في قلب إمبراطورية "أستيريا"، حيث تتلألأ القصور بالذهب، وتسود الطبقية بحزم، وُلدت الأميرة سيرينا دي أستيريا، الوريثة الوحيدة لعرش الإمبراطور ليونيل دي أستيريا. الجميع يراها جوهرة القصر، الفتاة المثالية التي ستواصل إرث العائلة الملكية.
لكن خلف ستائر الثراء، كانت سيرينا تحلم بشيء آخر… الحرية.
طفولتها كانت قفصًا من ذهب.
لم تكن تعرف معنى اللعب في الشوارع، ولم تجرب الجري في المروج الخضراء بحرية. كانت دروسها تبدأ مع شروق الشمس، تتعلم التاريخ، السياسة، فنون الإتيكيت، وكيفية التحكم في عواطفها مثل أي أميرة مثالية. كانت كل خطوة لها محسوبة، وكل كلمة تقولها يجب أن تكون بميزان دقيق.
لكن لحسن حظها، لم تكن طفولتها خالية تمامًا من الدفء. فقد كانت والدتها، الإمبراطورة كاثرين، مختلفًة عن النبلاء الآخرين. على الرغم من أنها لم تكن تستطيع تغيير القوانين الصارمة، إلا أنها كانت تمنح سيرينا لحظات من الحرية القليلة، بين أحضانها، في قصصها قبل النوم، وفي الهمسات السرية بينهما.
كانت كاثرين دائمًا تهمس لها:
"عزيزتي، لا تدعي أحدًا يطفئ نوركِ… حتى لو كان العالم كله يفرض عليكِ الظلام."
لكن العالم لم يمنح سيرينا وقتًا طويلًا مع والدتها، فقد ماتت الإمبراطورة وهي لا تزال في العاشرة من عمرها، تاركة وراءها ابنة فقدت آخر خيط يربطها بالحب والحرية.
كبرت سيرينا، وأصبح القصر أكثر ضيقًا عليها.
عندما بلغت الثامنة عشرة، قرر الإمبراطور إقامة مأدبة فاخرة احتفالًا ببلوغها سن الرشد. كانت القاعة الملكية أشبه بتحفة فنية، مزينة بالثريات الكريستالية والستائر القرمزية المطرزة بخيوط ذهبية. النبلاء من جميع أنحاء المملكة حضروا بملابسهم الفاخرة، يتبادلون المجاملات الزائفة والمصالح الخفية.
ارتدت سيرينا فستانًا أزرق ملكيًا يعكس لون عينيها، وبدت مثل أميرة مثالية… تمامًا كما أراد والدها.
لكن بداخلها، كانت متمردة تحترق.
في تلك الليلة، عندما بدأ الحديث عن مستقبلها وزواجها المحتوم، وقفت سيرينا أمام الجميع وقالت كلمات صدمت القاعة بأكملها:
"لا أريد أن أكون أميرة القصر… أريد أن أعيش كواحدة من الشعب!"
ساد الصمت، ثم تعالت الهمسات.
"هل فقدت عقلها؟"
"الأميرة تريد أن تصبح واحدة من العامة؟!"
أما الإمبراطور ليونيل، فلم يظهر أي غضب… فقط ابتسامة باردة وهو يراقب ابنته.
ما لم تكن تعلمه سيرينا، هو أن طريقها إلى الحرية سيكون أصعب بكثير مما تتخيل…
وأن العالم خارج القصر، يخفي أخطارًا لم تكن مستعدة لمواجهتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول: القفص الذي لا ينكسر
كانت هذه المرة الثالثة التي تحاول فيها سيرينا الهروب من القصر.
الساعة كانت تشير إلى منتصف الليل، والحدائق الملكية غارقة في سكون مخيف. تسللت عبر الممرات الخلفية، متجنبة الحراس الذين يحيطون بالقصر كالأشباح. كانت تعرف أن فرصتها الوحيدة هي الوصول إلى البوابة الغربية، حيث يقوم الخدم أحيانًا بتهريب البضائع دون تدقيق كبير.
ارتدت ملابس خادمة بسيطة، وأخفت وجهها بغطاء رأس داكن. قلبها كان ينبض بسرعة، لكنها كانت متحمسة. لقد درست تحركات الحراس لأيام، وعرفت متى يتغير دور الحراسة. هذه المرة، لن يمسكوها.
أو هكذا اعتقدت.
قبل أن تصل إلى البوابة، سمعت صوتًا خلفها:
"إلى أين تظنين نفسكِ ذاهبة، آنستي؟"
تجمدت في مكانها، قبل أن تستدير ببطء. كان أمامها رجل طويل القامة، ذو شعر فضي وعيون زرقاء جليدية… الحارس الملكي الأول، أدريان فالنتين.
أدريان لم يكن مجرد حارس عادي، بل كان أقوى فارس في الإمبراطورية، وهو الشخص الذي كلفه الإمبراطور بمراقبتها شخصيًا.
تنهدت سيرينا بغيظ. "أدريان، حقًا؟ هل عليك دائمًا أن تفسد خططي؟"
ابتسم بخفة، لكنها لم تكن ابتسامة دافئة، بل كانت أقرب إلى السخرية. "أنا أقوم بعملي فقط، جلالتكِ."
"لو كنت مكانك، لتركتني وشأني."
"ولو كنتِ أكثر ذكاءً، لما حاولتِ الهروب بهذه الطريقة الساذجة."
ضيّقت عينيها. "هذه المرة كدتُ أن أنجح."
رفع حاجبه باستهزاء. "لو كنتِ نجحتِ، لكنتِ الآن في ورطة أكبر. العالم خارج هذه الأسوار ليس كما تتخيلينه، سيرينا."
لكنها لم تكن بحاجة لمن يخبرها بذلك. لقد قرأت عن العالم، وسمعت قصصًا لا حصر لها عن الفقراء الذين يعانون، وعن حياة العامة التي لا ترحم.
ورغم ذلك، لم يكن أي من ذلك كافيًا لإقناعها بالبقاء.
"أنا لن أتراجع، أدريان. يومًا ما، سأجد طريقة للخروج."
نظر إليها للحظة، قبل أن يهز رأسه بخفة. "سنرى بشأن ذلك، آنستي… لكن حتى ذلك الحين، عودي إلى غرفتكِ."
———
Comments