الوريث الملعون

الوريث الملعون

الفصل الاول: بداية عقيمه

في قاعة ضخمة تفوق الخيال، جدرانها مزينة بالذهب والرخام، وصدى الخطوات يعكس هيبة المكان، يقف الجميع بخشوع كامل.

على العرش المهيب، تجلس هيميرا، الفتاة الجميلة ذات النظرة الحادة والهيبة التي تخطف الأنفاس. عينيها تشتعلان بالغضب، ونفَسُها يحمل نفحات استياء لا تخطئها العين.

بين الصفوف، يقف أريوس، رأسه منخفض، كأنه يحاول أن يختبئ من نظرات السخط التي تثقل جو القاعة. كان يعرف أن إخفاقاته لم تعد مجرد هفوات، بل نكبات تعلقت به كالظلال. كل إخوة نيفرتاري يتألقون بقوة لا تقارن، حكم لا يُضاهى، وإنجازات تُعدُّ وتُحصى، أما هو؟ فشل تلو الآخر، ولم تستجب له طاقة او قوة أبداً، وكأنها ترفض أن تمنحه جزءاً من قوتها.

نيفرتاري ترفع صوتها بحدة قاسية:

"هل هذا هو الأفضل الذي يمكنك تقديمه؟ أم أنك قَدِمت لتكون عاراً لنا جميعاً؟"

صمت ثقيل يعم القاعة، وأريوس ينحني أكثر، رأسه يلامس الأرض، لا قدرة له على الرد، لا شجاعة تحمل نظرة الفشل التي تلاحقه في عيون الجميع.

وسط القاعة، على وقع كلماتٍ كالسياط، كانت هيميرا تنظر إلى أريوس بنظرة احتقار مغطاة بالجمال المُخادع.

قال أريوس بصوتٍ مختنق، محمَّل بالانكسار:

"سيّدتي... أرجوكِ، سامحيني... أعلم أنني..."

نهضت من عرشها الفخم ببطء، بخطواتٍ هادئة تحمل رعبًا صامتًا، كأن الأرض تخشى ارتجاجها مع كل خطوة.

"مقصّر؟" كررت الكلمة بسخريةٍ قاتلة، ثم تابعت بصوتٍ بارد كجليدٍ قاتم:

"أهذا كل ما تملكه لتقوله؟ لا، أنت لست مجرد مقصّر... أنت عبء، وصمة، خيبة تمشي على قدمين. وُلدت من دمي النقي، وها أنت تلوثه بسذاجتك أيها السعلوك."

رفع أريوس رأسه أخيرًا، نظراته ترتجف، يعلم أن الوقت قد نفد، وأن النجاة باتت مستحيلة.

من بين الواقفين، تقدَّم أحد الإخوة بخطى واثقة، ذلك الذي كان اسمه كالسيف بين أروقة العوالم... لوسيفر.

انحنى باحترام مصطنع، وقال بصوته العميق المتلبس بالخبث:

"مولاتي هيميرا... قد يكون الوقت مناسبًا لمعاقبة هذا... الفشل المتنكر بهيئة ابن."

ابتسمت هيميرا بتسلية مريرة، ثم مالت بجسدها الملكي إلى الأمام:

"فكرة لطيفة، يا لوسيفر... بما أنك أنت الأكفأ، والأقرب لقلبي... فلتقرر أنت كيف يُعاقب هذا النكرة."

نظر لوسيفر إلى أريوس بعينٍ لا تعرف الرحمة، ثم قال:

"بما أن مصيره بيدي، فإنني أقترح شيئًا بسيطًا... أن يُمحى من الوجود تمامًا."

صُعق أريوس، حاول النهوض، ليتكلم، ليرد، لكن في لحظة، جسده تهاوى أرضًا، كما لو أن الجاذبية قد زادت ألف ضعف.

زخم طاقة لوسيفر كان هائلًا... ساحقًا... لم يترك مجالًا حتى للأنين.

لكن هيميرا لم تتكلم مباشرة... صمتت.

كانت تنظر إليه. تفكر.

ثم بصوتٍ متقطر بالسلطة والبرود:

"لا... محوه من الوجود سيكون شرفًا لا يستحقه. بدلًا من ذلك... سأجرده من كل شيء. من اسمه، من لقبه، من نسبه... من ذكراه حتى. سيموت في الظل، ويُلقى في غبار النسيان... كأنه لم يوجد قط."

رفعت يدها، وهالة من الطاقه تصاعدت منها... نبض ملوكي، خانق، يُعلن انتهاء وجود أريوس كجزء من عائلة هيميرا. رفعت هيميرا يدها بكل أناقة، لكن خلف تلك الأناقة جحيمٌ من الأحكام المطلقة، وقبل أن تُسدل الستار على مصير أريوس، قالت بصوت منخفض، هادئ، لكنه يحمل جبروتًا يشق الروح:

"هل من كلماتٍ أخيرة... يا من كنت جزءًا من دمي؟"

نظر أريوس حوله. وجوه باردة. أعين قاسية. ضحكات مختنقة.

كلّ من حوله كان ينتظر سقوطه... كأنهم يتلذذون بلحظة النهاية.

ابتسم بسخرية حزينة، ثم قال بصوتٍ مبحوح:

"كلكم... مجموعة من الفاسدين... المتسلقين... تعبدون قوتكم فقط، لا شيء آخر."

تلك كانت كلماته الأخيرة.

ثم، في لحظة، انطبق الحكم.

طاقة العزل الملكي انفجرت حوله بصمت مرعب... لم يكن هناك ضوء، لم يكن هناك صوت... فقط اختفى.

كأن جسده كان حلمًا وتم نسيانه، كأن اسمه لم يكن قط.

ذراته تلاشت كغبارٍ طُرد من كتاب التاريخ.

ضحك الجميع في القاعة... ضحكة مفرطة بالاستهزاء.

كأنهم شاهدوا حشرة تُسحق تحت الأقدام، لا أكثر.

جلست هيميرا على عرشها من جديد، وقد هدأ الغضب في عينيها، لتقول ببرود:

"عُدتم لأعمالكم الآن. لا وقت نهدره على من لا قيمة لهم."

انحنى الجميع احترامًا، وغادروا القاعة واحدًا تلو الآخر، تاركين خلفهم صدى ضحكاتهم وعبق الحكم الملكي.

وبقيت هي... تنظر نحو الأفق الفارغ من خلال النافذة الضخمة،

صامتة...

هادئة...

لكن في أعماقها، لم تكن هناك راحة.

في مكانٍ لا تصله العيون، ولا تحيطه القوانين، ولا تسكنه الأرواح... فراغ مظلم لا لون له، لا بداية ولا نهاية، لا ضوء ولا ظل.

وفي قلب هذا العدم، كان جسد أريوس يطفو، بلا حركة، بلا صوت، بلا حياة... كأن الوجود كله قد لفظه خارج المعادلة.

فجأة...

صوتٌ غريب يتسلّل ببطء إلى داخله.

هادئ، عميق، مألوف... بشكل يثير القشعريرة.

بدأ أريوس يفتح عينيه ببطء، وذهنه يعاني من ضباب كثيف.

"هذا الصوت..." همس داخله. "لماذا... يشبه صوتي؟"

أراد أن يتحرّك... أن ينهض... لكن جسده لم يستجب.

كأنه لا يملك حتى وزنه.

"يبدو أنني... متُّ فعلاً..." قالها بنبرة مستسلمة، مكسورة.

لكن الصوت أجابه بهدوء:

"لا... لم تمت. ليس بعد."

صُدم أريوس، عيناه تفتّشتا في الظلام بلا فائدة.

"لكني... مُحيت... أليس كذلك؟"

رد الصوت بنفس طبقة صوته، وكأن الحديث يدور بينه وبين نفسه:

"بلى... لقد مُحيت حقًا. وجودك تم محوه تمامًا."

ثم أكمل الصوت بنبرة غامضة:

"لكني... أعدتُك. لا تسأل كيف... فقط اعلم أني فعلت."

ابتلع أريوس ريقه، أو حاول، لكن حلقه جاف كالصحراء.

ثم سأل بضعف:

"منذ متى... وأنا على هذا الحال؟"

رد الصوت بهدوء قاتل:

"منذ سنوات."

صُعق أريوس.

اتسعت عيناه كأنما اصطدم بجدار الزمن.

"ماذا؟! لا... مستحيل... شعرت أنني أغمي عليّ منذ دقائق فقط..."

لكن الحقيقة كانت أقسى... الزمن مرّ، وهو... كان ميتًا حيًّا.

مُجرّد طيف عالق في العدم.

بعد لحظات من الصمت الثقيل، أطلق أريوس سؤاله بصوت خافت:

"أين نحن... بالضبط؟ ما هذا المكان؟"

رد الصوت بطمأنينة غريبة:

"لا تقلق. هذا مكان لا يصله أحد... لا بشر، لا مخلوقات، ولا حتى الزمن. إنه عزلة كاملة... بعيدة عن كل العوالم، عن كل القوانين. لذا لا تخف، لن يعثر عليك أحد."

أغمض أريوس عينيه، لا خوفًا... بل إنهاكًا. ثم سمع الصوت يتابع:

"وبخصوص ما حدث لك... صدقني، أشعر بالأسى. أعلم كم كنت تحاول دائمًا... كم بذلت من جهد، من إخلاص، من ولاء... لكنهم لم يروا ذلك قط، ولم يقدّروك كما تستحق."

تسلل الغضب والحنين والحزن معًا إلى قلب أريوس، لكنه لم يتكلم.

تابع الصوت:

"لكن لا تقلق، أريوس... لن أتركك هكذا. أنا هنا لأعطيك مسارًا آخر... فرصة جديدة."

رفع أريوس حاجبه، وعيناه تفتحتا ببطء:

"مسار... آخر؟ ماذا تقصد؟"

أجاب الصوت، وهذه المرة بصوت أقرب إلى نبرة رسمية:

"لقد قمت ببعض الإصلاحات... أو لنقل، التعديلات. أنت الآن لست كما كنت. لقد أصلحت ما تم تحطيمه فيك، وأعدت بناءك بشكل جديد، مميز."

توسعت عينا أريوس:

"تعديلات...؟"

أجابه الصوت:

"الآن، أمامك خياران."

"إما أن تبقى في هذا الفراغ، حيث لا يسمعك أحد غيري، ولا زمن لك فيه ولا مستقبل..."

"...أو، أن أنقلك إلى عالمٍ آخر تمامًا. عالمٍ تحكمه القوة فقط. حيث لا نسب، لا انتماء، لا عائلة تفضّل أحدًا على آخر. فقط القوة، ومن يملكها... هو من يُحسب له الحساب."

صمت الصوت قليلاً، ثم أكمل:

"اختر، أريوس. هل تبقى منسيًا... أم تبدأ بداية لا يشوبها أحد؟"

داخل ذلك الفراغ الأبدي... وسط الصمت القاتم...

رفع أريوس رأسه قليلًا، لم يعد يشعر باليأس كما كان، بل برغبة في التغيير... ولو كانت مجنونة.

"حسنًا... أنا موافق."

قالها بنبرة حازمة، وإن كانت تحمل شيئًا من القلق.

"طالما أنني لن أبقى هكذا... فهذا أفضل من العدم."

ابتسم الصوت، وكأن الابتسامة تُشعر رغم انعدام الشكل:

"كنت أعلم أنك ستختار الطريق الصحيح."

ثم أردف أريوس باستغراب:

"لكن لدي سؤال... ما هي التعديلات التي وضعتها علي؟"

ضحك الصوت بخفة، ثم أجاب:

"آه، صحيح... كان من الواضح أنني لم أشرح الأمر بدقة كافية. في الواقع، لقد منحتك قوة مناسبة لذلك العالم الذي سترسَل إليه."

"قوة خاصة، لا تُقارن بما كنت تملكه. لكنها تعمل بنظام مختلف تمامًا."

"في ذلك العالم... هناك ما يسمى برقم القوة، أو (Power Index). كلما ارتفع الرقم، زادت قوتك بشكل هائل، أضعافًا لا تُحصى. الرقم ليس مجرد تقييم، بل يمثل مدى واقعيتك وسط تلك الفوضى."

توسّعت عينا أريوس، لكنه لم يقاطع.

"وبالمناسبة... هناك مفاجأة بشأن هذا الرقم. مفاجأة... ستعرفها لاحقًا، ولن أخبرك الآن."

"والآن..."

ارتجّ الفراغ، وبدأت بوابة دوّامية تتشكل في الأفق.

"سأرميك إلى ذلك العالم. ولكن، سيتم استدعاؤك من قبل شخص يبحث عن مقاتل قوي ليحميه أو يخدمه."

"لكن... سأحوّلك إلى طفل رضيع."

"وأرسلك لها كما أنت، بدون ذكريات واضحة عن هذا الحوار."

صاح أريوس بصدمة:

"ماذا!! انتظر لحظة! على الأقل اشرح—"

لكن قبل أن يُكمل، سُحب جسده فجأة نحو البوابة بقوة لا تُقاوم.

صوت الريح يصمّ أذنيه، والفراغ يتلاشى خلفه.

ثم... اختفى.

وبقي الفراغ ساكنًا، ساكنًا تمامًا...

حتى ظهر "الكيان"...

شخصية غامضة، بدون وجه، بلا ملامح، بلا شكل ثابت. فقط ظل طيفي يتحرك بخفة وسط العدم.

نظر إلى الفراغ الذي رُمي فيه أريوس... ثم تمتم بنبرة هادئة:

"يبدو أن القصة ستكون... رائعة.". في أحد العوالم البعيدة… عالمٍ تعصف فيه الحروب وتنهش فيه الممالك بعضها البعض…

كانت هناك قلعة مظلمة تقف شامخة وسط أرض محترقة، تتصاعد منها ألسنة الدخان، وتحيط بها أطلال حضارات سقطت منذ زمن.

وفي قلب القلعة، في قاعة طقسية واسعة مرصعة بالجماجم والرموز القديمة، كانت الملكة ناهيرا، سيدة العالم الاول "، تقف وحدها وسط دائرة محفورة بدماء مئات الآلاف من الجنود الذين سُحقوا من أجل هذه اللحظة.

شعرها الأسود الطويل يرفرف مع طاقة الطقوس، ويديها مرفوعتان نحو السماء، تتلو تعاويذ بلغة منسية منذ آلاف السنين، والهواء من حولها يمزّق جدران القاعة من شدّة الطاقة المتجمعة.

"لقد قدمت كل شيء..."

همست بصوتها المليء بالجشع والتعب:

"دماء الأعداء، أرواح شعبي... حتى ولائي للقوة الخفية... فقط لأجل أن يأتي ذاك المحارب... الذي لا يُهزم."

وفجــأة...

انبثق نورٌ هائل من البوابة في منتصف الدائرة، نور أبيض نقي تمزق خلاله الظلام، وانطلقت منه موجات طاقة بدت وكأنها تخترق الزمان والمكان!

ابتسمت الملكة بشغفٍ هستيري، وصرخت:

"نعم!! أخيرًا! لقد نجحت!"

لكن… ما ظهر من ذلك النور لم يكن مقاتلًا أسطوريًا، ولا تنينًا جبارًا، ولا آلة دمار قديمة...

بل...

"بييييه!"

صوت بكاء…

صغير...

رخيم...

طفل رضيع.

عيناه اللامعتان بالكاد فتحتا، وجسده ملفوف بوشاحٍ مضيء، يطفو فوق دائرة الطقوس.

تجمدت الملكة في مكانها، وجهها انتقل من النشوة المطلقة إلى حالة من الصدمة المطلقة.

"...ماذا؟"

اقتربت من الرضيع خطوةً بخطوة، عيناها لا تصدقان ما تراه.

"هل هذا... ما حصلت عليه؟ بعد أن ضحيت بآلاف الجيوش؟ بعد أن بذلت أغلى الطقوس؟"

انحنت أمامه وهي تصرخ:

"أين هو المحارب الجبار؟ أين هو من لا يُهزم؟ هل هذا نوع من السخرية الكونية؟!"

لكن الطفل فقط... رمقها بنظرة هادئة... نظرة، رغم طفولتها، حملت شيئًا غريبًا…

شيئًا لا يمكن تفسيره...

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon