الفصل الثالث

في الصباح، قابلتها على مائدة الإفطار. كانت جالسة بملابس بسيطة، لكن حتى في بساطتها كانت تحمل هالة من الرقي. لم تنظر إلي مباشرة، بل اكتفت بتحيتي بعبارة قصيرة.

"صباح الخير، أسغار."

"صباح الخير."

كان الجو مشحونًا بيننا، لكن أحدًا لم يتكلم. والدتي وأخي قدير انضما إلينا لاحقًا، وسرعان ما ملأ الأخير الجو بأحاديثه المفعمة بالحيوية.

"لارين، هل أزعجكِ أخي بشخصيته المتجمدة؟" قال قدير مبتسمًا، محاولًا كسر الجمود.

ابتسمت لارين نصف ابتسامة، وقالت بهدوء:

"على العكس، إنه شخصية مثيرة للاهتمام."

نظرتُ إليها سريعًا، وكانت عيناها تلمعان بتلك السخرية الخفية التي أصبحت مألوفة لدي. قدير ضحك بصوت عالٍ وقال:

"ممتاز! أخيرًا وجدت شخص يستطيع تحمل مزاج اخي ."

لم أعلق. كنت أراقبها وهي ترد على أخي دون أن تفقد هدوءها، وكان هذا يثير إعجابي أكثر مما أريد الاعتراف به.

---

لاحقًا في ذلك اليوم، كنت في مكتبي، أراجع بعض التقارير العسكرية. لكن عقلي كان في مكان آخر. صورة لارين لم تفارق ذهني، خاصة تلك الابتسامة الصغيرة التي منحتها لأخي.

"لماذا تبتسم للآخرين هكذا؟" قلت لنفسي، لكن صوتي خرج أعلى مما توقعت.

"أتتحدث معي؟"

رفعت رأسي بسرعة لأجد لارين تقف عند الباب. بدت وكأنها كانت تبحث عني، لكنها لم تكن تتوقع سماع شيء كهذا.

"لا،" قلت بسرعة، أحاول التملص من الموقف. "لم أكن أعنيك."

رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وقالت:

"أوه، ظننتُ أنك كنت تشكو مني."

"لارين..." بدأت الحديث، لكنني توقفت. كيف أشرح لها كل ما يدور في داخلي؟

تقدمت خطوة إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها. وقفت أمام مكتبي وقالت بهدوء:

"لنتحدث بصراحة، أسغار. هذا الزواج قد بدأ كواجب، لكنني لست هنا لأكون مجرد قطعة شطرنج في حياتك. إما أن أكون شريكتك حقًا، أو نبقى غريبين إلى الأبد."

كانت كلماتها حادة، لكنها كانت صادقة. نظرتُ إليها طويلًا، محاولًا أن أجد الإجابة.

"أنا..." توقفت مرة أخرى، ثم تنفست بعمق. "أنا لست جيدًا في هذا، لارين. العلاقات، التعبير... كلها أشياء لست معتادًا عليها."

قالت بابتسامة خفيفة:

"وأنا لا أطلب منك أن تكون مثاليًا، أسغار. أنا أطلب فقط أن تكون صادقًا."

اقتربت منها ببطء، مترددًا كعادتي، لكن عينيها شجعتاني على المواصلة. مددت يدي ولمست كفها بلطف، كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بالارتياح لفعل شيء كهذا.

"أنتِ لستِ واجبًا، لارين،" قلت بصوت خافت لكنه كان يحمل كل صدق مشاعري. "أنتِ شيء أكبر من ذلك بكثير. ربما لم أكن أعرف في البداية، لكنني أدرك الآن أنني معجب بكِ أكثر مما أريد أن أعترف به."

نظرت إليّ بعينيها الواسعتين، ثم قالت بهدوء:

"لماذا الآن، أسغار؟"

نظرت إلى عيناها قليلا ثم قلت بشرود

"لأنني أدركت أنني أكره فكرة خسارتك."

لم تقل شيئًا، لكنها ابتسمت تلك الابتسامة الصغيرة التي تجعل العالم كله يبدو أهدأ. ثم قالت:

"ربما نحن لسنا غريبين كما نعتقد."

في تلك اللحظة، بدأت الحواجز التي بيننا تتهاوى، واحدة تلو الأخرى.

----------

مرت الأيام وأصبحنا معًا، لكن بطريقة غير تقليدية. لم يكن هناك رومانسية فورية أو تحولات مفاجئة، بل كانت خطوات صغيرة نحو بناء علاقة أعمق من مجرد كوننا زوجين بالاسم فقط. أحيانًا، كنت أتسائل إن كنا قد اخترنا بعضنا في هذا الزواج أم أن القدر هو من فرض علينا هذا التقارب.

كانت لارين، في كل مرة أتقرب منها، تظهر لي جانبًا جديدًا منها. لم تكن مجرد أميرة أو زوجة في قصرها الفاخر، بل كانت شخصًا مليئًا بالأفكار العميقة، والمشاعر التي لا تُظهرها إلا لمن يقترب منها حقًا. لم تعد ابتسامتها نصف الساخرّة بالنسبة لي، بل كانت تعني شيئًا آخر، شيئًا لا أستطيع فهمه إلا وأنا أراها أمامي.

---------

في أحد الأيام، وبعد فترة من الحديث الذي بدأ بيننا في مكتبي، قررت أن أظهر لها أكثر من مجرد كلمات مهذبة. أخذتها في نزهة قصيرة خارج القصر، إلى إحدى الحدائق الملكية الهادئة. كانت هذه هي المرة الأولى التي أخرج فيها معها دون أن أكون مشغولًا بالواجبات العسكرية أو التزامات السياسة.

"هل تحب هذه الأماكن؟" سألتها، وأنا أشير إلى الأزهار التي كانت تتفتح بألوانها الزاهية حولنا.

أجابتها بابتسامة رقيقة، قائلة:

"نعم، هنا كل شيء هادئ، مختلف عن صخب القصر. هذا يجعلني أشعر بأنني... بأنني أكثر حرية."

حرية. كانت هذه الكلمة غريبة بالنسبة لي. كجنرال، لم أكن أعرف الكثير عن الحرية الشخصية، فقد كنت مشغولًا بالقتال والحروب طيلة حياتي. لكن في ذلك المكان، برفقة لارين، كان كل شيء مختلفًا و أعجبني هذا بدأت احب قربها و فكرة الجلوس معها في مكان لا يوجد فيه أحد فقط انا و هي و إبتسامتها

---------

في ذلك اليوم، جلسنا تحت ظل شجرة كبيرة، وتبادلنا الحديث عن حياتنا قبل الزواج. أخبرتها عن الحروب التي خضتها، عن التضحيات التي قدمتها من أجل المملكة. كانت تستمع لي بصمت، لكنها كانت تطرح أسئلة عميقة تجعلني أرى نفسي من زاوية أخرى.

"هل تعلم؟" قالت بينما كانت تتأمل السماء الزرقاء. "لقد كنت دائمًا أشعر أن الجنرالات، خاصة مثلك، يحاربون ليس فقط من أجل بلادهم، ولكن أيضًا من أجل أن يثبتوا لأنفسهم شيئًا. هل أنتِ كذلك؟"

صمتت قليلاً قبل أن أجيب. كنت أعرف أن هناك شيئًا في كلماتها يجعلني أشعر أنني أمام مرآة، وأنها تراه أكثر مني.

"ربما كنتُ أحتاج إلى أن أُثبت شيئًا... لكني الآن أفهم أن هناك أشياء أخرى أكثر أهمية من المعارك." كانت هذه أول مرة أتحدث فيها عن ما أشعر به بعيدًا عن سياق الحرب.

نظرت إليّ لارين بحذر، ثم قالت بصوت هادئ:

"وهل تعتبرني واحدة من هذه الأشياء، أسغار؟"

صمتُ للحظة، ثم أجبت بصدق و انا انظر إلى عيناها :

"نعم، ربما."

ابتسمت ابتسامة بسيطة، ثم استدارت لتنظر إلي بشكل مباشر، قائلة:

"حسنًا، إذا كنت تعتبرني جزءًا من حياتك، فنحن على الطريق الصحيح، على الأقل. لكنني لن أكون مجرد ظل وراءك في هذه الحياة."

----------

عندما عدنا إلى القصر في نهاية اليوم، كانت هناك نظرة جديدة بيننا. لم تكن مجرد نظرة زوجين مرتبطين بعقد سياسي، بل كانت هناك بداية لشراكة حقيقية. شراكة لا تعتمد على الألقاب، بل على الفهم المتبادل والتقدير. بدأنا نرى بعضنا من خلال أعين بعضنا.

في تلك الليلة، بينما كنا نغلق الباب وراءنا ونجلس معًا في غرفة نومنا، كان هناك شعور بالارتياح. لم يكن علينا التظاهر بعد الآن. كنتُ أعرف أنها جزء مني الآن، تمامًا كما كنتُ جزءًا منها.

"أسغار، هل تعتقد أننا يمكننا أن نكون أكثر من مجرد زوجين بالاسم؟" قالت وهي ترفع رأسها نحوي.

قلت وأنا أنظر في عينيها، لا أحتاج إلى إجابة فورية:

"نعم، أعتقد ذلك. لكننا بحاجة إلى الوقت... إلى أن نكتشف ما بيننا."

ابتسمت، ثم اقتربت مني قليلاً، وسكنت كل المسافة التي كانت بيننا. وكأن الكلمات لم تعد مهمة، وكانت اللحظة كفيلة بأن تقول كل شيء.

وبينما كانت المسافة بيننا تتقلص أكثر وأكثر، أدركت أنني بدأت أخيرًا أعيش زواجي الحقيقي، لا كواجب، بل كفرصة لبناء شيء خاص بيننا.

مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon