زواج سياسي

زواج سياسي

الفصل الاول

لم يكن زواجنا سوى خطوة سياسية بحتة، تم ترتيبها بعناية بين والدها الملك ووالدتي. لم يكن لي رأي في الموضوع، ولم أحاول حتى الاعتراض. فالجنرال أسغار لا يعترض على قرارات المملكة.

اليوم الذي وقفت فيه أمامها لأول مرة كان يوم زفافنا. لم أنظر إليها طويلًا، كنت مشغولًا بالحفاظ على ملامحي الباردة التي تعلمتها جيدًا خلال سنوات من القيادة والحروب. كانت ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا لكنه فاخر، يعكس أناقة لا تحتاج إلى أي زينة إضافية. كانت جميلة، نعم، لكنني حاولت تجاهل هذا. لم يكن الوقت مناسبًا للاهتمام بمثل هذه التفاصيل.

أثناء تبادل عهود الزواج، رفعت رأسها لتنظر إلي بعينيها العسليتين الواسعتين. لم تقل شيئًا، لكن نظرتها حملت ثباتًا نادرًا، وكأنها تقول: "لن أكون مثل أي امرأة أخرى في حياتك." كانت كلماتها غير المنطوقة تردد صدى في أعماقي، تجعلني أبتلع أي اعتراض قد يكون في فمي.

ابتلعتُ كلماتي غير المنطوقة وأكملت العهد بصوت ثابت، رغم أن شيئًا غريبًا كان يضطرب في داخلي، شيئًا لم أكن قادرًا على تسميته بعد.

 

في تلك الليلة، كانت غرفتنا مضاءة بأضواء خافتة تعكس ظلالًا ناعمة على الجدران. جلستْ بهدوء على طرف السرير، تحركت ببطء، وكأنها تحاول استيعاب المكان الجديد وحياتي التي أصبحت جزءًا منها. لم ترفع عينيها عن الأرض، لكنها كانت تعرف أن كل شيء قد تغير الآن.

لم أقترب منها، بل وقفت بجانب النافذة، أراقب القصر من الأعلى. صوتها الخافت اخترق الصمت عندما قالت:

"أعلم أنك لا تريد هذا الزواج، ولا ألومك. لم يكن خيارًا لأي منا."

نظرت إليها بصمت. كان في صوتها صدق أعجبني. لم تكن تحاول الادعاء أو التصنع، فقط واجهت الواقع بصراحة نادرة. كانت أكثر حكمة مما كنت أتوقع، وأشد صلابة من أي امرأة عرفتُها.

أجبتها أخيرًا، بصوت بارد لكنه خالٍ من العدائية:

"الزواج ليس دائمًا عن الاختيار. إنه عن الواجب."

كانت كلماتي تقطر قسوة، لكن شيئًا ما في عيونها جعلني أشعر بأني أخفي شيئًا أعمق من مجرد واجب.

ابتسمت نصف ابتسامة، لكنها لم تكن ابتسامة فرح. رفعت عينيها لتنظر إلي وقالت:

"وأنت تأخذ الواجب بجدية، أليس كذلك؟"

لم أرد، بل عدت أنظر إلى النافذة. الحقيقة أنني لم أستطع إنكار الإعجاب الذي بدأ يتسلل إلى داخلي. لم تكن مجرد أميرة عادية تُلقي الأوامر وتتوقع الطاعة. كانت مختلفة... بنظرتها، بثباتها، بصوتها الذي لا يشبه أصوات النساء المعتادة. كان فيها شيء يدفعني للتفكير بعمق، رغم أنني حاولت مرارًا أن أبقي المسافة.

 

مرت الأيام، وكان زواجنا أشبه بمعاهدة سلام هشة. لم نتحدث كثيرًا، لكنها كانت دائمًا حاضرة بهدوئها الذي يثير أسئلتي الداخلية.

كلما كنت أراها، كنت أشعر بشيء غريب ينمو في داخلي. إعجاب لم أكن مستعدًا للاعتراف به، حتى لنفسي. كانت تملك القدرة على تهدئة قلقي، ولكنها كانت أيضًا تثيره. كانت تمثل تحديًا لم أكن أعرف كيف أواجهه.

لكنها، دون أن تدري، كانت تهدم جدراني بصمتها وصراحتها البسيطة. كنت أراقبها من بعيد، متظاهرًا بأنني لا أهتم، بينما في الحقيقة، كانت كل لحظة معها تكشف لي شيئًا جديدًا عن نفسي وعنها.

 

في إحدى الليالي، كنت أراقبها وهي تقرأ كتابًا بجانب النافذة. ضوء الشموع كان يلقي ظلالًا خفيفة على ملامحها، وشعرها البني كان ينسدل على كتفيها بطريقة طبيعية. لم تنتبه لنظراتي، لكنها همست فجأة دون أن ترفع رأسها:

"لماذا تراقبني؟"

شعرتُ بالحرج للحظة، لكنني سرعان ما أخفيته. أجبتها بصوت هادئ:

"لا أراقبك."

أغلقت الكتاب بهدوء، ورفعت عينيها إلي بابتسامة صغيرة، وكأنها تعرف الحقيقة لكنها قررت أن لا تضغط علي أكثر. قالت ببساطة:

"حسنًا، سأصدقك... الآن."

كانت تلك اللحظة الأولى التي أدركت فيها أنني لن أستطيع تجاهلها طويلًا.

 

مرت الأيام ببطء، وكان زواجنا يشبه رقصة باردة بين غريبين. كلانا نعرف مكان الآخر، لكن لا أحد يجرؤ على الاقتراب أكثر مما يجب. كنت أراقبها من بعيد، أحاول أن أتمسك بما تبقى من برودي، لكنها كانت كالماء؛ تسلل إلى كل زاوية في حياتي دون أن أشعر. كان هناك شيء عنيد في قلبها، شيء جعلني أفكر أنني ربما لم أكن الرجل الذي تخيلت أن تكون بجانبه، لكنها لم تبدُ كذلك.

كانت تصرفاتها دائمًا متزنة، لا تزيد ولا تنقص، لكن هذا التوازن كان يستفزني أحيانًا. كيف يمكنها أن تبدو بهذا الثبات بينما أنا بالكاد أتحكم في أفكاري عندما تكون قريبة؟ كانت تملأ المكان بهدوء، وتترك أثرًا في كل خطوة تخطوها.

 

في إحدى الليالي، خلال مأدبة أقيمت في القصر للاحتفال بمعاهدة جديدة مع إحدى الممالك المجاورة، بدت لارين وكأنها تسير في عالم آخر. كانت ترتدي فستانًا أحمر قاتمًا يعكس ملامحها المميزة، وشعرها البني مربوطًا بشكل بسيط لكنه أنيق.

لاحظتُ نظرات الحاضرين التي لم تتركها. غضب خفي بدأ يتصاعد في داخلي، لكنني أخفيته كالعادة. لم يكن من حقي أن أطالبها بأي شيء، لكنها... كانت لي. كان شعورًا غريبًا.

رأيتها تبتسم لأحد النبلاء الذين اقتربوا منها للحديث. كانت ابتسامة هادئة، لكنها جعلتني أرغب في سحق الكأس الذي كنت أمسكه. اقتربتُ منها أخيرًا، لم أعد أتحمل أن أراقبها من بعيد.

وقفتُ بجانبها ونظرت إلى النبيل نظرة واحدة كانت كافية ليعرف مكانه. ابتسم بخجل وانسحب بهدوء. التفتت إلي لارين، رفعت حاجبها بسخرية خفيفة وقالت:

"هل قررت أن تنضم إلى الحفل أخيرًا، جنرالي العزيز؟"

لم أرد على سخريتها، بل مددت يدي إليها وقلت بجدية:

"سوف نرقص."

بدا عليها الذهول للحظة، لكنها سرعان ما تمالكت نفسها وأخذت يدي. دخلنا إلى ساحة الرقص، وخلال ثوانٍ كنت أمسك بيدها وأضع الأخرى على خصرها. كان الهواء ثقيلًا بيننا، مثلما كانت خطواتنا.

"لم أكن أعلم أنك ترقص،" قالت وهي تنظر إلي بابتسامة صغيرة. كانت كلماتها محملة بالكثير من المعاني.

"هناك الكثير مما لا تعرفينه عني، لارين." كانت الكلمات تحمل أكثر مما قلت، وكأنها رسالة مخفية.

خلال الرقص، شعرتُ بقربها بشكل لم أعتده. كانت كل خطوة، كل لمسة، تشعل شيئًا بداخلي حاولت طويلاً دفنه. لكنها لم تبدُ خائفة، بل كانت تنظر إلي وكأنها تتحداني أن أهرب.

بعد الحفل، عدنا إلى جناحنا. كانت تسير أمامي بهدوء، لكنها توقفت فجأة عند الباب واستدارت لتواجهني. كانت هناك نظرة غريبة في عينيها، مزيج من الفضول والقلق، وكأنها تتساءل عن شيء لم تجرؤ على قوله بعد.

"لماذا فعلت ذلك؟" سألت، صوتها لم يكن غاضبًا، لكنه كان يتوقع إجابة. كانت الكلمات تتدفق بيننا كتيار هادئ، لكنها كانت تمثل شيئًا أكبر مما يبدو.

"فعلت ماذا؟" سألت ببرود متعمد، وكأنني لا أريد أن أواجه ما حدث. لكنني كنت أعلم في داخلي أن شيئًا ما قد تغير بيننا.

"الرقص، التدخل... تصرفك وكأنك..." توقفت، وكأنها تخشى أن تكمل الجملة. كانت نظراتها لا تترك لي مجالًا للهرب، كانت تبحث عن شيء في عيني، كما لو أنها ترغب في أن أقدم لها تفسيرًا لما حدث، وليس فقط رد فعل.

اقتربتُ منها ببطء، كنت قريبًا بما يكفي لرؤية الارتباك في عينيها، وهو شيء لم أكن أتوقع أن أراه فيها. قلت بهدوء، لكن بنبرة حاسمة:

"لأنك لي، لارين. سواء كان زواجنا لأسباب سياسية أم لا، أنتِ زوجتي. ولن أسمح لأي شخص أن ينظر إليكِ بالطريقة التي فعلها ذلك النبيل." كانت هذه الكلمات تخرج مني بصدق لم أكن أعلم أنه لا يزال يسكنني.

ارتعشت يداها للحظة، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها وقالت:

"وأنا؟ ماذا عني؟" كانت الكلمات كالتيار الكهربائي، صدمتني للحظة. كيف يمكنها أن تسأل هذا السؤال؟ هل كانت تبحث عن شيء أكثر من مجرد واجب؟ هل كانت ترى في هذا الزواج شيئًا آخر؟

نظرتُ إليها بجدية أكبر، لم أستطع التراجع الآن. كانت هذه اللحظة، وكانت هي اللحظة التي كنت أخشاها. "أنتِ ماذا، لارين؟"

همست، وكأنها تخشى سماع نفسها:

"هل أنا مجرد واجب آخر في حياتك؟"

الصمت الذي تبع كلماتها كان ثقيلًا، وكأن الهواء أصبح أكثر كثافة. كنت أعلم أنها تستحق إجابة، لكنني كنت أخشى أن تكون الإجابة التي أخاف منها هي الحقيقية.

تنفست بعمق وقلت:

"أنتِ كل شيء، لكنني لا أعرف كيف أعترف بذلك." كانت هذه الحقيقة التي كنت أخشى أن أواجهها. كانت هي كل شيء، ولكنني لا أستطيع أن أقولها بسهولة، ولا أستطيع أن أكون vulnerable أمامها.

نظرت إلي بدهشة، وكأنها لم تكن تتوقع هذا النوع من الصراحة. لكنها لم تبتسم هذه المرة. قالت بهدوء:

"عندما تعرف، أسغار، تعال وأخبرني."

ثم دخلت الغرفة وأغلقت الباب برفق خلفها، تاركة إياي وحدي مع أفكاري. كان هناك شيء في كلماتها، في طريقة رحيلها، جعلني أشعر بشيء غريب في صدري. كان لدي شعور بأنها على وشك أن تفاجئني بشيء أكبر، ربما بشجاعة أعتقد أنها لن تملكها، ولكن في نفس الوقت، كان لدي يقين أن هذه البداية فقط.

الجديد

Comments

انيـن الـشوق 💔

انيـن الـشوق 💔

جميلة جداا

2024-12-14

4

الكل
مختارات

تنزيل على الفور

novel.download.tips
تنزيل على الفور

novel.bonus

novel.bonus.content

novel.bonus.receive
NovelToon
فتح الباب إلى عالم آخر
لمزيد من التشغيل واللعب ، يرجى تنزيل تطبيق MangaToon