بينما كانوا يغمرون في مياه البحيرة السحرية، شعروا بشيء غريب يتسلل إلى داخل أجسادهم، كأنهم يُسحبون إلى أعماق مجهولة. في البداية كان الصوت الوحيد الذي يسمعونه هو ضربات قلوبهم، لكن مع مرور الوقت، بدأ الصوت يتغير. أصوات خافتة تهمس في أذانهم، لدرجة أن بعضهم شعر وكأنهم على وشك فقدان توازنهم.
وبينما كانوا يغمرون بشكل أعمق، شعروا فجأة بأن الأرض تحتهم تختفي. العيون أُغلِقت كما نصحتهم إلينور، لكن الإحساس بالزمن أصبح غريبًا. كان وكأنهم يغرقون في فراغ، وأن كل شيء حولهم قد تغير. بعد لحظات من الصمت، شعروا فجأة بأنهم قد وصلوا إلى مكانٍ ما.
عندما فتحوا أعينهم، وجدوا أنفسهم في عالم مختلف تمامًا. كان العالم المقلوب حولهم يتنفس في هدوء غريب. كان الجو مشبعًا بالضباب الذي كان يلتف حولهم بطريقة غير طبيعية، وجميع الألوان كانت مشوهة، وكأنها تفتقر إلى التوازن. الأشجار كانت تنحني إلى الأسفل بدلًا من أن تنمو نحو السماء، وأوراقها كان لونها مائلًا إلى الرمادي الباهت. كان كل شيء يبدو وكأنه في حالة انهيار بطيء، كما لو أن الزمن نفسه قد اختلط مع الفوضى.
"هل نحن في حلم؟" سأل فيليب، وهو ينظر حوله، في محاولة لفهم ما يحدث.
لكن إلينور كانت قد امتلأت عيونها بالقلق، وأجابت بصوت منخفض: "لا. هذا هو العالم المقلوب. وكل ما كان موجودًا في عالمنا، موجود هنا أيضًا، لكن بطريقة مغايرة."
اقتربت إلينور من شجرة عملاقة ذات أوراق سوداء، كانت الجذور تنبثق منها وكأنها أطراف مخالب، ملتوية على شكل دوائر، تطوق كل شيء في هذا المكان. "انظروا هنا." قالت بصوت هادئ، لكنها بدت متوترة.
"ما هذا؟" سأل مارك، وهو يتفحص الشجرة بدهشة.
"هذه هي جذور الماضي." قالت إلينور، وقد بدا على وجهها الغموض. "هذا المكان يحفظ ذكريات هذا العالم. كل شيء هنا يعكس قصة ماضية، أو ربما لم تحدث بعد."
شعر الجميع بنوع من الدوار، وكأن الأرض تحت أقدامهم تتحرك في دوائر. الهواء كان ثقيلًا، وكل نفس كانوا يأخذونه كان يشوبه ضباب.
"يبدو أن شيئًا ما في هذا المكان يراقبنا." قالت ماديسون بصوتها الهادئ، بينما كانت عيونها تراقب حركة ضبابية خلف الأشجار.
"نعم، هناك شيء هنا." أكد ليو وهو ينظر في الاتجاه الذي أشار إليه. فجأة، ظهرت أشكال غريبة بين الضباب. كانت تلمع كأضواء باهتة، لكن شكلها كان غير واضح. كان يشبه الغيوم التي تتشكل وتختفي بسرعة.
إلينور شدّت على ذراعيهم، وأجابت بحذر: "هذه الأرواح التي تعيش هنا. بعضهم من سكان هذا العالم المقلوب، والبعض الآخر هم مجرد ذكريات عالقة في هذا المكان. إذا اقتربتم منهم، يمكن أن تأخذ منكم جزءًا من ذاكرتكم، أو ربما جزءًا من حياتكم."
لكن قبل أن يتمكنوا من التفكير بما يعنيه هذا التحذير، بدأ صوت همسات يزداد. من بين الأشجار، ظهرت كائنات ضبابية، تلتف حولهم. كانت تأخذ شكلًا غير ثابت، وتظهر وتختفي بين الظلال. أصدرت الأصوات بصوت منخفض ومخيف، وكأنها تغني أغنية حزينة قديمة.
"هل تشعرون بذلك؟" همست ميا، بينما كانت تحدق في الكائنات الضبابية.
"نعم، هذا هو تأثير الذكريات الضائعة." قالت إلينور بنبرة شديدة الحذر. "العالم المقلوب ليس مكانًا يمكن أن تظل فيه طويلاً. هذه الكائنات تتغذى على الذاكرة. وإذا تركناها تقترب أكثر، ستأخذ منا كل شيء."
ثم بدأت الكائنات تتحرك بسرعة، وكأنها تدور حولهم في دائرة. تطايرت الأضواء المنبعثة منها، مثل شرارات الكهرباء. كانت تلتف حول الجميع، ثم فجأة توقفت.
"علينا أن نخرج من هنا." قال ليو بجدية. "إذا لم نفعل، سنفقد أنفسنا في هذا المكان."
إلينور أومأت برأسها، وقالت: "لكن لا يمكننا العودة بسهولة. الطريق إلى العالم الأصلي مسدود. يجب أن نجد الباب السحري."
"وأين هو هذا الباب؟" سأل فيليب.
إلينور أظهرت نظرة جادة، وقالت: "الباب مخفي. ولن تجده إلا إذا اقتربت منه بالنية الصافية. العالم المقلوب يختبرك. إذا كنت حاقدًا أو طامعًا، لن تجد الطريق."
قبل أن يتمكنوا من إتمام حديثهم، أضاءت السماء فجأة بلون أزرق قاتم، وكأنها تشتعل بالنيران، مما جعل الجميع ينظرون إلى السماء بدهشة.
"يجب أن نسرع." قالت إلينور بصوت قاطع. "الوقت هنا لا يسير كما في عالمكم. وعندما تغلق السماء، سيتغير كل شيء."
ومع هذه الكلمات، بدأوا يتحركون بسرعة، مع العلم أن كل خطوة قد تأخذهم خطوة أقرب إلى المجهول.
Comments