رياح الجنوب
📓 رياح الجنوب
📁 المجلد: 01
📎 الفصل: 01
احتِلَال
قبل 35 عامًا من الآن وتحديدًا في سنة 152 حسب التقويم الجنوبي، كانت بلاد الجنوب تنعم بالأمن والهدوء، إنها هذه البلاد المشهورة بثقافة وتعليم جميع فئات الشعب المعروف ببساطته وطيبته، الناس كعادتهم يعيشون حياتهم الطبيعية، كان الموظفون في أعمالهم والطلاب يتدفقون إلى مدارسهم، أما الأسواق فكانت نابضة بالحياة، كانت السماء الزرقاء صافية وروائح الأطعمة الشهية والوجبات السريعة تنتشر في المكان فيما امتزجت أصوات الباعة وضحكات الزبائن لتطغى على المشهد. في الفصول الدراسية، اجتهدَ الطلابُ لحمل آمال عائلاتهم ووطنهم نحو المستقبل. بدا كل شيء جميلًا ومثاليًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى حتى أتى ذلك اليوم.
- السكان في السوق بعد سماع صوت انفجار عنيف وتصاعد الدخان: م-ما هذا؟! انفجار؟! ماذا يحدث؟!
ووسط تساؤلات السكان وقلقهم حول سبب الانفجار كانت مئات القنابل الحارقة شديدة الانفجار تتساقط على رؤوسهم، صوت الانفجارات العنيفة تصاعد كهدير الوحوش الغاضبة، والنيران كانت تلتهم كل شيء أمامها. بعض الناس لم يجدوا حتى فرصة للصراخ قبل أن تسحقهم الأنقاض!
- السكان بهلع: أهربوا! ما الذي يجري؟ الانفجارات والنيران في كل مكان!
- امرأة ببكاء وطفلها تحت ركام أحد الأبنية: أرجوكم ساعدوني، طفلي تحت الركام أرجوكم ساعدوني! أنقذوا طفلي أرجوكم!
هرع أربعة من الرجال المتواجدين هناك لنجدة المرأة وبينما هم يحاولون إخراج طفلها من تحت الركام سقطت إحدى القنابل المتساقطة وسطهم لتُنهي الأمر.
وفي غمضة عين تحوّل السوق المُفعم بالحياة إلى جحيم، لم يتمكن الناس من رؤية السماء الزرقاء بسبب كثرة الدخان الناتج عن الانفجارات الهائلة، كانت الأرض تشتعل بالنيران في كل مكان، ولم تكن المدارس وبقية المنشآت المدنية أفضل حالًا فجميعها تعرضت لهذا الجحيم المروّع.
- المذيع في المذياع: حالة طوارئ، أُكرر حالة طوارئ، قوات مملكة الشمال تشن هجومًا واسعًا وشاملًا على بلادنا، قواتنا المسلحة تتصدى للهجمات المتتابعة والمفاجئة، تدعوكم الحكومة إلى الهرب وإخلاء المدن التي تتعرض لعمليات إبادة جماعية ممنهجة، أُكرر حالة طوارئ، أُكرر حالة طوارئ، قوات مملكة الشمال تشن هجومًا واسعًا وشاملًا على بلادنا.
في قصر السلف السادس حاكم بلاد الجنوب كان السلف يقف خلف كرسي مكتبه بتوتر وهو يسمع أنباء الهجوم الشمالي عبر المذياع.
- أحد الجنود بعد الدخول بسرعة: سيدي!
- السلف السادس بارتباك وغضب: ما الذي يحدث؟ ما الأوضاع؟!
- الجندي بخوف: هجوم العدو المباغت والواسع أخرج العديد من أنظمتنا الدفاعية والهجومية عن الخدمة، خطوط الدفاع على الحدود تنهار بالفعل، ما هي أوامرك يا سيدي؟
- السلف السادس بتوتر: سحقًا، ما الذي عليّ فعله في هذا الوضع؟
- مستشار السلف السادس بعد دخوله: سيدي! ما الذي تفعله هنا حتى الآن؟ عليك الهرب فورًا، تقول الأنباء أن خطوط الدفاع الأمامية لجيشنا تنهار، هذا يعني أن قوات العدو ستجتاح البلاد بما فيها العاصمة!
- السلف السادس بغضب: أُصمت!
- المستشار بتوتر: المعذرة يا سيدي، هل قلتُ شيئًا لا ينبغي عليّ قوله؟!
- السلف السادس: كيف تجرؤ على طلب الهرب مني؟
- المستشار بتوتر: المعذرة يا سيدي، لقد كنتُ أُريد الحرص على سلامتكم لا أكثر.
- السلف السادس بعد أن التفت نحو الجندي: جهزوا سلاحي وملابس الحرب الخاصة بي فورًا.
- الجندي باندهاش: ماذا؟!
- المستشار: ملابس الحرب، هل تنوي الذهاب إلى الحدود يا سيدي؟!
- السلف السادس وهو يصرخ على الجندي: تحرّك بسرعة.
- الجندي بخوف: ح-حاضر.
- السلف السادس بعد خروج الجندي: لن أهرب بينما يدافع جيشنا عن هذه البلاد، سأذهب بنفسي إلى هناك ولو كلفني ذلك حياتي.
- المستشار بقلق: أرجوك يا سيدي فلتُعد النظر في الأمر، إن حلّ بك مكروه فما الذي سيحدث للبلاد من بعدك؟!
- السلف السادس: هه، إن ظن العدو بأني سأسقط بهذه السهولة فهو مُخطئ، لن أموت قبل تكبيد العدو خسائر فادحة في العدة والعتاد.
- المستشار: ولكن يا سيدي.
- السلف السادس وهو يقطع حديث المستشار: حُسم الأمر، ما أُريد معرفته الآن سبب هذا الهجوم المفاجئ.
- المستشار: كل ما أعرفه أن للشمال أطماع قديمة في بلادنا منذ تأسيسها على يد السلف الأول، ولكن لا أعرف لماذا بالضبط في هذا الوقت بالذات وما المُبررات!
- السلف السادس: حسنًا، سندافع عن بلادنا بقوة حاليًا، لا بد أن هناك دول ستحاول الدخول في وساطة لإنهاء هذا الهجوم الذي تجاوز كافة القوانين والأعراف الدولية، وإلى ذلك الحين يجب أن نبقى على قيد الحياة فقط.
توجه السلف السادس مع مستشاره وعشرات الجنود إلى الحدود لإسناد قوات الجيش المدافعة في الخطوط الأمامية.
- السلف السادس وهو يحمل بندقيته بعد النزول من السيارة على الخط الأمامي ورؤية القتلى: هناك عدد كبير من الضحايا!
- أحد الجنود: ننتظر أوامرك يا سيدي!
- السلف السادس وأصوات القذائف في كل مكان: العدو أمامنا، سنبيده معًا.
- الجنود: هيا!
وخاض السلف السادس اشتباكات ضارية مع قوات العدو لمنعها من التقدم وكان في وضع حرج للغاية، وفي تلك اللحظة شاهد طائرات العدو تتجه نحوهم.
- السلف السادس: طائرات! أين قواتنا الجوية؟!
- المستشار: لقد دُمّر سلاحنا الجوي بالكامل في الهجوم المباغت!
- أحد الجنود بخوف: سيدي!
- السلف السادس: ما الأمر؟!
- الجندي: قوات العدو ترفع أعلام مملكة الشمال ومملكة الشرق!
- السلف السادس بعد إصابته برصاص المدفع الرشاش من الطائرة: أااا.
- المستشار بعد أن هرع نحو السلف: سيدي! هل أنت بخير؟!
- السلف السادس والدماء تسيل من رأسه ويديه وساقيه: سحقًا، إذا كانت مملكة الشرق تعاون الشمال في غزو بلادنا فهذا يعني أن العالم بأكمله يقف بجانب الشمال، لقد هُزمنا!
- المستشار: أرجوك اصمد يا سيدي!
- أحد الجنود: طائرات العدو تُسقط القنابل الحارقة شديدة الانفجار!
- السلف السادس باستياء وهو مُغطًا بدمائه: سحقًا، لقد انتهى الأمر.
وفي تلك اللحظة سقطت إحدى قنابل طائرات العدو على رؤوس السلف ورفاقه وقضت عليهم، وهكذا سقطت بلاد الجنوب في يد مملكة الشمال بدعم من مملكة الشرق والمجتمع الدولي.
"في الواقع" في سنة 187 ج وبعد مرور ثلاثة عقود ونصف على هذه الأحداث كان بطل قصتنا رائد يجلس في غرفته وهو يقرأ كتاب تاريخ بلاده الجنوب، كان كتابًا من الكتب القليلة التي نجت من الحرق من قِبل الاحتلال الشمالي بهدف طمس الهوية والتاريخ الجنوبي، صديقنا رائد يعارض الذرائع التي برر بها الشمال احتلاله لبلاد الجنوب وارتكابه آلاف الجرائم والمجازر البشعة بحق الشعب الجنوبي المسالم.
- رائد بعد إغلاق الكتاب: لن أقبل، لن أقبل أن أكون مستعبدًا من قِبلهم، لن أعيش كما يُريدون أبدًا، سأشق طريقي الخاص مهما كلّف الأمر، لا بُد أن تَهُب رياحي ذات يوم وتتحول إلى إعصار يُدمّر كل شيء يقف في وجهه.
أنهى رائد المرحلة المتوسطة وأصبح طالبًا في المرحلة الثانوية، كان رائد يستعد ويُحضر نفسه فغدًا أول أيامه في الثانوية العامة، بالرغم من طبعه الهادئ إلا أن داخله كان يمتلئ بالضجيج، نعم إنه ضجيج الرغبة في الحرية، الحرية التي لا معنى للعيش بدونها، فهل يستطيع رائد أن يفرد جناحيه ضد الاحتلال المفروض عليه وعلى شعبه؟ وكيف ستجري الأمور معه في الثانوية لاسيما مع الطلاب المستوطنين الذين قدموا للبلاد بعد الاحتلال؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام القادمة.
يتبع.
9تم تحديث
Comments