الفصل الثاني عشر

عندما اصطدمت، اندفعت المياه الساخنة من الدلو، ويبدو أن أحدهم أصيب بحروق. تزامن ذلك مع ازدياد ملامح الحزن على وجه "ماري".

قالت ماري، وهي تمدّ يديها متوسّلة:

"أنا آسفة جدًا، جدًا. هل تأذيتِ كثيرًا؟"

لكن لم يكن قصدها أن تلمسها، ومع ذلك، ظهرت خادمة مسنّة تابعة لبياتريس فجأة وضربت يد ماري بقوة.

قالت الخادمة بحدة:

"كيف تجرؤين على لمسها؟"

"آه... أنا آسفة."

"أنتِ خادمة الآنسة أنجيلا، أليس كذلك؟ هل فعلتِ ذلك عن عمد؟"

كان صوتها حادًا لدرجة أن ماري، رغم أن الأمر لم يكن كذلك، لم تستطع رفع صوتها في الرد.

قالت بتلعثم:

"لا، أبدًا. كان ذلك مجرد حادث..."

التفتت ماري إلى "ريتا"، وكأنها تستنجد بها لتوضيح الموقف، فقد حدث ما حدث بسبب دفعها. لكنها وجدت ريتا، بدلاً من المساعدة، تخرج لسانها بسخرية. عندما نظرت إليها ماري بغيظ، قررت ريتا التحدث أخيرًا، ولكن ليس بالطريقة التي كانت ماري تأملها.

قالت ريتا ببرود:

"بل فعلت ذلك عن عمد. لقد رأيتها تمشي بشكل طبيعي، ولكن عندما رأت الآنسة بياتريس، تظاهرت فجأة بأنها تتعثر."

"ماذا؟"

اتسعت عينا الخادمة المسنّة بغضب. أما بياتريس، التي كانت تغطي يدها المصابة، فنظرت إلى ماري بعينين ممتلئتين بالدموع، تحملان في ظاهرها الطيبة، ولكن في داخلهما الشك الذي لم تستطع إخفاءه.

صرخت ماري بيأس:

"لا! لا! لم أفعل ذلك! أبدًا لم أفعل ذلك!"

لكن لم يصدقها أحد.

---

"إيفون، بياتريس، خادمة بياتريس، وماري التي وجدت نفسها بينهما."

كانت أنجيلا تراقب هؤلاء الزوار غير المرغوب فيهم، الذين ظهروا بتشكيلة غريبة. بدا واضحًا أن ماري ارتكبت شيئًا ما جعل الجميع يتجمعون بهذه الطريقة. أنجيلا، التي كانت جالسة تقرأ كتابًا، أغلقته ووضعته على الطاولة، ثم وقفت من على الأريكة.

قالت بابتسامة هادئة:

"هل جئتِ يا أمي لتطمئني على ابنتك الكبرى التي تفضل البقاء منعزلة؟"

تقدمت أنجيلا بخطواتها نحو إيفون، التي كانت تشير بحدة إلى ماري. لم تستطع أنجيلا إخفاء دهشتها من تعبيرات وجه إيفون وسلوكها. لم تتخيل أبدًا أن ترى هذا الجانب منها، حتى عندما كانت مربية، ولا حتى في حفل الزفاف.

قالت إيفون ببرود:

"هذه الفتاة سكبت ماءً ساخنًا على يد بياتريس."

ظلت أنجيلا تحدق في إيفون لفترة طويلة دون أن تلتفت إلى ماري. لم يكن ذلك بسبب الشك في ماري، بل لأنها أدركت أن إيفون تفقد صوابها عندما يتعلق الأمر ببياتريس. كانت هذه الفكرة تشغلها، لذا فوتت اللحظة المناسبة للرد.

حاولت ماري أن تدافع عن نفسها قائلة:

"لا، آنستي! لم أسكب الماء عمدًا... لقد كان حادثًا..."

لكن قبل أن تكمل ماري كلامها وتقترب من أنجيلا، قاطعتها خادمة بياتريس فجأة بسحبها لشعرها بقوة. صرخت ماري بألم، بينما كانت تسحب إلى الخلف.

أنجيلا، التي شاهدت هذا المشهد، تنهدت بضيق وقالت بلهجة صارمة:

"أنتِ هناك، إن لم تتركي يدها الآن، فلن تكون لديك يد تحملين بها ملعقة غدًا، وستضطرين إلى دفن وجهك في الطبق لتأكلي."

تسببت كلمات أنجيلا المخيفة في أن تترك الخادمة يد ماري فورًا. عندها، هرعت ماري لتختبئ بجانب أنجيلا.

"لا، آنستي. لم أفعل ذلك عمدًا أبدًا. كان حقًا حادثًا."

قالت ماري بصوت متقطع بينما كانت تمسك بفستان أنجيلا بكلتا يديها. ألقت أنجيلا نظرة سريعة نحوها، ثم وجهت كلامها إلى إيفون مجددًا:

"تقول إنه كان حادثًا."

كان صوتها هادئًا، وكأن ما يحدث أمامها لا يحمل أي أهمية. ربما لهذا السبب، بدا صوت إيفون أكثر انفعالًا بالمقارنة.

قالت إيفون بغضب:

"هل كنتِ ستتغاضين عن الأمر لو كان مجرد حادث؟"

ابتسمت أنجيلا بسخرية خفيفة، تلك الابتسامة التي اعتادت أن تظهر على وجهها عندما تسخر من الآخرين. هذه الابتسامة وحدها جعلت وجه إيفون يحمرّ وكأنها تلقت إهانة مهينة حتى قبل أن تنطق أنجيلا بكلمة واحدة.

قالت أنجيلا، وهي تتحدث بنبرة ناعمة:

"أنجيلا لا تتغاضى عن شيء."

ثم أضافت بنبرة استهزاء:

"لكن أمي ليست أنجيلا، أليس كذلك؟ إنها إيفون."

كانت كلماتها واضحة في نبرتها الساخرة. ضغطت إيفون على شفتها السفلى بقوة، ثم أمسكت بيد ابنتها بياتريس وسحبتها بلطف لتضعها أمام أنجيلا. حتى في خضم غضبها، كانت لمستها لابنتها مفعمة بالحنان.

قالت إيفون، مشيرة إلى يد بياتريس:

"يد بياتريس أصبحت هكذا."

نظرت أنجيلا إلى يد بياتريس بنظرة باردة وغير مبالية. كانت يدها حمراء قليلاً، مع ظهور بثرة صغيرة مستديرة بسبب الماء الساخن. ولم يكن هناك شيء أكثر من ذلك.

ولكن بالنسبة لإيفون، بدا الأمر وكأنه كارثة عظيمة، وكأن السماء قد انهارت فوق رأسها. كان وجهها مليئًا بالألم، وكأنها تمنت لو استطاعت أن تتحمل الألم نيابة عن ابنتها. هذا المشهد المبالغ فيه كاد يجعل أنجيلا تضحك.

سألت أنجيلا بياتريس بهدوء:

"هل تؤلمك؟"

نظرت بياتريس إليها للحظة، ثم بدأت فجأة بالفواق وانحنت رأسها لتختبئ خلف والدتها.

صرخت إيفون بغضب:

"هذا لأنكِ أمرت بذلك، أليس كذلك؟"

رفعت إيفون صوتها بغضب كمن فقد أعصابه تمامًا. ربما لأنها شعرت بالحزن لرؤية ابنتها تفقد شجاعتها دائمًا أمام أنجيلا منذ طفولتها. صرخت وكأنها فقدت عقلها:

"أمرتِ بهذا، أليس كذلك؟ اعترفي، أنا أعرف أنكِ من تفعلين هذه الأمور!"

في تلك اللحظة، تجمدت ملامح وجه أنجيلا لثانية، قبل أن تتغير ملامحها وتتحول إلى ابتسامة مشرقة. قالت بصوت منخفض يشبه الهمس:

"دائمًا ما أتمنى لو أن تلك الوضيعة تموت ميتة شنيعة."

كانت أطراف أناملها البيضاء تتحول إلى لون أكثر شحوبًا، لكن هذا التغير الطفيف لم يلاحظه أحد، حتى ماري نفسها.

قالت أنجيلا بنبرة هادئة ولكنها جافة:

"هذه المرة لم أفعل، لذا لا تسئي الفهم يا أمي."

كانت إيفون ترتجف غضبًا وهي تحدق بماري بنظرات مليئة بالكراهية.

قالت بصوت مشحون:

"إذن إذا لم يكن بأمركِ، فهذا يعني أن هذه الخادمة تصرفت بمفردها. حسنًا، سأقوم بجلدها، تمامًا كما تفعلين."

تحولت ملامح ماري إلى شحوب مرعب، وبدأت ترتجف خوفًا. بدا وكأنها تستشعر الخطر الحقيقي من كلمات إيفون. ومع ذلك، ربما كان جزء منها يعتقد أن العقاب مستحق، نظرًا لأنها تسببت في أذية ابنة السيدة.

كانت ماري قد أفرجت عن فستان أنجيلا الذي كانت تمسكه كطوق نجاة، وبدأت بخطوات مترددة نحو المكان الذي جاءت منه.

لكن أنجيلا، ببرودها المعروف، لم تحاول إيقافها. فقد كانت تؤمن بأن كل شخص مسؤول عن حياته وقراراته. بالنسبة لها، مصير الخادمة لا يعنيها طالما أن الأمر لا يزعجها مباشرة.

ربما لو كانت هذه الحادثة في يوم آخر، لكانت أنجيلا أول من يرفع عصا العقاب على ماري بسبب توريطها في هذا الموقف. ولكن، بطريقة غريبة، كان هذا اليوم استثناءً بالنسبة لأنجيلا.

ثم فجأة، قالت أنجيلا بنبرة مشرقة، وكأنها تريد تغيير الأجواء المتوترة:

"أوه، الآن تذكرت!"

صفقت بيدها بقوة، مما لفت أنظار جميع الحاضرين في الغرفة نحوها.

وأضافت:

"أنا بالفعل من أمرت بذلك!"

بأسلوب يشبه أداء الممثلين المسرحيين، بالغت أنجيلا في كلماتها وتصرفاتها، مما جعل ماري تتوقف في منتصف خطواتها وتنظر إليها بعينين واسعتين.

قالت أنجيلا وهي توجه شتيمة قاسية:

"ماري، أيتها الغبية!"

صدمت ماري من كلمات أنجيلا، وارتبكت تمامًا. قالت بتردد:

"آ.. آنستي؟"

كانت ماري بالكاد قادرة على النطق بسبب الصدمة. أما أنجيلا، فابتسمت بشكل مصطنع وربتت على خد ماري بقوة كافية لتشعرها بالألم.

قالت بسخرية:

"لم تفعلي ما أمرتكِ به، مما جعل الجميع يعتقد أنني لم أصدر أي أمر."

ردت ماري، مرتبكة أكثر:

"ماذا؟ ماذا تعنين؟"

لكن قبل أن تكمل، تغيرت ملامح أنجيلا إلى الجدية المفرطة، وأظهرت غضبها بشكل واضح.

قالت بغضب:

"متى طلبت منكِ سكب الماء الساخن على يدها؟ ألم أخبركِ أن تسكبيه على ذلك الوجه البغيض؟"

ساد صمت ثقيل في الغرفة، لم يكن فيه سوى شعور عميق بالصدمة والذهول.

---

صرخت ماري بصوت عالٍ، محاولة حماية أنجيلا:

"الآنسة لم تفعل ذلك! أنا، أنا من فعل! أرجوكِ يا سيدتي! لقد فعلتُ ذلك! إنه خطئي! أرجوكِ سامحيني! سيدتي! سيدتي!"

"ميري" هرولت مسرعة وراء "إيفون" التي كانت تجر "أنجيلا" بيدها، وأمسكت بحاشية فستان "إيفون" متوسلة.

بينما كانت "أنجيلا" تُسحب دون أي مجال للمقاومة، نظرت للأسفل نحو "ميري"، التي كانت تتوسل بكل جوارحها بشكل بائس، وفكرت بدهشة عن مصدر هذه الشدة والالتماس من فتاة لم تكن تعرف سوى الابتسام حتى في أحلك الظروف.

لكن الأمر لم يدم طويلًا؛ إذ جاءت خادمة "بياتريس" إلى الممر وانتزعت "ميري" بعنف من يد "إيفون"، ممسكة بها بإحكام بحيث لم تستطع الحراك.

"أرجوكِ، أتركوني! سيدتي! سيدتي! الآنسة لم ترتكب أي خطأ! سيدتي!"

صرخات "ميري" المتوسلة استمرت تتردد خلفهما، لكن مع تغير الطوابق، أصبحت تلك الأصوات وكأنها تنتمي لعالم آخر. كان آخر ما سمعته "أنجيلا" وهي تنزل السلم هو صوت بكاء مرير ينبعث من الخلف.

من دون أي تردد، توجهت "إيفون" عبر الممر الغربي بالطابق الأول، وهي تسحب "أنجيلا" خلفها.

في تلك اللحظة، توقفت "أنجيلا" فجأة وكتمت أنفاسها. عرفت أين يؤدي هذا الممر، وعرفت ما ينتظرها في نهايته.

"إ-إيفون، م-ما الذي...؟"

كانت كلمات "أنجيلا" متلعثمة على غير عادتها، وهي تحاول سحب معصمها من قبضة "إيفون" وتحاول بكل قواها أن تثني جسدها عن التقدم.

لكن "إيفون" لم تتوقف؛ كانت تسحبها بعنف. تهاوت قوى "أنجيلا" بالكامل، وبدأت تهتز ساقاها لدرجة لم تعد تستطيع معها المقاومة. سُحبت دون حول ولا قوة، تتعثر وكأنها على وشك السقوط.

وفي النهاية، دفعها "إيفون" داخل الغرفة الكبيرة الموجودة في نهاية الممر.

تلفتت "أنجيلا" برعب في أرجاء المكان، ووجهها مبتل بالعرق البارد. كانت عيناها محمرتين وكأن كل الأوعية الدموية فيهما قد انفجرت.

غرفة "غريس"...

على الرغم من اختفاء كل التحف الفنية الباهرة التي كانت "غريس" تجمعها بشكل مهووس، لم يكن هناك شك أن هذه هي غرفتها.

كان السرير الذي اعتادت "غريس" أن ترقد عليه، والطاولة التي كانت تحتسي عندها الشاي، لا يزالان موجودين. وحتى الخزانة الكبيرة التي تحتل جدارًا كاملاً ظلت كما هي في مكانها.

"لماذا... لماذا هنا...؟"

نظرت "أنجيلا" إلى "إيفون" بوجه شاحب وكأن الدم قد جُفف تمامًا من عروقها، لكن قبل أن تنهي سؤالها، أمسكت "إيفون" بمعصمها النحيف مرة أخرى وسحبتها بعنف.

حينما بدأت "إيفون" تتحرك نحو الخزانة، أدركت "أنجيلا" فجأة ما هو العقاب الذي تخطط له "إيفون". عندها، بدأت تتلوى بعنف مثل سمكة عالقة في رمح الصياد.

"لا، لا أريد! لا أريد!"

صرخت "أنجيلا" بأعلى صوتها، محاولِة بكل يأس مقاومة السحب. لكن قدميها لم تستطع التوقف عن الانزلاق، وبدأت تشعر باليأس المطلق. لم يكن لديها أدنى فرصة للتغلب على "إيفون"، التي كانت غاضبة لدرجة أعمَت عقلها.

"لا! إيفون! إيفون!"

حين رأت "إيفون" تضع يدها على مقبض الخزانة، نادت عليها "أنجيلا" وكأنها توشك على الإغماء، لكن "إيفون" لم تبالِ.

فتحت "إيفون" باب الخزانة الأسود على مصراعيه، ثم دفعت "أنجيلا" داخلها بقوة تكاد تكون مميتة. سمعت "أنجيلا" صوت المزلاج يُغلق، وكان الصوت يشبه سكينًا يخترق أذنيها.

"هاه... هاه..."

"إ-إيفون، إيفون..."

"تعاقبين حتى على أصغر الأخطاء، ولكن هل هذا المكان البسيط يرعبكم لهذه الدرجة؟"

بأنفاس مضطربة وغاضبة، حدقت "إيفون" بنظرة حادة نحو "أنجيلا"، التي كانت تضرب باب الخزانة المغلق بخفة يائسة، وصرخت عليها بنبرة قاسية لا يمكن تصديق أنها تعود لشخص يُعرف عنه الحنان والتسامح مثل "إيفون".

"إيفون... إيفون... إيفون..."

لم تكن "أنجيلا" تردد سوى اسمها وكأنها لا تعرف كلمات أخرى، لكن "إيفون" لم تُظهر أي تعاطف، ولم ترمش حتى بعينيها.

"لا تقتربي من بياتريس مرة أخرى."

قالت "إيفون" ذلك بصوت يحمل تهديدًا واضحًا، وعيناها المتقدة بالنار مثبتة على باب الخزانة، ويدها مشدودة في قبضة غاضبة.

"لن أتحمل الأمر مرة أخرى. الآن، لدي القوة لألا أتحمل، ولن أتحمل."

"إيفون... إيفون..."

"توقفي عن مناداتي بلا احترام."

"إيفون..."

"قلت لكِ توقفي عن مناداتي! أنا لم أعد مربيتك، وبياتريس ليست ابنة المربية! لا تجرؤي على معاملتنا باستخفاف، أيتها المرأة الشيطانية!"

كلمات "إيفون" التي انهالت كالرعد تسببت في صمت تام من جانب "أنجيلا"، التي لم تعد تسمع صوتها وهي داخل الخزانة.

تنفست "إيفون" بعمق، محاولِة تهدئة غضبها، ثم ألقت نظرة باردة على باب الخزانة قبل أن تستدير وتغادر الغرفة.

خرجت "إيفون" من غرفة "غريس"، غير مدركة أن "أنجيلا"، التي تُركت وحدها في الظلام، قد عادت لتشعر وكأنها طفلة في الخامسة من عمرها.

***

ايفون دي حية من تحت تبن

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon