Chapter Two

...آلبآرت آلثآنيـﮯ ~...

...مـآريـﮯ برآون "♡...

...******...

..."‏حقًا ، ما أسهل سحق الضعفاء في هذا العالم."...

...- تشيخوف -...

بكت السماءُ هذه الليلة بكاءً مريرًا، وكأنها تُسَايِرُ دمعي وتُهدهد جراحي المكلومة. كأنها تعزيني، تواسيني على ما آل إليه أمري من ضعفٍ وانكسار. جلستُ على حافة سريري، ذاك السرير الذي رتبتُه بيدي كمن يحاول أن يضبط فوضى حياته في هيئةِ فراشٍ مُتقَن. حاولتُ جاهدًا أن أُسكت شهقاتي المتصاعدة، التي كادت أن تفضح حزني أمام جدران غرفتي الصامتة.

كيف حدث هذا؟ كيف وجدتُ نفسي أعود إلى تلك المدينة التي طالما ظننتُ أنني قد ودعتها للأبد؟ تلك المدينة المشؤومة التي يلوح لي شبحها في كل زاوية من حياتي.

نقرٌ خفيفٌ على الزجاج، خلفته أغصان شجرة قريبة، تراقبني في صمتٍ كما لو كانت شاهدةً على مأساتي.

انتفضتُ من مكاني، وأخذت أمعن النظر في أرجاء غرفتي. أو، ربما ينبغي أن أقول "غرفتي القديمة"، تلك التي احتضنتني سنواتٍ طويلة، ثم هجرتها كما يترك الجريح ساحته بعد معركة. الآن ها أنا ذا، أعود إليها مرة أخرى، كأني لم أتعلم شيئًا من تلك الأيام التي مضت.

أبصرتُ نورًا يتسلّل من خلفِ بابِ غرفتي الكئيبة، فأيقظَ في نفسي شيئًا من الأملِ المُضمَر. قمتُ منتصبةً كالسهمِ، وسرتُ نحو الباب بخطواتٍ وئيدةٍ، فلجتُ الغرفةَ لأرى عمي هانز مُتسمرًا، يبحر في كتابٍ كأنّ الساعاتَ المتأخرةَ غدتْ نهارًا في عينيه.

أيّ كتابٍ هذا الذي يأسرُه في عتمةِ الليلِ كالثقبِ الأسود، يجتذبه فلا يَتركُه!

خطوتُ خطوةً خفيفةً، لكنها أصدرت صدىً أرغمه على الالتفاتِ نحوي.

"أأنتِ مستيقظةٌ يا كلارا؟"

قالها وهو يتفحصني بعينين متسائلتين.

ظللتُ ساكنةً، ولم أجد للكلام سبيلًا.

"هل أنتِ على ما يرام؟"

تابعَ بصوتٍ قلق، لكنّ الأرضيةَ كانت ملاذَ نظراتي، هاربةً من كلماته.

إنتصبَ من مجلسه واتجه نحوي بخطواتٍ هادئة، وفجأةً باغتني باحتضانٍ لم أفهم مغزاه. شعرتُ بغرابةٍ تعصف بي، ووحشةٍ عميقةٍ كظلامٍ لا ينقشع، لا تمتُّ لما يجري بصلة.

وفي الواقعِ، تمنيتُ لو أن والدي كان من فعل ذلك.

ربتَ عمّي على ظهري برفقٍ، وهمس بصوتٍ بالكاد يُسمع من شدّة رقّته:

"لا تبكي وحدكِ مرة أخرى، اتفقنا؟"

كيف له أن يعرف أنني بكيت؟! أكاد أجزم أن شهقاتي المبحوحة قد وصلته عبر جدران الغرفة!

لم أكن أفهم حينها ما الذي يجتاحني من مشاعر، ولكنني وجدتُ نفسي أُبادله العناق، وأطلقتُ سراح دموعي التي كانت عالقةً في مآقيّ، لتنساب بهدوءٍ على كتفه، كقطرات المطر الأولى بعد جفافٍ طويل.

شهقتُ شهقةً خفيفة، فإذا به يمسح على رأسي بلطفٍ بالغ، كما يُمسَد على جناح طائرٍ جريح.

"كما يقال: ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وجدتُ في احتضانه تلك الفسحة التي كنت أحتاجها."

"الدنيا كالأم: إذا قست عليك، لا تجد ملجأً سوى أحضانها"

فكَّ ذاك العِناقَ وابتسمَ وهو يمسحُ دمعي من عينيّ، محدِّقًا في وجهي بعمق.

حدَّقتُ صوبَ عينَيه بعد أن أمسكَ كتفيَّ بكلتا يديه، وتفرَّسَ في عينَيّ بنظرةٍ حملتْ معها أعباءً دفينة. لقد كانت حدقتاهُ الزرقاوان كجواهرَ تتلألأ في تلك الليلةِ المخملية، تحملُ في بريقِها بعضَ الآلام التي تتوارى خلفَ سكينةِ الليل.

إنَّها أولُ ليلةٍ لي في ألمانيا بعد غياب سنوات، وكأنّها ليلةُ استعادةِ ماضٍ مؤلم. وها هو مصيري الملعونُ يُعيدني بلا رحمةٍ إلى أيامي البائسةِ الحالكة.

مرَّ يومٌ على تلك الليلة التي عدتُ فيها من حديقة "جيلوس" ولقائي بذلك الشخص الملعون، الذي أصبحتُ أطلق عليه "اللعنةَ رقمَ ثلاثة".

"كلارا، الإفطارُ جاهز، عليكِ الإسراعُ في ارتداء ملابسِكِ، سنتأخر!"

نادى ديڤان، وهو يقرعُ بابَ غرفتي وينبِّهني أنَّ الوقت قد تأخَّر.

رتبتُ شعري بسرعةٍ فائقة، وأخذتُ حقيبتي، وفتحتُ البابَ مسرعةً ناحيةَ المطبخ، حيث كان عمي وديڤان المعتوه وكرستي بانتظاري.

أومأتُ لكرستي شاكرةً وهي تهيّئ لي الكرسي، فجلستُ وبدأتُ بالأكل.

أعترف أنني كنتُ إنسانةً شرهةً بعضَ الشيء، حتى أنَّ عمي وديڤان بدَوَا مصدومَين من شهيتي المفتوحة في هذا الصباح، على عكسِ معظمِ المراهقين الذين تكون شهيتهم ضعيفةً في مثل هذا الوقت.

---

رفعتُ رأسي مُقبلةً على مواجهة عمي وديڤان، وفي فمي بقايا لقمة لم تَذُب بعد. ابتسمتُ لهما بتلك البراءة، لأسمع ضحكة ذلك الغِرّ المتربّع بجانب عمي، وقد أسند كفّه على وجنته وأخذ يحدق بملامحي، كأنّه يلتقط خيوطاً من روحي لا أراها.

"تباً له... إنه يمتحن صبري حقاً."

"عليكِ تناولُ الطعام باعتدال، كلارا، وإلا أُصبتِ بعُسر هضم." نطق عمي بنبرة يشوبها شيء من القلق، وكأنه يستشعر اضطرابي الداخلي.

"أنتِ لطيفة عندما تبكين."

أردف ذاك المزعج، ديڤان، وهو يُحدّق بعينيَّ بعمقٍ، كأنّه يغوص في محيط سرّي لا يعرفه سواي. كيف له أن يدرك أنني بكيت الليلة الماضية؟ شعرتُ لحظتها وكأنه كاهنٌ يقرأ أسرار قلبي دون إذن.عاد عمي ليوبّخه قائلاً: "وما شأنك بها؟ أنتما بالفعل متأخران عن يومكما الأول. كم هذا مشين!"

ما إن انتهت كلماته، حتى أسرعتُ والتقطتُ كأس الحليب القريب من ديڤان، وجرعته في رشفة واحدة، ثم انطلقتُ نحو الباب بأقدام مسرعة، وانتعلتُ حذائي على عجل، غير مدركة أنني نسيتُ حقيبتي.

وحين خرجت، شعرت بظلٍّ خلفي يقترب، وصوت خطواته الثابتة ينمو. التفتُ لأجد ديڤان يحمل حقيبتان، وعيناه تتلألآن بتلك النبرة الساخرة المعتادة. لم أدرِ أكان يسعى لإظهار شهامته أم فقط أراد أن يُثبت لي حضوره الثقيل.

انتشلتُ حقيبتي من يده بسرعة دون أن أنظر إليه، ووجّهتُ بصري نحو الطريق، مركزّة كل انتباهي عليه، كأنني أخشى أن يضيع مني مسار النجاة من وجوده المُزعِج. أما ديڤان، فقد ظلّ يراقبني بصمتٍ، نظراته تثقل الهواء من حولي. قررتُ تجاهله؛ لا كلام ولا تذمر. لكن، أحياناً يُظهر لطفاً مبالغاً فيه، يجعله أشبه بالسمّ الممزوج بالعسل.

فجأةً، شعرتُ بيديه تلامسان كفّي، واستدرت لأجد ديڤان مجدداً، ممسكاً بي وكأنه وجد كنزاً ثميناً.

"إذًا... ماذا الآن؟" تفوهتُ بتلك الكلمات ببرودٍ، دون أن أسمح لأي مشاعر أن تتسرب من ملامحي، كصخرةٍ لم تمسّها مشاعر البشر. ابتسم ذلك الأحمق، وأشار نحو سيارة فخمة تقف بجانب منزلنا.

"ألن تركبي معي؟"

كلماته أزعجتني، تساؤلات عديدة ملأت ذهني. أيتفاخر بسيارته أم يحاول إظهار سخائه أمامي؟ من يأبه بكل هذا البذخ؟ أفضل أن أقطع الطريق سيراً، بكل خطوة أتحرر من حضوره المزعج.

"لا." أجبته بصرامة، رافضة دعوته، لألمح على وجهه لمحة من الغيظ تعلو قسماته. لم أتمالك نفسي، فانفلتت منّي ضحكة خافتة، شعرتُ معها بنشوة صغيرة تنتصر لنفسي

أخيراً، قرر ذلك الأحمق أن يتركني وشأني. كم أنا ممتنة لهذا القرار! ستغمرني الراحة وأنا أسير وحدي إلى تلك المدرسة البغيضة التي انتقلت إليها حديثاً، المدرسة نفسها التي درست فيها أمي قبل سنوات طويلة.

في تلك الثانوية، يُطلق الجميع لقب "اللعنة رقم 3" على شخص تعرفت إليه بعد وفاة أمي بأسبوع تقريباً. إنه يكبرني بعامين، وحضوره لا يخلو من الغموض الذي يحيط باسمه المستفز.

"ماكسيميليان ليبمان"؛ اسمٌ يخطف الأنظار ويأسر الأسماع، فهو الطالب المثالي في نظر الجميع، وإن كان يجمع بين أناقته ونمطه النموذجي وبين فظاظةٍ لا تخفى في حديثه، ربما ورثها عن والده، ألبرت ليبمان، وزير المالية في ألمانيا.

أما جماله، فكان له نصيبٌ من الإعجاب الذي يكنّه له كثيرون، إذ كانت معظم فتيات مدرسته الثانوية مفتونات به إلى حدّ الهوس. تعرفتُ عليه خارج مدرسته، وأنا في المرحلة الإعدادية، وكان حضوره دائماً يحمل معه شيئاً من الغموض والافتتان، كأنه لعنةٌ ساحرة تثير الفضول وتجذب الأنظار بلا عناء.

قاطع أفكاري صوت محركٍ هادرٍ، اقترب منّي بسرعة جنونية حتى كدت أجزم أنني على وشك أن أُدهس تحت عجلاته. أكره أمثال هؤلاء الذين يعتقدون أن الطرق ملكٌ لهم، لا يبالون بالآخرين، وكأنهم ريحٌ عاتية تهب دون اكتراث.

وأخيراً، وصلت إلى تلك الثانوية الملعونة، "دينترو". آه، من كان يظنّ أنني سأدرس يوماً في هذا المكان؟.

دلفتُ من بوابتها، وأخذت أنظر حولي. أشكالٌ ووجوهٌ جديدة، فتياتٌ يضحكن بصخب، وشبابٌ يتبادلون المزاح بمرح. شعرت لوهلة كأنني أدخل عالماً لا أعرفه، عالماً يطفح بالسعادة.

أترى، هل هذه المدرسة حقاً مليئةٌ بالبهجة أم أن المظاهر تخدعني؟

سرت بثباتٍ عبر الممرات، وعيناي تلتقطان تفاصيل المكان، حتى وقعتُ على فتاة ذات قوامٍ ممشوق، بشرتها ناصعة البياض وشعرها الأسود تتخلله خصلاتٌ بيضاء، كأنها شلالٌ ينساب بلمسةٍ من ضوء القمر.

استوقفتها، وقررت سؤالها عن حجرة الإدارة.

كانت ترمقني بنظرةٍ حادة كالسيف، قطّعت أطراف صلابتي، وشعرتُ بقشعريرة باردة تسري في جسدي. حاولتُ الابتسام، وبنبرةٍ مرتبكة همست: "مِن بعد إذنكِ..."

فجأةً، أرخَت ملامحها وتناولت دفتراً صغيراً، وأخذت تكتب عليه بتركيز، كأنها تنسج كلماتها من عزلتها. رفعته أمامي، وعيناي تتعلقان بما خطّت: "أنا صماء، آسفةٌ لأنني لم أفهمكِ."

رقّ قلبي فجأة، واهتزت داخلي تلك الفكرة الصلبة عنها، أدركتُ أن القسوة ليست دائماً وليدة الطبع، بل أحياناً ثمرة الظروف. تناولتُ الدفتر وكتبت: "هلّا أرشدتِني إلى غرفة المدير؟ أين تقع؟"

أخذت تكتب مجدداً، ثم رفعت الدفتر أمامي: "اذهبي بمحاذاة الرواق الحادي عشر، وانعطفي يميناً. ستجدين مكتب المدير واضحاً."

قرأت ما خطّته، وابتسمتُ لها بتقدير. تبادلنا الابتسامات، وابتعدتُ نحو مكتب المدير، أشعر بامتنان خفي لهذه الفتاة الغامضة.

لكن، ما إن بدأت السير حتى قطعني صوتٌ مألوف، صوتٌ خرج من غبار الماضي كأنما ليعيدني إلى الأيام المظلمة قبل وفاة أمي. ماري براون. كنتُ على يقين أنني لم أخطئ في تخميني؛ الخيانة ما زالت تتدفق من نظراتها، كالسُمّ الذي يقتات على الزمن ولا يتلاشى.واصلتُ سيري متعمدة تجاهلها، كمن يسد أذنيه عن صوت ثعبان يتسلل بين الأعشاب. فجأةً، صرخت بجنون: "ألم تسمعيني أناديكِ أيتها اللعينة؟!"

صككتُ على أسناني، أحاول أن أستجمع برودي، وأُطفئ الغضب الذي يتأجج داخلي. لكن كلماتها التالية كانت كخنجرٍ مسموم اخترق كبريائي: "ألا تزالين تتشبثين بكبريائكِ يا ڤيكادروا؟"

لم أستطع التحمل. استدرتُ نحوها، ونظراتي كانت أشبه بشعلة متّقدة أمام ملامحها الزائفة. كانت المواجهة محتومة لولا تدخّل ذاك الأحمق، ديڤان.

بابتسامته الساخرة المعتادة قال: "ما الذي تفعلينه يا كلارا؟ علينا الذهاب إلى مكتب المدير حالاً."

...الى هُنا أعزائي القُراء نختتم هذا البارت ...

...مارأيڪم بقطعِ ديڤان الملحمة الاي كانت على وشك الحدوثِ بين ڤيكادروا وبراون؟ ...

...أتمنى ان الفصل نال إعجابڪم. ...

...قومو بالتصويت لتشجيعي ...

ونشرِ البارتات بوقتٍ أقرب إذا أمكن.

Goodbye, see you soon ♡

الجديد

Comments

نيزوكو تشان

نيزوكو تشان

كملي بليز

2025-02-17

0

蛇喰夢子🎴

蛇喰夢子🎴

الوصف انتي كيف قدرتي توصفي هيك روعة

2025-01-28

3

蛇喰夢子🎴

蛇喰夢子🎴

بكرا اكلمك عن ديفان

2025-01-28

2

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon