الفصل الرابع: الاتفاقية
بعد انتهاء المأدبة، وبينما كان القصر يغرق في هدوء الليل، جلست سيرينا في قاعة الاجتماعات الخاصة بوالدها، مقابلةً له عبر طاولة فخمة من الخشب الأسود المنحوت. كان الإمبراطور ليونيل يجلس بثبات، بملامح صارمة كعادته، بينما وضعت أمامه وثيقة رسمية مزخرفة بختم العائلة الإمبراطورية.
"إذن، لقد حان الوقت لتوقيع الاتفاقية." قال بصوت هادئ لكنه يحمل قوة لا يمكن تجاهلها.
أومأت سيرينا بثقة، ثم أخذت نفسًا عميقًا قبل أن تنظر إلى الوثيقة. كانت تحتوي على شروط واضحة تم الاتفاق عليها منذ شهور، عندما سمح لها والدها أخيرًا بعيش الحياة التي طالما حلمت بها خارج القصر، ولكن وفقًا لقواعد محددة.
"لنراجع البنود الأخيرة قبل التوقيع." قال الإمبراطور، متجاهلًا نظرتها المتحمسة. "أولًا، لديكِ إذن للعيش كعامة الناس لمدة غير محددة، لكن مع شرط أساسي: سيتم تعيين حارس شخصي لكِ لضمان سلامتك."
زفرت سيرينا بضيق، لكنها لم تعترض.
"ثانيًا، لا يحق لكِ الكشف عن هويتكِ الحقيقية لأي شخص، تحت أي ظرف."
"مفهوم." قالت بهدوء، متقبلةً هذا الشرط.
"وأخيرًا، إن وجدتُ زوجًا مناسبًا لكِ، ستعودين إلى القصر وتتزوجين وفقًا لتقاليد العائلة الإمبراطورية."
قبضت على يدها للحظة، لكنها أجبرت نفسها على الابتسام. "بالطبع، يا أبي."
نظر إليها والدها مطولًا، كما لو كان يحاول قراءة ما تخفيه خلف تلك الابتسامة الهادئة، ثم قال بصوت أخف حدة: "سيرينا، أعلم أنكِ قوية وعنيدة، لكن العالم الخارجي ليس كما تعتقدين. لا تكوني متهورة."
أخفضت نظرتها للحظة، ثم رفعت رأسها بثقة: "أنا أعلم ذلك، ولهذا أريد أن أخوض هذه التجربة."
صمت الإمبراطور للحظة قبل أن يمد يده، مشيرًا إليها بتوقيع الوثيقة.
تناولت الريشة، وبتصميم ثابت، وضعت توقيعها الرسمي: سيرينا أستيريا، الوريثة الإمبراطورية.
عندما رفع الإمبراطور ختمه ووضعه على الورقة، أصبح القرار رسميًا.
ابتسمت سيرينا بانتصار داخلي، غير مدركة أن هذا القرار سيغير حياتها بطرق لم تكن تتوقعها أبدًا…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الخامس: نحو الحرية
عندما خرجت سيرينا أستيريا من القصر، لم تأخذ معها سوى حقيبة صغيرة وثوبًا بسيطًا لا يوحي بأي صلة لها بالعائلة الإمبراطورية. لم يكن عليها لفت الانتباه أو إثارة الشكوك. مشَت في الشوارع المضاءة بمصابيح الغاز، متنكرة بين الحشود، تشعر بحريتها للمرة الأولى بعيدًا عن القصر وأسواره التي لطالما خنقتها.
كانت المدينة تعجّ بالحياة، عربات تمرّ بسرعة، أطفال يركضون، وباعة ينادون على بضائعهم. لم تكن سيرينا قد اختبرت هذا القرب من الناس من قبل. لكنها لم تكن وحيدة تمامًا… في مكان ما، بين الظلال، كان هناك من يراقبها. أدريان فالنتين ، حارسها الخفي، كان يتبعها عن بعد، متأكدًا من أنها لن تشعر به.
استمرت سيرينا بالسير حتى وصلت إلى حيّ يبدو أكثر هدوءًا وأقل ازدحامًا. توقفت أمام مبنى قديم بعض الشيء، لكنه دافئ، يملك تلك الهالة التي توحي بأنه مكان آمن. كان يبدو كأنه نزل صغير، لكن شيئًا ما جعلها تشعر بأنه مختلف.
دفعت الباب الخشبي المتآكل قليلاً، فصدر عنه صرير خفيف. في الداخل، وجدت ردهة صغيرة مضاءة بشكل خافت، تفوح منها رائحة الشاي والقرفة. لم يكن هناك أحد، إلى أن ظهرت امرأة عجوز بشعر رمادي مرفوع بعناية، وعينين تلمعان بدهاء خلف نظارتها الصغيرة.
"لم أسمع طرقًا على الباب… من أنتِ، يا فتاة؟"
تجمدت سيرينا للحظة قبل أن تجيب بثقة هادئة:
"مسافرة تبحث عن مكان للإقامة."
حدّقت فيها العجوز لبرهة، كما لو أنها ترى ما وراء كلماتها، ثم ضحكت بخفة وقالت:
"حسنًا، المسافرة الغامضة… لديّ غرفة، لكن لا أؤجّرها لمن لا يملكون قصصًا مثيرة."
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي سيرينا وهي تردّ:
"إذا كنتِ تحبين القصص، أعدك أنني أملك واحدة لن تنسيها."
ضحكت لويزا بومونت مرة أخرى، وأشارت لها بالدخول. لم تكن تعلم سيرينا أن هذا المكان سيكون نقطة التحوّل في حياتها الجديدة…
Comments