائية منتشرة في الأمم الصناعية كلها
وليس من المصادفة في شيء أن تكون البلدان التي شهدت انخفاضًا حادًّا في فترة النوم على امتداد القرن الماضي (كالولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، وبلدان أخرى كثيرة في أوروبا الغربية)، هي المناطق التي تعاني أكبر زيادة في نسب الأمراض الجسدية والاضطرابات العقلية والنفسية المذكورة أعلاه
لقد بدأ علماء وباحثون كثر حملة لجعل الأطباء يشرعون في مطالبة مرضاهم بالنوم بحيث يكون ذلك جزءًا من «الوصفة الطبية»
ولعل الالتزام بتناول هذا الدواء، أي النوم، واحدٌ من أقل الأشياء ألمًا وأكثرها متعة
إلا أن هذا ليس مطالبة للأطباء بأن ينصحوا مرضاهم بالإكثار من تناول الأدوية المنومة! يجب أن يكون الأمر عكس ذلك تمامًا بالنظر إلى الأدلة الكثيرة على الآثار الصحّية المؤذية لهذه الأدوية
...نــهــايــــة الــصــفـــحـة...
...اقدم لكم الصفحة 2...
فهل يمكننا المضيّ إلى حد القول بأن قلّة النوم يمكن أن تقتلك حقًّا ؟
يمكن قول هذا في حقيقة الأمر، وذلك من ناحيتين اثنتين على الأقل:
أولًا، هنالك اضطراب جيني نادر جدًا يبدأ بظهور حالة متفاقمة من الأرق في أواسط العمر وبعد انقضاء شهور من تطوّر هذا المرض، يكفّ المريض عن النوم تمامًا
في هذه المرحلة، يكون المريض قد بدأ خسارة كثير من الوظائف الأساسية للدماغ والجسم
ما من أدوية معروفة الآن يمكن أن تساعد المريض في النوم! يموت المريض، بعد اثني عشر شهرًا، أو ثمانية عشر شهرًا، من عدم النوم
صحيح أن هذه الحالة شديدة الندرة، لكنها تثبت أن قلة النوم يمكن أن تقتل الإنسان
ثانيًا، لدينا الحالة القاتلة المعروفة: الجلوس خلف مقود السيارة من غير أن يكون المرء قد نال القسط الكافي من النوم
إن القيادة في حالة نعاس مسؤولة عن مئات آلاف حوادث السير في كل سنة، مع ما تشتمل عليه هذه الحوادث من وفيات
ولا يكون الخطر هنا مقتصرًا على الأشخاص المحرومين من النوم وحدهم، بل يشمل أيضًا أرواح أشخاص آخرين
أمر مأساوي أن يموت إنسان في حادث سير كل ساعة في الولايات المتحدة الأميركية نتيجة أخطاء مرتبطة بالإرهاق ومن المقلق حقًّا معرفة أن عدد الحوادث الناجمة عن قيادة السيارة في حالة نعاس يتجاوز عدد الحوادث الناتجة عن القيادة تحت تأثير الكحول والمخدرات معا
إن حالة اللامبالاة الاجتماعية تجاه النوم ناتجة، في جزء منها، عن تقصير تاريخي من جانب العلم في توضيح ما يجعلنا في حاجة إلى النوم
لقد ظلّ النوم واحدًا من آخر الألغاز البيولوجية الكبرى
ولم تتمكّن الطرائق العلمية الجبارة لحل المشكلات - في العلوم الجينية، والبيولوجيا الجزيئية، والتكنولوجيا الرقمية فائقة القدرة - من اقتحام أسرار النوم المعاندة
حاول عدد من أقوى العقول التوصّل إلى حل شيفرة النوم المبهمة، ومن بينهم الحائز على جائزة نوبل فرانسيس كريك الذي اكتشف بنية الـ«دي إن أيه» التي تشبه سلمًا حلزونيًا، والروماني الشهير كوينتيليان الذي كان معلمًا وخطيبًا، بل حتى سيغموند فرويد نفسه، لكنهم فشلوا وذهبت محاولاتهم أدراج الرياح
من أجل التوصّل إلى فهم أفضل لحجم هذه الحالة من الجهل بالمشكلة، ما عليك إلا أن تتخيّل ولادة طفلك الأول
تدخل الطبيبة غرفة المستشفى وتقول:
«أهنئكما! إنه صبي في صحة جيدة. لقد أنهينا الفحوص الأولية، ويبدو كل شيء في أحسن حال»
تبتسم ابتسامة مطمئنة، ثم تسير في اتجاه الباب
لكنها تلتفت قبل أن تخرج من الغرفة وتقول:
«هنالك أمر واحد فقط سوف يتعرّض طفلكما، حتى نهاية حياته، إلى الوقوع في حالة تشبه الغيبوبة، بل تشبه الموت في بعض الأحيان سيكون جسده راقدًا بهدوء، لكن هلوسات غريبة مدهشة ستملأ عقله سيكون في هذه الحالة ثلث فترة حياته؛ وليست لدي أبدًا أية فكرة عن سبب هذا أو تفسيره. حظًّا طيّبًا!»
من المدهش حقًّا أن الأطباء والعلماء ظلّوا عاجزين، حتى وقت قريب، عن تقديم إجابة كاملة، أو منطقية عن هذا السؤال:
لماذا ننام ؟
فلنتذكّر أننا نعرف، منذ عشرات السنين، أو منذ مئات السنين، وظائف الدوافع الأساسية الثلاثة الأخرى في الحياة:
الأكل والشرب، والتكاثر، إلا أن الدافع البيولوجي الرئيسي الرابع الموجود لدى مختلف الأجناس في المملكة الحيوانية كلها، أي الدافع إلى النوم، ظل آلاف السنين أمرًا مستعصيًا على العلم
تزيد هذا السؤال غموضًا محاولة تناوله من المنظور التطوري، أو الارتقائي
فمهما تكن نقطة الانطلاق، سيبدو النوم الظاهرة البيولوجية الأكثر غباء
فخلال فترة نومك، تكون غير قادر على البحث عن طعام، ولا على معاشرة أفراد جنسك، ولا على البحث عن شريك أو شريكة من أجل التكاثر
تكون أيضًا غير قادر على رعاية أطفالك، أو حمايتهم
كما أن النوم يجعلك معرضًا للافتراس
...نــهــايــــة الــصــفـــ**حــــة**...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon