الفصل الثاني بعنوان كاميلا و اونجول

الفصل الثاني: كاميلا وأونجول

على أطراف جزيرة بيكشون، بعيدًا عن الميناء وعن الساحة الكبرى التي شهدت دماءً كثيرة، يقف قصر آل بيكشون ككتلة صخرية داكنة، لا يقترب منه سوى من دُعي إليه… أو من كان أحمق كفاية ليقتحم أرض الزعيم.

القصر قديم، جدرانه المظلمة مغطاة باللبلاب، والنوافذ العالية تعكس البحر والغيوم الرمادية. في الداخل، تعيش عائلة يوهان.

عائلة تعرف جيدًا من هو ابنها، الزعيم الذي حوّل الجزيرة إلى مملكة خوف.

يوهان ليس الوحيد في العائلة، لكن سلطته جعلت اسمه يتجاوز كل الأسماء.

أما والده، فيظل رجلًا تقليديًا، يرى أن الزواج والتحالفات السياسية أساس استمرار السلطة. وكان قد قرر في سرّه أن الوقت حان لأن يتزوج ابنه… لكن ليس أي زواج، بل زواج يخدم مصالح العائلة.

الخطة كانت واضحة: يوهان × إزميرالدا، ابنة عمة يوهان.

إزميرالدا… فتاة فائقة الجمال، تعرف كيف تلفت الأنظار. لكن في عيني يوهان، لم تكن سوى ظلّ طامع في السلطة. لم يكن يطيقها، ولا يطيق نظرتها التي تفحصه كما يتفحص التاجر بضاعته.

لكن العقبة الأكبر أمام هذه الخطة لم تكن رفض يوهان فقط… بل والدته، أونجول.

أونجول كانت امرأة قوية الحضور، أنيقة حتى في أشد لحظات الغضب. عاشت في بيكشون عمرها كله، ورأت كيف يمكن للسلطة أن تفسد الدماء، خاصة عندما يكون الطموح مشوبًا بالخيانة.

كانت تحتقر إزميرالدا ووالدتها كاميلا، وهي امرأة لسانها ملسون وقلبها مغطى بالجليد، لا ترى في الزواج سوى وسيلة للسيطرة. أما ابن كاميلا، رايدر، فكان رجلًا يبتسم كثيرًا لكن عينيه لا تعرفان الصدق، يتقرب من الجميع بحثًا عن مكاسب، حتى لو كان الثمن هو العائلة نفسها.

أونجول كانت تعرف أن الزواج من إزميرالدا لن يكون زواجًا، بل استسلامًا.

لهذا كانت تحارب الفكرة من الداخل، بصمت شديد لكن بإصرار.

– “إزميرالدا تريدك يا يوهان، لكن ليس قلبك… تريد عرشك.” قالتها ذات مساء وهي تصب لنفسها كأسًا من الشاي.

نظر إليها يوهان ببرود، كعادته، ثم ابتسم بسخرية:

– “عرشي لا يُؤخذ عبر حفلة زفاف، أمي.”

رغم ذلك، لم يكن هذا الكلام يريحها.

هي تعرف ابنها… تعرف أن قلبه ليس ساحة معركة مفتوحة، لأنه لا يؤمن بالحب أصلًا. بالنسبة له، الحب مضيعة للوقت، وسبب للضعف، وسلسلة حديدية يلتف أحد طرفيها حول العنق والآخر بيد شخص آخر.

لكن أونجول… وأفراد العائلة المقرّبون منها، كانوا يتمنون معجزة: أن يقع يوهان يومًا ما في حب فتاة.

فتاة تغيّر شيئًا في قلبه، مهما كان مستحيلًا.

لكن… في جزيرة مثل بيكشون، المعجزات دائمًا تحمل ثمنًا دمويًا

في صباحٍ رمادي آخر من صباحات بيكشون، كانت رائحة الخبز الساخن تتسلل من مطبخ منزل عمّتي كيارا.

كنتُ أحرك العجين ببطء بينما أبخرة الشاي تتصاعد أمام وجهي. كان هذا طقسنا اليومي البسيط، ملاذنا الوحيد من ضجيج الخوف الذي يسكن الجزيرة.

بينما أنا منشغلة، دوّى طرق على الباب. كان قويًا، سريعًا، وكأن الطارق يحمل خبرًا عاجلًا أو شوقًا كبيرًا.

مسحت كيارا يديها بمريولها، واتجهت لتفتح الباب.

لكن ما إن فعلت… حتى اتسعت عيناها، وانفرج فمها عن ابتسامة نادرة:

– “چان! لوكيه!”

وقفا أمام الباب، يرتديان معاطف ثقيلة، وعليهما آثار السفر الطويل. چان بدا أكثر نضجًا منذ آخر مرة رأيته فيها، أما لوكيه فكان يحمل تلك الطاقة المرحة التي لم تتغير منذ الطفولة.

– “لقد عدتما!” صرخت وأنا أهرع نحوهما، أعانقهما بحرارة.

ضحك لوكيه وهو يربت على رأسي:

– “كبرتِ يا ستيلا… وأصبحتِ تشبهين أمك أكثر.”

ابتسمت، لكن في داخلي، شعرت بوخز صغير عند ذكر أمي.

دخلنا جميعًا إلى المطبخ، وجلستُ بينهما حول الطاولة.

لم يأتِ أخوهما الثالث، إيزيك، لأنه بقي في بريطانيا، حيث يدير دوقية ريدنجر باسمه. كان إيزيك مختلفًا دائمًا… أكثر رصانة، وأكثر بُعدًا عن حياة الجزيرة.

بدأنا نتبادل الأحاديث، أولًا عن رحلتهما، ثم عن العمل، حتى وصلنا إلى الاسم الذي لا يغيب عن أي نقاش في بيكشون: يوهان بيكشون.

– “سمعنا أن الزعيم شنق أربعة مزارعين الأسبوع الماضي.” قال چان وهو يتناول قطعة من الخبز.

– “لم يكونوا أبرياء.” ردّت كيارا بهدوء، لكنها لم تخفِ مرارة صوتها.

– “حتى وإن أخطأوا،” أضاف لوكيه، “يوهان لا يعرف الرحمة… هو لا يحكم الجزيرة، هو يخنقها.”

كنت أستمع بصمت. لم أخبرهم أنني رأيته في الغابة، أو على الأقل شعرت بوجوده. شيء ما بدا وكأنني سأحتفظ به لنفسي… على الأقل الآن.

چان مال نحوي قليلًا، وكأن لديه سرًا:

– “يقولون إنه قريبًا سيُجبر على الزواج… لكن لا أحد يعرف ممن بالضبط.”

ضحكت كيارا بسخرية:

– “يوهان؟ الزواج؟… حتى البحر سيتوقف عن الحركة قبل أن يقع في الحب.”

لم أضحك. لا أعلم لماذا، لكن قلبـي دقّ أسرع من المعتاد…

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon