📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 05
حقِيقَة
كانت أشعة الشمس برتقالية اللون تتسلل إلى نوافذ غرفة المعيشة في الميتم بعد مغادرة الرجل الطيب، كان الأطفال رامي ومازن يلعبان بألعابهم الجديدة على الأرض بينما كان مجد والبقية يجلسون على الطاولة بصمت.
- مجد في نفسه: سحقًا! ما الذي عليّ فعله لإيجاد ذلك المتهور؟ ثم إنه لا يُمكنه العودة إلى هنا ولا إلى المدرسة! لنأمل فقط أن أحدًا لم يرنا مع ذلك الشرطي!
- غيث: ما بك يا مجد؟ تبدو شارد الذهن على غير عادتك!
- ليث: أجل هذا صحيح!
- مجد: لا، لا ليس الأمر كذلك وإنما كنت أُفكر في بعض الأشياء فحسب!
- ليث: وما هي؟!
- مجد: إنها خاصة!
- ليث: لا تقل لي أنك افتقدت رائد!
- غيث: احتمالٌ وارد!
- مجد: ولِمَ أفعل ذلك؟ أنه مع أحد زملائنا! ولكنني كنت أُفكر في محتوى هذا الكتاب هنا، فأنا متحمس لقراءته بعد كل شيء.
- ليث: هكذا إذاً، ولكن رائد تأخر كثيرًا، صحيح؟
- مجد: نعم، ولكن لا داعي للقلق، سيعود قريبًا بلا شك، والآن سأذهب إلى غرفتي، أراكم لاحقًا!
- غيث وليث: نراك لاحقًا!
- مجد وهو يجلس على سريره: ما الذي عليّ فعله الآن؟ كيف سأجد ذلك الأحمق؟! عليّ تفقد الأوضاع في ذلك الشارع، سأذهب!
خرج مجد مسرعًا نحو الشارع الذي قُتل فيه الشرطي على يد رائد، اختبئ خلف أحد البنايات للمراقبة بعد رؤية رجال الشرطة في مكان الحادثة.
- مجد: عجبًا! قامت الشرطة بإغلاق الشارع للتحقيق في ملابسات الحادثة! والآن عليّ أن أتأكد من عدم وجود كاميرات مراقبة!
- مجد بعد برهة من الزمن وهو يتحقق من وجود الكاميرات: جيد! لا توجد أي كاميرات هنا! لكن المشكلة الآن، ماذا لو رآنا أحدهم؟! عليّ الذهاب للتحقيق بدوري.
- مجد بعد دخوله أحد محال الخضار: مرحبًا!
- البائع: أهلًا وسهلًا، كيف يُمكنني خدمتك؟
- مجد: لماذا أغلقوا هذا الشارع يا عم؟!
- البائع باستغراب: هذا الشارع؟ حسنًا قالت الشرطة أنه تم قتل أحد أفرادها في هذا الشارع في ظروف غامضة!
- مجد: تم قتله؟
- البائع: نعم بالفعل!
- مجد وهو يتصنّع الخوف: هذا مخيف، ترى من يُمكنه فعل شيء مُريع كهذا؟ ألم يصلوا إلى الجاني بعد؟!
- البائع: لا، ولا أظنهم سيفعلون!
- مجد: لماذا؟ ألم يرى أحد الحادثة؟!
- البائع: للأسف لا، لقد كان الشارع خاليًا في وقت تنفيذ الجريمة!
- مجد: فهمت!
- البائع: لكن لماذا تسأل؟
- مجد: كنتُ ذاهبًا لزيارة أحد أصدقائي في المستشفى عندما رأيت الشارع مغلقًا.
- البائع: هكذا إذاً.
- مجد: على أي حال شكرًا لك يا عم، وعذرًا على الإزعاج!
- البائع: العفو.
- مجد بعد خروجه من المحل: جيد لدينا أمل على ما يبدو، سأذهب للمحل التالي ولكن من اتجاه مختلف.
دخل مجد إلى المحل التالي وخرج منه بعد دقائق قليلة.
- مجد بعد خروجه من المحل التالي وهو يرى عددًا من الناس: جيد! كل شيء بخير، ولكن هناك أشخاص متجمهرون وعلى الأغلب أنهم من سكان هذا الحي، سأذهب لسؤالهم أيضًا.
كان مجد يسير في الشارع وهو غارق في التفكير بعد سؤال سكان الحي عن الحادثة.
- مجد في نفسه: لم يرنا أحد مطلقًا! هل نحن محظوظان لهذه الدرجة؟ ولكن، لا يُمكنني البحث عن رائد الآن، لقد حلّ الظلام بالفعل وأنا لا أملك مصباحًا حتى! سأعود إلى الميتم حاليًا نظرًا لمعرفتي برائد فهو سيُغيّر مكانه من حين لآخر، لكن ماذا عن الطعام والمأوى؟ سحقًا، سيشتد الأمر عليه أكثر، وفوق هذا جميعنا قلقون عليه بشدة!
عاد مجد إلى الميتم بعد أن حلّ الظلام وهو يشعر بالحزن على حال صديقه رائد.
- مجد بعد دخوله: مساء الخير!
- غيث وليث بصراخ: مجد؟!
- هاني: ما بكما؟ كفا عن الصراخ.
- غيث: لقد قلت أنك ستذهب الى غرفتك يا مجد.
- ليث: هذا صحيح.
- مجد: نعم قلت ذلك، لكنني ذهبت ووجدت أن الشرطة فرضت حظر تجوال في الحي الذي ذهب رائد إليه بسبب.
- هاني وهو يقاطع مجد: لا تقل لي أنه الحي الذي تم قتل شرطيًا فيه!
- مجد: بلى إنه هو، لذلك لن يتمكن رائد من المجيء حتى تسمح الشرطة بذلك.
- ليث بحزن: هكذا إذاً!
- غيث بقلق: أتمنى أن يكون بخير!
- مجد: لا تقلقوا عليه، يستطيع تدبر أمره، والآن فلنشغل أنفسنا حتى يأتي العشاء!
- هاني في نفسه: هناك خطبٌ ما، مجد يتصرف بغرابة ورائد غير موجود ، هل يمكن أن هذا له علاقة بمقتل ذلك الشرطي؟
- مجد في نفسه: لا أظن أني أستطيع المماطلة لوقت أطول، عليّ إيجاد حلًا لهذه المشكلة.
- هاني: مجد هل لي بلحظة من فضلك!
- مجد: بالطبع!
- هاني: فلنذهب إلى غرفتي إذاً!
- مجد في نفسه: ما الذي يُريده مني؟
- هاني بعد أن اغلق باب الغرفة: مجد، أخبرني أرجوك بحقيقة تغيّب رائد!
- مجد: لقد أخبرتك بالفعل!
- هاني: حقًا؟ وهل تظن أني طفلًا كي أُخدع بتبريراتك تلك!
- مجد: لا لستَ كذلك!
- هاني: هيا أخبرني إذاً، أنا أعلم أنه لن يتغيب هذه المدة من أجل واجب مدرسي!
- مجد: بالطبع لن يفعل، الشرطة وقفت في طريق عودته وحسب.
- هاني: لن تتمكن من خداعي يا مجد، أخبرني فقط ما الذي يحدث من حولنا، أرجوك.
- مجد بعد أن جلس على السرير: حسنًا سأُخبرك ، ولكن لا تُصدر أي صوت ولا تُخبر أي شخص آخر، ليكن الأمر سرًا بيني وبينك!
- هاني: حسنًا أعدك بهذا، لذا أخبرني وحسب!
- مجد بابتسامة وضحكة شريرة: لقد قتلنا ذلك الشرطي يا هاني!
- هاني بصدمة: ماذا؟! قتلتماه!
- مجد: أجل، لكن من فعلها هو رائد!
- هاني بانفعال: ماذا؟!
- مجد: اششش أخفض صوتك ألم نتفق على هذا؟!
- هاني بصوت منخفض: أنا آسف، ولكن هذا غير معقول! ما الذي فعله ذلك الأحمق!
- مجد: لقد حاولتُ منعه لكنه لكمني على وجهي، كان يجب أن ينتظر الوقت المناسب ويُمكننا قتل من نشاء من أولئك الأوغاد!
- هاني: مجد، ما الذي تقوله؟ لا يُمكننا قتل جنود بلادنا!
- مجد بجدية: يبدو أنك لا تعرف شيئًا عن حقيقة هذا البلد!
- هاني بقلق: ماذا تقصد!
- مجد: حسنًا لقد أخبرك بها الرجل الطيب الذي زارنا ظهر اليوم.
- هاني: في الحقيقة لم أفهم شيئًا مما قاله.
- مجد: قد لا تُصدّق ذلك ولكنها الحقيقة، لقد بدأ الأمر منذ نحو 35 عامًا، نحن نعيش حاليًا في بلاد الجنوب التي كانت آنذاك مملكة هادئة تنعم بالأمن والرخاء، ولكن بجوار هذه المملكة مملكة الشمال العدوانية، لقد هاجم الشمال بلادنا فجأة وبدون سابق إنذار واحتل بلادنا وطمس تاريخنا وهويتنا، لدرجة أنه كتب في المناهج الدراسية أننا إقليم تابع لمملكة الشمال العظمى كما يسمونها، أي أن من التحق بالمدارس خلال العقود الثلاثة المنصرمة يؤمن بذلك ولن يُغيّر اعتقاده بسهولة، هذا باختصار ما حدث في الماضي، وبطبيعة الحال لا يُمكنني أن أروي لك كل شيء الآن!
- هاني: منذ متى وأنت تعرف هذا؟
- مجد: منذ وقت طويل!
- هاني: منذ متى بالضبط؟
- مجد: منذ أن كنت في السابعة!
- هاني: وكيف عرفت؟
- مجد: كانت البداية عندما تعلمت القراءة، لقد ترك لي والدي الذي قُتل على أيدي أولئك الأعداء كتابًا يروي تاريخ مملكة الجنوب، عشرات الآلاف من الكتب المتعلقة بالجنوب تعرضت للحرق على يد العدو ولكنه حافظ على هذا الكتاب وأهداه لي وأوصاني بحفظه جيدًا، ومن ذلك الكتاب عرفت كل ذلك.
- هاني بحزن: هكذا إذاً
- مجد: لكن علينا الحذر عند التحدث في هذا الموضوع، فلو سمعنا أحد من أبناء الشمال المستوطنين في بلادنا سنُقتل فورًا.
- هاني: هل يمكنك أن تُحدثني أكثر عن ما حدث قبل 35 عامًا بالضبط؟!
- مجد: بالطبع، لكن ليبقى هذا الأمر سرًا حتى لا نتعرض للقتل!
- هاني: حسنًا!
وهكذا بدأ مجد يروي لهاني كل ما يعرفه عن تاريخ مملكة الجنوب والاحتلال الذي تعرضت له على يد مملكة الشمال، أخبر مجد هاني بالجرائم البشعة التي ارتكبها الجيش الشمالي بحق المدنيين الأبرياء في بلاد الجنوب.
- مجد بعد أن أخبر هاني بكل شيء: وهذه هي الحقيقة المخفية وراء هذا البلد القائم على الاحتلال والنهب والفقر والتجويع، والسبب وراء قتل رائد للشرطي ووراء حقدنا أنا ورائد على هؤلاء المستوطنين! أيضًا نسيتُ أن أُخبرك أن ذلك الشرطي الشمالي هددنا لنعطيه كل ما نملك من المال، وهذا زاد الطين بله، مما دفع رائد لقتله!
- هاني: هكذا إذاً! أنا آسف ولكنني تعرضتُ لصدمات كثيرة اليوم!
- مجد: الحقيقة دائمًا تجعلك في حالة غير جيدة عندما تعرفها لأول مرة!
- هاني: على كل حال أشكرك على إخباري بالحقيقة، أصبح كل شيء واضحًا الآن!
- مجد: العفو هذا واجبي!
- هاني: وماذا سنفعل الآن بشأن رائد؟
- مجد: سنبحث عنه غدًا، للأسف سنضطر للتغيّب عن المدرسة حتى نجده ربما.
- هاني: وإذا وجدناه؟
- مجد: سنُخبئه في الميتم ولن نسمح له بالخروج، كي لا يواجه الأعداء بمفرده!
- هاني: أنت تريد فعل الشيء ذاته!
- مجد: نعم، لكنني أضع العواقب في الحسبان وأبحث لها عن حل!
- هاني: هكذا إذاً!
- مجد: والآن لنذهب لتناول العشاء فقد قضينا وقتًا طويلًا هنا!
- هاني: صحيح، هيا بنا.
بعد تناول الجميع طعام العشاء ذهب الجميع إلى غرفهم للنوم، بالنسبة لمجد فكان قلقًا على رائد مما منعه من النوم، وبينما كان مجد يتقلّب على سريره سمع صوت ارتطام شيئًا ما على باب الميتم، وعندها نهض مسرعًا إلى النافذة ليرى مصدر ذلك الصوت.
- مجد باندهاش بعد رؤية رائد يتكئ على الباب والدم يخرج من فمه وعليه آثار الضرب: إنه رائد!
يتبع.
9تم تحديث
Comments