الفصل الثاني

كانت أناملها تقبض بقوة على مقدمة فستانها، مما أدى إلى تجعيده بشكل مؤلم.

ما... ما هذا؟ ما الذي يحدث الآن؟

لم تستطع حتى الصراخ؛ كان الألم في قلبها لا يُطاق.

ظهرها، الذي كان دائمًا مستقيمًا ومشدودًا، انحنى بضعف أمام الألم المفاجئ، مما جعل هيئتها تبدو أصغر وأضعف مما هي عليه بالفعل.

"نحن نحاول أن نزرع حديقة زهور جميلة في قلبك القاسي."

"لقد زرعنا البذور، والآن يجب أن تنميها لتزدهر."

"لكن احذري... إن سمحت للأشواك بالنمو بدلًا من الزهور، فقد تخترق قلبك وتموتين."

فجأة، ارتجت أجزاء من الحلم البغيض في ذهن أنجيلا. التحذيرات التي أطلقها الضوء بشأن نمو أشواك قاتلة في قلبها كانت تصدح في رأسها كأنها لعنة لا يمكن التخلص منها.

عينان مضطربتان بلون الزمرد اهتزتا بقلق، كما لو كانتا أمواجًا خضراء هائجة.

لا بد أن الأمر مجرد صدفة. صدفة، بالتأكيد.

حاولت أنجيلا أن تهدئ نفسها بهذه الكلمات، لكن كل شيء حولها أعاد إلى ذهنها تفاصيل ذلك الحلم، مما جعل قلبها المضطرب يرفض الهدوء.

لا يُعقل... ومع ذلك، الشكوك التي حاولت قمعها تفجرت في عقلها مثل نافورة لا تهدأ.

في تلك اللحظة، انفتح باب غرفة النوم مجددًا، لكن هذه المرة كان فتح الباب فجًا جدًا لدرجة أنه لا يمكن أن تكون الخادمة هي من عادت.

أنجيلا، التي كانت لا تزال ممسكة بصدرها، استقامت ببطء لتتعرف على هوية الزائر الذي اقتحم غرفتها بهذه الطريقة.

"يا للوقاحة."

كان الصوت العميق أول ما وصل إلى أذنيها.

"قيل إنكِ لم تفتحي عينيكِ لمدة أربعة أيام."

اقترب رجل ذو وجه وسيم للغاية، يُقال إنه الأجمل في إمبراطورية فيلون، بخطوات ثابتة نحوها.

"لقد خُدِعتُ مجددًا."

كاليان فلورينس.

"بغباء."

كان خطيبها البارد الذي بالكاد يظهر مرة واحدة في الشهر.

"أنتِ..."

رفعت أنجيلا رأسها، محدّقة بذهول إلى ملامح وجهه المرتفعة عنها.

كاليان فلورينس، الرجل الذي حصل على لقب الكونت بفضل إنجازاته العسكرية في النزاعات الحدودية المتكررة لإمبراطورية فيلون، كان يحدق بأنجيلا بنظرات صارمة.

تحت شعره الأسود، تألقت عيناه السوداوان كالجواهر. في اللحظة التي التقت فيها عيناه بعيني أنجيلا، بدأ قلبها ينبض بألم مختلف هذه المرة.

"ما هذا الكلام السخيف؟"

حاولت أنجيلا أن تخفي اضطرابها بنبرة حازمة.

"إذا كنتِ تمثلين، فقد سئمتُ من هذه المسرحيات، فتوقفي."

خلع كاليان عباءته الداكنة عن كتفه بتكلف، وكأنها عبء ثقيل عليه. التفت العباءة الزرقاء الداكنة حول ذراعه القوية، ورغم بساطة الحركة، كانت مفعمة بهيبة الفارس الذي يحمي الإمبراطورية.

"أليست هذه مجرد حيلة لإجباري على القدوم إلى هنا؟"

نبرته كانت قاطعة بلا رحمة.

"ماذا؟"

"في المرة القادمة التي يحدث فيها هذا، لن أكترث حتى لو وصلني نبأ وفاتكِ."

وجهه البارد كان ينطق بالجدية؛ بدا كأنه لن يهتز حتى لو ماتت أنجيلا أمام عينيه. لم يكن هذا سلوكًا مقبولًا تجاه شخص وعدها بالزواج.

ولكن بالنسبة لأنجيلا، كان الأمر أكثر من مجرد وقاحة. فهي من أنقذت كاليان عندما كان مرتزقًا يتيمًا من أصول متواضعة، حين وطأت قدماه قصر عائلة بيلتون لأول مرة، لا يجيد حتى التصرف كإنسان طبيعي.

كيف يمكن لمن يدين لها بفضل أن يرتقي ليصبح كونتًا في السادسة والعشرين من عمره، ثم يتعامل معها بهذه الطريقة الجاحدة؟

كان من الطبيعي أن تعض أنجيلا شفتيها غضبًا.

لكن من وجهة نظر كاليان، كان هناك أسباب تجعل ردود أفعاله بهذه الحدة.

كانت أنجيلا تتذرع دائمًا بمرضها لاستدعائه إلى قصر عائلة بيلتون. لم يكن يهمها إن كان مشغولًا بعمله، أو بعيدًا في رحلة، أو حتى على وشك التوجه إلى ساحة المعركة.

كانت أنجيلا عندما تدعي المرض، تجبر كاليان على القدوم إليها بغض النظر عن ظروفه. وإذا رفض، لم تتردد في كشف طبيعتها التدميرية. ذات مرة، عندما تجاهل طلبها، أرسلت خادمًا لإحضاره، وعندما عاد الخادم دون تحقيق المطلوب، عاقبته بالضرب.

تصرفاتها لم تكن غريبة على من يعرفها عن قرب. حتى بين الناس، كانت تُعرف بأنها متعجرفة ومتلاعبة، لدرجة أن البعض وصفها بأنها أكثر من مجرد كاذبة؛ بل شخصية مخادعة لا تستحق الثقة.

كان كاليان على وشك أن يبتلع غضبه المكبوت عندما سألته أنجيلا، بنبرة تتحدى برودة وجهه:

"من أوصل الرسالة إليك؟"

كانت كلماتها تشير إلى الخادم الذي أوصل خبر مرضها هذه المرة.

بدا أن سؤالها كان مفاجئًا، إذ إن كاليان رفع حاجبيه وكأنّه يحاول فهم دوافع أنجيلا الخفية. لكنّها، بابتسامة خفيفة بدت كأنّها لإزالة أي سوء فهم، قالت وكأنها تكشف عمّا يدور في ذهنها بوضوح:

"من يتجرأ على الافتراء عليّ بوقاحة، يجدر به أن يُعاقب بقطع لسانه."

لم تكد تنتهي كلماتها حتى انكمش وجه كاليان بازدراء واضح. ولكن هذه المرة، كانت أنجيلا تشعر بصدق أنها مظلومة.

كاليان فلورنس لم يكن يأتي إليها ما لم تبذل جهدًا لإحضاره بنفسها، رجل بالكاد يشعر بوجودها، لدرجة أنه يكاد يجعل منصب خطيبته يبدو بلا معنى. حتى في عيد ميلادها، كان يغادر إلى مقاطعته بحجة التفقد.

لذلك، كان عليها دائمًا أن تبادر، أن تطلب، بل وتضغط عليه ليأتي إليها. لكنها هذه المرة لم تفعل أيًا من ذلك.

لم يسبق لأنجيلا أن فقدت وعيها لأربعة أيام، ولم ترسل أبدًا رسائل تستغل فيها حالتها الصحية لإجباره على زيارتها. ما قاله كاليان كان مجرد افتراض خاطئ ومهين.

"إذا لم تودّ أن تخبرني، فلا بأس. سأبحث بنفسي."

قالت أنجيلا بحزم وهي تتجاوزه، مستعدة للذهاب للتأكد من معاقبة الخادم الذي قد يكون تجرأ على الكذب عليها.

لكن كاليان، الذي كان يعلم أنها لا تمزح، أمسك بمعصمها بقوة ليوقفها.

"آه!"

أو على الأقل حاول أن يمسكها.

صوت أنين مكتوم صدر عنها وهي تسقط أرضًا فجأة. لو لم تسقط بهذه السرعة لتمكّن من الإمساك بمعصمها النحيل.

نظر كاليان إلى يده الخالية، قبض قبضته بغضب مكبوت، بينما أنجيلا على الأرض تحاول التقاط أنفاسها بصعوبة.

وضعت كلتا يديها على صدرها وضغطت بقوة على المنطقة التي يخفق فيها قلبها. نبضاته كانت عنيفة لدرجة تخيفها، وكأن قلبها على وشك الانفجار.

كانت ترتجف وهي جاثية على الأرض، وشعرها الذهبي الطويل ينسدل حولها كأنه فقد قوته هو الآخر. شعرت أنها قد تفقد حياتها في أية لحظة.

لكن الصوت الذي جاء من فوقها كان باردًا كصقيع الشتاء.

"ألم أخبركِ أن تتوقفي عن هذه المسرحيات؟"

في تلك اللحظة، بدا أن الغرفة، رغم دفئها المعتاد، أصبحت باردة كأنّ عاصفة ثلجية تجتاحها.

لم تحتج أنجيلا أن تنظر إلى كاليان لتعرف تعابير وجهه. كانت تعرف بالفعل أنه ينظر إليها بازدراء، وجهه خالٍ تمامًا من أي تعاطف أو حنان تجاه خطيبته المزعومة.

رفعت رأسها ببطء بعد أن أخذت شهيقًا عميقًا، وحاولت الوقوف بثبات، متظاهرة وكأن شيئًا لم يكن.

"يا لبرودة قلبك، يا كونت فلورنس."

قالت بحدة وهي تنظر إليه مباشرة، متجاهلة ألمها كما لو لم يكن.

ضحك كاليان بسخرية، ثم قال لنفسه بصوت خافت: "قلق عبثي على امرأة لا تستحق."

لكن قبل أن يكمل أفكاره، كان صوت صفعة حادة يقطع الصمت في الغرفة.

يد أنجيلا ارتفعت بسرعة مدهشة وارتطمت بخده بقوة جعلت صوتها يملأ الغرفة.

ساد السكون للحظة، ولم يكن يُسمع سوى أنفاسهما المتسارعة.

ثم كسرت الصمت مرة أخرى، هذه المرة بصوت أنجيلا، وهي تقول بنبرة تحمل مزيجًا من الغضب والازدراء:

"عندما تخبرك خطيبتك أنها مريضة، يجدر بك أن تتظاهر بالتصديق، على الأقل."

اقتربت خطوة منه، وأردفت بسخرية حادة:

"حتى لا تغضب منك، أليس كذلك؟"

الشخص الذي تلقّى الصفعة هو كاليان، لكن أنجيلا تصرفت وكأنها هي التي تعاني، عابسة وجهها بطريقة مبالغ فيها وهي تمسح يدها وكأنها تألمت.

لم يصدق أحد أن هذه المرأة قد مارست عنفًا قاسيًا منذ لحظات. بل على العكس، مَن لا يعرف القصة قد يشعر بالتعاطف معها بسبب مظهرها الضعيف والهش.

قالت وهي تزم شفتيها بخفة، متذمرة بطريقة بدت جذابة:

"كونت فلورنس، يبدو أنك لا تعرف النساء على الإطلاق."

من يراها هكذا، سيعتقد أنها شديدة الجاذبية، لدرجة أن أي رجل قد يقع في حبها من النظرة الأولى، وربما يقدم على التضحية بكل شيء من أجلها.

لكن كاليان لم يكن كذلك.

كانت عيناه تنظران إليها ببرود، مظلمة كسماء خلت من الشمس، وقد انخفض صوته ليصبح غائمًا ومليئًا بالكآبة، وقال:

"كيف يمكنني أن أعرفهن؟"

ثم أكمل بلهجة مشحونة بالمرارة:

"كل امرأة تقترب مني، حتى لو لم يكن بيننا سوى ملامسة أطراف الملابس، تسحبينها لتُعاقب بلا رحمة. متى كان لديّ فرصة لمعرفة النساء؟"

ثم أضاف بتهكم واضح:

"ربما يجب أن أبدأ الآن. هل تسمح لي خطيبتي الجميلة بالذهاب لتعلم المزيد عن النساء؟"

كانت كلماته كأنها عاصفة مطرية، تقطر غضبًا وسخرية.

أنجيلا، التي لم تكن مستعدة لمثل هذا الهجوم، وقفت في مكانها كأن المطر يغرقها تمامًا. نظرت إليه بعجز، غير قادرة حتى على الرد.

اقترب منها كاليان بخطوة واحدة، ثم انحنى قليلاً ليصبح في مستوى أذنها. كان الفرق في الطول واضحًا، ومع ذلك انخفض ليهمس بجانبها.

قال بنبرة هادئة مشحونة بالبرود:

"آنسة بيلتون."

شعرت أنجيلا بوخزة خفيفة في أذنها بسبب أنفاسه التي لامست بشرتها الحساسة، مما جعلها تنتفض قليلاً دون قصد. لم تكن تتوقع كلمات دافئة أو إيماءات لطيفة منه، لكنها شعرت بالإهانة عندما رأت ابتسامته الساخرة.

أدارت رأسها بعنف إلى الجهة الأخرى، محاولةً تجاهل كل شيء. لكن المطر لم يتوقف، ولا البرودة التي أصابت قلبها.

قال كاليان بنبرة مهددة وباردة:

"لا تختبري صبري أكثر من هذا. لديّ حدود، وأنتِ لا ترغبين برؤية نهايتي. إذا كنتِ لا تستطيعين التصرف بعقلانية، فعلى الأقل تظاهري بذلك."

غرست كلماته كالطين القذر في أعماق قلبها. شعرت بثقلها يضغط عليها، وبأن ما قاله سيترك أثرًا لا يمحى حتى لو جف تمامًا. ارتجفت أصابعها بخفة، كأنها تعترف بمدى الضرر الذي لحق بها.

ثم، دون انتظار أي رد منها، استدار وقال ببرود:

"سأذهب الآن."

كانت كلماته قصيرة وبلا أي اكتراث، وغادر الغرفة بخطوات ثابتة.

شاهدته أنجيلا وهو يبتعد، ظهره المستقيم يختفي تدريجيًا حتى غاب تمامًا خلف الباب. عندما سمعت صوت الباب يُغلق، أمسكت بصدرها، حيث كان قلبها ينبض بألم شديد، وكأنه يصرخ بأن طاقته قد نفدت.

نظرت إلى المنطقة فوق قلبها، فرأت بقعة سوداء داكنة ظهرت فجأة ثم اختفت. كان ذلك كافيًا لتصيبها الصدمة.

شهقت بقوة، وانهارت على الأرض، فاقدةً قوتها تمامًا.

وبعدها كان من المفترض أن تكافح لتجعل جسدها يجد الراحة على الفراش الوثير، لكن الأرض الصلبة التي احتضنتها لم تكن مستعدة لتركها.

---

"ماذا... ماذا قلتِ الآن؟"

كانت المربية إيفون هي أول من عثر على أنجيلا ملقاة على أرض غرفة النوم بمفردها. حينها، كانت أنجيلا تقاوم بصعوبة أن تفقد وعيها تمامًا، تتشبث ببقايا إدراكها وسط حالة من الفوضى والارتباك.

صاحت إيفون بفزع: "سيدتي!" وهي تركض نحوها بوجه شاحب من الرعب. أسرعت لتطمئن عليها وتساعدها على الانتقال إلى السرير الناعم، حيث أرقدتها بحرص.

بعد أن استقرت أنجيلا على السرير وشعرت براحة أكبر، بدأت آلامها تتراجع تدريجيًا، ما سمح لها باستعادة بعض الهدوء. لكنها لم تكن تتوقع أن تسمع من إيفون ما صدمها حقًا.

قالت إيفون إن أنجيلا قد قضت الأيام الماضية في سبات عميق. كلماتها دفعت أنجيلا إلى نفض الغطاء والجلوس بسرعة.

"ماذا؟ هل تقصدين أنني... لم أستيقظ طوال أربعة أيام كاملة؟" سألت أنجيلا بدهشة وصدمة، وهي ترفع جزعها بصعوبة.

هزّت إيفون رأسها وهي تعدّل الغطاء فوق خصر أنجيلا لتغطيها قليلاً، وقالت:

"نعم يا سيدتي، لقد كنتِ فاقدة للوعي طوال هذه الفترة. حتى الطبيب هايم جاء ولم يتمكن من تحديد السبب، وكان الوضع كارثيًا حقًا."

الطبيب ريموند هايم، الذي لم يتجاوز الثلاثين من عمره، كان من الجيل الثالث لعائلة هايم التي خدمت كأطباء خاصين لعائلة دوق بيلتون على مدار الأجيال. لذلك، كان يُعتبر شخصية موثوقة في مجاله.

ومع ذلك، إذا كان قد أعلن أن السبب مجهول، فإن "الكارثة" التي ذكرتها إيفون لم تكن مبالغة على الإطلاق. لو تأخر استيقاظ أنجيلا أكثر، ربما كانوا سيبدأون بالتحقق من وجود وصية لها أو لا.

أخيرًا، فهمت أنجيلا لماذا بدت الخادمة التي دخلت غرفة نومها سابقًا وكأنها قد رأت شيئًا لا يُصدق. فقد اندفعت تلك الخادمة مسرعة لتخبر إيفون أن أنجيلا قد استيقظت.

ورغم أن تسلسل الأحداث كان مضطربًا وغير منظم، إلا أن رد فعل الخادمة لم يكن بلا سبب.

لكن لسوء الحظ، وصل كاليان قبل أن تتمكن إيفون من الحضور. كان كاليان قد جاء بناءً على الأخبار التي تشير إلى أن أنجيلا كانت فاقدة للوعي. لذا، عندما وجدها تقف على قدميها بصحة جيدة، بدا الأمر وكأن كل شيء كان مجرد خدعة.

تنهدت أنجيلا بعمق وهي تضغط بإصبعها على صدغيها اللذين بدأا يؤلمانها بشدة.

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon