تحركت العجلات ببطء، تصدر صريرًا خافتًا، كأنه أنين الأرض وهي تودّع أبناءها.
من خلف النوافذ الحديدية الصغيرة، كانت العيون الصغيرة تلتصق بالزجاج، تتشبث بالمشهد الأخير للقرية… الوجوه الباكية، الأيدي المرفوعة، البيوت التي لن يعودوا إليها.
سايان شدّ قبضته على المقعد، كأنّه يُقاوم رغبة في القفز.
هارت أغمض عينيه، محاولًا حفظ صورة والدته في ذاكرته.
أما إيفان… فكان صامتًا، يراقب قرص الشمس وهو يتوارى خلف تلال القرية، وكأنها تبتلعه.
"إلى أين ستأخذوننا؟"
سأل أحد الأطفال بصوت متردد، متوجّهًا إلى الجندي الجالس قرب الباب.
رفع الجندي حاجبه، ونظر إليه بشيء من السخرية:
"وكأنك ستعرف طريق العودة إن قلت لك أين سنذهب…"
لكن قبل أن يرد الطفل، تدخّل جندي آخر، صوته أكثر لينًا:
"ما بك؟ لهم الحق أن يعرفوا."
ثم التفت إليهم قائلاً:
"سنذهب إلى مدينة فال إيلون... وهناك، ستبدأ رحلتكم الحقيقية."
صمتٌ ثقيل خيّم على العربة.
"فال إيلون؟" تمتم هارت، كأن الاسم يحمل شيئًا غريبًا في طياته.
وقبل أن يسأل أحدهم مجددًا، اهتزت العربة فجأة، وعلت صيحات الحرس في الخارج…
شيء ما ليس على ما يُرام في الطريق.
فُتح باب العربة فجأة، واخترق الضوء القوي عتمة الداخل، فأغمض الأطفال أعينهم لا إراديًا. لقد مضت ساعة، وربما أكثر، وهم محبوسون في تلك العربة المغلقة، غارقين في ظلام دامس لا يُرى فيه حتى أطراف الأصابع. وعندما تجرأ بعضهم على فتح أعينهم، كانت المفاجأة كافية لتجميد الدم في عروقهم.
رجل ذو شعرٍ طويلٍ أخضر اللون، يتدلّى حتى خصره، وعينان خضراوان تلمعان في الضوء كزمردتين من عالم آخر. كانت ملامحه ناعمة وهادئة كأنها نُحتت من الرخام، لكن في ذات الوقت، فيها شيء لا يمكن فهمه… شيء ليس بشريًا.
تراجع الأطفال نحو الزاوية المقابلة للعربة، بعضهم شهق، وبعضهم بدأ بالبكاء، بينما التصق الآخرون بجدران الخشب كأنهم يبحثون عن مهرب.
وقف سايان أمامهم، جسده يرتجف لكنه لم يتحرك. رفع صوته بصعوبة قائلاً:
"م-من أنت؟ أنت لست من الجنود… لم نرك من قبل. أين ذهبوا؟ هل… هل قتلتهم؟ أرجوك… كل من هنا أطفال، لا تؤذينا."
كانت الكلمات تخرج منه كطلقات مكبوتة، قوية لكنها محمّلة بخوف حقيقي. قلبه يدق بسرعة مرعبة، لكنه لم يتراجع خطوة واحدة.
ابتسم الغريب ابتسامة خفيفة، ثم قال بصوت هادئ عميق:
"أنا… لست من القافلة أصلًا. ولم أكن مع الجنود لا من قريتكم ولا من الحراس. أنا من 'فال إيلون'… من شعب الألِف، ولست بشريًا."
تسمر الأطفال في أماكنهم. لم يفهموا كل كلماته، لكنهم فهموا الأهم: "لست بشريًا".
أشار الرجل خلفه إلى جندي واقف بقرب العربة وقال:
"أخرجهم، إنهم مرعوبون من مظهري… لا حاجة لي بصراخ الأطفال داخل رأسي. أخرجهم ودعهم يرون بأنفسهم."
فتح الجندي الباب الخلفي تمامًا وأشار إليهم بالخروج. بتردد، بدأ الأطفال ينزلون الواحد تلو الآخر، يلتفتون حولهم بحذر. لم تكن عربة واحدة فحسب… كانت عشرات العربات مصطفة، والجنود يقفون في صفوف، وأمامهم… أشخاص كثيرون، يشبهون ذلك الرجل. جميعهم لهم ملامح غريبة، ألوان شعر غير مألوفة، وعيون تتوهج تحت ضوء الشمس التي بدأت بالميلان غربًا.
نظر أحد الأطفال، وكان اسمه ميلو، وكان من بين أولئك الذين اجتازوا الاختبارات بنجاح، إلى أحد الجنود، وسأله باستغراب شديد:
"عفواً… هل قلت أجناس؟ مملكتنا فيها أجناس غير البشر؟"
ابتسم الجندي قليلًا وهو ينزل خوذته ليبدو أقل رعبًا، وقال:
"أجل يا صغيري، أليس هذا أمر معروف؟"
لكن قبل أن يجيب ميلو، جاء جندي آخر، كان واضحًا من درعه المصقول ولهجته المتعالية أنه من النبلاء، وقال بازدراء:
"آه، بالطبع لا يعرف. أنت تعلم أن العامة لا يدرّسون مثل هذه الأمور…"
استدار الجندي الأول نحوه، حاجباه يرتفعان بدهشة حادة:
"كيف لا يُعلّمونهم شيئًا عن مملكتهم؟ عن الأجناس التي تعيش بيننا؟! هذا جهل خطير!"
رد الآخر بلهجة ساخرة:
"لأنهم لا يحتاجون إلى معرفتها. ما الذي سيفيدهم؟ هم يتعلمون فقط الزراعة، الحراسة، وبعض المهارات اليدوية. أما التاريخ والسياسة ومعرفة الأعراق؟ فهذه لنا، نحن من نُدير."
قال الجندي الاول"هل انت احمق ما هذه الطبقيه التي تعامل بها الاطفال صغارا مثل هؤلاء وشلون اخر لماذا لا يتعلمون فهذا مفيد لهم
رد الجندي الاخر
"هل تريدني أن أصفعك؟ ما علاقتي أنا! هذا النظام ليس من وضعي… لكن، هؤلاء الأطفال، الآن، لن يروا أبدًا هذه الطيبة مجددًا. على الأقل، دعهم يدخلون المدينة وهم يعرفون."
هنا، ضحك الرجل ذو الشعر الأخضر، وتقدّم منهم بخطوات ثابتة، ثم قال:
"لحظة، لحظة. هل سمعتَ ما قلت للتو؟ إنهم لا يعرفون عنا شيئًا؟ أنتم تمزحون، أليس كذلك؟"
ضحك مرة أخرى، لكن ضحكته هذه المرة كانت ساخرة، حزينة بطريقة مخيفة:
"البشر… دائمًا البشر. لا شيء يتغير. يكرهون أنفسهم حتى، يخفون عن أطفالهم حقائق الأرض التي يعيشون فوقها، لأنهم يخشون الحقيقة."
قال سايان بصوت حذر:
"لكن… لماذا نحن هنا؟ ولماذا أنت هنا؟ ماذا يحدث بالضبط؟"
تنهد الرجل ذو الشعر الأخضر، ونظر إلى السماء قليلًا قبل أن يقول:
"أنتم، يا صغاري، اخترتم مصيرًا صعبًا. اجتزتم اختبارات الجيش، لا كأي جيش، بل قوات الظل الملكي… ولهذا جئنا."
تدخل أحد الجنود قائلاً:
"نقل الأطفال الذين اجتازوا الاختبارات إلى معسكر التدريب الخاص بقوات الظل أصبح يشمل مرحلة جديدة… مرحلة التعاون مع أجناس أخرى."
حدّق الأطفال في بعضهم، أصواتهم تتداخل وهمسهم يزيد:
"معسكر؟ قوات ظل؟ أليس هذا تدريبًا عاديًا؟"
رد الرجل من الألف وهو يعقد ذراعيه:
"لا، ليس تدريبًا عاديًا. أنتم تم اختياركم لأمر أعظم… المملكة تواجه تهديدًا لم تعترف به رسميًا بعد، ولكننا نحن الألِف نعلم… وشعرنا باهتزاز الأرض منذ سنوات."
اقترب من ميلو وانخفض على ركبتيه، حتى أصبح في مستواه، وقال:
"ليس كل من يملك وجهًا طيبًا، طيبًا بالفعل… ولا كل من يُخيفك، عدوك. هذا أول درس في رحلتكم."
ثم وقف وأكمل بصوت مرتفع يسمعه الجميع:
"غدًا، ستبدأ الرحلة الحقيقية. لكن الليلة، عليكم أن تناموا. في المدينة أمامكم، ستجدون غرفًا مرتبة لكم، طعامًا دافئًا، وماء نظيفًا. استريحوا… لأن صباح الغد، سيحمل أول تدريب في حياتكم الجديدة."
سأل أحد الأطفال بخوف:
"هل… هل سنموت هناك؟"
رد الجندي النبيل هذه المرة، لكن صوته كان مختلفًا، كأنه حزين:
"ربما… وربما لا. لكن من ينجو… سيكون بطلاً يُكتب اسمه في تاريخ المملكة."
نظرت هارت إلى سايان، ثم إلى إيفان، الذي كان طوال الوقت صامتًا، يراقب المشهد بعينين زرقاوين باردتين.
همس سايان:
"أنا لا أصدق أننا دخلنا في شيء أكبر مما كنا نتوقعه…"
رد إيفان بهدوء:
"ولا يمكننا الرجوع الآن…"
وبينما أخذ الجنود يوجّهون الأطفال نحو المدينة البعيدة التي بدأت أنوارها تلمع في الأفق، ظل الرجل ذو الشعر الأخضر واقفًا يراقبهم.
همس لنفسه:
"لن يكون سهلاً… لكن لعلهم يغيرون شيئًا… في عالم يبدو ميّتًا."
… وقبل أن يدخل الأطفال بوابة المدينة العالية، التفت إيفان خلفه، وكأن شيئًا ما ناداه من قلب الظلام.
كان الهواء ساكنًا، والسماء بدأت تتلون بالأزرق الداكن… لكن هناك، عند آخر عربة من القافلة، وقف شخصٌ ما.
كان مغطىً برداء أسود لا يُظهر ملامحه، كأنه ظلّ منفصل عن الظلال، لا أحد رآه سواه.
رفع ذلك الغريب رأسه ببطء… وكأن عينيه التقتا بعيني إيفان، حتى من تلك المسافة البعيدة.
ثم، فجأة، همس صوت داخل عقل إيفان، ليس بصوت أحدٍ يعرفه:
"أنت… المفتاح. لا تنسَ من تكون."
تجمد إيفان في مكانه، وكأن الزمن توقف. قلبه خفق بقوة، وشعر بوخز في كفه اليمنى، فنظر إليها…
كانت هناك علامة صغيرة تتوهج بلون بنفسجي بارد… لم تكن موجودة من قبل.
قبل أن يتكلم أو يصرخ، اختفى الرجل بردائه الأسود… كما لو أنه لم يكن موجودًا أبدًا.
نادى سايان:
"إيفان! ما بك؟ تعال بسرعة، المدينة قريبة!"
هزّ إيفان رأسه ببطء، وأخفى كفه داخل كمّه، ثم همس في نفسه:
"رحلتنا لم تبدأ بعد… بل هذه هي الخطوة الأولى فقط."
وانطلق معهم، بينما الليل يبتلع ما تبقى من الضوء… وبدا أن العتمة تخفي أكثر مما تظهر.
ما رأيكم في الرجل ذو الشعر الأخضر وشعب الألف؟ هل تعتقدون أنهم سيكونون حلفاء أم أعداء في القصة؟
كيف تفسيركم للرسالة الغامضة التي وصل بها إيفان عن كونه "المفتاح"؟ ما يمكن أن تعني؟
هل تعتقدون أن الأطفال سيكونون قادرين على تجاوز مرحلة التدريب الخطيرة في قوات الظل؟ ولماذا؟
ما تأثير معرفة الأطفال بأجناس أخرى موجودة في مملكتهم على تطور القصة؟ هل ستقويهم أم تضعفهم؟
هل شعرت أن هناك تهديدًا أكبر من العصابات التي ذكرها الجندي؟ وما توقعاتكم لهذا التهديد؟
كيف ترون شخصية إيفان بعد هذا الفصل؟ هل هو قائد جيد حسب تصرفاته وردود أفعاله؟
إذا كنت مكان الأطفال، كيف كنت ستتفاعل مع هذه الأخبار والمهمة؟
Comments