وثم ، التقيت في طريقي بشخص أبغضه كثيرا ! إنه عمار....
عمار هذا هو الابن الوحيد لأحد الأثرياء ، و هو زميلي في المدرسة ، ولد بغيض مستهتر سيئ الخلق ، معروف و مشهور بين الجميع بانحرافه و فساده ... و كان آخر شيء أتمنى أن
ألتقي به و أنا في مزاجي العكر هذا اليوم!
"وليد ؟ تتسكع في الشوارع عوضا عن الدراسة !؟ لسوف أفضحك غدا في المدرسة"
قال لي هذا و أطلق ضحكة قوية و بغيضة ، أوليته ظهري و ابتعدت متجاهلا إياه قال:
" انتظر ! لم لا تأت . معي نلهو قليلا ؟ و أعدك بأن تنجح رغم انف الجميع ! مثلي"
استدرت إلى عمار وقلت بغضب
حل عنى أيها البغيض ! لا يشرفني التحدث إلى شخص مثلك ! أيها المنحرف الفاسد"
لا ادري ما الذي دفعني لقول ذلك ، فأنا لم أعتد توجيه مثل هذا الكلام لأي كان....
و لكني كنت مستاء.....
عمار شعر بغيظ ، وسدد نحوي لكمة قوية موجعة و تعاركنا !
منذ ذلك اليوم ، و أنا و هو في خصام مستمر ، هو لا يفتأ يستفزني كلما وجد الفرصة السانحة لذلك ،
و أنا أتجاهله حينا و أتعارك معه حينا آخر....
و الأمر بيننا انتهى أسوا نهاية كما سترون....
في طريق عودتي للبيت ، مررت بإحدى المكتبات ، و وجدت نفسي أدخلها و أفتش بين دفاتر تلوين
الأطفال ، و أشتري مجموعة جديدة ... من أجل رغد
إنني سأعترف ، بأنني فشلت في إزاحتها بعيدا عن تفكيري ذلك اليوم لقد كانت المرة الأولى التي
تترك فيها ذراعي معلقين في الهواء ... و تذهب بعيدا
حين وصلت إلى البيت ، كانت رغد في حديقة المنزل ، مع سامر و أسماء ، كانوا يراقبون العصفورين
الحبيسين في القفص ، و اللذين أحضرهما والدي قبل أيام.....
كانت ضحكاتها تملأ الأجواء....
كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك !
و كم هي مزعجة حين تبكي!
اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي و العصفورين هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب ... و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين.... " !وليد"
وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة
كبيرة .....
فتحت ذراعي واستقبلتها في حضني وحملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات....
صغيرتي ... جلبت لك شيئا تحبينه " !
نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله
أطلقت هتاف الفرح و طوقت عنقي بقوة كادت تخنقني !
بعدها قالت:
" لون معي" !
ابتسمت برضا بل بسعادة و قلت:
"أمرك سيدتي" !
اعتقد ... بل أنا موقن جدا .... بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا ...
و سأجن ... بالتأكيد ... فيما لو حدث لها مكروه .... لا قدر الله .....
أشياء ثلاثة تشغل تفكيري و تقلقني كثيرا في الوقت الراهن
دراستي و امتحاناتي ، رغد الصغيرة ، و الأوضاع السياسية المتدهورة في بلدتنا و التي تنذر بحرب
موشكة !
إنه يوم الأربعاء ، لم أذهب للمدرسة لأن والدتي كانت متوعكة قليلا في الصباح و آثرت البقاء إلى
جانبها.
إنها بحالة جيدة الآن فلا تقلقوا
كنت أجلس على الكرسي الخشبي خلف مكتبي الصغير ، ومجموعة من كتبي و دفاتري مفتوحة و
مبعثرة فوق المكتب.
لقد قضيت ساعات طويلة و أنا أدرس هذا اليوم ، ألا أن الأمور الثلاثة لم تبرح رأسي
الدراسة ، أمر بيدي وأستطيع السيطرة عليه ، فها أنا أدرس بجد
أوضاع البلد السياسية هي أمر ليس بيدي و لا يمكنني أنا فعل أي شيء حياله !
أما رغد الصغيرة....
فهي بين يدي و لا أملك السيطرة على أموري معها !
و آه من رغد
يبدو أن التفكير العميق في ( بعض الأشياء ( يجعلها تقفز من رأسك و تظهر أمام عينيك !
هذا ما حصل عندما طرق الباب ثم فتح بسرعة قبل أن أعطى الفرصة المفروضة للرد على الطارق
السماح له بالدخول من عدمه !
" وليد وليد و ليــــــــــــــــــــد" !
قفزت رغد فجأة كالطائر من مدخل الغرفة إلى أمام مكتبي مباشرة و هي تناديني و تتحدث بسرعة فيما تمد بيدها التي تحمل أحد كتبها الدراسية نحوي !
"وليد علمتنا المعلمة كيف نصنع صندوق الأماني هيا ساعدني لأصنع واحدا كبيرا يكفي لكل أمنياتي بسرعة " !
إنني لم أستوعب شيئا فقد كانت هذه الفتاة في رأسي قبل ثوان و كانت تلعب مع سامر على ما أذكر!
نظرت إليها وابتسمت و أنا في عجب من أمرها !
" رويدك صغيرتي ! مهلا مهلا ! متى عدت من المدرسة ؟"
أجابتني على عجل و هي تمد يدها وتمسك بيدي تريد مني النهوض:
عدت الآن ، أنظر وليد الطريقة في هذه الصفحة هيا اصنع لي صندوقا كبيرا" !
تناولت الكتاب من يدها و ألقيت نظرة !
إنه درس يعلم الأطفال كيفية صنع مجسم أسطواني الشكل من الورق !
و صغيرتي هذه جاءتني مندفعة كالصاروخ تريد مني صنع واحد !
تأملتها و ابتسمت ! و بما إنني أعرفها جيدا فأنا متأكد من أنها سوف لن تهدأ حتى أنفذ أوامرها ! قلت :
"حسنا سيدتي الصغيرة ! سأبحث بين أشيائي عن ورق قوي يصلح لهذا" !
بعد نصف ساعة ، كان أمامنا أسطوانة جميلة مزينة بالطوابع الملصقة ، ذات فتحة علوية تسمح للنقود
المعدنية ، والنقود الورقية ، و الأماني الورقية كذلك بالدخول !
رغد طارت فرحا بهذا الإنجاز العظيم ! و أخذت العلبة الأسطوانية وجرت مسرعة نحو الباب !
" إلى أين ؟؟"
سألتها ، فأجابتني دون أن تتوقف أو تلتفت إلي:
"ساريها سامر" !
و انصرفت...
اللحظات السعيدة التي قضيتها قبل قليل مع الطفلة و نحن نصنع العلبة ، ونلصق الطوابع ، و
نضحك بمرح قد انتهت
أي نوع من الجنون هذا الذي يجعلني أعتقد و أتصرف على أساس أن هذه الطفلة هي شيء يخصني ؟؟ كم أنا سخيف !
Comments