الفصل الرابع: حين قابلتُ ظله

وحين أغمضتُ عينيّ، تسلّلت صورة وجهٍ لا أعرفه… لكنّه بدا مألوفًا كما لو كان يسكنني منذ الطفولة."

---

لم يكن وجهًا واضحًا، بل كخيط دخانٍ يتماوج فوق ماء ساكن.

ملامحه غائمة، غير مكتملة… عينان كأنهما غارقتان في حكاية، وظل ابتسامة لم تكتمل.

هل كنتُ أحلم؟ أم أن الوحدة تصنع وجوهًا من الفراغ؟

استيقظت في صباحٍ رماديّ.

الساعة تشير إلى الثامنة والثلث. لا صوت في الغرفة سوى صوت أنفاسي.

زميلتي في السكن لم تصل بعد. شعورٌ غريب بالهدوء يغمر المكان، كأن الحياة لم تبدأ بعد.

جلست على سريري، ضممتُ ساقيّ، وأصغيت إلى الخارج.

كان ثمّة عصفور يغرد على الشجرة خلف النافذة، نداءه خافت لكنه ثابت، وكأنه يعرفني.

ارتديت سترتي، وتقدّمت نحو النافذة.

الضباب يعلو الأشجار، وشمس باهتة تحاول التسلّل من بين الغيم.

"صباح الخير، ماي لين."

كانت تشاو تشاو على الباب، تحمل كوبين من القهوة، وتبتسم بتثاؤب.

"صباح الخير... أنتِ مستيقظة باكرًا!"

"أنا أبدو مستيقظة، لكن عقلي ما زال نائمًا." ضحكت، وقدّمت لي الكوب.

"جولة سريعة في الحرم؟ لا محاضرات اليوم، لكن ربما نتمشى قليلًا."

**

خرجنا نتمشّى بين الممرات.

الطلاب كُثر، وجميعهم منشغلون بتصوير المباني، التحدّث بلغات مختلفة، أو الضحك بصوتٍ عالٍ.

"هذا مبنى الأدب."

أشارت تشاو إلى بناية ذات طابع قديم، حجارتها رمادية وأبوابها خشبية عريضة.

"هناك تقام أغلب المحاضرات، خصوصًا للطلاب مثلك."

هززت رأسي بإعجاب.

"جميل… يشبه البيوت القديمة في هوي آن."

"صحيح؟ فيه لمحة فيتنامية شوي."

**

في باحة صغيرة قرب المبنى، كان هناك شابان يجلسان على مقعد حجري.

أحدهما يقرأ بصمت، والآخر كان يستمع لمقطع موسيقيّ عبر سماعة أذن واحدة.

لكن ما جذب نظري… لم يكن هما. بل شاب ثالث، يقف غير بعيد، يتحدث إلى أحد الأساتذة، بينما يحمل بيده كتابًا أسود اللون.

لم أعلم لما توقّف الزمن للحظة وأنا أنظر إليه.

طوله معتدل، بشرته فاتحة، وشعره الأسود الكثيف كان منسدلًا بخفّة على جبهته.

صوته لم يصلني، لكن نبرة جسده، طريقته في الوقوف… كأنني رأيته من قبل.

"ماي لين؟"

أفاقتني تشاو من شرودي، فاستدرت بسرعة.

"آه، نعم؟"

"شكلك تجمدتِ فجأة."

أشحت بوجهي وقلت:

"لا شيء… فقط فكّرت في شيء."

لم أكن أرغب في قول الحقيقة… أن ظلّ ذلك الغريب قد اقتحم ذاكرتي بطريقة مبهمة.

ليس حبًّا، ولا إعجابًا… بل كأن قلبي قال: "أعرفه."

**

في المساء، دخلت فتاة هادئة إلى الغرفة.

بشرتها بيضاء، شعرها مفرود على كتفيها، وعيناها سوداوان واسعتان.

تقدّمت بخطوات خفيفة، ثم قالت بصوت خجول:

"مرحبًا… أنا زميلتكِ في السكن. اسمي جينغ لين."

ابتسمت لها ومددتُ يدي:

"ماي لين… تشرفت."

"أنا أيضًا… آمل ألّا أزعجكِ، أحتاج فقط مكانًا صغيرًا على الطاولة."

ضحكتُ:

"الطاولة لكِ كاملة إن أردتِ، أنا لا أستخدمها كثيرًا."

فتحت حقيبتها الصغيرة، وبدأت بترتيب كتبها، بينما أنا كنت ما زلت أُفكّر في ذلك الظل.

**

في اليوم التالي، التحقت بورشة تعريفية صغيرة في قاعة كبيرة.

الطلاب جلسوا على شكل دائرة، وبدأ كل منهم يُعرّف بنفسه.

"اسمي زاو جين."

حين نطق اسمه، رفعت رأسي فورًا.

كان هو. نفس الشاب الذي رأيته بالأمس.

لكن الآن، صوته واضح. منخفض، هادئ، يُنهي الجمل بنبرة تشبه الهمس.

قال إنه يدرس في قسم الإعلام، وهو في سنته الثالثة.

حين نظرت إليه… لم يبدُ منتبهًا لي.

لكنني كنت أعرف أن هذه ليست مصادفة.

أن نلتقي في الحرم، ثم أراه اليوم هنا… وأن يكون وجهه هو نفسه الذي زارني في المنام.

هل القدر يعيد رسم الخطوط الأولى؟

هل يُمكن لصوتٍ ما أن يسبق اللقاء؟

**

انتهت الورشة، وغادرتُ القاعة بصمت.

لم أبحث عنه، ولم أحاول لفت نظره.

لكن قلبي…

كان يركض في جهة أخرى تمامًا.

**

في ذلك المساء، عدت إلى الغرفة، وفتحت دفتري لأول مرة منذ السفر.

كتبت فيه:

> "لم أعرفك… لكنني شعرت بك.

حين نلتقي، لن أقول شيئًا…

سأترك لظلك أن يعترف بكل ما لم أجرؤ عليه."

---

نهاية الفصل الرابع

> "بعض الظلال، لا تُشبه غيرها… لأنها لم تمرّ، بل استقرّت."

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon