5:5(فال ايلون ﻻتنام)

لم يكن النوم في فال إيلون مثلما اعتادوه في القرية…

فقد كانت الجدران هناك تتنفس.

والليل… لم يكن صامتًا.

صوت خافت كان يأتي كل ليلة، كهمسات تُقال خلف الجدران، كأن المدينة نفسها تراقب من دخلها.

في تلك الليلة، استيقظ إيفان فجأة.

لم يكن هناك ضوء، ولا صوت…

لكن قلبه كان يدق بقوة، وكأن أحدهم ينظر إليه من خلف الظلال.

نهض بهدوء، اقترب من النافذة الصغيرة التي تُطل على ساحة التدريب، لكن قبل أن يصل…

رأى عيونًا تتوهج في العتمة… أزواج من العيون، خضراء، صفراء، وأخرى لا لون لها.

لم تكن بشرية.

ولم تكن صديقة.

حاول إيفان أن يُقنع نفسه أن ما رآه لم يكن حقيقيًا… أن العيون اللامعة لم تكن سوى خيال نعاسٍ عالق، لكنه لم يستطع أن يطرد ذلك الشعور من صدره… الشعور بأن شيئًا ما يترصّده.

ولم تمضِ دقائق حتى فُتح باب الغرفة بقوة، ودخل جندي طويل القامة، لكن ملامحه لم تكن بشرية بالكامل… كانت أذناه أطول قليلًا، وعيناه حادتين كعينَي ذئبٍ في الغابة.

كان من الألف.

يرتدي زيًّا عسكريًا أزرق، مشدودًا على جسده النحيل القوي، وعلى كتفه رمز غزال يحيط به سيفان متقاطعان، يتوهجان بخيطٍ ذهبي خافت. صوته كان باردًا، بلا عاطفة:

"استيقظوا. استحمّوا. كُلوا شيئًا… أمامكم ساعة واحدة قبل أن نأخذكم إلى المعسكر."

لكن أحد الأطفال تمطّى فوق فراشه، ناسياً أنه لم يعد في بيته، وظن أن الوقت ما زال فجرًا باكرًا… تمتم بتذمر وهو يدفن رأسه في الوسادة:

"بعد خمس دقائق فقط…"

وفجأة، دوى صوت الجندي كالرعد في الغرفة:

"إذا لم تقم الآن… فلن تأكل اليوم شيئًا!"

قفز الجميع من أماكنهم، متوترين، مذعورين. بدا واضحًا أنهم لم يعودوا في قريتهم الصغيرة… القوانين هنا مختلفة، وقاسية.

 

عندما خرج الأطفال من مبنى النوم، رافقهم الصمت والبرد الخفيف نحو ما أُطلق عليه "المعسكر"، لكن ما رأوه هناك لم يكن يشبه أي معسكر.

كانت الأرض مفتوحة، خالية من أي بناء، محاطة بأشجار طويلة كأنها حراس صامتون. في وسط الأرض، كان هناك بعض الأغراض مبعثرة: صناديق خشبية، براميل قديمة، أسلحة تدريب خشبية، قطع دروع ممزقة… وكان هناك "المان" — تماثيل حجرية ضخمة بملامح غريبة، بعضها يشبه البشر، وبعضها يشبه وحوشًا لم يُعرف لها اسم.

وقف الجندي ذو الغزال وسط الساحة، نظر إليهم بنظرة خالية من الرحمة، وقال ببرود:

"هنا سيكون تدريبكم."

تبادل الأطفال النظرات، غير فاهمين ما المقصود.

ثم أكمل الجندي بنفس البرود:

"سنترككم هنا… ومن ينجو حتى شروق الشمس بعد غد، سيتأهل للمرحلة التالية."

ارتفعت همسات الخوف بينهم… يومان؟ وحدهم؟ في هذا المكان؟!

لكن الجندي لم يترك لهم فرصة للأسئلة. اختفى في لحظة، كأن الريح التهمته.

خيم الصمت على المكان.

 

اقترب سايان من إيفان، وهمس:

"هل رأيت تلك العيون الليلة؟"

أومأ إيفان برأسه دون أن يتكلم، فصوت قلبه كان أعلى من الكلمات.

هارت كان يقف خلفهما، يراقب التماثيل الحجرية، ثم تمتم بصوت خافت:

"هذه ليست تماثيل تدريب عادية… إنهم يراقبوننا."

وفجأة…

اهتز أحد التماثيل.

ارتفع الغبار من تحته، وبدأت العيون الحجرية تتوهج بضوء أحمر خافت.

ثم… تحرّك.

اهتز التمثال مرة أخرى، هذه المرة بقوة أكبر، وارتفعت ذراعه ببطء كما لو كان يفيق من سباتٍ عميق.

تجمّد الأطفال في أماكنهم.

"إنه يتحرك…!" صرخت فتاة صغيرة، وانكمشت خلف أحد البراميل.

لكن إيفان لم يتحرك. كان يحدّق في التمثال، في التفاصيل الدقيقة على صدره، في النقوش القديمة التي تغطي ذراعيه، ثم قال بصوت خافت:

"إنها ليست مجرد تماثيل عشوائية… هناك رموز سحرية محفورة عليها… يبدو أنها تعمل بطاقة سحرية."

سأل سايان بسرعة: "هل هذا يعني أنهم أحياء؟"

هارت، الذي كان ينظر بعينيه البنفسجيتين الساحرتين نحو واحد من "المان"، تمتم:

"لا أعتقد أنهم أحياء. هم… آلات حجرية. ولكن مَن حرّكهم؟ السحر؟ أم المكان نفسه؟"

"اختبار." قالها إيفان بحدّة. "هذا هو الاختبار الحقيقي. ليس فقط البقاء… بل فهم ما نواجهه."

اقترب أحد الأولاد –كان ضخم الجثة لكنه يبدو خائفًا– وسأل بتردد:

"ماذا نفعل؟ نركض؟ نختبئ؟"

"الركض بلا خطة يعني الموت." قال سايان بثقة. "انظروا… عددهم محدود، وأحجامهم تجعل حركتهم بطيئة. يمكننا الاستفادة من ذلك."

رفعت فتاة شعرها مربوط بإحكام يدها قائلة: "لكننا لا نملك أسلحة حقيقية!"

ابتسم هارت بخفة، واقترب من أحد الصناديق الخشبية، فتحه فوجد بداخله أدوات بسيطة: عصي، حبال، دروع خشبية، وبعض الشفرات الصغيرة.

"ربما نملك ما يكفي… إذا استخدمنا عقولنا أولًا."

اقترب إيفان من تمثال لم يتحرك بعد، حدّق في الرمز على كتفه، ثم همس:

"هذا الرمز… يضيء أولًا، ثم يبدأ التمثال بالحركة. ربما… لو تمكّنا من تعطيله قبل أن يضيء، لن يتحرك."

نظر إليه هارت باهتمام: "هل تستطيع فعلها؟"

"سأحاول."

 

خلفهم، كان الأطفال الآخرون ينقسمون بسرعة… البعض يركض نحو الأشجار باحثًا عن مأوى، البعض الآخر بدأ بالبكاء، وهناك من جلس يراقب بلا فهم.

لكن مجموعة إيفان لم تضِع وقتًا.

قال سايان وهو يجمع الحبال: "نحتاج إلى خطة. إيفان، أنت تدرس الرموز. هارت، أنت تراقب توقيت الحركة. أنا سأقود من يقدر على القتال."

أومأ الجميع.

"سنقسّمهم!" صرخ سايان للأطفال الآخرين. "كل من يستطيع الركض، اجذبوا انتباه التماثيل بعيدًا عن مركز الساحة. من يستطيع التسلق، خذ موقعًا فوق الأشجار، وراقب."

هارت صرخ: "لا تهاجموا مباشرة! انتظروا الإشارة."

ثم نظر لإيفان: "متى؟"

"الآن!" قالها إيفان، وهو يغرز قطعة خشب صغيرة داخل إحدى الفتحات على التمثال، فبدأ الرمز يشتعل… ثم فجأة، انطفأ.

توقّف التمثال عن الحركة.

"نجحنا!" صرخ أحد الأطفال.

لكن لم تكد الكلمة تخرج من فمه، حتى اهتزت الأرض من جديد…

التماثيل الأخرى بدأت تتحرك معًا.

"المواجهة بدأت!" قال سايان، وهو يُمسك بعصًا خشبية، عازمًا على أن يُثبت أن القوة ليست فقط بعضلات اليد، بل بخطة تُحسن استخدامها.

بعد انفجار التمثال الضخم، ساد صمت ثقيل، لم يكن راحة… بل كان هدوءًا يسبق المجهول.

لكن قبل أن يلتقط أحد أنفاسه، ارتجّت الأرض مرة أخرى، وبدأت الدائرة السحرية التي ظهرت تحتهم تضيء بشدّة… ثم فجأة، انشقت الأرض تحت أقدامهم.

صرخات، ثم سقوط.

كل شيء اختفى.

**

استفاق إيفان على صخور باردة تحته، وقطرات ماء تسقط من سقف كهف غريب. لم يكن وحده… سايان بجانبه، يئنّ من ألم في كتفه، وهارت يتمتم بشيء وهو يتفقد رمزًا محفورًا في الحائط.

أما بقية الأطفال، فقد كانوا موزّعين في أماكن متفرقة من الكهف… البعض جائع، البعض يبكي، والبعض لا يزال مذهولاً مما جرى.

"أين… نحن؟" تمتم أحد الأطفال.

هارت نهض وقال:

"هذا ليس كهفًا طبيعيًا… هذا بناء… صنعه السحر."

إيفان وقف رغم التعب، نظر حوله ثم قال:

"أعتقد أن هذا هو الاختبار الحقيقي. ما رأيناه في الأعلى كان تمهيدًا فقط."

سايان ضحك بسخرية، وهو يحاول تحريك ذراعه المصابة:

"ما التالي؟ تنين؟!"

ضحك خافت خرج من أحد الأطفال، رغم الخوف… ذلك النوع من الضحك الذي يُبقيك على قيد الحياة.

**

مرت أيام داخل الكهف… لا ضوء شمس، لا معرفة بالوقت.

كان الطعام شحيحًا، عبارة عن نباتات نبتت بين الصخور، وماء يقطر من السقف.

البعض بدأ يضعف، لكن مجموعة إيفان قاومت.

هارت اكتشف أن بعض الجدران تتجاوب مع الصوت، كأنها تُخبّئ ممرات سحرية.

إيفان قادهم عبر الأنفاق، يدوّن بعقله كل رمز يراه، كل صوت يسمعه.

سايان اخترع نظام حراسة، يُقسم فيه الأطفال لمجموعات، يدرّبهم على استخدام الصخور كدروع وأسلحة، كأنهم في معسكر حرب مصغّر.

حتى الأطفال الذين بكوا في البداية… بدأوا يتغيّرون. لم يعودوا مجرد ضحايا.

بل متدربين… محاربين.

**

في أحد الأيام، دخلت المجموعة نفقًا ضيقًا خلف جدار هارِب من السحر… وهناك، وجدوا غرفة مربعة، لا مخرج منها.

لكن على الجدران، كانت هناك رموز ثلاثية غريبة… ورمز دائري في الأرض.

جلس الجميع، جائعين، متعبين… وبعضهم بدأ يفقد الأمل.

لكن إيفان، رغم التعب في عينيه، قال:

"هذا الرمز يشبه رموز التمثال… لكن ناقص."

هارت نظر بدقة:

"نعم… يحتاج لطاقة. ربما لو جمعنا طاقتنا السحرية معًا…"

قال سايان:

"وهل سيكفي؟ نحن بالكاد نملك طاقة!"

ابتسم إيفان ابتسامة شاحبة:

"لن ننجو إن لم نحاول."

**

وقف الجميع في دائرة، ومدّوا أيديهم نحو الرمز في الأرض.

هارت بدأ بقراءة تعويذة نسيها منذ زمن، لكن قلبه تذكّرها…

إيفان ضخّ فيه ما تبقّى من طاقته…

حتى الأطفال الآخرين، رغم جهلهم بالسحر، أغمضوا أعينهم، وأرسلوا أحلامهم وآمالهم نحو الأرض.

وفجأة…

اهتز الرمز.

وبدأ النفق يفتح من الجدار الخلفي، بضوء أبيض ساطع، كأن الشمس نفسها انفجرت خلفه.

**

عندما خرجوا من النفق… كانت المفاجأة صادمة.

عادوا إلى ساحة التدريب.

لكنها لم تعد كما كانت.

كانت مهجورة… والغبار يغطّي كل شيء، كأنها تُركت منذ زمن بعيد.

ثم… ظهر الجندي صاحب رمز الغزال.

وقف أمامهم، ونظر إليهم طويلًا… ثم قال بصوت عميق:

"أسبوعان… لقد أمضيتم أسبوعين في الداخل."

شهق الجميع.

"لكننا كنا هناك ثلاثة أيام فقط!" صرخت فتاة.

أومأ الجندي:

"فال إيلون… لا تتبع قوانين الزمان."

ثم تقدّم خطوة، ونظر مباشرة نحو إيفان، سايان، وهارت.

"لقد خرجتم… لكنكم لستم كما دخلتم."

ثم التفت إلى باقي الأطفال:

"أنتم لم تعودوا أطفالًا… أنتم جنود. والناجون من هذا المكان… نادرون."

ثم دوّى صوته في الساحة:

"أخبِروا القادة… لقد نجحوا."

✦ همسة في نهاية الطريق…

قبل أن تطوي هذه الصفحة، أخبرنا:

كيف رأيت ما حدث داخل فال إيلون؟

لو كنت أحدهم… هل كنت ستكمل الرحلة، أم تطلب العودة؟

أيّ شخصية اقتربت من قلبك أكثر؟ ولماذا؟

هل تعتقد أن "رين" سيعود؟

وأخيرًا… من كنتَ ستكون؟ إيفان؟ سايان؟ هارت؟ أم أحدٌ آخر؟

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon