في الثاني و العشرون من آذار عام 1900 كنت أجلس أنا و صديقي ستيف هوروود نحتسي قهوة الصباح في غرفته المستأجرة في شارع وول ستريت في مدينة نيويورك ، و ما أن انتهينا من شرب القهوة و إذ باتصال على هاتف هوروود ، يجيب صديقي على الهاتف و بعد أن أنتهت المكالمة يستدير تجاهي مخاطباً ..
" أديسون ، لقد اتصل المفوض .. هناك جريمة حدثت في شارع باوري في مدينة مانهاتن يريدون منا الذهاب إلى هناك لحل ملابسات القضية ، يقول المفوض روكي أنه تحدث جرائم منذ ثلاثة أيام هناك و لا يعرفون من هو الفاعل ، هيا لنذهب إلى مانهاتن الآن " .
...دون أن أتفوه بأي كلمة نهضت و اتبعت هوروود متجهين إلى السيارة كانت السيارة لهوروود سيارة ألفاروميو ذات لون أسود .. و بعد أن قاد هوروود السيارة سألته و نحن في الطريق ...
" هوروود ، قلت أنه تحدث جرائم منذ ثلاثة أيام في مدينة مانهاتن في شارع باوري .. هل برأيك جرائمٌ مخطط لها و هي نفس الفاعل أم ماذا ؟ "
" أعتقد أنها جرائم قام بها نفس الشخص ، تسعة جرائم خلال ثلاثة أيام و كلها جرائم حرق .. هذه ليست بصدفة . "
" ياللعجب ! ثلاثة جرائم في اليوم إذن ! في الحقيقة إنه لغزٌ شد انتباهي ، أتمنى أن نحل هذا الأمر . "
...و بعد مضي الوقت ، وصلنا أخيرا .. الشارع الواحد و الخمسون ، منزل محترق و كانا ضحيتان في الحريق ، ترجلنا من السيارة و توجهنا نحو مفوض المدينة هناك و كان هو ورجال الشرطة قد أحاطوا المنطقة للتحقيق في ملابسات القضية ، و عرفنا له عن أنفسنا ثم رجاه صديقي بمعلومات عن الضحايا ليتفضل المفوض بذلك ، الضحية الأولى كان سيدٌ ماجد اسمه جان سايس يبلغ من العمر ستة و خمسون عاما ، الحالة متزوج .. أما الضحية الثانية كانت سيدة و لكن ما أشار إليه السجل المدني أنها ليست زوجته ، سأل هوروود المفوض عما إذا كانت السيدة ثرية ليجيبه المفوض بلا ، شكرنا المفوض ثم توجهت أن و صديقي إلى داخل المنزل المحترق لنبحث عن شيء يدلنا عن هوية القاتل أو من هذا القبيل ، و بينما نتفقد المنزل وجدت قطعة حديد و عليها قطرات من الدماء ، فأخذتها أما هوروود كان يتفقد الجثث المحترقة ، و بعد أن تفقد الضحايا إلتفت إلي و قال لي : هذا ليس بحادث إنها جريمة مفتعلة يا أديسون . سألته كيف أصبح متأكداً من ذلك ؟...
" أديسون ، إن أحببت تقدم و تفحصت السيد سايس ، يظهر لي آثار ضربة في جبين جمجمته من غير كل بقية مناطق رأسه ، و قطعة الحديد التي بيدك عليها قطرات دماء و هذا يعني أن الضحية رأت وجه القاتل و قد قام القاتل بضربه على رأسه و من ثم حرق البيت و لكن السؤال هنا ، أين كانت الضحية الثانية ! يجب أن نسأل المفوض أين وجدت الجثة الثانية في البيت . "
...و توجهنا إلى المفوض لنسأله عن مكان الجثة الثانية حيث وجدت في غرفة النوم عند باب الغرفة بينما كان السيد سايس في غرفة المعيشة و هذا معناه أن السيدة المقتولة كانت بالحمام الذي داخل غرفة النوم و أثناء الحريق خرجت منه و لكن النيران كانت قد أكلت المنزل و حُرقت السيدة قبل وصولها باب الغرفة و لكنها سقطت عند الباب بعد تلاشي روحها ، سئم هوروود من الأمر لعدم وجود أي شيء يرشدنا للقاتل فقرر الذهاب إلى الغرفة الجديدة التي أستأجرناها في شارع باوري و قال بأنه سيكمل التحقيق في صباح الغد ، توجهنا إلى الشقة و فور وصولنا نزع هوروود جاكيت الطقم الرسمي الذي يرتديه و فك ربطة عنقه الزرقاء ، و جلس على مكتبه بينما جلست أنا على الأريكة مسترخيا و أغمضت عيناي ، بينما أشعل هوروود سيجارته و بدأ يستنشقها فهو عندما يواجه قضايا لا يملك أدلة لحلها يدخن بشكل مفرط و يبدأ بالتفكير ، و من عادة هوروود لا يدخن السجائر الجاهزة بل يشتري التبغ و يلف سيجارته بنفسه فهو يقلل من التبغ في الورقة لكي لا تصبح رائحة فمه كريهة جدا و يغسل أسنانه مباشرة بعد التدخين ، و لكن كما قلت عادته السيئة يدخن إلى حد مفرط عند مواجهة قضية صعبة كما الآن تماما لم يمر سوى عشر دقائق على دخولنا الشقة و كان قد أشعل سيجارته الثالثة و لكنه سرعان ما أطفأها ليقول : " هيا أديسون ، سنذهب " ....
...و كنا قد توجهنا إلى منزل عائلة السيد سايس ، و في الحقيقة منذ أن دخلنا المكتب راودني تفكير و قد شاركته لهوروود بالسيارة : ألا تعتقد بأن زوجة السيد سايس هي من قتله ؟ بما أن الضحية الثانية اتضح أنها عشيقته ؟ ...
" لا أظن بأنها تعلم أن لدى زوجها عشيقة "
...و بعد نصف ساعة من الطريق توقفنا عند مانهاتن العليا فوق شارع 96 ، و سألنا أحد المارة عن عائلة السيد سايس و أين تمكث فأجابنا الرجل بأنهم يقطنون في شارع كنال و هو شرق غرب مانهاتن السفلى ، و بعد مضي الوقت وصلنا أخيراً منزل عائلة الضحية ، رحبت بنا السيدة سايس و تفضلنا بالدخول و الجلوس و بدأ هوروود بطرح الأسئلة عليها .....
" أود أن أعرف سيدة ماربل هل أنت و زوجك كنتما في حالة خلاف ؟ "
" أبداً سيد هوروود ، علاقتي مع زوجي جيدة جداً و دائما ما يدللني و كان قد وعدنا و الأولاد للذهاب إلى المطعم بعد عودته . "
" في أي ساعة غادر زوجك البيت و أين ذهب و متى يعود في غالب الأحيان ؟ "
" غادر الساعة السابعة صباحاً ذهب إلى عمله ، و يغادر الشركة الساعة العاشرة ، عاد للمنزل بحدود الساعة الواحدة ظهراً و ذهب إلى أصدقائه الساعة الرابعة عصراً .. يقضي مع أصدقائه ثمان ساعات أخبرني أنه يلعب معهم لعبة الورق .. "
" ما هو عمل زوجك ؟ و من هم أصدقائه ؟ "
" يعمل في شركة صحف ، البناء العشرون من شارع باوري ، لا أعلم من هم أصدقائه " .
...شكر هوروود السيدة ماربل و طلب منها رؤية الأولاد ليسألهم بعض الأسئلة ثم انصرفنا متجهين إلى السيارة ليقول هوروود أن السيدة ماربل لا تعلم بأمر عشيقة زوجها و أولادها أخبروني أن آباهم يذهب عند أصدقائه لمدة ثمان ساعات و هو عدد الساعات الذي يقضيه عند عشيقته أي أنهم لا يعلمون شيئاً عن أمرها فالأولاد لا مصلحة .. قاطعته بقولي أن القاتل إذن هو شخصٌ يعمل معه في الشركة ، و لكنه بقي صامتاً إلى أن وصلنا المنزل و خلدنا للنوم ...
...و في صباح اليوم التالي أيقظني هوروود مبكراً للذهاب إلى شركة رايث انفرميشن ، و هي الشركة التي كان يعمل بها السيد سايس و بعد مرور أربعون دقيقة ترجلنا من السيارة و اتجهنا إلى مدير الشركة ، السيد كلارك هدسون و كان يبلغ من العمر خمسون عاماً جسده متوسط البنية لكن وجهه نحيف و أنفه طويل بعض الشيء و ذو بشرة حنطية و شعر برتقالي ، يرتدي ملابس باهظة الثمن ، سأله هوروود مباشرة : السيد جان سايس كان يعمل هنا أليس كذلك ؟ ...
...رد السيد هدسون بهدوء و برود بنعم ، ثم أخبره هوروود أنه يريد أن يسأله بعض الأسئلة تتعلق بالضحية و عندما كان سيطرح سؤاله عليه قاطعه اتصال على هاتفي فأجبت و فزعت ، تماماً كما فزع صديقي الليلة الماضية بنفس الكلمات ، غادرنا أنا و هوروود الشركة مسرعين دون أن نحقق مع المدير و قاد هوروود العربة و سألني : أين المكان هذه المرة جاك ؟ ...
...فأجبته بأنه بعد شارعين من بيت الضحية سايس ، فقال لي : ما رأيك يا أديسون ؟ من هذا الذي يقتل الناس حرقاً ؟ و الغريب أنه لا يوجد سرقات !؟ ...
...بقيتُ صامتاً إلى أن وصلنا المكان و من بعد أن ترجلنا من السيارة توجهنا لنحصل على معلومات عن الضحايا .. ضحيتان أيضاً الأولى هو السيد لانكس هيتوس الذي يبلغ من العمر ثلاثة و ثلاثون عاماً ، غير متزوج و لكنه كان عند عشيقته ، رجل ثري فهو مهندس و كان يأتيه في اليوم أربعة مشاريع ، أما السيدة فهي فتاة تبلغ من العمر خمسة و عشرون عاماً اسمها سرابيل لوتشي ، و قد تفقدنا البيت بالكامل و قد وجدنا به صندوق خشبي لم يمسه الحريق و قد كان مليء بالذهب و العملات الذهبية و هذا يدل أنه لا سرقة .. لم يُسر صديقي هوروود من هذه الأحداث و طلب مني أن أعود للشركة لاحقق مع السيد هدسون بينما ذهب هو ليسأل بزقاق أخرى ، وصلتُ الشركة و جلست مع السيد هدسون وأخذت أسأل به : أين كنت البارحة الساعة الرابعة عصراً يا سيدي ؟ ...
...لقد تمتم بالبداية ثم قال : أعلم أنك تريد أن تصل إلى نتيجة بشأن جان و لكن صدقني لا علاقة لي بالأمر يا سيد أديسون ....
...في الحقيقة شككتُ به فأنا لا أحب المماطلة بالحديث و عدم الإجابة بوضوح ، ثم كررت سؤالي مجدداً ليجيبني : كنت في البيت و بقيت إلى حدود الساعة الثامنة و من ثم عدت إلى الشركة ، بإمكانك التأكد من ذلك ....
...و بعد أن أجابني طرحتُ عليه سؤالاً آخر و من ثم على بعض الموظفين و بعد أن حصلت على الإجابات انصرفت متوجها إلى مكان الحادث الجديد مقتنعاً بأن الأجوبة التي حصلت عليها لن تفيدنا بشيء في مجرى التحقيق .. و بعد أن وصلت وجدتُ هوروود قد وصل قبلي و سألني عما حدث و أخبرته بالتفصيل و عندما سألته إن كان قد وجد شيئاً فقال لي : ألا ترى بأن هناك شيئاً غريباً في الأمر يا أديسون ؟ ثلاث ضحايا في يوم ، كل ثمان ساعات ضحية ! ...
...فسألته : لم أفهم ، ألم تصل لشيء بعد يا هوروود ؟ ...
..._ بلى ، لقد عرفت القاتل ....
...في الواقع دهشت بشدة عندما قال لي عرف القاتل فلم افترق عنه سوى ساعة فقط فمالذي تغير خلال هذه الساعة ! ...
_ لقد تجولت الأزقة و الأحياء و سألت الناس يا أديسون ، و كما قال المفوض منذ أن استلمنا هذه القضية ، هذه الحرائق تحدث من ثلاثة أيام كل يوم ثلاث جرائم ، قال لي أحد جيران بيت عشيقة السيد سايس بأن رجلاً قصير القامة يحوم بالقرب من البيت قبل ساعة من وقوع الحادثة و عندما سألت أحد الناس في الشارع الثالث من باوري قال لي مشيراً إلى بيت بأن صاحبه خرج ليلة وقوع الحادثة مسرعاً كالمجنون و بعد أن انصرف السيد بقيت أراقب ذلك البيت لمدة خمس دقائق و إذ بذالك الرجل يخرج من البيت و كما تم وصفه لي ، قصير القامة و سمين و وجهه مترهل و بعد أن تأكدت من ابتعاده من الشارع تسللت إلى منزله من نافذة غرفة النوم و بعد البحث يا أديسون وجدت محفظة بها هويته ، اسمه جوغوسي توناكس يبلغ من العمر ستة و ثلاثون عاماً و لكن إن رأيته تقول أنه بالستون .. ليس هذا المهم بالنسبة لي فقد وجدت أيضاً بمنزله كيساً من الكوكايين و ورقة على طاولة مكتبه مكتوبٌ عليها " الساعة الثانية عشرة سيكون هناك " و وجدت في حديقة منزله بالقرب من الباب علبة ثقاب و زجاجة يصل فيها البنزين إلى النصف ، غادرت قبل عودته و أتيت إلى هنا .
_ و ماذا بشأن الورقة ؟ يبدو أن هناك شريكاً معه !
_ أظن أن الورقة هي موعد تنفيذ الجريمة التالية ، كل ثمان ساعات ، الساعة الثانية عشرة و الان الساعة التاسعة أي بعد ثلاث ساعات سيرتكب جريمة جديدة و كتب هذا على ورقة لأنه يشتم الكوكايين و قد ينسى ، أو ربما هي موعد للقائه بأحدهم .. سنعلم قريبا يا أديسون .
...و بعد أن جاء المفوض شاركناه بعض المعلومات و من ثم قصدنا السيارة متوجهين إلى منزل جوغوسي .. طرقتُ الباب ثلاث مرات و لكن لم يكن من مجيب ، تفقد هوروود المنزل من النوافذ و رأى أنه مستلقي على الأريكة في غرفة المعيشة فاتحاً عيناه و مخرجاً لسانه كالذي فقد حياته ......
...سحب هوروود مسدسه من خاصرته و ركض نحو الباب .. يبدو أنه قد قُتل ، اكسر الباب يا أديسون ...
...كسرتُ الباب و اقتحمنا المنزل .. كان جوغوسي قد قُتل بالفعل ، قُتل خنقاً و كانت آثار الحبل واضحة على عنقه ، أبلغنا رجال الشرطة و المفوض و سارعوا بالقدوم ، حيث أخذنا الضحية و أغلقنا المكان بالأشرطة ، تقدم المفوض نحونا و قال : ما رأيكما حول هذا ؟ إن كان القاتل قد قُتل ؟ ...
...أجابه هوروود مظهراً الورقة : هناك شريكٌ معه يا سيدي ، انظر إلى هذه الورقة فالموعد الذي بها هو موعد حدوث جريمة جديدة بلا شك ، فالساعة الآن العاشرة إلا عشرُ دقائق و الموعد الذي بالوقة الساعة الثانية عشر و لو كان هذا موعد لقاء بينه و بين شريكه فلوجدناه مقتولاً بعد ساعتان و عشرُ دقائق إن كانوا قد قرر تصفيته ، و إن كان موعد للقاء أحد أصدقاءه أو الجيران لوجدنا الورقة معلقة في تلك اللوحة التي على حائط غرفة المعيشة و التي تحتوي ما سيفعله خلال اليوم و لكنها كانت بحقيبة صغيرة بها بعض النقود المعدنية و هذا يعني سرية الورقة بالنسبة له و ليست مجرد موعد للقاء بأحدهم ، و لهذا لا يوجد سوى الاحتمال الاخير و هو موعد حدوث جريمة جديدة فقد مر ست ساعات على الجريمة الأخيرة و بقي ساعتان على جريمة جديدة ...
" تحليلٌ منطقي سيد هوروود و لكن ما الحل سنستمر بمشاهدة الجرائم هكذا ؟ و لم أفهم لماذا الشريك قام بقتل جوغوسي ؟ "
أجاب هوروود واضعاً احتمالا جديداً : " أظن أن جوغوسي أخبر رفيقه بأن الورقة اختفت من منزله ، فجاء شريكه و قتله و هذا يثبت بأن الورقة موعد لجريمة و لا يعقل أنه سيقتل شريكه من أجل موعد لقاء "
" هذا جيد و لكن شريكه من أين سيعلم أن من أخذ الورقة سيفهم ما معنى الموعد الذي بها ؟ "
" إن كل هذه مجرد احتمالات سيد جايسون و لكنني متأكد أن الموعد هو موعد جريمة جديدة ، سنرى هذا بعد ساعتان فبالنتيجة حتى لو عُلم الموعد فلم يُعلم من الضحية و لهذا لن يتراجع القاتل عن تنفيذ جريمته . "
...انصرف المفوض و رجال الشرطة بينما قال لي ستيف أن نتفحص البيت مرة أخرى و بعد خمسُ دقائق من التفتيش جائني هوروود و بيده رسالة و بها صورة شخص قد ثُبتت بالرسالة من خلال الشمع ...
...و قال : لقد وجدت هذه الرسالة بإحدى الكتب في المكتبة ، تم إرسالها من طرف شخص اسمه فيلز أودار ، في الرسالة يترك عنوان سكنه أيضاً ، هيا أديسون سنذهب لنتعرف على هذا الشخص ...
...في الحقيقة القضية بدت ممتعة لي فقد بدأت تنحل أمورها المعقدة ، توجهنا إلى العنوان المكتوب في الورقة و قد قرعنا جرس منزل ذاك السيد و لكنه لم يجيب ، حيث توجهنا بعد ذلك إلى إحدى البيوت نقرع الجرس لنسأل عن فليز أودار ، أجابنا سيدٌ ماجد اسمه رافايل داڤو و سألناه عن ذاك أودار .....
" أرجوكما ، ل.. لا تقتربا منه يا سيدي ، هذا شخصٌ مجرم و خطير جداً و يشرب الكحول إلى حد مفرط و قد قتل رجلاً مسناً بالسكين قبل ثلاث سنوات ، و سجن لمدة سنة واحد و بعدها خرج لا أعلم كيف يحكم على مجرم مثله لمدة سنة فقط . "
" لقد ذهبنا لمنزله لكن لم يجب ، ما الخطب ! هل تعرف أين يمكن أن يكون ؟ "
" إنه لا يأتي لمنزله أبداً لم أراه قط يأتي إلى منزله ، إنه يقضي أوقاته في حانة في الشمال الشرقي من هنا اسمها حانة النسيان فكل من يذهب إليها ينسى همه ، يمكنني القول أنها أقذر حانة في مانهاتن كلها ، فهي بمنطقة مهجورة تقريبا و كل شيء في تلك الحانة مباح و لا يوجد شرطة لتضبط تلك الحانة ."
...شكرنا السيد رافايل و انصرفنا إلى السيارة لنتجه إلى الشمال الشرقي إلى حانة النسيان ، و بعد أن وصلنا دخلت أنا و صديقي الحانة ، حقاً كانت كما وصفها لنا ذاك السيد الماجد فكانت قذرة جداً حيث المقاعد و الطاولات متسخة بالنبيذ المسكوب و جميع من في الحانة يشربون النبيذ و يدخنون السجائر بكثرة و هناك من يشتم الكوكايين و يتناول الحبوب المخدرة ، حيث أنه رائحة الحانة مزجت برائحة الخمر و التبغ ، توجهنا إلى الساقي لنسأله عن أودار و أشار إليه و قال : ذاك هو ....
...كان جالساً في زاوية من زوايا الحانة و بجانبه كيسُ كوكايين لم يتبقى منه الكثير و كان مازال يشتم ، توجهنا نحوه و بدأنا نسأله ، في الحقيقة لم نواجه أي صعوبة في استجوابه ، على العكس فقد أخبرنا بكل شيء دون أي معاناة فهناك مقولة تنص " الثمل يقول كل ما في قلبه " و باشر هوروود يسأله .....
" ما علاقتك بجوغوسي توناكس ؟ "
ابتسم الثمل و قال : " إنه صديقي في القتل هه هه "
" و لماذا قتلت صديقك في القتل ؟ "
" لستُ أنا من قتله ، هذا قانون عصابتنا .. من يكشف أمره يتم تصفيته و أنا و توناكس من نقوم بعمليات الحرق تلك و القانون يقول أنه يجب مراقبة المكلفين بالمهمات و عندما راقبوا منزل توناكس رأوا رجلاً يتسلل للمنزل و بهذا كُشف أمر توناكس و تم تصفيته"
" لماذا تقومون بعمليات الحرق تلك ؟ و من هو الذي يترأسكم ؟ "
...لم يُجيب فيلز عن السؤال الأخير لهوروود و قد مال رأسه إلى الجهة اليمنى ، و وضع هوروود يده على عنق فيلز ليرى أنه قد فارق الحياة نتيجة شمه المفرط للكوكايين ، و قد استدعينا رجال الشرطة و قد تم أخذ جميع من في الحانة إلى العناية الصحية و صاحب الحانة إلى السجن و قد أغلقنا تلك الحانة للأبد .. و من ثم توجهنا إلى شقتنا و جلسنا في المكتب ، كنتُ قد سندتُ نفسي على الأريكة و هوروود كان قد جلس على كرسي مكتبه ، تعجبتُ من عدم إشعاله سيجارة ليدخنها كما يفعل في كل مرة يستصعب فيها من قضية ، و فجأة نهضة متوجهاً لإحدى الرفوف ليأخذ إحدى الملفات ، نهضت من الأريكة و اتجهت نحوه لأرى قائمة بأسماء جميع الأثرياء الذين يعيشون في شارع باوري .. كانت أول ستة أسماء قد تم قتلها و جميعهم قتلوا بالحرق و هم نفسهم الضحايا الذين نحقق بأمر قضاياهم منذ وصولنا باوري ، و كان الاسم السابع سيد اسمه داليد أوجورس و تبلغ ثروته مليونان دولاراً ، بقي أربعون دقيقة لحدوث جريمة أخرى .. ...
...قال هوروود : أتعلم يا أديسون ؟ ، هناك خلافٌ بين أفراد العصابة تلك ....
...قلت له : كيف استنتجت ذلك ؟ ...
...قال : انظر ، في كل الجرائم التي حدثت لم يسرق أولئك الأثرياء قط ، و كانوا متفاهمين لحين قتل جوغوسي ، و دأب الخلاف بعد ذلك و لو لا يوجد خلاف بينهم لجاء أحدهم و قام بتصفية فيلز قبل أن نصل إليه في الحانة ، فهو قال أنه مراقب هو و جوغوسي و منازلهم أيضا ، أي أنه من المفترض منزل فليز كان مراقباً و عندما يرانا ذاك الشخص الذي يراقبنا بأطقم رسمية سيثيره الشك بأننا مخبرين أو محققين و كان ليذهب لقتل فليز خاصة إذا رآنا نسأل الجيران ، و لكن هذا كله لم يحدث و هذا يعني أنه هناك خلافاً بين أفراد العصابة جعلهم يتركون تعقب ذاك المجرم ، و أظن أن الخلاف هو حول سرقة تلك الضحايا و أظن أيضا أن الخلاف مؤقت و كان لصالحنا ، فلا يوجد زعيم عصابة سيتخلى عن أفراد عصابته فالضحية القادمة أعتقد سيقومون بسرقتها قبل حرقها و لكن دعني أقول أن الخلاف حتى و لو كان مؤقتاً فهو لمصلحتنا لقد أصبح لدينا معلومات كافية للإطاحة بالمجرمين ...
...صرخت بدهشة .. يا إلهي ! أنت حقا بارع يا هوروود ، حسناً ماذا الآن ؟...
...الآن الضحية القادمة هو السيد داليد أوجورس ، مازال هناك نصف ساعة لوقوع الجريمة و منزل هذا السيد لن يستغرق سوى خمس دقائق بالسيارة ، هيا يا أديسون ، و بينما كان يقود هوروود سيارته قال لي : نسيت إخبارك يا أديسون بأن الضحايا الستة أثرياء و لديهم عشيقات جميعهم ، و السيد أوجورس أيضاً مثلهم لديه عشيقة و هذا يعني أنه سيتم حرق بيت عشيقته .. توقف هدسون عن القيادة و ترجل من السيارة ليتجه إلى الهاتف العام الذي بالشارع ليتصل بالسيد أوجورس حيث كان رقم هاتف شركته مدون في ذاك الملف و قد أجاب السيد أوجورس و أخبره أنه بالشركة و كاد يغادرها و قد دار حوار بينه و بين هوروود حيث قال له هوروود أنه يعلم أن لديه عشيقة و أن هناك أمراً مهماً يريد أن يتحدث به معه و مع عشيقته و بعد أن شرح هوروود بعض التفاصيل للسيد أوجورس حصلنا على عنوان منزل عشيقته و توجهنا إلى هناك قبل وصول السيد أوجورس .....
...و بعد عشرُ دقائق وصل السيد أوجورس للمنزل و قد جلسنا معه و شرحنا له أمر تلك العصابة و الحرائق التي تحدث و أنه سوف يأتي أحد المجرمين لاغتياله خلال عشر دقائق و قد طلبنا منه إغلاق الباب بإحكام و جميع النوافذ بإستثناء نافذة غرفة النوم و قد وضعنا خطة محكمة بحيث فور رؤيتهم للمجرم الصراخ لأخرج أنا و هوروود من الغرف التي نختبأ بها ، و بعد عشر دقائق جاء ذاك المجرم و كان بيده عصا حديدية و قد دخل من الثغرة ( أي نافذة غرفة النوم ) و توجه لغرفة الجلوس و فور أن رأته عشيقة السيد أوجورس صرخت و قد خرجنا فوراً أنا و هوروود و ألقينا القبض على المجرم .. حيث استدعينا رجال الشرطة لحماية السيد أوجورس و أنا و هوروود أخذنا ذاك المجرم للقسم للتحقيق معه ...
..... دخلت أنا و هوروود غرفة التحقيق لاستجواب المجرم المسمى براديڤ هيسوك لعل شكله يضحك لكنه مجرم بحق ، ضعيف الجسد ، لا يتجاوز طوله المئة و الخمسون سنتمتر ، شعرٌ خفيف و ملابس مهترأة بعمر السبعة عشر عاما ، سأله هوروود عن علاقته بجوغوسي توناكس و فليز أودار ، حيث بقي الفتى صامتاً و قد سأله صديقي عدة أسئلة لكنه لم يجب عن أياً منها على الرغم من غضب هوروود و ضمه لقبضة يده و كاد يضرب ذاك الفتى إلا أنه نطق أخيراً : لا يمكنك معرفة شيء مني حتى و إن لكمتني ...
...ضحك هوروود ثم خاطب الشرطي الذي يقف معنا قائلاً : اتصلوا بوالدة هذا الفتى لتأتي ....
...و في حال سمع الفتى هذه العبارة فزع على الفور و صاح بأعلى صوته : أرجوك سيد هوروود ، عائلتي لا يعلمون بهذا الأمر ، إن علم أبي المريض بهذا سيموت قهراً و سيفقد أخوتي الصغار ثقتهم بي ، ناهيك عما سيحدث لأمي ، أرجوك توقف ....
" أجبني إذن ، لماذا سيفقد أخوتك ثقتهم بك ؟ "
" كل أسبوع أعود للمنزل بمبلغ قدره خمسون دولاراً و أخبرهم أن هذا نتيجة بيعي للجرائد و الصحف و لا يعلمون حقيقة أمري ، أبي مريض عاجز و أمي كبيرة بالسن أيضاً و أنا أملهم الوحيد لجلب المال "
" و لكي تجلب المال تقتل الناس و تصبح مجرم !
حسناً أخبرني الآن ما علاقتك بتوناكس و أودار ؟ "
" كانا يعملان معنا "
" و لماذا لم يأتي أحد لتصفية أودار مثلما فعلتم مع توناكس عندما كُشف أمره ؟ "
" كنا في خلاف مع سيدنا و لذلك لم نهتم لأمر أحد و كنوع من العصيان كسرنا القاعدة و لم نراقب المكلف الآخر بالمهمات ، لكن تم حل الخلاف فيما بعد ، بعد أن اتفقنا على سرقة كل ضحية ، كنت سأسرق منزل السيد أوجورس بعد أن أقتلهم ثم أحرق المنزل حسب رغبة الزعيم "
أخرج هوروود دفتر ملاحظاته و دوّن ما قاله الفتى ثم سأله : ما اسم سيدكم ؟
" هارفرد .. هارفرد ماريدي " .
...دوّن هوروود الاسم في دفتر الملاحظات ثم خرجنا متوجهين إلى مكتب المفوض جايسون لنطلعه على ما هو جديد و عندما أخبرناه عن اسم هارفرد ، قفز من مقعده و ظن بأن الفتى الشاب يخدعنا فقال المفوض : هل جننتما ؟ ما هذا الذي اسمعه !...
...هارفرد ماريدي لقد مات مع زوجته و ابنته أثر حادث حريق في منزله قبل ثلاثة أشهر و اختفى في اليوم نفسه في نفس الساعة التي وقعت بها الحادثة جاره اسمه السيد جورج ونسون .. التقرير كان يقول بأن أسطوانة الغاز انفجرت في المنزل و ماتوا ثلاثتهم لكنني أعتقد بأنها جريمة قتل و ورائها هذا المسمى بونسون بما انه اختفى ساعة وقوع الحادثة ، لكننا لم نملك أي دليل تثبت أنها جريمة و سُجلت القضية بأنه مجرد حادث عادي .....
...قال هوروود : سيد جايسون ، يبدو أن هناك لغزاً في القضية التي تتحدث عنها الآن ، هل شُرحت جثة الرجل و كانت بالفعل للسيد ماريدي ؟...
..._ الجثة احترقت بشكلاً كامل و تشوهت حيث لا يمكن تشريحها ، لكن هذا لا يتطلب ذكاءاً فإن الأمر واضح قُتل بجانب زوجته من طرف ونسون ...
..._ حسناً ، أمهلنا بعض الوقت و سنكتشف لغز هذه الجريمة سيد جايسون ....
...ثم انصرفنا إلى شقتنا و كالعادة يجلس هوروود على مكتبه و يشعل سيجارة ليدخنها و أنا انظر به مراقباً حركاته ثم يسألني إن كان لدي خطة للإطاحة بالمجرم هارفرد و رجاله .....
" نعم ، في الحقيقة لدي خطة يا صديقي ، بالاتفاق مع السيد أوجورس .. نفرغ شركته من كل رجال الأمن و نفرغ النقود سراً ، ثم بعد ذلك ننشر خبراً في الجريدة ينص على وجود مسابقة داخل الشركة و أن هناك جائز مالية .. فور سماع اللصوص الخبر سيأتون للشركة على أساس أنهم سيشاركون بالمسابقة ،
و عندما يستكشفون الشركة و يرون أنه لا يوجد رجال أمن بها سيقررون اقتحامها و سرقتها بعد أن يتأكدوا بأن الشركة لن يكون فيها حراسة ، و خلال هذا نكون نحن و رجال الشرطة مختبئين في غرف الشركة منذ بداية اليوم بملابس مدنية على أساس أننا مشاركون بالمسابقة لكي لا نثير الشكوك و ليطمئن هؤلاء اللصوص "
" جميل ، هيا انهض لنذهب إلى السيد أوجورس و نباشر بالأمر "
...و نحن في طريقنا إلى السيد أوجورس سألت هوروود : هل أنت متأكد بأن هارفرد على قيد الحياة و أنه هو وراء هذه الجرائم ؟ ...
...قال : نعم جاك ، متأكد عند القبض عليه سأخبرك بالتفاصيل ....
...و ذهبنا لشركة السيد أوجورس و شرحنا له الخطة و قد اتفقنا أن ننفذها الخميس القادم أي بعد يومين ...
...و عندما حل يوم الخميس الساعة الثانية عشر ظهراً قد جاء العديد من الناس للمسابقة و استمرت حتى الرابعة عصراً .. و أخبرنا الجميع بعد انتهاء المسابقة بأننا سنعلن عن الفائز الجمعة في تمام الساعة العاشرة صباحاً ، و بعد ذلك غادر الجميع الشركة بإستثناء ثلاثة أشخاص كانوا قد ذهبوا في منتصف المسابقة إلى المرحاض في الطابق الثاني و الثالث و لم يغادرو المرحاض و بهذا علمنا أنهم اللصوص ، و عند حلول الليل قد خرجوا متوجهين إلى مكتب السيد أوجورس بينما خرجتُ لهم أنا و هوروود بأسلحتنا و معنا بقية رجال الشرطة .. و ألقينا القبض على ثلاثتهم و كان بالفعل هارفرد ماريدي حياً و مع رجاله الاثنان الآخران و كان هو من يترأس تلك العصابة ، أخذنا الجميع للقسم إلى المفوض جايسون للوهلة ذهل المفوض و قال : كيف ذلك ؟ كيف هارفرد حي و لم يمت !!...
قال هوروود سأشرح لك سيدي : " لدى السيد ماريدي زوجة و طفلة ، كانت زوجته تخونه مع جاره السيد ونسون كل ليلة تقضي معه ثمان ساعات ، اكتشف ماريدي خيانة زوجته له و لم يتحمل عقله ذلك ، فوضع خطته المحكمة و قام بحرق زوجته و طفلته و جاره العاشق في منزله ، و بعدها أصبح مريضاً نفسياً اتخذ من الضحايا عدد الجرائم التي سيرتكبها في اليوم و هي ثلاث جرائم و هذا عدد من حرقهم أي زوجته و عشيقها و ابنته و بالطبع هذه الثلاث جرائم ستوزع على اليوم كل ثمان ساعات ضحية و هو عدد الساعات الذي كانت تقضيه زوجته مع عشيقها ، و أصبح بعد ذلك يبحث عن أثرياء المدينة لأنهم يعلم أن الأثرياء سيكون لديهم مجون و قام بجرائم ضد الرجال الذين لديهم عشيقات و يخنون زوجاتهم و بحرق الفتيات اللواتي يعشقن و يسلبن الرجال من أزواجهم و الحرق هي الطريقة التي قتل بها زوجته .. لقد جائني هذا الاستنتاج قبل إلقاء القبض عليه ، لأن لو الفاعل كان ونسون فلن يكون غبياً ليظهر الأمر كحادث ألا و هو انفجار اسطوانة الغاز ، و غيابه في نفس الوقت الذي تقع به الحادثة ليثير الشك حول نفسه لكنها كانت خطة جيدة من ماريدي فإن كُشف أمر الحادثة بأنه جريمة فستسعى الشرطة وراء ونسون و سيبقى ماريدي مرتاحاً لأن الجميع كان يظن أنه مات ، تماما مثلما كنت تشك بأن الفاعل هو ونسون يا سيد جايسون .
......#انتهى#......
...في صباح الثامن من أيار نحو الساعة العاشرة ، كانت هناك محاكمة لأخطر المجرمين في شارع فولتون حيث كان هذا المجرم يتم البحث عنه منذ ما يقارب سبعة أيام أثر جريمة قتل ارتكبها ضد أحد المارة في الشارع بعد خلاف دار بينهما ، ناهيك عن سوابق هذا المجرم ، فقد كان في سجله الإجرامي عشرُ سرقات و عملية سطو مسلح لإحدى شركات السياحة .. كان قد سُجن قبل ذلك خمس سنوات و تم الإفراج عنه قبل أربعة أشهر .....
...و اليوم قد حانت الساعة العاشرة لمحاكمته بعد ارتكاب جريمة القتل حيث كنت أنا و صديقي هوروود في قاعة المحكمة و القاضي باران بيكوتانو و أهل الضحية فوسكي موران ، ساميو موران ، و بانا موران ......
...و بدأ القاضي بالتحدث و سمع لكلاً من المتهم و المحامي و أهل الضحية ، و بعد ربع ساعة من النقاشات فقد أصدر القاضي حكمه على المتهم و كان الحكم بالسجن عليه لمدة ستُ سنوات و قام أهل الضحية بإعتراضهم على هذا الحكم إلا أن القاضي نطق " رفعت الجلسة " و خرج من القاعة .. و عند حلول الساعة الواحدة صباحاً كنت أنظف مسدسي بينما كان هوروود يقرأ الجريدة و إذ بالباب يطرق كنت لأنهض لفتح الباب بينما أشار لي هوروود بيده بالجلوس و قد ترك الجريدة و قام بفتح الباب لنجد السائل بأنه أحد رجال الشرطة الذين معنا بالقسم .....
" سيد هوروود ، أرجو منك القدوم فوراً إلى شارع ويليام أنت و السيد أديسون "
" ما الخطب ؟ جريمة قتل أم سرقة ؟ "
" جريمة قتل للأسف ، لقد قُتل القاضي باران "
...تبادلنا النظرات أنا و هوروود بدهشة و استغراب و اتجهنا مسرعين إلى السيارة حيث مكان الجريمة ، لم يكن شارع ويليام بعيد عن شارع وول ستريت كثيرا ، خمس دقائق و كنا مكان الجريمة ، ترجلنا من السيارة و قابلنا المفوض روكي .....
..." أهلا بكما .. الجريمة في الشقة رقم 7 من هذا البناء هيا تعالا معي لتتطلعوا على موقع الجريمة " ...
...و ذهبنا مع المفوض روكي حيث الجريمة .. شقة تتكون من غرفة المعيشة مدمجة بالمطبخ و حمام و غرفة نوم ، كانت الضحية على الأرض بالقرب من الأريكة في غرفة المعيشة ، حيث باشر المفوض بإعطاء المعلومات لنا .....
" الضحية باران بيكوتانو ، يبلغ من العمر سبعة و خمسون عاما ، سبب الوفاة طعنتان بالسكين من الجانب الأيمن لخاصرته "
" إذن الضحية رأى القاتل و أظن أنهما تعاركان لأنه إذا لم يكن كذلك لكانت الطعنات من الخلف ، و هذا التفسير المنطقي إن كانت الطعنة من الأمام أو من الخاصرة فهذا يعني رؤية الضحية للقاتل و إمكانية التعارك معه "
" نعم .. هذا ما يبدو سيد هوروود "
...و ما أن انهى المفوض حديثه لتدخل المسكن سيدة في الأربعينات من عمرها و إذ بها تصرخ و انهمرت بالبكاء و بعد مرور عشرون دقيقة و نحن نعمل على تهدأتها ها هي أخيرا تهدأ لنفهم من تكون هذه السيدة ، وجهت سؤالي لها فأجابت بأنها زوجة الضحية السيدة آمبر بيكوتانو تبلغ من العمر اثنان و أربعون عاماً .. و من ثم وجهت سؤالي الثاني و هو أين كانت خلال هذه الفترة ، حيث قالت أنها كانت مع صديقاتها في المطعم منذ الساعة الحادية عشر مساءً ، و عندما تفحصنا نبض الضحية عند وصولنا كانت تؤشر وفاته حول الساعة الثانية عشرة و أربعون دقيقة ، و قام هوروود بسؤال السيد آمبر عدة أسألة حول علاقة زوجها بالجيران و ما شابه ثم سألها :...
..." كيف علاقتكم مع مالك البناء ؟ سمعت أنكم تقطنون هنا بالإيجار ! " ...
" نعم سيدي ، نحن هنا بالإيجار ندفع للسيد انجيلو كل رأس شهر خمسون دولارا و لا نتأخر بالدفع اطلاقا و السيد انجيلو محترم و قدير لم يختلف معه زوجي قط "
" شكرا لكِ " خذوا السيدة بيكوتانو لمكانٍ آخر لترتاح .
...و بعد مغادرة زوجة الضحية ، قام هوروود يتفقد الضحية مجدداً و بتمعن و بعد مرور دقائق من التفحص الجيد للضحية طلب من رجال الاسعاف نقلها للمشفى و أمر رجال الشرطة بإغلاق الشقة بالشريط الأحمر ثم التفت إلي و قال : " حسناً يا أديسون ، ما رأيك بالقضية ؟ برأيك من قام بقتل السيد باران ؟" ...
" في الحقيقة لا يخطر على عقلي سوى أحد أقرباء المجرم الخطير الذي حاكمه القاضي اليوم أو ربما أحد شركاءه "
" تقصد المجرم سباستيان بيرانس الذي قتل السيد موران ، ممم لا أظن هذا يا أديسون فهذا المجرم قد حُكم على يد قاضي آخر من قبل و سُجن . "
" حسنا هوروود ، و ماذا حل بذلك القاضي ؟ "
" هيا إلى المنزل الآن ، سأطلع على بعض المعلومات ، فلدي ملف السيد سباستيان منذ أول جريمة له ، سأرى بعض الأشياء حول ماضيه . "
...و ما أن وصلنا المنزل اتجه هوروود إلى المكتبة باحثا بين الرفوف عن ملف سباستيان و أخذ أحد الملفات و قال : هذا هو . ثم رماه ناحي على طاولة الأريكة و قال : لعلك ترى فيه تفاصيل مهمة جدا أكثر مني ، فأنت تحب الاطلاع .. اقرأ بصوتٍ عالٍ ....
...و فتحت الملف و بدأت أقرأ عنه .. سباستيان بيرانس يبلغ من العمر ثمانية و ثلاثون عاماً ، أول جريمة ارتكبها في حياته كانت في عمر الاثنان و ثلاثون عاماً جريمة سرقة ، ثم بعد بعد ذلك قام بعدة سرقات أخرى ، في عمر الثلاثة و الثلاثون عاماً ألقت عليه الشرطة القبض في عملية سطو مسلح على إحدى شركات السياحة و على أثر هذا اعترف بالجرائم السابقة و حُكم لمدة خمس سنوات ، و قد خرج من السجن قبل أربعة أشهر ثم ارتكب هذه الجريمة الجديدة ضد ابن عائلة موران .. سبب القتل مازال مجهولا فهو يرفض الاعتراف و تبقى الأسباب المطروحة مجرد احتمالات .. في الحقيقة دُهشت من هذا المكتوب هنا ي هوروود ، حاصل على درجة الماجستير في الكيمياء ! ...
...أتعجب من رجل مثقف كهذا يكون مجرما و سارقاً ، كيف ذلك لا أفهم !!!...
" عزيزي أديسون ، المجرم المتعلم أخطر بكثير من المجرم الجاهل .. ماذا بشأن وضعه المادي ؟ "
" ممم .. لا شيء يذكر ، فقط كل ما هو مدون أنه لم يحصل على أي وظيفة تكسبه المال . "
" حسناً ، انظر لي .. ما اسم القاضي الذي حكم عليه المرة الماضية ؟ "
" جوني ميدال "
...و بعد أن اخبرت صديقي عن اسم القاضي الذي حكم على سباستيان لمدة خمس سنوات ، نهض من مقعده و قام يبحث بين الرفوف على ملفٍ له و بعد ثوان من البحث وجده قائلا : " ها هو ، جوني ميدال .. مازال حياً حتى الآن "...
" في الوقت الحالي يا أديسون .. الوحيدون الذين يمكننا أن نشك بهم هم أفراد عائلة موران ، فقد اعترضوا جميعهم على حكم القاضي و كانوا يطالبون بإعدام سباستيان ، و ربما قام أحدهم بقتل القاضي ظناً بأنه متواطئ مع سباستيان أو كعقاب لأن الحكم لم يكن عادلاً بالنسبة لهم "
" و لكن كيف سنتهمهم و لا نملك أي دليل يشير بأن القاتل قد يكون منهم !؟ "
" سنرى ذلك ، انهض معي الآن لنذهب إلى منزل عائلة موران "
...و ذهبنا إلى منزل عائلة موران حيث كانوا جميعهم يقطنون في مبنى مكون من طابقان ، حيث أخت الضحية بانا و التي تبلغ الخامسة و العشرين من عمرها ، و أخيها الآخر ساميو يقطنون في الطابق الأول بينما كان ابن عمهم فوسكي يقطن في الطابق الثاني .. و طلبنا منهم أن يدلوننا على غرف منازلهم و نتفحصها معاً حيث بدا التذمر عليهما و بعد أن انتهينا من ذلك طلبنا منهم القدوم معنا للطابق العلوي لمنزل ابن عمهم ...
...طرق هوروود الباب و استقبلنا فوسكي موران و قمنا بمصافحته و دخلنا البيت نتفحص الغرف و كانت غرفة النوم آخر غرفة ندخلها حيث كان بها طاولة صغيرة بها خاتم بمنتصفه حجر كريم أزرق و أيضاً مذكرة و قلم .. ...
...قال السيد فوسكي : " و ماذا بعد سيد هوروود ، هل انتهى الأمر الآن ؟ " ...
..." نعم ، شكرا لكم " ...
...و من ثم خرجنا من الغرف حيث كان السيد فوسكي في المقدمة و من ثم يليه أبناء عمه ثم أنا و هوروود أخيراً كنتُ قد لاحظت بأن هوروود أخذ الخاتم من الطاولة أثناء خروجنا ثم توجهنا جميعاً إلى غرفة الجلوس .. و قال فوسكي " أتمنى أن تكون قد استفدت شيئاً سيد هوروود "...
...ابتسم صديقي و قال : " نعم ، لقد استفدت " و بنظرة خاطفة إلي قال بصوتٍ حاد " اقبض على هذا المجرم بسرعة يا أديسون " ...
...ثم نظرتُ إلى هوروود بدهشة و نظر فوسكي نظرة توحي بالاستغراب ، ثم ضحك و قال : " على رسلك سيد هوروود ، لماذا يتم القبض عليّ ؟ " ...
..." لأنك الرجل الذي قتل القاضي بيكوتانو " ...
...نظرت أنا و أبناء عمه نظرة دهشة و استغراب ثم اتجهت خلف فوسكي و سألت هوروود : " كيف ذلك ؟ هلا تشرح لنا ؟ " ...
..." بالطبع سأشرح ، لم يجد فوسكي أي عناء في دخوله لبيت الضحية .. فبكل بساطة طرق الباب و استقبله القاضي ، كان يظن القاضي بأنه جاء معه للحديث بشأن الحكم الذي أصدره على سباستيان و بالفعل هذا ما تظاهر به فوسكي ليستطع دخول البيت دون عناء ، و بعد أن انتهى حديثه قام من الأريكة و وجه سلاحه نحو القاضي .. في الوضع العادي سينصدم الرجل الذي يوجه عليه السلاح و قد صُدم القاضي لكن كان لديه جرأة جعلته ينهض يدافع عن نفسه فقد كان فوسكي يحمل المسدس بيده اليمنى و قام القاضي أمسك بها بيده اليسرى و باليد الأخرى مسك عنق فوسكي و كان قد سبب له جروح أسفل العنق بأظافره و هنا سقط المسدس من يد فوسكي حيث جاءت قبضة المسدس على الأرض و هنا أخذ فوسكي السكين الذي بجيبه و قام بطعن السيد بيكوتانو و قتله .. الأمر الذي جعلني استنتج هذا هو أنه قبضة المسدس رُسمت بسبب الغبار الكثير الذي كان على الأرض و قد دونت رقم المسدس و هو 635 ، لقد كنت أبحث عنه في غرف المنزل و لكن لم أجده يبدو أنه في خاصرتك ، أديسون تفقده"...
...و بعد أن تفحصت فقد وجدت المسدس في خاصرته بالفعل و كان يحتوي الرقم الذي ذكره هوروود .....
...ثم تابع هوروود : " ليس ذلك فحسب .. ( و قام بإخراج الخاتم الذي أخذه من الطاولة من جيبه و أخرج من الجيب الأخرى جزء حجر كريم أزرق و يبدو أنه تكلمة للحجر الكريم الأزرق الذي بالخاتم ) هذا الخاتم كان على طاولتك في غرفة النوم و هذا الجزء المكسور من الحجر كنت قد وجدته في منزل الضحية تحت الأريكة و يبدو أنه قد كُسر أثناء عراكه معك ، أخلع الكنزة التي ترتديها لنثبت الدليل الثالث .. أنا واثق بأن في عنقك جروح عدة كالتي تسببها القطط و هذا بسبب أن الضحية كان قد جرحك بأظافر يده أثناء دفاعه لأن أظافر اليد اليمنى للضحية كان بها دماء قليلة بينما أظافر يده الأخرى لم تُلطخ بالدماء " ...
...و بعد أن سمع الجميع كل هذا الاستنتاج اتجهت بانا مسرعة نحو فوسكي و كانت قد أزالت كنزته من أعلى لأسفل بيدها لتظهر جروح بالفعل في عنقه و كانت بالفعل جروح سببتها أظافر ....
" لقد قتلت القاضي لأن الحكم لم يعجبك كنت تريد إعدام سباستيان ليس لأنه قتل ابن عمك فحسب بل لأنه غدر بك طعن الاتفاق ( يخرج هوروود ورقة مذكرات من جيبه ) هذه الورقة سقطت منك في منزل الضحية أظن عندما كنت تخرج السكين من جيبك لكنك لم تستطع أخذها حتى بعد أن انتبهت انها ليست معك لأن الجثة كانت قد سقطت عليها و ربما ظننت أنها سقطت في مكان آخر تحتوي المذكرة على ما يلي ' سأنتظرك أنت و ابن عمك بايدي في حديقة شارع ويليام .. سباستيان ' بايدي هو الذي قُتل على يد سباستيان من الواضح أنكم شركاء و قد اختلفتم على أمر ما فقام سباستيان بقتل ابن عمك و أنت أدنت القاضي لأنه لم يصدر حكم الإعدام ..
" نعم ، أنا و ابن عمي شركاء سباستيان .. كان قد أخذ حصةً أكثر منا في آخر سرقة و اعترض ابن عمي على هذا معه فقام بقتل ابن عمي و هددني بأنه سيقتلني إن فكرت بفعل شيء ضده ، و سررت لأن الشرطة ألقت القبض عليه فظننت أن إعدامه بات قريبا و سيأخذ ثأر ابن عمي و ستذهب كل أرباح سباستيان من السرقات لي و لن أشعر بالقلق منه بعد أن يُعدم فسباستيان لا يصعب عليه إيجاد رجال ينفذون ما يريد حتى و إن كان بالسجن و مصدر خطره سيبقى لذلك كنت أريد إعدامه و لكن ذاك القاضي البائس دمر سعادتي للأبد ! "
...#انتهى#...
...بعد أن انتهى دوامنا في قسم التحقيقات اتجهتُ أنا و صديقي هوروود لنتمشى في شارع جولدن و قد تركنا السيارة في القسم لنأخذها بعد الانتهاء من نزهتنا ، و بعد ربع ساعة من المشي في الشارع توقفنا أخيراً عند أحد المطاعم فيه .. قال هوروود : " هيا يا أديسون ، فلنرى طعام هذا المطعم إن كان لذيذاً " . و هممنا بالدخول نجلس على إحدى الطاولات التي تطل على الشارع ، و بعد خمس دقائق جاءنا النادل ليرى طلبنا و قد طلبتُ شرائح اللحم بالفطر بينما طلب هوروود ضلوع ماعز مشوية .. و بعد أن وصل الطعام باشرنا بالأكل و أثناء ذلك كان يمر بائع جرائد ينادي ، إذ أوقفه هوروود بعد أنا ناداه و أخذ منه جريدة اليوم ، الثاني عشر من سبتمبر و بعد أن أحضر له النادل فنجاناً من القهوة بدأ يتصفح الجريدة ، لم يكن هناك أخباراً تلفت نظره فكان يبحث عن خبرٍ لأي شيء يتعلق بالجرائم ليبدأ مغامرة جديدة ، لكن البلدة كانت هادئة منذ حوالي شهر .. لا جرائم قتل ، لا سرقات . ...
...رمى الجريدة على المنضدة بلا مبالاة و قال : " أتعلم يا أديسون ، ما زال ذاك الدكتور الكيميائي يأخذ عقلي بجرائمه التي ارتكبها وإني أرى بأنه يجب أن أعلم السر الذي دفعه لارتكاب هذه الجرائم و ما هو وضع حياته و كيف كان .. " ...
قلتُ : " يا هوروود ، إن سباستيان الآن بالسجن و أظن أن نعلم سر حياته و هو بالسجن لمضيعة للوقت .. انسى أمره رجاءً و دعنا نذهب إلى مسكننا الآن "
...و نحن في طريقنا للمنزل تذكرت شيئاً مهماً فطلبتُ منه أن يوقف سيارته لأنزل أقضي الشيء الذي تذكرته و سألني عما إذا كنت أحتاج المساعدة ، شكرته و هممت لوحدي بالطريق .. و بعد مضي ساعة من الوقت وصلت المسكن أخيراً و فتحتُ الباب ...
قائلين : ' يوم ميلاد سعيد هوروود ' .
...و وضعتُ الجاتوه الذي اشتريته على النضد في بداية الأمر دهش هوروود ثم قال : " أوه ياللهول ! لقد نسيت أن اليوم الثاني عشر من سبتمبر ! " ...
قلتُ : " نعم ، لقد أصبح عمرك الآن خمسة و عشرون عاماً ، لا أصدق أنك تصغرني بخمس سنوات .. هه هه يبدو و أنك تكبرني بسنتين أو ثلاثة "
" حسناً أديسون ، أشكرك من أعماق قلبي صديقي العزيز لتذكرك هذه المناسبة ، لكنك لم تخبرني بعد من هذه السيدة المحترمة ؟ "
" أوه نسيت أن أعرفكما على بعضكما السيدة ميراتش هي التي ستهتم بشؤون مسكننا بعد الآن و هي من ستعد لنا ما نحتاج من طعام و شراب .. هذا السيد ستيف هوروود صديقي المقرب "
قالت : " سررت بمعرفتك سيد هوروود ، أنا سأقطن في المسكن المقابل لكم مباشرة "
قال هوروود : " سررت بمعرفتك أنا أيضاً .. هيا تفضلا لتناول هذا الكيك الجميل "
...و بعد أن احتفلنا بيوم ميلاد صديقي و وضبت السيدة ميراتش المكان و نظفته ، اتجهت إلى مسكنها بينما جلستُ أنا و هوروود كالعادة في آخر الليل نتناقش قال : " كم طلبت السيدة أجرة خدمتها لنا ، هل اتفقتما على ذلك ؟ " ...
" نعم ، سأعطيها ثلاثون دولارا كل شهر "
...و ما إن انهينا حديثنا و إذ بالباب يطرق ، حيث اعتقدت أنها الخادمة فقمت بفتح الباب و إذ برجلٍ طويل القامة ضخم الجسد ، أبيض البشرة يملأ الشيب لحيته أما شعره فكان شائب تماما ، يرتدي قميصاً ملون بالبرتقالي و الأصفر و بنطالاً مهترأ بعض الشيء .....
قال : " أهنا مسكن السيد ستيف هوروود ؟ "
" نعم ، هنا مسكن السيد هوروود ، تفضل يا سيدي "
...و دخل الرجل العجوز و رأى هوروود حيث قال له : " إذن أنت هو السيد هوروود ، أرجو منك أن تعذرني و لكنني في أمس الحاجة إليك يا سيد هوروود فأنا أمام قضية متعبة للغاية " ...
...برقت عينا صديقي فور سماعه لكلمة قضية و قد بدا عليه النشاط فقد جاءه ما كان يبحث عنه و بابتسامة خافتة قال للرجل : " تفضل أيها السيد بالجلوس ، يبدو لي أنك تعمل في مخبز ، صحيح ؟ " ...
قال الرجل بعد أن جلس : " نعم ، اعذرني لقد جئتك و ملابسي متسخة بالطحين و لكنني لم أعد أتحمل ما يحدث معي . "
" تفضل ، أخبرني ما هي قضيتك ؟ "
..." أنا السيد جون ألفريدو صاحب المخبز الذي بشارع سيدار ، لقد كان هذا المخبز ملكُ جدي و بعد أن توفى أصبح المخبز لأبي فهو الوريث الوحيد لجدي و عندما توفى أبي أصبح المخبز لي أنا و أخي و قد عملنا بهذا المخبز فترة طويلة جداً ، و بعد أن هرمنا أصبح أبنائي الاثنان عاملان فيه و ابن أخي أيضاً ، قبل أسبوعان جاءني أخي و قال لي بأنه يريد بيع حصته من المخبز و عندما سألته عن السبب قال بأنه يريد أن يعيش حياة هادئة في آخر عمره ، فهو يبلغ من العمر سبعون عاماً يكبرني بخمس سنوات و أنه سيأخذ ابنه معه أيضاً و سيفتح له مشروعاً في المبلغ الذي سيقبضه ثمن حصته ، في الحقيقة انزعجتُ من هذا الأمر و لكن لم يكن بيدي حيلة فسألته عن المبلغ الذي يريده كان قد طلب خمسة آلاف دولاراً .. إن هذا لثمن باهظ في الواقع فكل ثروتي تبلغ ثمانية آلاف دولاراً و لكنني اضطررت للشراء لأنه كان سيبيعها لشخص آخر إن لم أشتري .. و قد تم البيع و أحضرتُ عاملا جديداً عوضاً عن ابن أخي خلال يومان ، ليست هنا المسألة سيد هوروود ، فمنذ بداية الأسبوع الماضي بدأتُ أواجه المتاعب و المصائب ، فقد تعطل الفرن فجأة و كلفني تصليحه مئة و خمسون دولاراً على الرغم من أن الفرن قد جددنا منذ شهر فقط و بعد يومان قمنا بشراء حمولة من القمح من التاجر الذي نتعامل معه دائما ثم نقوم بطحن القمح بأنفسنا و عندما جئنا لنطحن القمح فقد وجدنا السوس ينخر في أول كيس نفتحه و إذ أن السوس ينخر في كل الأكياس و كانت خسارتي هنا ثلاثة مئة و خمسون دولاراً فالحمولة كانت كبيرة و عندما ذهبنا لنراجع التاجر و نفهم ما الأمر لم نجده قط و كان مستودعه قد قفل بالمزاليج و إنه لحتى الآن مختفى و لا نعلم أين ذهب ، هذه المصائب كلها أصبحت تواجهني منذ أن فارق أخي شراكتي و لا أستطيع تفسير هذا سيد هوروود ، لا أعلم إن ارتكبت خطأ ما ليحدث معي هذا أم هي لعنة عائلة ألفريدو لأن الشراكة قد فُككت ؟ اعذرني سيد هوروود جئتك لمنزلك أطلب منك المساعدة لأنني في الواقع خفت أن آتي إليك في قسم التحقيقات فترفض استلام القضية أثناء ضغط عملك . " ...
...أصغى صديقي إلى قصة الرجل العجوز باهتمام كبير و قد رُسمت على وجهه ابتسامة عريضة و أصبح شغفه كبير لحل لغز هذه القضية فقال : ...
" شكرا لك سيد ألفريدو على هذا الشرح و لكن مازال لدي سؤال ، هل فتح أخاك مشروعاً جديداً ؟ و لم توضح إن كان مقصد راحته هو أن يرتاح من عمل المخبز أم أنه كان يقصد أنه سيسافر لمكان ما ؟ "
" قال أنه سيذهب ليقطن في فيلا بشارع ناسو لكن بالحقيقة لا أعلم إن قام بفتح مشروعه أم لا "
...شكر هوروود الرجل و أخبره بأننا سنكون غدا بشارع سيدار الساعة الرابعة عصراً و قد انصرف الرجل بعد ذلك ، نظر هوروود إلي و هو يبتسم كما أن السرور دخل قلبه لبدء مغامرة جديدة و قال : " ما رأيك بهذه القصة يا أديسون ؟ يبدو لي أنه لغزٌ جميل و سهل " ...
" إذن لقد كونت تحليلا ؟ "
" نعم ، فكل ما يحدث مع السيد جون من تدبير أخاه . "
صحت أقول : " كيف ذلك يا رجل ! منذ أن باع أخاه حصته غادر المنطقة فكيف للفرن أن يتعطل ؟ و ما مصلحة تاجر القمح ليبيع قمحاً قد نخره السوس؟ "
" سنعرف كل هذا قريباً و لكن هذه القضية ليست كالقضايا السابقة ، فربما نتبع أسلوباً جديداً يا أديسون ، و يالسعادتي فإنه أمرٌ ممتع .. هيا أتمنى لك أحلاماً سعيدة . "
...قال هذا و قد ذهب للنوم و في الحقيقة كانت أول مرة أرى هوروود بها بهذا الشكل غريب التصرف و لا يفهم كلامه ، و في صباح اليوم التالي استيقظتُ من نومي إذن أنني لم أجده فسألت الخادمة عنه فقال بأنه خرج منذ ساعة و بعد خمس دقائق يُطرق الباب و كنت قد اعتقدت بأنه هوروود .....
" مرحبا سيد أديسون ، أنا النجار بيترو لقد كان عندي السيد هوروود قبل نصف ساعة و طلب مني القدوم لأجهز غرفة الملابس في مسكنكم . "
" أهلا بك ، تفضل .. لكن بالحقيقة لا أعلم عن أي غرفة تتحدث فكل الغرفة مفروشة هنا . "
...اتجه نحو باب قبالة الأريكة التي أجلس عليها دائما و قال : " أظن هذه هي كما أوصفها لي . " في الحقيقة دهشتُ من هذا فقد كانت غرفة مهجورة و بها الكثير من الأثاث غير المهمة ، و اتجه النجار نحوها و فتح الباب حيث دهشت أكثر بأنها كانت نظيفة و لم يكن أياً من الأثاث موجود فسألت الخادمة عن هذا فقالت أنها قامت بتنظيف الغرفة في الصباح الباكر بناءً على طلب هوروود ، لم أفهم طلبات هوروود الغريبة حيث أنه لدينا غرفة ملابس في الواقع ، و بعد ان انتهى النجار من تصميمها و غادر فقد مرت ثلث ساعة و إذ بهوروود يطرق الباب و يدخل و كان معه ملابس جديد و ملابس مهترأة .....
فصحت أقول : " أوه ! ملابس تنكر ! و شوارب و شعر و لحي و نظارات ! كل هذا ! "
" نعم يا أديسون ، فمغامرتنا الجديدة تحتاج إلى هذا .. هيا تقدم و ساعدني لننتهي سريعاً و نذهب"
...و بعد أن انتهينا من توضيب الغرفة قال هوروود :...
..." نسيت إخبارك يا أديسون ، لقد ذهبت إلى السيد ألفريدو قبل الموعد و هذا لنوفر الوقت " ، و أخذ ملابس مهترأة و شارب و شعر كثيف و قال : " هيا ارتدي هذه ستذهب إلى منزل السيد ألفريدو الأخ و بطريقتك الخاصة تحاول أن تعلم كل ما هو مطلوب عنه "...
" على رسلك يا هوروود ، ماذا سنعرف ؟ ماذا عرفت من ذاك السيد العجوز ؟ أخبرني التفاصيل رجاءً ! "
..." حسناً ، ألفريدو الأخ اسمه فرانك ستذهب إلى حيث يقطن و ترى إن قام بفتح مشروع جديد لابنه و تحاول الاقتراب منهم و تعرف ماذا يخططون و يفعلون ، في الحقيقة السيد جون لم يدلي بأي معلومات جديدة و لهذا سيستغرق حل هذا اللغز عدة أيام"...
...و اتجهت إلى شارع ناسو بين ذهب صديقي إلى مخبز عائلة ألفريدو متنكراً ، و بعد مرور ساعة من الوقت وصلتُ أخيراً منزل السيد فرانك ألفريدو ، طرقتُ باب منزله ليخرج لي رجل في السبعين من عمره ذو شارب و لحية بيضاء ، أصلع و يحمل بيده عكازة لكنه لا يعتمد عليها لتسنده فقد كانت صحته جيدة و لا تحتاج للعكازة .....
سألته : " مرحباً سيدي ، أنا ادعى موريتان بينجلاسو لقد قيل لي أنك تُلبي السائلين ، فجئت أسألك باحثاً عن عمل ! "
قال لي بتكبر يعلوه : " انصرف من هنا أيها الشاب ، لا يوجد ما أهديك إياه و لا أملك عمل أو غير ذلك . "
...و أقفل الباب بوجهي فسرت إلى الجهة اليمنى من البيت لأنظر من النافذة إن كان ابنه في البيت أو خارجه ، و لكنني لم أرى ابنه قط و راقبت المنزل حتى المساء عن بعد عشرة أمتار و عند حلول المساء عاد الابن ألفريدو إلى المنزل فاقتربت من المنزل بقرب النافذة لأرى لعلي أسمع ما سيقوله الابن لأباه ، و قد قمتُ بتدوين كل ما قاله لأباه و لكن مازال هناك بعض النقاط المجهولة و انتابني الفضول حول معرفتها فبقيت الليلة كاملة بالقرب من المنزل و في صباح اليوم التالي اتبعت الابن حيث يتوجه و في الحقيقة أصبتُ بصدمة و قشعريرة عندما رأيت إلى أين يذهب ذاك الابن و من يقابل ! ...
...كان الابن يذهب إلى مزرعة لا تقل عن مساحة 43 ياردة و كانت كلها مزروعة بالقمح حيث كان يتم حصده و لكن صدمتي الكبرى كانت تكمن بوجود الشاب السائل داخل تلك المزرعة حيث أنه كان صديقي هوروود ، في الحقيقة انتابني فضول حول ما يحدث و اتجهت مسرعاً إلى تلك المزرعة سائلاً عن العمل و لكن السيد ألفريدو قال بأنه قد وجد هذا السئيل ليلة أمس و لا نصيبٌ لي أن أعمل في مزرعتهم ، بينما كان السئيل يبتسم بشدة حين رآني بالمزرعة و عدتُ بعد ذلك أدراجي إلى شارع وول ستريت انتظر قدوم هوروود لأفهم ما حدث ...
...و في المساء يعود هوروود أخيراً و كان قد خلع ملابس التنكر و جلس على الأريكة مبتسماً .....
" سأصاب بالجنون هوروود ! أخبرني كيف وصلت لتلك المزرعة ؟ و لماذا ؟ و ماذا تفعل بها ؟ و ماذا فعلت مع السيد جون ؟ "
...قال و هو يضحك : " أهدأ قليلاً يا أديسون ، في الحقيقة إنها قضية ممتعة و لكن مازلنا لا نملك أي دليل يدين فرانك و ابنه .. سأشرح لك بالتفصيل : لقد قال السيد جون بأنه قام بشراء قمح و وجد أن السوس ينخر به ، ليلة أمس دخلت بصفتي أسأل عن عمل و من الواضح أنه رأف بي عندما رأى ثيابي المرقوعة و وافق على ذلك و أراد التخلص من حمولة القمح هذه و طلب من أحد أبناءه أن يبحثوا عن شخص يشتري هذا القمح و إذ بالعامل الجديد الذي جاءهم بعد بيع السيد فرانك حصته يقول بأنه يعرف رجل مختص بشراء القمح الغير صالح و تكفل ببيع هذا القمح و أخذه و ذهب بالعربة به ، في الحقيقة انتابني الشك حول و شعرت أن له علاقة بالأمر فستأذنتُ العجوز و تبعتُ ذاك الشاب و إذ به يأتي إلى المزرعة التي التقينا بها اليوم و كانت صدمتي بوجود ذاك التاجر الذي باع السيد جون القمح التالف فقد عرفته حسبما وصفه لي السيد مونكي و من هنا أثارني الفضول أكثر لأفهم تفاصيل القصة و بعد مغادرة الشاب و تسليمه القمح توجهت إلى المزرعة أسأل عن العمل ، و ما اكتشفته يا أديسون هو أنه تحصل جريمة نصب كبيرة ، و لن نستطيع إثبات أي شيء على السيد ألفريدو الأكبر إلا اذا تركنا السيد جون يخسر ثروته . " ...
نظرت بدهشة كبيرة إلى هوروود و قلت : " أأنت جاد بما تقول ؟ "
" نعم . "
" لكنني لم أفهم يا هوروود أمر القمح التالف ! "
" يا صديقي العزيز ، بعد أن باع فرانك حصته من المخبز بقي جون يشتري القمح من التاجر نفسه و الذي هو بالأساس عاملٌ عند فرانك و من هنا باشر فرانك بالخطوة الثانية و هو وضع سوس في أكياس القمح التي سيبيعها لجون و الآن العامل الجديد الذي عند السيد جون قام بإعادة هذه البضاعة إلى صاحبها الأساسي و أظن بأن هذه البضاعة التالفة ستعود بطريقة أو بأخرى إلى جون أي البضاعة الجديدة التي سيشتريها السيد جون ستكون هي البضاعة نفسها . "
" و لكن كيف ذلك ؟ هل لديه تاجرٌ آخر يتفق معه ! "
" ربما ذاك العامل الجديد هو من سيشتري البضاعة ، و سيستمر الوضع هكذا لحين أن يُفلس السيد جون و يعرض مخبزه للبيع . "
...و بالفعل قد مرت الأيام و حدث ما توقعه هوروود حيث قام السيد ألفريدو بشراء حمولة قمح جديدة أغلى ثمناً من السابقة لكنه لم يكن يعلم أنها نفس البضاعة التي تخلص منها و بالطبع قام بزيادة الكمية هذه المرة مما أدى هذا إلى إفلاسه التام و قد عُطل الفرن مجدداً مما دفع هذا السيد ألفريدو لنشر خبر في إحدى الجرائد أنه يريد بيع مخبزه بمبلغ قدره عشرة الاف دولاراً ، لم يكن السيد جون يعلم بأننا السائلان اللذان بجانبه دائماً و لهذا لم نطل عليه بصفتنا المحققان هوروود و أديسون مما جعله هذا يظن بأننا نسينا أمر القضية و قرر بيع مخبزه ، الجميل بالأمر أن هوروود كان يعمل في تلك المزرعة و أصبح يعرف كل وجه فيها ، و أخيراً .. في تمام الساعة التاسعة و النصف مساءً جاء زبوناً ليشتري المخبز مع أحد السماسرة حيث كان قد أعلم السيد جون ببرقية أنه قادم في هذا الموعد منذ الصباح و على هذا الأساس قمت بالتجهيزات حيث أن هوروود غير بتنكره قليلا هذه المرة تحسباً في حال كان المشتري هو أحد العاملين عند فرانك ألفريدو .. و قد تعرف صديقي على وجه الرجل الذي جاء للشراء الذي في الأساس هو أحد العاملين عند السيد فرانك ، و بسرعة خاطفة وضع صديقي سلاحه على رأس المشتري و خلع الشارب و اللحية الزائفة و قال : " أديسون ! اقبض على ذاك العامل بسرعة ." ...
...لا يمكنني وصف ملامح الرجل العجوز عندما رآنا أنا و هوروود كانت ملامحه مليئة بالدهشة و الحيرة و قد احتلها السعادة ، و قمت بإلقاء القبض على العامل ، و الجميع في دهشة من أمره يسألون ما الذي يحدث ! ...
قال هوروود : " الذي يحدث يا سيد ألفريدو أن أخاك السيد فرانك قام بعملية نصب عليك فهذا المشتري يعمل في مزرعة أخيك فرانك ، مزرعة قمح و هي التي تشترون منها القمح منذ سنوات ."
" كيف ذلك سيد هوروود ؟ هذا مستحيل ! "
" سترى بنفسك ، لقد قمت باستدعاء رجال الشرطة سيكونون هنا بعد قليل . "
...و بعد أن جاءت الشرطة أخذنا العامل و المشتري و معنا السيد ألفريدو و ابناه و اتجهنا إلى تلك المزرعة و قد اقتحمناها مع المفوض روكي و قد صُدم السيد ألفريدو و ابناه عندما رأوا ذاك التاجر الذي يشترون منه القمح في تلك المزرعة جالساً مع ألفريدو ابن السيد فرانك ، و قد طلب السيد مونكي تفسير لما يحدث ، فشرح له هوروود النقاط التي ذكرتها سابقاً ثم أضاف : ...
..." كانت هذه هي خطة أخيك عندما رأى إيراد المخبز و قام بهذه الخطة لكي تُفلس و تضطر لبيع المخبز فيرسل أحد الذين يعملون لديه ليشتريه ، و لم يعرض عليك هو بنفسه أمر الشراء لأنه ببساطة لا تعلم أن لديه مزرعة و مستودع و قال لك بأنه سيفتح مشروعاً بثمن الحصة التي باعها و فإن جاءك ليشتري المخبز سيُجلب الشكوك حول نفسه و ستتساءل من أين له عشرة الاف دولارا ليشتري و لكنه بهذه الطريقة الذكية ظن أنه لن ينكشف الأمر ، نعم في الحقيقة لم يكن لتنكشف خطته لولا تدخلنا بهذه القضية أما بالنسبة للعامل الجديد الذي استأجرته يا سيد جون فهو في الواقع عامل لدى أخاك فهو من قام بإحداث أعطاب بالفرن لتقوم بإصلاحه و تخسر نقودك كما أنني تبعته يوم طلب منك أن يتخلص من القمح التالف و كان قد أعاد القمح إلى مزرعة سيده بحيث عندما تبحث عن تاجر جديد يعيدون الكرة و يبيعون لك هذا القمح مجددا ، لعل السبب في قيام أخيك بهذا هو أن المخبز الورثة الوحيدة من أباكم و عندما تتوفى أنت و أخاك سيكون النصيب الأكبر من هذه الورثة لابنيك الاثنان بينما سيحصل ابن السيد فرانك على حصة أقل ، فأراد القيام بهذه الخطة ليصبح المخبز ورث ابنه فقط بعد مماته . "...
...#انتهى#...
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon