📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 02
مَيتَم
استيقظ رائد باكرًا في أول أيامه في الثانوية العامة، كان رائد يشعر ببرود وعدم مبالاة بأي شيء نظرًا للوضع الذي تعيشه بلاده تحت وطأة الاحتلال، اختلاطه بالمستوطنين يوميًا في الأسواق، المدرسة، والثانوية الآن يزيد الطين بلة، يحمل رائد في قلبه الكره للشمال وأبنائه والحقد عليهم، كيف لا وهم من دمّروا بلاده ونهبوا ثرواتها وترك الملايين منهم الشمال للعيش في الجنوب على حساب الشعب الجنوبي المُستعبد، استياء رائد يزداد عندما ينظر إلى الفقر المنتشر بشكل مخيف بين شعبه بسبب التهميش واحتكار الوظائف والأعمال للمستوطنين، نهض رائد من سريره عندما استيقظ صديقه مجد الذي كان ينام على السرير المقابل لسرير رائد.
- رائد: هل استيقظت؟!
- مجد: صباح الخير!
- رائد: صباح الخير، كيف كانت ليلتك؟ هل نمت جيدًا؟!
- مجد بعد أن جلس: يمكنك قول ذلك، إنه أول أيام الثانوية!
- رائد ببرود وهو يفتح النافذة: نعم، إنه كذلك.
- مجد: أهناك ما يُزعجك؟
- رائد: أنت تعلم ما يُزعجني بالفعل.
- مجد بعد أن نهض من على سريره: فهمت، هذا لا يُزعجك وحدك بل يُزعجنا جميعًا.
- رائد: إلى متى علينا تحمُّل هذا الوضع؟
- مجد: بالرغم من أني لا أُريد قول ذلك ولكن أخشى أن الأمل معدوم.
- رائد بعد أن التفت نحو مجد: لنُغيّر ملابسنا وننزل لتناول الفطور من أجل الذهاب إلى الثانوية مبكرًا.
- مجد: حسنًا، سأغسل وجهي أولًا.
بعد تغيير ملابسهما نزل رائد ومجد لتناول الفطور في الطابق السفلي، هناك حيث كان الجميع ينتظرهما، كان هناك ستة فتية جميعهم أصغر من رائد ومجد! نعم إنها الحقيقة المُرّة، فرائد ومجد يعيشان برفقة الفتية الستة في ميتم خيري! قد يبدو الأمر مفاجِئًا أو غير منطقي ولكنها الحقيقة، ولكلٍ منهم قصته الخاصة، والآن لنتعرف على رفاق رائد ومجد في الميتم وهم: غيث وليث وهما توأمان ويبلغان من العمر 15 عامًا ويدرسان في الصف الثالث المتوسط، أيضًا هاني وساهر ويبلغان من العمر 14 عامًا ويدرسان في الصف الثاني المتوسط، وكذلك مازن ورامي ويبلغان من العمر 10 سنوات ويدرسان في الصف الأول الإعدادي.
- رائد ببرود بعد الجلوس على طاولة الطعام: صباح الخير.
- الجميع: صباح النور.
- ليث: عامٌ دراسي جديد، هذا ممل حقًا.
- غيث: أوافقك في ذلك حقًا يا أخي.
- رامي: هل عليّ أنا أيضًا الذهاب إلى المدرسة؟
- هاني: بالطبع عليك ذلك أيها الغبي.
- رامي: رائد ومجد، هل سمعتماه؟ لقد نعتني بالغبي!
- رائد: هيا أكملوا طعامكم بسرعة لتذهبوا للمدرسة، لا داعي للشجار.
- مجد باستفزاز: عجبًا! تبدو مثاليًا اليوم على غير عادتك.
- ساهر: رائد مثالي دائمًا، إنه أخينا الأكبر بعد كل شيء.
- مازن: مجد، هل حقًا أن رائد أكبر منك؟
- مجد باستياء: ألم تسمعوا رائد يقول أكملوا طعامكم بسرعة؟ هيا نفذوا ما قال، لتأكلوا بصمت.
انتهى الجميع من تناول الطعام وتوجه الجميع إلى المدارس، كان رائد ومجد يسيران معًا على أحد الأرصفة عندما رأيا صاحب محل خضار من أبناء الاحتلال.
- رائد: سحقًا، لا يمكن لساعة واحدة أن تمُر بدون أن ترى شيئًا قبيحًا.
- مجد: تبدو مستاءً جدًا، ألا يُمكنك أن تعتاد على هذا الأمر؟
- رائد: لستُ في مزاجٍ جيدٍ للمزاح أيها المزعج.
- مجد: لا تغضب يا صديقي، ليس وكأني معتاد على ذلك، أنا أتوق مثلك لطردهم من بلادنا ولكن ما باليد حيلة!
- رائد بابتسامة خفيفة بعد أن خطرت بباله فكرة: إن كان الأمر كذلك لننغص عيشتهم إذاً.
- مجد بابتسامة مخيفة ونظرات شريرة: تُعجبني عندما تتحدث بهذه الطريقة يا رائد! أي نوع من أنواع التنغيص تقصد بالضبط؟!
- رائد: أنت تملك بعضًا من هذه الأفكار الشنيعة بالفعل، أليس كذلك؟
- مجد وهو يحدق برائد: أنت لا تنظر لي هكذا بلا شك! أنت تعرف كم أنا لطيف.
- رائد وهو يحاول تفادي نظرات مجد: نعم أعرف.
وصل رائد ومجد إلى الثانوية حيث كانت مكتظة بالطلاب.
- رائد: يا للزحام! هناك الكثير من الطلاب!
- مجد: صحيح، ولكن انظر جُلهم من المستوطنين وهذا مزعج!
- رائد: معك حق، المنظر يدعو للاشمئزاز!
- مجد بضحكة وابتسامة شريرة: اييه هيه هيه هيه!
- رائد باستياء: ها قد كشفت عن وجهك الحقيقي.
- مجد: ماذا؟! لا لا أنت مُخطئ تمامًا، فقط كنت أحاول تقدير عدد هذه الماشية التي تنتظر الموت بأبشع الطرق!
- رائد باستياء: ها قد بدأنا!
- مجد: لا تتعجل يا صديقي، قد يستغرق الأمر منا سنوات كاملة لتحقيق الانتقام الذي تحلم به، علينا اكتساب المزيد من المعارف العلمية لتحقيق أفضل انتقام يمكن تحقيقه، فبعلمي ومهاراتك الاستثنائية يمكننا السيطرة على بلادنا مجددًا وتحقيق الاستقلال ودحر الاحتلال!
- رائد: نعم، أوافقك هنا، ثم أني لا أظن أنك بحاجة للمزيد من العلوم، أخشى أن تُصاب بالجنون!
- مجد بابتسامة عريضة: ماذا قلت؟! إذاً أنت تقلق عليّ، أليس كذلك؟
- رائد وهو يحاول تجاهل مجد: ليس الأمر كما تظن.
- مجد: أنت تراوغ فحسب، حسنًا لا عليك فأنا مُستمتع، فلا شيء يُعجبني أكثر من العلم!
- رائد: ها أنت ذا تُثبت لي أنك مجنون حقًا، أنت تسير في طريق مختلف كليًا عن الناس العاديين!
- مجد بتباهي: إذا كان الأمر يتعلق بالتميز فيُسعدني أن أكون مجنونًا إذاً.
وعندها اصطف الطلاب في أعمدة منظمة استعدادًا للاستماع إلى كلمة مدير الثانوية بمناسبة العام الدراسي الجديد.
- المدير: أيها الطلاب أهلًا بكم هنا في الثانوية العامة، أنتم على أعتاب بداية مرحلة علمية جديدة كليًا فنرجو أن تسموا إلى المعالي للنهوض بهذا البلد الواحد نحو مستقبل أفضل!
- مجد باستياء: هه قال بلد واحد قال!
- رائد وهو يحافظ على هدوئه: لم يترك العدو أي وسيلة دون استخدامها لطمس هويتنا، وهذه الأدوات الرخيصة تُستخدم لإيهام شعبنا أن ما حدث قبل 35 سنة مضت كان توحيدًا تحت مسمى مملكة الشمال العظمى!
- مجد: المصيبة أن هذا الجيل من شعبنا الذي وُلد خلال الاحتلال لا يعرف شيئًا عن بلادنا، إنه لا يعرف إلا ما يُدرّسه الاحتلال له!
- رائد: نعم، ولكن لن يدوم هذا طويلًا، أعدك.
- المدير: أنتما أيها النحيلين!
- رائد ومجد بتفجؤ: نعم.
- المدير: ما الذي تتهامسان به؟ التزما الصمت وإلا طردتكما.
- رائد ومجد: حسنًا! نحن آسفان!
- المدير: والآن فلتتجهوا إلى فصولكم، سيجد كل طالب اسمه في ورقة معلقة بباب الفصل!
- رائد وهو ينظر نحو المدير: لا أصدق أنني اعتذرت لذلك القذر، سوف تندم أيها الضخم!
- مجد وهو ينظر للمدير: انتظر وحسب أيها الأحمق الكهل، سوف أحرص على جعلك تموت بأبشع الطرق وأشدها عذابًا.
توجه رائد ومجد إلى فصلهما بعد مدة من البحث عنه، كان عدد الطلاب فيه قليل فالجميع لا زال يبحث عن اسمه في الأوراق المعلقة على أبواب الفصول.
- مجد بعد أن جلس في الصف الأمامي: هذا المقعد مناسب.
- رائد: أتمزح معي؟ يستحيل أن أجلس هنا، هيا انهض.
- مجد: لم يُجبرك أحد على الجلوس هنا!
- رائد: لن نجلس إلا بجوار بعضنا! كيف تأمن على نفسك بين كل هؤلاء المستوطنين؟!
- مجد: ماذا عساهم أن يفعلوا؟!
- رائد وهو يسحب مجد من كتفه نحو مؤخرة الفصل: تعال معي وحسب.
- مجد: أأ- مهلًا دعني وشأني.
- رائد بعد أن جلس في الصف الأخير بجوار النافذة: اجلس هنا.
- مجد باستياء: هل أنت جاد؟ هنا! في آخر الفصل؟!
- رائد: نعم، إنه مكانٌ مثالي لمراقبة جميع تحركات الطلاب.
- مجد باهتمام بعد أن جلس: أنت محق، إنه مكانٌ مناسب!
- رائد في نفسه: كعادته، يمكن خداعه بسهولة.
- مجد: بالمناسبة لا يمكن لغيرك أن يخدعني أبدًا، أنت وحدك من تفعل ذلك.
- رائد بارتباك: م-ماذا؟! كيف عرفت ما أُفكر فيه؟!
- مجد بلا مبالاة وهو يخرج أقلامه من حقيبته: كنت تتحدث بصوت مرتفع!
- رائد: ماذا؟!
- مجد بعد برهه بعد أن تجمدت ملامح وجهه وهو يحدق للأمام: هذا!
- رائد بتوتر: مجد؟ هاي مجد ما بك؟ مجد هل أنت بخير؟
- مجد بعمق: أيُعقل؟!
- رائد بخوف وهو يهز مجد: ما الذي أصابك يا مجد؟! أتسمعني؟
- مجد بنظرات عميقة وهو يُشير للأمام: إنها.
يتبع.
9تم تحديث
Comments