الفصل الثالث: على شرفة الحنين

التاريخ: 29 ديسمبر

الساعة: السابعة صباحًا

المكان: السكن الجامعي – غرفة 407

استيقظت بعد رحلةٍ طويلةٍ ومتعبة… كأن النوم لم يكن راحة، بل امتدادًا لصخب الطريق.

لففتُ جسدي تحت الغطاء مجددًا، وراقبتُ الضوء الرمادي المتسلل من النافذة. لم يكن صباحًا مشمسًا، بل شاحبًا، كأنه يعتذر عن القدوم مبكرًا.

كان قلبي ما زال مثقلاً، وروحي معلّقة بين الوطن والغربة… بين رائحة أمي في ثيابي، وصوت تشاو تشاو وهي تضحك بالأمس. مزيج من البدايات والخوف والحنين.

جلستُ ببطء، وألقيت نظرة على الغرفة. فارغة، صامتة، لكنها نظيفة. سريري مواجه للنافذة، ومكتبي بجانبه. لا أحد يشاركني هذا الصباح، لا أحد يسرق مني ضوء الشمس، ولا يوقظني برنين منبّه.

أخرجت دفتري من حقيبتي، وفتحت صفحة بيضاء، ثم كتبت بخط مائل: "اليوم الأول… لا أحد يعرفني هنا. وهذا جيّد. وهذا مخيف."

**

ذهبت إلى الحمام المشترك، نظرت في المرآة مطوّلًا. وجهي يبدو ناعسًا، وعيناي مائلتان إلى الحُمرة. لم أنم جيدًا، ولم أستوعب بعد أنني حقًا هنا. لم يوقظني أحد، لم يطرق الباب، لا أختي، ولا أمي، ولا صوت جدي وهو يفتح الراديو على الأغاني القديمة.

عدت إلى الغرفة، وبدّلت ملابسي. ارتديت سترة شتوية بلون كريمي، وسروالًا داكنًا. مشيت إلى النافذة، فتحتها قليلًا… فلفحني هواء بارد ونقي، وشعرت أنني في مكان أعلى من الأرض، كأن هذه الشرفة جزء من حلم مؤقت.

**

السابعة والنصف صباحًا. لا أحد اتصل، ولا رسالة جديدة من العائلة.

قررت أن أخرج لأستكشف المكان. حملت خريطتي الصغيرة، ووضعتها في حقيبتي. ارتديت قبعتي، وخرجت.

الممرات خالية تقريبًا، الخطوات تُحدث صدى خفيف، والأرضية تُصدر صريرًا خافتًا تحت قدميّ. صعدت إلى الطابق الخامس، ثم السادس، لا أعلم لماذا، فقط شعرت أنني أريد رؤية المكان من الأعلى.

**

على سطح المبنى، وجدت شرفة صغيرة بها مقعدان خشبيان. الهواء هنا أكثر برودة، لكن الرؤية أوضح. أشجار تايبيه تنحني كأنها تستمع للريح، والسماء ملبدة بسحب شتوية.

جلست وحدي على المقعد، وفتحت هاتفي. صورة العائلة لا تزال الخلفية. ابتسمت بحزن.

كتبت رسالة لأمي:

> "صباح الخير، وصلت البارحة… الجو هنا بارد، لكنني بخير. لا تقلقي. كيف حال الجميع؟"

ثم ترددت، ولم أرسلها. أعدت الهاتف إلى جيبي. لا أعلم لماذا، لكنّي شعرت أنني بحاجة إلى لحظة صمت بيني وبين هذا العالم.

**

بعد ساعة من الجلوس، قررت النزول. مررت بمكتبة صغيرة بجوار مبنى السكن. دخلت، وتصفحت بعض الكتب، اشتريت دفترًا جديدًا وقلما بلون بنفسجي.

سألت الموظفة عن أقرب مقهى داخل الحرم، فدلّتني عليه بلطف.

**

دخلت المقهى، كانت الأجواء دافئة على عكس الخارج. رائحة القهوة مع صوت الموسيقى الخافت جعلا المكان يبدو مألوفًا.

طلبت كوبًا من الشوكولاتة الساخنة وجلست بجوار النافذة.

كانت هناك طالبة صينية تجلس وحدها على الطاولة المقابلة، تكتب شيئًا بحماس، وترتدي نظارة مستديرة. شعرت برغبة غريبة في أن أقول شيئًا، لكن تراجعت. لم أكن جاهزة بعد للمحادثات.

أخرجت دفتري وكتبت:

> "هذا المكان يشبه بداية فصل في كتاب غير مكتمل. وأنا… جملة ناقصة تنتظر أن تُكتب."

**

حين عدت إلى السكن، وجدت ظرفًا صغيرًا تحت باب غرفتي. فتحته، كان من إدارة الجامعة: "تذكير بحضور الجلسة التعريفية غدًا – القاعة الرئيسية الساعة 9 صباحًا."

وضعت الورقة على المكتب، وجلست أمام النافذة.

الغروب بدأ يتسلل بين الأشجار، وصوت طائرٍ ما يغرّد من بعيد. فكرت:

هل سأعتاد هذا المكان؟

هل سأجد صديقة؟

هل سيشعر قلبي أخيرًا بأنه لم يغادر شيئًا؟

**

كتبت في دفتري:

> "الغربة لا تأتي دفعة واحدة… إنها تسير إليك على مهل، تطرق الباب بلطف، ثم تجلس في قلبك، وتهمس: أنا هنا."

**

حلّ الليل، وبدأت السماء تمطر بهدوء. أغلقت النافذة، وأشعلت ضوء المكتب، ثم فتحت كتابًا كنت قد أحضرته من فيتنام.

صوت المطر، وصفحات الورق، ورائحة الغرفة الجديدة… كلها أشياء لم أعتدها بعد، لكنها لسببٍ ما، بدت لي مألوفة.

**

قبل أن أخلد للنوم، فتحت هاتفي من جديد، وكتبت لأمي:

> "أمي، اشتقت لكم. هذا المكان غريب، لكنه لا يخيفني. ربما لأنكِ في قلبي، مثل دعائك."

أرسلت الرسالة، ثم أغلقت الهاتف، وأغمضت عينيّ.

كان المطر لا يزال يهمس على الزجاج، كأنّه يحكي لي عن حنينٍ لا يُترجم بالكلمات.

 

> "الغربة ليست مكانًا… إنها لحظة تسكنك، ثم تُعلمك كيف تصير بيتًا لنفسك."

نهاية الفصل الثالث.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon