📖 الفصل الرابع – العيون التي لا تنام
في اليوم التالي، كانت الشمس بالكاد قد أشرقت على جزيرة بيكشون. الهواء كان مشبعًا برائحة البحر المالحة، وأصوات النوارس تتداخل مع أصوات الموج.
استيقظت مبكرًا، رغم أن نومي كان متقطعًا، وبدأت بمراجعة فصول كتاب التشريح.
طرقات خفيفة على الباب قطعت تركيزي.
– “ستيلا… افتحي، لدينا شيء لك.” كان صوت كيارا ناعمًا على غير عادته.
لم أرد. سمعت همسات خلف الباب، ثم خطوات تبتعد. بعد دقائق، عادوا من جديد، لكن هذه المرة مع رائحة قوية لشوكولاتة ساخنة وقطعة فطيرة التفاح المفضلة لدي.
فتحت الباب قليلًا، فوجدت چان يبتسم بخجل، بينما لوكيه يحمل الصينية.
– “هدنة؟” قال لوكيه وهو يرفع حاجبيه.
ترددت، ثم سمحت لهم بالدخول. جلسنا نتحدث، ومع كل دقيقة كان جدار الغضب ينهار شيئًا فشيئًا، حتى تبادلنا الضحك من جديد.
⸻
في الوقت نفسه، كان نيك ينفذ أوامر يوهان. اختار أحد رجاله الأكثر ولاءً، ويدعى إيفان، وأعطاه ملفًا صغيرًا يحوي صورًا ورسائل مشفرة.
– “ستذهب إلى تتوبويا متخفيًا كتاجر. تقترب من رجال إيرلن، وتسمع كل ما يقولونه. لا تترك أثرًا لوجودك.”
إيفان لم يسأل لماذا، فهو يعرف أن الفضول مع الزعيم يوهان يعني نهايتك. اكتفى بإيماءة، ثم غادر نحو الميناء حيث كانت تنتظره سفينة شحن قديمة، متجهة إلى الجزيرة المجاورة.
يوهان كان يراقب من نافذة مكتبه العالية، السيجار بين أصابعه، وعيناه تتبعان السفينة حتى اختفت في الأفق. في عقله، كانت الخطة أكبر من مجرد تجسس… كان يرى في الأفق بداية حرب، حرب يعرف أنها ستغير موازين القوى في البحر كله.
⸻
في المساء، جلست مع عائلتي حول المدفأة. الحديث كان خفيفًا هذه المرة، لكن قلبي ظل مشغولًا… ليس فقط بالامتحان، بل أيضًا بذاك الرجل الغامض الذي ادعى أنه “هيونغ مين”.
كنت أعرف من هو… لكن السؤال الذي يطاردني هو: لماذا كذب عليّ؟
⸻
في صباح اليوم التالي، كانت السماء ملبّدة ببعض الغيوم الخفيفة، والهواء عليلًا يبعث على النشاط. ارتديت ملابسي على عجل وتوجهت إلى الجامعة، عقلي ما زال منشغلًا بذكريات الأيام الماضية، لكنني أجبرت نفسي على التركيز في الامتحان الذي كان بانتظاري. جلسنا في القاعة، وبينما كان الطلاب يفتحون أوراق الاختبار، شعرت بشيء من الارتياح… الأسئلة كانت سهلة أكثر مما توقعت. كتبت الإجابات بثقة، وأكملت الاختبار قبل انتهاء الوقت بقليل.
خلال فترة الاستراحة، كنت جالسة في زاوية هادئة من الحديقة الجامعية، أراقب حركة الطلاب وأحتسي قهوتي الصغيرة، حين ظهرت أمامي صديقتي يومير بابتسامتها المشرقة. لم أكن أعلم أنها تحمل خبرًا سيغير مزاجي تمامًا. اقتربت وجلست بجانبي قائلة:
— “ستيلا! لدي مفاجأة لك. لقد تمت دعوتي إلى حفلة بانكروا، وستُقام على متن سفينة ضخمة وراقية جدًا اسمها ميلان. ستكون هناك شخصيات مهمة ومشهورة من عالم المال والفن والسياسة… وأريدك أن ترافقيني!”
فتحت عينيّ بدهشة، وارتسمت على وجهي ملامح الحماس. لم أحضر في حياتي حدثًا راقيًا من هذا النوع، وخصوصًا على متن سفينة. تخيلت الأضواء، الموسيقى، فساتين السهرة اللامعة، والمشهد البانورامي للبحر في الليل. سحبت يومير يدي بحماس وهي تشرح لي أن السفينة ليست مجرد مكان للحفل، بل تحفة فنية تتحرك على الماء، تضم قاعات فاخرة وحدائق صغيرة وشرفات تطل على البحر.
بدأنا نتحدث عن التحضيرات: أي فستان سأرتدي؟ كيف سأسرّح شعري؟ أي لون من المكياج سيكون مناسبًا؟ كانت ضحكاتنا تتعالى، وكل واحدة منّا تتخيل نفسها وهي تمشي على السجاد الأحمر أمام عدسات الكاميرات.
مرّ النهار سريعًا، وفي المساء دخلت غرفتي لأبدأ بالتحضير. فتحت خزانتي، وتفحصت الفساتين واحدًا تلو الآخر، حتى اخترت فستانًا يلائم أجواء الحفل. أضفت بعض الإكسسوارات البسيطة، ووضعت عطري المفضل الذي يفوح برائحة الفانيليا والمسك.
وبينما كنت أنهي آخر لمساتي، سمعت طرقات خفيفة على باب الغرفة. فتحت الباب، فوجدت عمتي كيارا واقفة تنظر إلي باستغراب، وكأنها تحاول فهم سبب بقائي في الغرفة طوال النهار. قالت بنبرة متفحصة:
— “ستيلا، لماذا لم تتغدي معنا اليوم؟ ولماذا لم أرك منذ الصباح؟”
ابتسمت وقلت لها أنني كنت مشغولة بالتحضير، ثم أخبرتها عن دعوة يومير لي لحفل بانكروا، وعن السفينة ميلان، وعن الأجواء الفاخرة التي تنتظرنا. بدا على كيارا مزيج من الفرح والقلق، ثم أوصتني بحزم:
— “احذري يا ستيلا، لا تختلطي كثيرًا بالرجال، ولا تتحدثي مع أي شخص غريب، والأهم… لا تذهبي إلى أي مكان إذا طلب منك أحد أن ترافقينه. حفلات كهذه قد تكون جميلة، لكنها أيضًا مليئة بالمفاجآت.”
ابتسمت وطمأنتها أنني سأكون حذرة، لكنها لم تكف عن تكرار وصاياها حتى ابتعدت عن الباب. أغلقت غرفتي، وألقيت نظرة أخيرة على المرآة… لم أكن أعلم أن تلك الليلة، على متن سفينة ميلان، ستفتح أمامي بابًا لأحداث لم أتخيلها حتى في أسوأ كوابيسي.
⸻
Comments