الفصل الثاني : طريق النار

خرج كاغي من بين أنقاض القلعة بينما الدخان ما زال يتصاعد من أبراجها المهدمة، كان الليل كثيفًا كبحرٍ من الحبر، والريح تعصف بعباءته السوداء وهي ترفرف كجناح مكسور، خطواته بطيئة لكنها ثابتة، كل صوت لحذائه فوق الصخور يدوّي في الصمت كإعلان ميلاد جديد، كانت القيود ما زالت على معصميه لكنها تفتت من شدة الحرارة التي انفجرت حين هرب، كان يشعر بأن النار التي اشتعلت بداخله في الزنزانة ما زالت ترافقه، لا تُرى، لكنها تنبض تحت جلده، تشتعل حين يغضب، وتهدأ حين يغمض عينيه.

أوقفته الريح فوق قمةٍ صغيرة، نظر إلى السماء، لم يرَ نجومًا، بل غيوماً سوداء تبرق فيها شرارات بعيدة كأن السماء نفسها تغلي، رفع رأسه وقال بصوتٍ خافتٍ كالوعد: لن أموت قبل أن أُعيد ما سُرق مني.

تحرّك في الظلام، جسده يتناغم مع الصخور، كل عضلةٍ تتحرك بخفة من اعتاد على القتال في العتمة، لم يعد أسيرًا بل ظلًا يتحرك بين أنفاس الجبل، وفي أعماق الليل بدأ يسمع صوت صفيرٍ خافتٍ، ثم همسًا، ثم وقع أقدامٍ سريعة تقترب منه.

توقف كاغي، وضع يده على مقبض أحد سيفيه، لم يكن يحمل سيوفًا حقيقية بعد، فقط قبضتان مكسورتان نجا بهما من السجن، لكنهما كانتا كافيتين ليذكّراه بما كان، خرج من بين الظلال ثلاثة رجال، ملابسهم سوداء، عيونهم مضيئة كحجرٍ تحت القمر، صيادو الظلال، أتباع كاجيرو، أولئك الذين لا يفشلون إلا مرة واحدة، لأنها الأخيرة.

قال أحدهم بصوتٍ حادّ: "كاغي... لم أتخيل أنك ستخرج حيًا من سجن كاجيرو."

ابتسم كاغي ابتسامة باهتة وقال: "ربما لم تتخيل لأنك لا تعرف النار."

ضحك الرجل وقال: "النار؟ ظننتها انطفأت حين سقطت قبيلتك."

تقدّم خطوة، سيفه الرفيع يلمع بالضوء الخافت، لكن عيون كاغي لم تتحرك عنه، بل كانت تراقب الريح، وتنتظر اللحظة التي تصمت فيها الجبال، لأنه حين يصمت الجبل... يولد الصدى.

تحرك كاغي بسرعة لا تُرى، صرخة قصيرة ملأت المكان، ووميض نارٍ انبثق من العدم، انقسم الظلام إلى شطرين، ثم عاد ليلتحم من جديد، عندما هدأ كل شيء كان أحد الرجال ملقىً على الأرض، سيفه مقسوم إلى نصفين، والهواء من حوله يلمع بحرارة خفيفة، أما كاغي فوقف دون أن يتحرك، عينيه تلمعان كجمرتين بين دخانٍ خفيفٍ يخرج من يده.

قال الرجل الثاني مذهولًا: "هذه ليست نارًا عادية..."

رد كاغي بهدوء: "إنها نار الظل... آخر ما تبقّى من ناري الحقيقية."

هاجمه الثاني والثالث معًا، سيوفهم تتقاطع كالبرق، وكاغي يتحرك بينهم بخفةٍ تشبه الرقص، يصدّ الضربات، يدور حولهم، كل حركةٍ تصنع أثرًا من الضوء الأحمر في الظلام، كأن الخطوط التي يرسمها بسيفه تحرق الهواء نفسه، قفز أحدهم خلفه، لكنه وجد نفسه يواجه شرارةً انفجرت من كفّ كاغي، حرارةً صامتة لكنها كافية لتحرق القماش والحديد في لحظة، سقط على ركبتيه وهو يصرخ، والنار تتراقص على ذراعه.

أما الثالث فتراجع بخطوتين، ثم رمى خنجرًا مغطى بالسمّ، لكن كاغي لم يتحرك، فقط رفع يده، وعندها ذاب الخنجر في الهواء قبل أن يصل إليه، كأنه اصطدم بجدارٍ غير مرئي من الحرارة الخالصة، عندها قال الرجل بخوف: "أنت لست إنسانًا بعد الآن..."

اقترب كاغي بخطواتٍ هادئة، نظر إليه بعينٍ خاليةٍ من الرحمة وقال: "كنت إنسانًا، حتى أحرقتم قلبي."

ثم مد يده وأمسك وجه الرجل، اشتعلت النار فجأة، ولكن دون لهبٍ ظاهر، فقط ضوء أحمر ووميض، وعندما اختفى كل شيء، كان المكان ساكنًا إلا من صوت الريح.

وقف كاغي هناك للحظة، ينظر إلى يده الملطخة بالرماد، ثم إلى الأفق البعيد حيث تنحدر الجبال نحو وادٍ ضبابي، كان يشعر بأن شيئًا بداخله يتغير، النار لم تعد طاقة فقط، بل روحًا تهمس في أعماقه.

همس في داخله صوت قديم، صوتٌ كان يسمعه في طفولته حين كان يتدرب على السيطرة على النار:

"النار لا تُعطى، بل تُستدعى. من يملكها دون أن يفهمها... تحرقه."

توقف كاغي قليلًا، أغلق عينيه، شعر بالحرارة تتنفس تحت جلده، لم تكن تؤلمه، بل كانت تدعوه، تُطالبه بأن يترك الخوف، بأن يتذكّر من هو، فابتسم وقال في نفسه: "ربما لم أعد أخاف."

تابع سيره عبر الجبل، والريح تزداد، والضباب يتكاثف، كانت وجهته غير معروفة، لكنه شعر أن طريقه يقوده نحو الشرق، نحو أرضٍ يقال إنها تحكمها النيران نفسها التي حاول العالم نسيانها، وهناك، خلف الغيوم، كان البرق يلمع كأنه يرسم الطريق أمامه.

تحت قدميه، انطفأت آخر شرارة من معركته، ولكن في صدره اشتعلت حرب جديدة — حرب العودة، لا إلى الانتقام فقط، بل إلى الحقيقة.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon