بحث عنها طويلا حتى وجدها بمنزل بإحدى الضواحي، كانت تعيش مع والدتها وأختها الصغيرة، وكن يعانين من الديون التي تراكمت عليهن بعد وفاة والدهن.
أرسل بمدير أعماله شخصيا لوالدة الفتاة يعلمها أنهم في حاجة ماسة لخادمة تقوم على توفير كافة احتياجات مديره بالعمل، وأنه قد رأى ابنتها مسبقا وأعجب بعملها حيث أنها كانت تعمل نادلة في أحد المطاعم، وكان المقابل أموالا طائلة، وعلى الرغم من أن والدة الفتاة أيقنت أن هناك خطب ما وشيء يدعو للقلق إلا أنها أمام الأموال رضخت في الحال.
كانت الأموال سببا وجيها في تغيير وتحسين حياة الأم والابنة الصغيرة بمائة وثمانين درجة، أما عن الابنة الكبرى فإنها ستذوق المرار بعينه ولن يعلم عنها أحد ولا مما تعاني بكل لحظة من لحظات حياتها.
كان الاتفاق ليس كعمل وحسب، وإنما كزوجة أيضا ولكن زواج صوري، مجرد زواج على ورق لا يضمن للفتاة أي من حقوقها الشرعية ولا غيرها، وبكل تأكيد كانت الأم قد تلقت الثمن الذي كان يفوق ما يرضيها بمراحل.
في البداية اعتقدت الفتاة كما أوهمتها والدتها أنها ستتزوج من شاب ثري، وأنها ستضحي بنفسها من أجلهما هي وشقيقتها؛ حاولت الفتاة بالليلة التي تتمناها كل فتاة طوال عمرها أن تتصنع الابتسامة، سلمتها والدتها للشاب بدم بارد.
وقفت الفتاة في غرفة النوم الجديدة التي لم تعتاد عليها بعد وقد تجملت بحيائها، ولكن ماذا يفعل حيائها مع شخص انعدمت الرحمة بقلبه؟!
عاملها بكل وحشية، وعلى الرغم من شعورها بعدم تحمله أكثر من ذلك إلا إنها لم تستطع أن تمنعه فأخلاقها التي نشأت عليها والصفات التي غرسها والدها بداخلها منذ صغرها، فقد كان حريصا على تعليمها كل تعاليم دينها منعتها من دفعه عنها.
كانت الفتاة تشعر بالكثير من الآلام والتي أوغرت قلبها قبل أن تنهك جسدها، لقد ضربها بليلة زفافها بالسوط!، فهل من وحشية تذكر أكثر من ذلك؟!
وفي صباح اليوم التالي جاءتها والدتها وشقيقتها للاطمئنان عليها، وبمجرد أن لمحتهما الفتاة حاولت النهوض ولكنها لم تستطع، لقد كانت مستلقية على السرير ولم يضمد أحد جراحها على الأقل…
ابتسمت الأم ابتسامة واقتربت منها: “وأخيرا شفيت كامل جروحي منك”
تعجبت الفتاة: “ماذا تقصدين يا أمي؟!”
الأم: “أنا لست بأمكِ على الإطلاق، إنني زوجة والدكِ ليس أكثر من ذلك”.
في هذه اللحظة فهمت الفتاة كم الحقد الذي كانت تحمله لها منذ صغرها، كان دوما يدور بذهنها سؤال ولم تجد له جواب: “لماذا تفرق في المعاملة بيني وبين شقيقتي؟!”
وعلى الرغم من كل آلام جسدها إلا أن الآلام التي لحقت بقلبها كانت تفوقها بشكل خيالي لا يوصف، ابتسمت وربتت على ظهرها وكأنها تنذرها من مرار دائم ينتظرها..
أختها الصغيرة بحقد وكراهية: “لقد حجزنا تذاكر ذهاب بلا إياب للولايات المتحدة الأمريكية، ولن نعود من هناك مرة أخرى، لذا نصيحتي لكِ أن تتأٌقلمي على حياتكِ الجديدة والتي كانت سببا في خلاصنا من كل ذل الفقر”.
غادرت الفتاة الصغيرة مع والدتها، أما عن الأخرى المسكينة فقد أصابتها صدمة منعت عينيها حتى من ذرف الدموع والتخفيف من حدة آلام قلبها المجروح.
لم يرحمها الشاب على الرغم من كل أوجاعها، ولكن بهذه المرة بعدما فهمت كل شيء شرعت في منعه وإبعاده عن جسدها الذي صار كل جزء به يحمل الكثير من الأوجاع والآلام، كانت بكل دقيقة تصرخ منه وتناجي خالقها أن يقبض روحها ويجعلها بالمكان الذي تحب مع من تحب وتستريح من كل معاناة الحياة القاسية.
كان بكل موقف يتعمد إيذائها نفسيا وجسديا، ويتعمد أن يهينها ويذلها أمام رجاله وخدمه، على الرغم من أنها كانت تستحي من أفعاله والتي كانت لا تجد لها مبررا إلا إنها أيضا عجزت عن منعها ورده عنها؛ لم تجد بديلا سوى أنها تتقبل الأمر الواقع، كان لا يخشى ذلك الشاب أن يمارس معها كل أساليب العنف ولكن بشكل آخر كأن يقبلها عنوة أمام الجميه، أو يجذبها إليه، في الحقيقة كان يتلذذ بتعذيبها وجعلها جوما تسكب الكثير من الدموع.
في إحدى المرات أراد أن يجعلها يقسو قلبها، فوضع بيدها مسدسا وجعل أمامها هدفا، وأمرها بأن تصيبه بعدما قام بتعليمها فنون التصويب، ولكن الفتاة أول ما رأت الهدف أمامها أصبح كائنا حيا لوحت بيدها بعيدا عنه، لقد أمرهم بأن يضعوا أمامها الجواد التي أحبته وكانت تمضي بالساعات بجانبه تتحدث وتشكو إليه همها، كانت الرصاصة من نصيب اصيص كبير موضوع به فوق المبنى، وقد سقط!
لقد حماها الشاب بجسده وتحمل فتات الاصيص الذي أصابه في ظهره، وعلى الرغم من كل الآلام إلا إنه أبى أن تتأذى الفتاة نفسها؛ كانت هذه اللحظة أول لحظات عمره التي أدرك بها أنه يحبها؛ أراد أن يذيقها الآلام ولكنه ذاقها مثلها واكتوى بنيران حبها وعشقها، كان يشعر بكل ثانية بنيارن الجرم الذي ارتكبه بحق نفسه عندما أحبها، وهو لم يشعر بكل هذه المشاعر والأحاسيس لها من فراغ، ولكنه كان لزاما عليه أن يمنع نفسه من كل ذلك، كان للشاب هدف واحد أن يجعلها حاملا وبعدها يجعلها تفقده وهو لايزال ببطنها!
كل ما فعله الشاب إنما فعله بهدف الانتقام، فللقصة بداية مع هذا الشاب الذي أراد هذه الفتاة بعينها ليذيقها الظلم ويكفرها بالحياة لذنب اعتقد أنها ارتكبته…
كان في صغره يتيما يتجول في الشوارع، وذات يوم كان يسير على قدميه جائعا بلا مأوى، وإذا به يسمع صوت موسيقى يجذبه، فيتجه نحو الصوت ليجدها فتاة جميلة في ريعان شبابها تعزف على البيانو، أسر عزفها قلب الطفل الصغير لدرجة أن نسي آلام الجوع والحرمان الذي كان يعاني بسببهما، قرأت الفتاة على وجهه كل معاناته، ومن يومها تكفلت برعيته وحمايته من العالم الخارجي الذي لا يرحم، كانت تعامله وكأنه أخاها الصغير، كانت تعامله معاملة استثنائية، وفي الحقيقة لقد رأت فيه نفسها، ففي الأصل كانت هي أيضا يتيمة ولكنها ترتب بدار أيتام على غير حالته فلم يجد له مأوى ولا سبيل سوى الشوارع.
أما عن هذه الفتاة فاجتهدت على نفسها، وأنهت دراستها وأصبحت مدرسة موسيقى بإحدى المدارس؛ وعندما تقدم لخطبتها مدرس زميلها بالمدرسة، وافقت على عرضه على الفور ولكن شرطه الوحيد كان أن تتخلى عن الطفل الذي أوته، وبالفعل حققت له رغبته ولكنها كانت قد اتفقت مع أحد معارفها أن يعتني بالطفل لأجلها مقابل مال اتفقا عليه تسدده له شهريا.
كانت الفتاة تتمسك بالعلاقة الزوجية حيث أنها كانت تشعر بأنها أمانها الوحيد بهذه الحياة، ولكنها لم تكن تعلم أن الإنسان الذي وافقت عليه سيذيقها الويلات، أول ما فعله معها أن جعلها تتخلى عن الطفل الذي رأت نفسها به، وثاني شيء كان أن تتخلى عن وظيفتها كمدرسة، وثالث شيء الذي قهرها فعليا هو أن تتخلى عن عزفها على البيانو للأبد.
كانت بكل أمر منه تتخلى وتتنازل لدرجة أنه أوصلها لا تخرج من المنزل ولا أحد يأتيها، وفعلت كل ما أراده منها، وتحملت حتى جاء اليوم الذي قصم ظهرها نصفين وفارقت الحياة إثره، بيوم جاءها الرجل الذي كلفته بالاعتناء بالطفل الصغير يطلب منها الأموال المتفق عليها والتي تأخرت في دفعها نظرا لفقدها كل مصادر دخلها بسبب زوجها، وقفت أمامه تتوسل إليه وترجوه أن يتم جميل صنعه مع الطفل اليتيم الذي لا أبا له ولا أم لدرجة أنها ركعت له، ولكن الرجل لم يكن يملك من الأخلاق الحسنة التي تؤهله لفعل ذلك، فأمسك بها وجعلها تنهض وقام باحتضانها في حالة ذهول منها، وقد كان ما فعله معها كمساومة على تمليكه نفسها مقابل اعتنائه بالطفل اليتيم الذي تهتم لأمره.
كانت هناك طفلة صغيرة لديها قصة معها أيضا، كانت طالبة لديها بالمدرسة طفلة لم تبلغ سن العاشرة من عمرها بعد، وكان والدها قد اشترى لها هاتفا جديدا، وقد سجلت عليه الطفلة بعض الألحان وأرادت أن تسمعها لمدرسة الموسيقى التي تحبها حبا جما نظرا لدعمها الدائم لها وتشجيعها على الدراسة الجدية طوال العام، لذلك ذهبت منزلها وفي فرحة من الطفلة بهاتفها الجديد الذي كان قد أهداه لها والدها فرحة بدرجاتها العالية، قامت الطفلة بتصوير ما تم بين معلمتها والرجل، لمحتها معلمتها في الثواني الأخيرة، قامت بالنداء عليها لتتخلص من ما صورته ولكن الرجل ركض خلفها ليأخذه عنوة منها ويقوم بتدمير الهاتف بأكمله، ركضت الطفلة الصغيرة وأوقعت الهاتف من يديها ولاذت بالفرار من الرجل الذي شعرت بأنه شرير حيث أنه قام بإيذاء المعلمة التي تحبها.
ومن سوء حظها يقع الهاتف بيد أختها الصغيرة التي تأخذه وترى ما فيه، وتقوم بإيصاله ليد زوج المعلمة بنفسها، ما فعلته كان نابعا من مدى حقدها على المعلمة التي كانت دوما تشجع أختها الكبيرة على حسابها نظرا لمدى تفوقها الدراسي، ولسبب آخر أيضا ذات يوم بالمدرسة يوم استلام النتائج النهائية للعام الدراسي لاحظت معلمة الموسيقى مدى اهتمام الأم بالابنة الصغيرة دون أن تلقي بالا لدرجات ابنتها الكبيرة والتي تفوق درجات الثانية بمراحل خيالية، ومن هنا قررت المعلمة أن تعوض الابنة الكبيرة عن قسوة والدتها.
وما إن وصل الهاتف ليد زوجها حتى قام بضربها واتهمها بأنها على علاقة بهذا الرجل، وأن الابن الذي ببطنها ليس بابنه، طردها بأشر طريقة ممكنة، ونكل بها أمام الجموع، جعل الجميع لا يطيقون أن ينظروا بوجهها، وهي مظلومة بكل شيء، عندما وجدت نفسها تواجه مجتمعا ظالما لا يجيد فعل شيء سوى القسوة على الآخرين دون أن يحملوا أنفسهم عبأ التأكد وبيان الحقيقة قبل إصدار أحكامهم، رأت أن أنسب حل لها الانتحار والتخلص من كل حياتها وخاصة بعدما فقدت جنينها إثر ضرب زوجها لها.
توجهت للبحر وألقت بنفسها به، ولم تكن ذات حظ حيث لم يلاحظها أحد ولم ينجدها من المياه العميقة والتي كانت سببا في غرقها، لقد لاقت حتفها ولم يتمكن أحد من الاستدلال عليها سوى الطفل الصغير الذي احتضن مذكراتها بكل يوم بأيام حياتها.
فهي لم تفعل إلا شيئا واحدا قبل تركها للحياة بأسرها، قامت المعلمة بكتابة مذكراتها قبل أن تودع الحياة كاملة، وهذه المذكرات كانت من نصيب الطفل الذي لم يعد طفلا، فقد صار شابا قاده الانتقام لسبل النجاح والتفوق على جميع أقرانه، فقد كان على الرغم من صغر سنه إلا أنه امتلك العديد من المؤسسات بفروع حول العالم.
كان بكل يوم يجدد آلامه وأحزانه بقراءته مذكرات الإنسانة الوحيدة التي أحبها من كل قلبه والإنسانة الوحيدة التي عرف على يديها المعنى الحقيقي للحنو والانتماء، ولكنها فارقته وفارقت الحياة بأسرها، كان يتذكر كلماته وتوسلاته ألا تتركه وتذهب لغيره ولكنها آثرت الابتعاد والزواج بشخص مثله.
وذات يوم وقعت هذه المذكرات تحت يدي الفتاة طيبة القلب، وقرأت كل حرف بها وأيقنت أن كل ما يفعله معها انتقاما لمعلمتها التي لم تحب أحدا بالحياة مثلما أحبتها، فقامت بتحرير ورقة والتي حوت على…
أشكرك على كل ما قدمته لي، لقد عشت معك أجمل اللحظات بحياتي، فعلى الرغم من تعمدك فعل كل يؤذيني إلا إنني في كل مرة كنت أرى بعينيك الندم والحزن لأجلي، إحساس لم أجده في أقرب ما لي، لم أجده في زوجة والدي والتي اعتقدت طوال حياتي بأنها أمي التي أنجبتني وتمنت لي الخير، لم أكتشف حقيقتها طوال سنوات عمري إلا بفضلك.
أشكرك على منحي قرار يخلصني من كل ما ينغص علي الحياة، أعترف بأنني أخطأت عندما فتحت كاميرا الهاتف ووجهتها على معلمتي، ولكني حينها لم أكن أنوي فعل كل هذا لأنني كنت صغيرة، ولو أنك كلفت خاطرك وسألت زوجها لكنت علمت حينها أن الطفلة التي أعطته الهاتف كانت أختي الصغيرة بطلب من والدتي حيث أنهما كانتا تكرهان المعلمة لاهتمامها ولحسن معاملتها لي
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon