NovelToon NovelToon

” آسف “

~من يخاف الوقوع في الأخطاء يقع في أعظمها~

في مدينة ما من هذا العالم يعيش شخص ما قصته

_ تتضمن بعض الأحداث الواقعية_أسردها لك كالتالي  :

الحذر،الترقب، التشتت،صعوبة التنفس، الغصة في الحلق، الحكة في الجسم، كلها إشارت واضحة تذكرنا بشيء ما، تذكرنا بمن يتجاهل أفكاره،أو بالأحرى يحاول الهروب منها،الأفكار المخيفة التي تتحول شيئا فشيئا لفيروسات تتآكل الخلايا العصبية لصاحبها ببطء،حتى يسقط في عمق لا يمكنه العودة منه، ربما تحتقر ذلك، ربما تظنه أمرا سخيفا، ربما تظن نفسك قويا،  لكنك لا تدري أين سيصيبك السهم الذي سيفكك كل ذلك،  تلك الصورة المثالية التي تراها عن نفسك، أنت كيف لك أن تأمن على نفسك أنها لن تنهار في أي لحظة؟!!

بعد إنتهاء الدوام المدرسي الساعة السادسة مساءً،عند باب الجامعة الخلفي، كان موعد اللقاء بين خمسة شبان،المخرج مكتظ بالطلبة،يحمل شافير محفظته السوداء على كتفه الأيسر و يمسك هاتفه بيده اليمنى، يسير بشكل هادىء نحو نقطة الملتقى، يضع هاتفه في جيبه، ثم يلوح بيده لأصدقائه،  هذا هو الروتين اليومي لهؤلاء الطلبة ، صورة حياة طبيعية مسالمة.

بعد مرور خمس ساعات ~

داخل الملعب بجانب المرمى بالتحديد، إثنان يلعبان مع بعض بحركات مشاكسة و مستفزة، الثالث جالس في الأرض،  شافير يقلب قارورة ماء باردة على وجهه و شعره، و إدغار ( صديقه المقرب)  يمسك ركبتيه بيديه من التعب.

•شافير:  إلى أين يجب أن نذهب تاليا؟

•إدغار:  هل تمزح،  انا منهك جدا،  عقلي يفكر فقط في سريري الآن

•الثلاثة الآخرون:

-لدي موعد...

-سأذهب للنادي...

- أمي نادتني خمس مرات...

بدت ملامح الحزن على شافير، لأنه لا يريد العودة للمنزل بالفعل،و الوحيد الذي لاحظ ذلك دون أن يعرف السبب هو إدغار،  الشخص المخلص الذي سيفعل أي شيء لإسعاد صديقه حتى لو كان عدة نكات سخيفة سيئة، استغل فرصة المنظر الذي امامه عندما رفع رأسه لشافير الذي انسدل شعره الأسود على عينيه الرماديتين و قطرات الماء لازالت تلمِّع وجهه الخمري،قميص أسود صيفي زاد فخامة منظره إشراقا.

•إدغار: ألم تعثر على فتاة لك بعد؟

•شافير: لست مهتما بمواعدة النساء هذه الأيام

_بينه و بين نفسه_ : (لست مهتما بالمواعدة أساسا)

•إدغار:  لهذا السبب أنت تشعر بالملل و لا يمكنك إيجاد حل لفراغك

قال هذا رغم أنه يعلم أن ما قاله ليس صحيحا، و أن هناك شيئا ما يزعج صديقه، لكن شخصية إدغار تمنعه من معاملة شافير كأنه يحتاج لشفقته، لذلك يتجنب طرح الأسئلة المباشرة له،  لأنه يعتقد أن صديقه اذا أراد التكلم سيتكلم.

و شافير يدرك جيدا هذه الصفة في صديقه لكنه لن يتكلم أبدا، لأن الكلمات لا تكفي للتعبير،  الكلمات أحيانا لا يمكنها إيصال شيء ربما تزيد الطينة بلة، و ربما لن تشرح حتى فكرة ، الكلمات لن تشرح مطلقا الأمور المعقدة، هذا ما كان شافير متيقنا منه.

الخوف من العودة إلى المنزل،  هذا ما كان يتملَّك شافير هذه السنوات الأخيرة، لأن المنزل يعني الوحدة،  و الوحدة تعني فسح المجال لجميع الأفكار التي تحاول بشدة السيطرة على إنسانية شافير،على طول الرصيف،بينما افترق جمع هؤلاء الشباب، استدار ادغار للخلف و قال: 

•أنا متأكد أنه سيكون بخير كالعادة.

فتح شافير باب منزله، ليستقبله الظلام و الوحدة، وضع المشروبات التي اشتراها على الطاولة،تنهد قليلا، و بدأ يتحدث بصوت مرتفع،قد يبدو هذا جنونا بالنسبة لك؟ أو شيئا غبيا؟ لكنها الوسيلة الوحيدة بالنسبة له حتى ينسى،  حتى لا يفكر في شيء،  حتى يركز في كلماته التي تخرج من فمه فقط:

•سأضع هذه في الثلاجة

•سأستحم بعدها ربما

•سأفعل كذا كذا كذا (بين عشاء و ترتيب و باقي الأمور المنزلية) 

إلى أن وصل لنقطة نهاية هذا الحل، للنوم 

الفصل القادم: 

(الحرب النفسية الشرسة...)

(أتذكر حينها....) 

( ثم طلبت ان يجرح يده؟ لماذا؟؟)

(أنا لا أفهم نفسي...) 

~الخوف من الشيء هو الوجه الآخر للفتنة به~

🌆☔.....................

هل فكرت من قبل كشخص لا يشبهك؟ هل خرجت أفكارك المعتادة التي تمثلك عن المألوف؟ مالذي شعرت به حينها؟ و كيف تصرفت بناءً على ذلك الشعور؟

أغلق شافير أضواء البيت كلها و اتجه نحو غرفته و فتح نافذته، تأمل أضواء مدينته لدقائق، ثم ذهب و ألقى بنفسه على سريره ، تقابلت عيناه مع السقف المظلم، فرفع ذراعه ووضعها على وجهه، يتنفس بهدوء، أنهك جسده و عقله التعب.

•تنهد قليلا: هاه، آووف....

ليخطفه مشهد مروع من ماضيه _أمام أشجار الصنوبر شافير بعمر الخامسة عشر يقوم بإيذاء نفسه_ استيقظ بسرعة ، ازدات نبضات قلبه، ثم أحكم بقبضته على غطائه محاولا تجاهل ذلك، قد يبدو لك الأمر أنه عملية انتحار مراهق؟ كلا، شافير لم تكن رغبته الموت، كانت أسوء من ذلك.

الحرب النفسية الشرسة تتلخص بين ما ترغب في فعله و ما يتوجب عليك فعله و مالذي ستختاره بينهما، بحيث يتصارع شافير طوال الليل مع نفسه ليجد الأجوبة المطمئِنَةَ لها،لينتهي الأمر بفوز أحدهما في نهاية كل صراع.

•شافير: ماكان ذلك؟ نزوة لرؤية الدماء؟! أتذكر حينها أنني كنت أشبه بكلب مفترس  ..!  هل أرغب بإفتراس نفسي؟ 

لم يفهم شافير حالته في تلك اللحظة، ولم يفهم سبب تلك الرغبة لحد الآن، و بما أن هذه الأفكار كُسرت قيودها التي كانت متمثلة في انشغالاته مع أصدقائه و قضاء أكبر وقت ممكن في الخارج، بدأت تتسرب دون توقف.

تذكر شافير أثناء هذه الفوضى، دردشته مع صديق قديم له على أحد مواقع التواصل الإجتماعي، حيث في بداية الأمر كان نقاشهما حول مواضيع متعددة بشكل طبيعي انتهى بهما الأمر لوضع رهان بينهما ، يحدد الفائز رغبته من الخاسر.

•شافير: الفائز في تلک اللحظة كان أنا ثم ... 

ثم طلبت منه أن يجرح يده...

و يرسل صورته لي..

لماذا،فعلت ذلك..؟ 

•استلقى شافير مرة أخرى و نظر إلى السقف :

هل أنا سادي؟

تصلب جسمه و توسعت عيناه لتعبر عن مدى خطورة و رعب هذه الكلمة،هذا الإنسان الذي يحاول بشدة تحسين صورته في المجتمع،رغم أنه فقد والديه في سن مبكرة، إلا أنه حافظ على توازنه العقلي ، و ابتعد عن جميع سبل الانحطاط الفكري و الأخلاقي،و بذل جهدا عظيما في تربية نفسه بنفسه.

•شافير: لا لا،  أنا متأكد أني لست.. مهلا لحظة ماذا لو كنت كذلك؟مالذي يعنيه ذلك حتى؟ أنا لا أفهم نفسي.

الإنسان بالفطرة مجبول على ”الخوف“ من المجهول و في نفس الوقت على  “حبه“ ...

عدم الاستعداد جيدا لمثل هذا النوع من الحروب يعني هزيمة ساحقة، لذلك محاربة المجهول لا تكون بالهرب منه و تجنبه بل بالتعرف على كل جوانبه السيئة و الجيدة ، لأنك اذا هربت ستعود لا محالة لنفس البقعة و بإرادتك الخاصة.

و هذا ما حدث مع شافير.

بينما كان ينتظر أن ينفذ صبره، و صبره ينتظر منه أن يعلن نفاذه...

مجددا..

ملأت الغصة حلقه و جعلت دموعه تتردد  في خروجها، بدأ جسده في التعرق، ازدادت نبضات قلبه، اجتاح الخوف و الحماس كيانه كله، هذا ما يعانيه شافير من حين لآخر ما يعرف ب "التوق لشيء ما يجهل معناه الحقيقي " ، هو لا يريد ذلك،لكن الأفكار لا تغادره، تظل ملتصقة به، تُذكِّره و تحفزه، يصل لمرحلة الجنون ثم يعود مرة أخرى، يفقد نفسه كلها ثم يستعيدها شيئا فشيئا.

الفصل القادم:

(إهتمامه الشديد بصديقه...)

(أنا الذي لست بخير الآن...)

(سيجعله قابلا للإنفجار...)

~ سيلاحقك دائما، ذلك الجزء منك، الذي تخشاه ~

الكبت، مثل نقش الماء في الحجر، مع مرور الوقت ستصبح تلك القطرات رصاصة فتاكة، توشک أن تفجر تلك الصخور المشهورة بصلابتها.

بعد انتهاء الفترة الصباحية،الجانب الغربي من الكلية،ينتظران دورهما في ذلك الطابور..

•إدغار: أرز بالنقانق و بعض السلطة مجففة،و علبة عصير مختلط ، عمال المطعم يفقدون إشراقهم بالتأكيد ، هل كانت قائمة الطعام الصيفية بهذا الشكل دائما... يثرثر

شافير تحت حالة من الشرود الذهني التام _

شخصان من هناك تعالت أصوات ضحكهما و هما ينظران إلى إدغار :

•هل أنت مستمتع بالحديث مع نفسك؟

•هاهاها متى تنضج ادغار؟!

•شخص ما بنبرة غضب : هاي، أنت، هذا وقح

•ثم بنبرة هادئة: هذا يدل على إهتمامه الشديد بصديقه حتى وان كان يتجاهل كلامه.

•ادغار: هاه؟؟ شافير لا يتجاهل كلامي لقد استمع له كله، لكنه ليس ثرثارا فحسب.

•أحد أؤلئك الطالبين: أحب أعذار ادغار هاهاهاها

طبعا هذه الفوضى نبهت شافير للخروج من عالمه الموازي

الفتاة التي تدخلت هي-يول- ذات شعر أسود طويل و وجه دائري لطيف، لديها بعض النمش تحت عينيها الذي كان سببا في سقوط قلب ادغار ذلك اليوم .

•استدارت لتنظر في وجه ادغار مباشرة:

هل يمكنني مشاركة الغداء معكما؟

ادغار احمرَّ وجهه و أذناه من جمال يول، نظر نحو شافير ليتأكد من إجابته، شافير نظر نحو تلك الفتاة قليلا،ثم استدار متجها للمكان الذي اعتاد ان يأكل فيه مع ادغار، فهم مباشرة هذا الأخير اجابة صديقه، و يول التي ظنت انه من المستحيل رفض طلبها تفاجأت بردة فعل ادغار.

•ادغار بعد أن عاد الى طبيعته و هدأ:

آسف يبدو أن صديقي لا يشعر بالراحة لذلك

•يول : لا بأس

على طاولة الطعام ~

بعد أن تبادل الصديقان أطراف الحديث بشأن كل شيء عدا ما يريدون حقا الحديث بشأنه و هو أعماق شافير .

في أحد الأيام بعد الانتهاء من جولتهم كالعادة، حول عدة أماكن بين لعب و أكل و تنزه بينما كان الجميع جالسون بوضع دائرة حول بعض المأكولات الخفيفة، كان ”جيدو“ الشاب الأصغر سنا بينهم يحاول فتح علبته الخاصة.

•ادغار: هاهاهاها كم عمرك لتبذل كل هذا الجهد في علبة مأكولات مجمدة؟

•جيدو الذي قام بربط بعض شعره للأعلى و ترك نصفه منسدل الى رقبته كقصة شعر شعبية، مرتديا بلُّوزة بنية جعلته يبدو كأرنب وسط سلة ملابس -مجيبا لادغار- : 20.. عشرون سنة

•ادغار: هييه أيا كان..

•شافير: دعني أساعدك في فتحها

•جيدو: لا، لا بأس

ادغار و هو يثرثر: هل تعلمون يا رفاق ، الفتاة التي اسمها يول من نادي الموسيقى ، شافير هل تتذكرها!! التقينا بها عند الطابور قبل عدة أيام ،لقد طلبت مواعدتي، الأمر مفاجىء جدا لدرجة أنه أخافني هاهاها

قطع كلامه صراخ جيدو فجأة حيث تأذت يده بسبب غلاف علبته: اووش تبا

•شافير نظر مباشرة نحو يد جيدو : هل أنت بخير ؟؟؟!

•جيدو: انه مجرد نزيف بسيط

ثم أشاح بوجهه للأسفل متمتما بينه و بين نفسه:

أنا الذي لست بخير الآن..

مهلا لماذا أساسا هلعت..

ماهذا الوضع المجنون..

توقف نزيف جيدو و استعاد الجميع المحادثة مجددا بين مشجع و مستهزئء بإدغار، شافير الذي لم يعر انتباها لأي شيء آخر، عدا الحفاظ على هدوئه، مبقيا عينيه نحو الأسفل.

لم يعلم شافير أن تراكم اللحظات و الذكريات سيجعله قابلا للإنفجار في أي لحظة، لم يدرك أساسا أنه كان عليه معالجة هذا الموضوع قبل تفاقمه.

•شافير: سأعود للبيت

•باقي الأصدقاء:

•هاه؟؟! ماذا؟..

•بهذه السرعة لما؟

•لماذا؟

•شافير: لاشيء أنا متعب قليلا

الوحيدان اللذان انتبها أن شافير لم يرفع رأسه قط منذ بداية الحديث بشأن عودته للبيت هو ادغار و جيدو..

تقرب جيدو من شافير ليرى وجهه

•جيدو: هل لديك حمى؟ أنت تتعرق كثيرا

وفي هذه اللحظة بالتحديد أنقذ حدس ادغار الموقف بحيث أوقف يد جيدو عن امساك وجه شافير، لأنه تنبأ بردة فعل شافير، بالنسبة لإدغار فأسوء شيء لديه أن يرى أحدهم الجانب الضعيف من صديقه، كمسؤولية أخذها على عاتقه، سيحمي صورة صديقه المثالية مهما حدث.

هذا ما اعتقده إدغار و لكن..

لم يكن الجانب الضعيف الذي كاد أن يظهر في ذلك الوقت ، بل الجانب السفاح من شافير، كان عقل شافير عبارة عن كومة من الرغبة، التمزيق، الفوضى، التدمير، العبث...

•ادغار: سأعود معه للبيت، استمتعوا يا رفاق

في طريق العودة ~

ادغار بقصة شعر ”كروب“ و قلادة عليها صليب ذهب يركض نحو شافير الذي تقدمه في السير، وضع يده على كتف صديقه متكلما بحماس:

•ادغار : هاي شافير !! أنت لم تكن تستمع صحيح ؟

•شافير: بشأن ماذا؟

•ادغار: سأواعد يول

•شافير لم ينتبه الى انها نفس الفتاة من الطابور:

اوه، حقا، مبارك

•ادغار: أنت غير مبال بالفعل، لكن لن يكون لدي متسع من الوقت مثل السابق هاها

•شافير استدار نحو ادغار بملامح عادية:

لا بأس بذلك

لم يكن يعلم إدغار أن بداية مواعدته ليول ستكون نهاية صديقه، و شافير رغم أنه لم يبتسم قط من قبل الا لحظات قليلة جدا، بدا بشكل عادي انه متقبل لهذا الامر، أن يعيش صديقه حياته بطبيعية، شافير يدرك جيدا أنه قيّد ادغار كثيرا،بسبب شخصيته المضطربة.

مراقبتك الطويلة لظاهر شخص ما، لا تعني بالضرورة أنك تعرفه، جميعنا لدينا ذلك الجانب المخيف الذي لا نريد أن يراه أحد.

لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon

تحميل PDF للرواية
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon